أكرم البنيصفحات سورية

أميركا بين ساندي وسوريا!


أكرم البني

لم يكن أوباما يمثل ولم تكن الدموع التي ذرفها على ضحايا الإعصار ساندي كاذبة، فالرجل يتعاطف إنسانيا وبلا شك مع الأرواح التي حصدتها الأمواج والعواصف بصفتهم بشرا حرمهم جنون الطبيعة من حقهم في الحياة، وكمواطنين أميركيين ينتمي لهم وهو مسؤول ومعني بمصائرهم، والأوضح بصفتهم اليوم جزءا من كتلة انتخابية يهمه كسب أصواتها في معركة تجديد ولايته.

والمفارقة، فإن الهدف السياسي من وراء الاهتمام الكبير للنخبة السياسية الأميركية بالإعصار ساندي وإظهار ما سبقه من استعدادات للحد من تأثيره وأضراره، هو الهدف ذاته الذي جعلهم يتهربون من المسؤولية الأخلاقية والإنسانية تجاه ما يحل بالمدنيين السوريين، والرهان على السلبية في كسب أصوات الناخبين وضمان عبور آمن إلى البيت الأبيض دون التباسات قد تجرها سياسة نشطة وتصعيديه في الشرق الأوسط.

هي المصالح السياسية تطل برأسها وتطغى على القيم الأخلاقية والمبادئ، ولعل الزعماء الأميركيين لا تهمهم حقيقة أن عدد قتلاهم من الإعصار ساندي لا يصل إلى ما يحصده الفتك والتنكيل في سوريا بيوم واحد، وأن منظر مناطقهم المتضررة من هيجان الطبيعة لا يقارب صور المناطق والأحياء المدمرة في بلادنا، فالمهم عندهم اليوم هو مغازلة مزاج الأميركيين الذي لا يميلون إلى تورط خارجي أينما كان ولأي سبب كان، وهؤلاء وقد ذاقوا مرارة الثمار في العراق وأفغانستان وطالبوا بإنهاء الحروب وسحب جنودهم من ميادين القتال، هم الآن ومع تفاقم مشكلاتهم الاجتماعية أكثر استعدادا للانكماش والانزواء والتخلي عن دور بلدهم في أحداث إنسانية لا تمسهم مباشرة، ويعتقدون بأنهم سيدفعون ثمن ذلك من شروط حياتهم وعافية اقتصادهم.

قالوا: إن خسائر الإعصار ساندي تقارب وربما تزيد عما تكبدته الولايات المتحدة جراء أحداث سبتمبر (أيلول) 2001 والاستدراك، هو الدرس وإدراك واشنطن بأن أحد أسباب تلك الأحداث هي رعاية أنظمة الاستبداد وإهمال حقوق الإنسان العربي، والاستنتاج، بأن دعم التحول الديمقراطي هو أحد أهم العوامل المساعدة على سحب البساط من تحت أقدام قوى التطرف، وأن تنمية المنطقة اقتصاديا وتعليميا ودعم الحريات السياسية وحقوق الإنسان فيها يخفف إلى حد كبير من عداء المجتمعات العربية لأميركا ونمو ردود فعل حادة وعنيفة ضدها.

والحال، على الزعماء الأميركيين أن يصغوا جيدا إلى عبارات التشفي والشماتة مع قدوم الإعصار ساندي، عبارات خاطئة ومرفوضة، لكنها انتشرت في أوساط الشارع العربي وأوضحها أن الطبيعة ثأرت للسوريين من مواقف واشنطن المخزية ومن استرخاصها دماءهم واستهتارها بما يحل بهم من خراب ودمار. وعليهم أن يدركوا تاليا بأن سلبيتهم كدولة عظمى تجاه ما يحصل وإطالة زمن المأساة سيكون مكلفا ليس فقط للشعب السوري وإنما لاحقا للشعب الأميركي عندما ينمو التطرف جراء الشعور بالغبن والظلم ويطرق مجددا أبواب الغرب وأميركا انتقاما، والمعنى أن على واشنطن تجنب الوقوع في الفخ مرة أخرى وعليها معرفة أن ثمن ترددها في دعم التحول الديمقراطي العربي قد يكون أكبر بكثير من مضيها قدما في درب التغيير، فالتردد والتلويح بمقايضتها دعم الحراك الشعبي بمحاربة الإرهاب وبحسابات التكلفة سوف يعزز الطعن بصدقية ادعاءاتها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ويقوي معسكر القوى المعادية للتغيير، بما في ذلك الثقافات والتقاليد الرافضة للحرية والديمقراطية، لنقف في نهاية المطاف أمام هوة واسعة سوف تفصل الشعوب العربية عن الحضارة العالمية، بما قد يؤلبها ضد كل ما هو أممي وأميركي على غرار ما أفرزته تداعيات احتلال العراق.

يبدو عتب السوريين الكبير على المجتمع الدولي وعلى الإدارة الأميركية المؤثرة في قرارات مؤسساته الأممية والتي تبدو كأنها تخلت عن واجبها الإنساني، ويبدو سؤالهم الكبير عن المعنى في أننا نعيش اليوم في قرية صغيرة، وعن الجدوى في القول بأن حقوق الإنسان وقيم الحرية والعدالة هي معايير عالمية لا يجوز لأحد أن يتخطاها؟! يصيب من يذهب للتذكير بالاجتهاد الأميركي في دعم الربيع العربي ورياح التغيير، وعن المصلحة من وراء ذلك في ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، السلطات والأنظمة الاستبدادية التي لا تزال تعيق وتجهض أي تنمية وتطوير سياسيين يساعدان واشنطن في مد هيمنتها ونموذجها الليبرالي، وأيضا تنظيم القاعدة وأشقاؤه من الجماعات الجهادية السنية، ثم الجهادية في أوساط الشيعة وكلاهما يستمدان من أجواء التخلف والاستبداد أسباب الحضور والاستمرار، وربما يصيب أيضا من يذهب إلى القول بأن ليس ثمة تحول نوعي في الحدث السوري ما لم تتخذ أميركا موقفا حاسما، بالاستناد إلى تجارب مقاربة وإلى ما تملكه الولايات المتحدة من قوة نافذة، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، تضعها في موقع اللاعب الأول وغالبا المقرر لمصير الكثير من الصراعات الوطنية والأزمات الإقليمية.

خلال الشهور المنصرمة شكلت الانتخابات الرئاسية الأميركية ذريعة لتهرب المجتمع الدولي من الاستحقاق السوري، واليوم، تسقط هذه الذريعة ويقف العالم وجها لوجه أمام تحد إنساني في وقف العنف المفرط وحماية المدنيين، فهل سيقف الرئيس الأميركي المنتخب أمام مسؤوليته الأخلاقية كزعيم لدولة عظمى وقائدة للعالم تجاه ما يحصل في سوريا، أم سيعاد التركيز على حجج أخرى، كالتذرع بتفكك العمل المعارض وتشتت رؤيته السياسية، أو الخشية من بديل قادم يهدد حقوق الأقليات، بما في ذلك المبالغة بخطر تسلل جماعات «القاعدة» إلى بلاد الشام وسعيها لقطف ثمار الحراك الشعبي.

هو الإعصار ساندي كان مالئ الدنيا وشاغل الناس لأيام خلت، هو صراع الإنسان مع الطبيعة الذي لا مفر من خوضه وإن شابته عيوب في الاستعداد والإغاثة والإنقاذ، وهي الكوارث الطبيعية تتابع باهتمام علمي مسبق للحد من آثارها السلبية، لكن أين نحن من الكوارث البشرية التي يصنعها عنف الإنسان ضد أخيه الإنسان!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى