صفحات سوريةغياث نعيسة

ألف باء الثورة الشعبية السورية، عن الاسلحة الكيماوية والتدخل الامبريالي

    غياث نعيسة

    عن الاسلحة الكيماوية والتدخل الامبريالي

    أعلن الحلف الأطلسي يوم 4 ك1/ديسمبر عن موافقته على طلب الحكومة التركية بنشر صواريخ باتريوت على الجانب التركي من الحدود التركية – السورية . أعقب ذلك تصريح رسمي بتعهد الحكومة الهولندية إرسال بطاريتين من هذه الصواريخ، وتبعها في موقفها كلا من الحكومتين الالمانية والامريكية ، ليكون مجموع البطاريات ستة، مهمتها تغطية حدود تتجاوز بطولها 800 كم وبعمق من الجهة التركية نحو 60 كم. لكن تصريحات بعض الخبراء العسكريين تقدر بان عدد البطاريات المطلوبة من صواريخ باتريوت لتغطية هذه المساحة هو 15 بطارية، لذلك يبدو هذا الاعلان بنشرها اقرب الى كونه اجراء ردعي واعلامي من كونه اجراء هجومي فعلا.

    وفي الوقت نفسه، نشرت وسائل الاعلام ،وخاصة الروسية منها ، اخبارا تؤكد استلام النظام السوري لصواريخ اسكندر الروسية وهي صواريخ شبيهة بالباتريوت الامريكية وتتميز عنها بقدراتها الهجومية ، كما نشرت انباءا عن وصول ثلاثة بوارج روسية الى ميناء طرطوس غداة اعلان الحلف الاطلسي عن موافقته على نشر صواريخ باتريوت في الجانب التركي من الحدود.

    تربك هذه المناورات للقوى العظمى الامبريالية (الامريكية والروسية…) بسهولة غريبة قسم من اليسار، وحتى بعض اليسار الجذري، الذي ما يزال يعبر ، ومنذ نحو عامين من الثورة السورية، عن هاجس تخوفه من حصول تدخل امبريالي (غربي طبعا) في سوريا: مرة بحجة ان جزء من المعارضة السورية المستقرة في تركيا، والمعني هو المجلس الوطني السوري، كان يطالب بمنطقة حظر الطيران، ومن ثم طالب بمناطق أمنة، ومؤخرا بحجة تخوفه من “توسع عدد الجهاديين” ، والأن يجد هذا اليسار حجته في نشر صواريخ باتريوت وتحذيرات الادارة الامريكية للنظام من استخدام الاسلحة الكيماوية ضد السكان، التي جاءت في تصريحات هيلاري كلينتون في 5 ك1/ديسمبر وتصريح اوباما في نفس الخصوص بعدها بيومين.

    لا يصغي هذا اليسار المرتبك، ومنذ قرابة عامين من عمر الثورة السورية، الا الى وقع صدى خطى زحف الجيوش الامبريالية الغربية.

    والحال، فان النظام الدموي الحاكم في دمشق هو من أوائل من تحدث عن الاسلحة الكيماوية لديه ، في تصريح للناطق باسم الخارجية السورية بتاريخ 24 تموز/يوليو 2012 الذي هدد باستخدام النظام لها في مواجهة أي ” تدخل عسكري أجنبي”. في حين أنه لم تقدم هذه القوى الغربية أي دعم عسكري للمقاومة الشعبية المسلحة بالرغم من تصريحاتها القاسية تجاه نظام الاسد. ولم يتوقف النظام الحاكم عن مجزرته بحق الشعب الثائر مستخدما الاسلحة الروسية والايرانية ( من براميل ت ن ت والمدفعية الثقيلة والصواريخ والطيران الحربي بكل انواعه والقنابل الفوسفورية والعنقودية والدبابات) ، مسببا قتل اكثر من 50 الف قتيلا وعشرات الالاف من الجرحى و عدد هائل من الاحياء والبلدات والقرى قد تم تدميرها ومسحها تماما، ونحو ثلاثة ملايين نازح ولاجئ. ولكن لم تنسى الحكومة السورية من التصريح بانها تؤمن تماما هذه الأسلحة “ان وجدت” برسالة مطمئنة موجهة الى كل من الولايات المتحدة واسرائيل.

    لقد استوعب الشعب السوري ومنذ اشهر طويلة درسا أساسيا هو انه لا يمكنه الاعتماد فعلا سوى على قواه الذاتية في كفاحه من اجل اسقاط النظام المتوحش، كما ان الوعي الشعبي هزأ بدوره من هذه التحذيرات الغربية للنظام بعدم استخدام الاسلحة الكيماوية ، وفسرها انها تعني ” ان هذه القوى الغربية تسمح للأسد باستخدام كل انواع الاسلحة ضد شعبه باستثناء السلاح الكيماوي” ، وحقيقة انه لا توجد اية قوة كبرى او فوة اقليمية (تركيا وايران والسعودية وقطر) ترغب حقا بانتصار الثورة الشعبية. لأن هكذا انتصار سيكون له قوة المثال والقدوة لكل شعوب المنطقة، و لا سيما في الممالك النفطية.

    بعيدا عن هذا الصخب الاعلامي، تتابع الولايات المتحدة وروسيا مفاوضاتهما منذ توقيعهما على تفاهم جنيف في 30 حزيران/يونيه من هذا العام يتضمن بنود خطة توفر “انتقال منظم ” في سوريا، مع محاولة كل طرف منهما توفير افضل الشروط الملائمة لمصالحه الخاصة والعمل على تجنب اندلاع حريق يشمل المنطقة. في هذا السياق يمكن فهم اعلان الادارة الامريكية عن وضع “جبهة النصرة” ، وهي مجموعة صغيرة من الجهاديين، على قائمة المنظمات الارهابية .

    من جهة، تقف روسيا مع طغمة أل الاسد وتعارض اي تدخل عسكري غربي او تركي، وهنا نشير الى اعتدال رد الفعل التركي- مقارنة بالتصريحات النارية لحكامها- على عمليات القصف المتفرقة التي تصيب اراضيها من الجهة السورية. ومن جهة اخرى، لا توجد قرائن على مصلحة للأمريكيين بالتدخل في الشروط الراهنة، فالكلفة والعواقب ستكون باهظة جدا لهم، ومضرة لمصالحهم، وخصوصا أن النظام السوري يقوم بما هم يرغبون بالقيام به ، ما يعني تدمير البنى التحتية للبلاد واضعاف طاقاتها العسكرية.

    وكائنا ما كانت طبيعة النظام القادم بعد سقوط الاسد، فان المهمة الملقاة على عاتقه ستكون هائلة، وهي اعادة تعمير بلاد دمرت بوحشية دون تدخل عسكري خارجي بل على ايدي دكتاتورية بربرية.

    واستكمالا لمفاوضات القوى الكبرى حول سوريا، التقى وزير الخارجية الروسي لافروف بنظيرته الامريكية هيلاري كلينتون بمشاركة الاخضر ابراهيمي مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية لسوريا في دبلن في السادس من هذا الشهر من اجل البحث عن “مخرج سياسي” ل”الأزمة السورية” ، وتابعت هذه الاطراف مفاوضاتها في جنيف في التاسع من الشهر الحالي . ما رشح اعلاميا عن لقاءاتها يشير الى اقترابها من التوصل الى تفاهم يستند على اعلان جنيف السابق الذكر.

    الثورة في سوريا هي ثورة شعبية، فالقوى الاجتماعية المحركة لها هي شرائح العمال(خمسة مليون) والمأجورين والمستغلين وفقراء الفلاحين. وهذا الأمر يتضح من رصد المناطق الثورية ، فهي الاحياء والمدن العمالية والشعبية التي ثارت أولا وتابعت ثورتها حتى اليوم. وهي نفس المناطق التي تعرضت الى اقسى انواع الدمار و الهمجية من قبل جيش النظام الدكتاتوري وقواته الامنية وميليشياته.

    وتتميز الثورة الشعبية السورية عن شقيقاتها من الثورات العربية الاخرى بميزتين اساسيتين، هما : ان الطبقات المستغلة والثائرة السورية شكلت هيئات تنظيمها الذاتي المتمثل بالتنسيقيات، وشكلت ايضا أنوية هيئات الادارة الذاتية من خلال بناء المجالس المحلية من الأسفل.

    لم تكن المقاومة الشعبية المسلحة سوى النتيجة الطبيعية للبشاعة المنقطعة النظير التي مارسها النظام ضد الجماهير التي تظاهرت سلميا، وهي مقاومة شعبية لأنها تمثل قطاع من الجماهير الشعبية، بتفاوت وعيها السياسي، حملت السلاح. بينما تبقى المجموعات الجهادية هامشية (نحو ثلاثة مجموعات تضم حوالي 4 الاف مقاتل) وتتلقى دعما من السعودية وقطر. في حين تضم المقاومة الشعبية المسلحة (الجيش السوري الحر …) نحو 70 الف مقاتل. ولم تقم هذه المقاومة المسلحة على حساب الحراك الشعبي السلمي، فما تزال تهدر في شوارع المدن السورية كل يوم وايام الجمع مئات المظاهرات، وجرى اضراب عام للمرة الثالثة في اليومين الاولين من شهر ك1/ديسمبر الجاري.

    ما يجري في سوريا هو ثورة شعبية، ومخطئ تما ما من يتحدث عن “حرب أهلية” ، بالمعنى الذي يحيل الى ما حصل في لبنان او العراق وامثالهما، أو بلقنة للوضع فيها.

    و على الرغم من استهداف مقصود من قوى الأمن الحكومية لمناضلي اليسار والمناضلين الديمقراطيين الثوريين عبر قتلهم او القائهم في السجون او اجبارهم على الرحيل الى المنافي، لكن هذه القوى الديمقراطية واليسارية ما تزال حاضرة وناشطة في الثورة، و الظهور الملحوظ للإسلاميين يبقى محدودا رغم المبالغة الاعلامية له. فلا توجد قوة سياسية واحدة بإمكانها ادعاء قيادة الثورة و لا اي واحدة منها تملك دورا مهيمنا فيها.

    ان ما يقوم فيه بعض اليسار العربي والعالمي من العويل خوفا من وهم مزري يعتقد بخرافة خطف للثورة الشعبية تم على ايدي اطراف الثورة المضادة ، او الزعيق و التلويح بوشوك حصول تدخل عسكري امبريالي، ما يزال افتراضيا، انما هدفه ان يبرر بهما هذا اليسار التائه تقاعسه او دعمه لدكتاتورية بورجوازية دموية ، وهو بفعله هذا انما يضيف الى عماه السياسي وضاعة اخلاقية .

    من واجب اليسار الجذري العالمي، وان تأخر نوعا ما في ذلك، القيام بالدعم العملي لهذه السيرورة الثورية الشعبية الأصيلة.

    غياث نعيسة

    10/12/2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى