صفحات العالم

أليست هذه هي الحرب الأهلية؟!


صالح القلاب

ليست هيلاري كلينتون وحدها التي ترى أن الحرب الأهلية في سورية غدت “ممكنة”، فقد قالت تركيا أكثر منه، ويقوله ويقولون أكثر منه الفرنسيون والبريطانيون، وحقيقة إن نظام بشار الأسد قد دأب ومنذ البدايات على دفع الأمور دفعاً للوصول إلى هذه النتيجة، ومعادلته التي غدت معروفة وواضحة لا تحتاج إلى المزيد من البراهين والمزيد من الأدلة، هي: “إما أنا وإلا بعدي الطوفان”!

عندما يواجه نظام بشار الأسد مبادرة الجامعة العربية بالإمعان في القتل والتسويف والتلاعب ليعطي قواته المزيد من الوقت لمواصلة ذبح الشعب السوري بقسوة لا مثيل لها فإن هذا يعني, إلا لمن يضع يديه فوق عينيه حتى لا يرى الحقائق، ويضع شاهديه في أذنيه حتى لا يسمع صراخ الأطفال والنساء, دفع الأمور نحو الحرب الأهلية ودفع سورية نحو التمزق والانقسام والسعي سعياً حثيثاً إلى إقامة دويلات الطوائف التي حاول المستعمرون الفرنسيون إقامتها ذات يوم، ولاتزال هدفاً للدولة الإسرائيلية.

كيف لا ينشق عن الفرق العسكرية ذات اللون الطائفي الضباط والجنود الذين أوجعت ضمائرهم المذابح التي تستهدف أطفالهم وأهلهم ونساءهم وأمهاتهم؟ وكيف لا يلجأ هؤلاء إلى حمل السلاح وهم يرون فرق “الشبيحة” ذات اللون الطائفي الواضح تجتاح حمص وحماة وإدلب ودير الزور، وتنتهك الحرمات وتقتل الأطفال؟ ألم يقل الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب ذات يوم في “وترياته”: “أولاد القحبة… هل تسكت مغتصبة”؟!

وحقيقة إن الحرب الأهلية في سورية كانت قد اندلعت عندما لجأ مدير استخبارات درعا, وهو أحد أقارب الرئيس, إلى خلع أظافر أكثر من عشرة أطفال صغار، لأنهم، تأثراً بما كان في مصر وفي تونس، لجأوا إلى كتابة خربشات على جدران منازل أهلهم، وعندما واجه هذا المسؤول ذوي هؤلاء الأطفال بكلام بذيء عندما جاؤوه للمطالبة بإطلاق سراح أطفالهم.

“الدم يغلب السيف”، وهذا ما بقي الشعب السوري, البطل فعلاً والمناضل حقاً, يفعله على مدى شهور هذه الانتفاضة الباسلة, ويقيناً ان الذي أرادها حرباً أهلية وحرباً مذهبية وطائفية منذ اللحظة الأولى هو الذي رفع السيف وتسبب في كل شلالات الدم هذه، والواضح أنه ومنذ البداية كان هناك إصرار على معادلة: “إما أنا وإلا بعدي الطوفان”، وأن هذا النظام بمماطلته وألاعيبه, التي لا تشبهها إلا ألاعيب علي عبدالله صالح, يصر إصراراً عجيباً على دفع سورية دفعاً نحو الحرب الأهلية والانقسام والتمزق، لأنه بات يرى أن زواله غدا أمراً مؤكداً، وأن نهايته غدت مسألة محسومة.

ولهذا وسواء بقيت الجامعة العربية تعطي بشار الأسد الفرصة بعد الفرصة ليغير المعادلة على الأرض، أم أنها ستواصل طريق الحسم الذي بدأته بتعليق عضوية سورية فيها، فإن الحرب الأهلية التي اختارها هذا النظام منذ اللحظة الأولى ستتخذ هيئة الصراع المسلح الواسع النطاق، فالانشقاقات في صفوف الجيش السوري ستتواصل وستتخذ طابعاً غير فردي في الأيام القليلة المقبلة، وكل هذا سيترافق مع تحول “الجيش الحر” إلى قوة عسكرية حقيقية، وبهذا فإن المسؤول عن كل ما يجري وسيجري هو النظام الذي اتجه إلى العنف والقوة منذ اللحظة الأولى.

الجريدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى