صفحات سوريةوهيب أيوب

أفواه ومدافِع

 


وهيب أيوب

“أي مسول إنكليزي، مثلاُ، عندما يختلف في الرأي مع أيّ كان في محاضرة أو مناقشة في بلده، يأتي بحجة من شكسبير لإقناع مُستمعيه.

والمسؤول الإيطالي يأتي بحجة من دانتي.

والمسؤول الفرنسي يأتي بحجة من فولتير.

والمسؤول الألماني يأتي بحجة من نيتشه.

أما أي مسؤول عربي، فلو اختُلِف معه حول عنوان قصيدة، لأتاكَ بدبابة، فتفضّل وناقشها…!”.

محمد الماغوط

يريد النظام الدموي الفاشي في سوريا اليوم أن يُجري حواراً، بعد أن مهّد لهذا الحوار الديموقراطي الحرّ، بأكثر من ألف شهيد وآلاف الجرحى وأكثر من أحد عشر ألف معتقل، ومئات المفقودين وآلاف المُهجرّين، باتجاه تركيا ولبنان والأردن، وتخريب البيوت ونهبها والاعتداء على النساء والأطفال وتقتيلهم في الشوارع دون أي رحمة، ثم تخريب كل ما طالت يده الآثمة المُجرِمة، في ظل حصار بعض المدن السوريّة بالمدافع والدبابات، وانتشار القنّاصة والشبّيحة وأجهزة الأمن، وهي أقرب إلى عصابات مُجرِمة ومافيا، منها إلى أجهزة تتبع لدولة أو وطن..!

 

إذاً، ما يريده النظام اليوم هو حلّ أزمته التي يتخبّط بها فحسب، وليس حلاً وطنياً، أو حواراً كما يتشدّق ويكذِب كعادته، وهو أصلاً غير قادر على ذلك بعدما ارتكبه من جرائم، ويفعل ذلك بعد فشله بإسكات الأفواه بالمدافع، وبعد التحدّي البطولي الذي أظهره السوريّون بصدورهم العارية وأفواههم المُطالِبة بسقوط النظام، رغم كل القمع والوحشية، التي فاقت كل تصوّر، لإغلاق أفواه هؤلاء، حتى ولو بالمدافع والدبابات والرشاشات، ثمّ تزايد الضغوطات الدولية عليه، بعد أن فاحت رائحته النتِنة ودمويته المُقزّزة في كل أرجاء العالم، وأظهر إسرائيل للعالم بأنها أكثر رحمة على أعدائها مِما هو على شعبه.

فتخيّلوا أيّ حوار سيكون، مع عصابة من السفّاحين الحثالة، المُدجّجين بالسلاح والممتلئين حقداً وكراهية على شعبهم، لمجرّد أن هذا الشعب طالب باسترداد كرامته وحريّته بطريقة سلمية، لكن النظام يصرّ على أنّهم مندسّون وعملاء للخارج وسلفيون إرهابيّون، فمع مَن إذاً سيكون الحوار؟

لقد سقط النظام التونسي والمصري، وها هُم أركان النظام في مصر بما فيهم مبارك يحاكمون، وما زالت فلولهم والثورة المضادة من أتباعهم يحاولون استرداد بعض السلطة أو الانقلاب على الثورة. فما بالكم بنظامٍ كالنظام السوري يعتبر نفسه حتى الآن أنّه قائد الدولة والمجتمع، وأن كل ما فعله تقتيلاً واعتقالاً وتهجيراً للشعب السوري، ما هو إلا انتصارٌ على الجماعات الإرهابية المسلّحة، وهزيمة للمؤامرة الخارجية التي يزعمها.

إن أي حوار مع النظام في هذه المرحلة، هو مُجرّد إيهام للعالم والرأي العالمي، أنّه يسعى لحلول وإصلاحات، وهو أصلاً حتى اللحظة لا يعترف بمعارضة أو بأي قوى وطنية سوريّة، سواء في الداخل أو الخارج. فهو يريد انتقاء بعض الشخصيات والوجاهات التي تبرّر وتحلّل كل ما اقترفه في المرحلة السابقة، حتى يمتص الضغوطات الدولية التي تتزايد عليه. وهو يعلم بأن من سيقابلهم لا يمثّلون الشهداء والجرحى الذين سقطوا ولا المشرّدين ولا المعتقلين ولا الذين ما زالوا يطوفون الشوارع رغم كل البطش والنار الذي يواجهونه، مطالبين بإسقاطه.

وعليه، ينبغي على كل معارض شريف ألا ينزلق لتلك اللعبة الخديعة المعروفة النتائج، فمن ذا الذي يفاوض، والمسدس في رأسه؟

مَن يحاور مع نظام لا يعترِف إلا بنفسه…؟

ويستمر باعتقال كل من يعترِض على جرائمه ووحشيته، حتى أنّ شاعرا من بانياسً يبلغ الـ 75 من العمر، اعتُقِل بسبب إلقائه قصيدة في إحدى التجمّعات. إذاً، السجن أو الرصاص مقابل الكلمة، فتعالوا نتحاور..!!

ما زال النظام حتى اللحظة غير مقتنع بأنّه سقط سياسيّاً وفقد شرعيّته بعد أن كشف القناع عن وجهه الحقيقي تجاه نظرته لشعبه واحتقاره لهم ومعاملتهم على هذا النحو الهمجي الوحشي. فالنظام السوري، يريد إقناع المجتمع الدولي ومخاطبته بالكلام، وإسكات أفواه السوريين بمخاطبتهم بالمدافع! وعندما فشل الكلام في الإقناع، وهُزِمت المدافع أمام الأفواه، لجأ اليوم إلى تنفيذ تهديدات رامي مخلوف، بأن دفع أعداداً من الشباب الفلسطيني ليقتحموا شريط وقف إطلاق النار بمحاذاة مجدل شمس في الجولان المحتل ودخولهم القرية، حيث استشهد العديد منهم أثناء العبور برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي، ساعياً إلى إزاحة الأنظار عمّا يرتكبه من جرائم في الداخل السوري.

والتساؤل الذي يطرح نفسه، لماذا لم يُرسِل النظام أحداً من الـ 500 ألف “نازح” كما تسمّيهم السلطات السورية، أي المُهجّرين، هؤلاء الذين هُجّروا من أراضيهم أثناء احتلال إسرائيل للجولان عام 67؟ ولماذا يدفع بفلسطينيين إلى أرضِ سوريّة محتلّة، وليس بسوريين إلى أرضهم التي طُرِدوا منها؟ فهل قدر هذا النظام المتاجرة دائماً، تارة بدماء اللبنانيين وأخرى الفلسطينيين؟! ربما عند “فطاحل” النظام مِن أمثال خالد عبّود وطالب إبراهيم ومَن لفّ لفّهم من تلك الأفواه الكاذِبة الفاجِرة، الخبر اليقين!

الجولان السوري المحتل / مجدل شمس

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى