صفحات المستقبل

أناقة الأشباح/ روجيه عوطة

 

 

تشترك المرثيات المكتوبة عن مصطفى بدرالدين مع تلك المدبجة عن عماد مغنية في التنبيه إلى أن الشخصين كانا يهتمان بحسن هندامهما، ووسامة طلتهما. فمع أنهما كانا من قادة الأمن وعقولها في حزب الله، غير أن حالهما هذه، التي تقوم بالإنشغال المتواصل عن الذات، والتيقظ اللازم لغيرها وحولها، لم تجعلهما يغفلان عن قسامة محياهما العسكري والمدني على حد سواء.

لم ينشر إعلام حزب الله الحربي صوراً لمغنية وبدر الدين قبل مصرعهما، بل حافظ على خفائهما، وفي إثر فعله هذا، صارا، وأسوةً بباقي مقاتلي حزبهما، من الأشباح، لكنه، ومع مقتلهما، وكل واحد منهما في وقته، نشر صوراً لهما، عاطفاً إياها على إعتنائهما بأناقتهما. بالتالي، كانا شبحين لا علن لهما، وعلى الرغم من ذلك، واظبا على الإكتراث لمظهرهما، كما لو أن كواليس السر، التي عاشا فيها، هي بمثابة خشبات بيانهما. فعبر مبالاتهما بالأناقة، يتخلصان من لامرئيتهما، حصلا على قدٍّ وجسم، أي، وبعبارة أخرى، انتهيا من شبحيتهما. إذ أن الأشباح لما تعتني بأناقتها، تموت في سبيل الهيئة أو المظهر، وهذا ما يقربها من مستحيلها، من وقوعها على صورٍ، لطالما أدتها بلا أن تكون قد حظيت بها بعد.

عندما يمارس الشبحان الإعتناء بشكلهما، عبر الملبس وغيره، ينصرفان من شبحيتهما إلى جسديتهما، ويفتحان طريقهما إلى صورهما. وعلى هذا النحو، تضحى أناقتهما أول مصرعهما، أو “استشهادهما”، بحسب قاموس حزبهما الديني. فأن يتهندم الشبح، هذا يعني أنه ينتحر لمقابلة ملمحه وزيه، وللتخفيف من وطأة تواريه عن أنظاره. وبذلك، هو لا تمثله صورته، بل يقيم في بطانتها، في دخيلتها، إلى أن يقضي نحبه، ويطفو بجسده على سطحها. في إثر مقتلهما، انتقل شبحا حزب الله من الهيئة التي وفرته الأناقة لهما، إلى الصورة، التي أمنتها منيّتهما الأخيرة لهما، فكأنهما ذهبا من تمويت إلى آخر، من تمويت شبحيتهما عبر الأناقة بهدف بلوغ المظهر، إلى تمويت مظهرهما من خلال القتل بهدف الصورة.

يساوي الإعلام الحربي بين الأناقة والقتل، بحيث أن الإثنين يستقران على فعل تمويت، مرةً، الشبحية هي موضوعه، ومرةً، الهيئة. بالتالي، كل شبح من أشباح حزب الله، أكان قائداً أم عنصراً، لا ينتهي به مطافه إلى صورة بلا أن يمر بالمظهر، والمحطتان يجمعهما مسار من الموت، الذي يُمارس في حق الذات، وفي الوقت عينه، في حق الغير، أي أنه انتحار ونحر. على هذا المنوال، لا يبغي حزب الله، في تركيزه على أناقة مغنية وبدر الدين، القول إن “الجهاد” لا يلغي الإهتمام بالطلعة فقط، كما لا يبغي القول بأن قادته وعناصره هم أناس عاديون فحسب، بل يريد تحويل أي فعل يقدمون عليه إلى فعل ينم عن رغبتهم في الموت والإماتة، وآخر موقف لها، هو الصورة. فكل شيء قبلها، أي الإختفاء والهيئة والجسد، يتمحور حول تحقيقها، ولا شيء لاحق عليها.

ما هي أناقة الأشباح؟ انها انتحارها من أجل أن تتجسم، من أجل أن تصل إلى دوامها في صورها. ثمة، هنا، تبديل في معنى التأنق، أو التهندم، فهو لا يقوم، في هذا السياق، بالإنطلاق من موضة تحضر لتزول، تاركةً مجال شيوعها لأخرى غيرها، بل بالإستناد الى موضة تحضر لتدوم، مفرطةً في انتشارها. ذلك، أن الأشباح يهتمون بملبسهم وكسائهم لكي يصلوا الى قلب صورهم، ويبقوا داخلها، وكلما نفذوا فيها، أصبح مصرعهم هو سبيلهم الى البروز على سطحها.

نافل التذكير بسرعة حزب الله في تظهير صور عناصره إثر مقتلهم، كأنها صور فورية، ونافل الإشارة الى أنه، في حالتي مغنية وبدر الدين، هناك علامة تجمع بين شبحيتهما وصوريتهما، بين انتسابهما الى عالم الأشباح وخفائه، وانتمائهما الى عالم القتلى وظهوره، وهي القبعة، التي تحجب الرأس، وتبين مقدمته ووجهه، أي الغضاض، بحسبما تسميتها باللغة العربية. والموت حين يصير غضاً، لا يعود من السهل التحكم بنموه القاتل.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى