صفحات العالم

المأزق التركي – الكردي

محمد نور الدين
لم يكن ينقص التوتر في المنطقة بسبب الأزمة السورية سوى أن يدخل حزب العمال الكردستاني بقوة على خط التوترات .
الحزب الذي تأسس عام 1978 في تركيا من قبل طالب الجامعة حينها عبدالله أوجالان، لعب دوراً مفصلياً في الأحداث التركية والإقليمية منذ تأسيسه . ورغم مرور 34 سنة لم يتراجع موقع الحزب عن كونه لاعباً أساسياً ورقماً صعباً في السياسة .
تغيرت في تركيا حكومات وحتى أنظمة، انقلابات وسلطات علمانية وإسلامية وقومية وائتلافية، والحزب لم يهن ولم يستسلم . في العام 1998 وصلت العلاقات بين تركيا وسوريا إلى حافة الحرب بسبب أوجالان، غادر أوجالان سوريا ومنها إلى عدة عواصم آخرها كينيا، حيث كانت له المخابرات الأمريكية و”الإسرائيلية” والتركية بالمرصاد، ليقبع من حينها في سجن في جزيرة إيمرالي .
تراجعت قوة الحزب وغادر قسم من مقاتليه إلى شمال العراق .لكنه ما لبث أن استجمع قواه وبات من جديد الخطر الأكبر على الدولة التركية . 34 سنة وحزب العمال الكردستاني حيّ يرزق وينجب مقاتلين ومقاتلات، ولا يزال منزل أوجالان في قريته في جنوب شرقي تركيا مزارًا للاحتفال بعيد ميلاده . بل أكلوا مرة من تراب حديقة المنزل .
فعلت الحكومات التركية كل شيء لكي تستقطب القاعدة الكردية لكنها فشلت . اعترف زعماء تركيا منذ عشرين سنة تارة بما سمّوه الوجود الكردي، وتارة بالواقع الكردي، وتارة بالقضية الكردية .
تعددت الأسماء لكن جوهر النظرة هو واحد:لا اعتراف بالهوية الكردية . ولا للسماح بالتعلم باللغة الكردية في المدارس والجامعات . ولا للحكم الذاتي أو حتى زيادة صلاحيات المجالس المحلية، وبطبيعة الحال لا لأي نوع من أنواع الاستقلال والفيدرالية والكونفيدرالية وكل ما من شأنه أن يفسّر على أنه “ضعف” من جانب العرق الأكثري وثقافة الأكثرية ولغة الأكثرية، وحتى لا تفسد مقولة أتاتورك الشهيرة “هنيئاً لمن يقول أنا تركي” أو “يا لسعادة من يقول أنا تركي” .
بالأمس خرج الرجل الثاني أو الثالث في حزب العمال الكردستاني مراد قره يلان بتصريح يحذّر فيه تركيا من إقامة منطقة عازلة داخل سوريا، مهدداً بأنه في حال دخل جندي تركي واحد إلى “كردستان الغربية” أي المنطقة الكردية في شمال، سوريا فإن حزب العمال سوف يحوّل كل تركيا وكردستان إلى منطقة ملتهبة .
التصريح مؤشر إلى أن حزب العمال لايزال قوياً ومؤثراً ولاعباً إقليمياً رئيساً عند الضرورة، ولا يمكن للحكومات التركية ان تنكر هذه الحقيقة، ولو كان الأمر خلاف ذلك، لما كانت المشكلة الكردية في تركيا قائمة حتى الآن .
ولو أن المشكلة الكردية هي فقط مشكلة إرهاب، كما تراها حكومة حزب العدالة والتنمية، لما كان حزب العمال الكردستاني موجوداً، إذ إن قوة الدولة التركية والعضو في حلف شمال الأطلسي أكبر بكثير وكافية لتقضي على الوجود العسكري للحزب .
لكن الأمر على غير هذا النحو . وكما ستون عاماً بل حتى مئة لن تكون كافية لإخماد جذوة نضال الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال والعنصرية
والإجرام الصهيوني، فإن أنقرة لا يمكن أن تلغي الهوية الكردية التي هي حق إنساني بامتياز .
34 عاما ولايزال حزب العمال الكردستاني يشعل لهيب الحركة القومية الكردية رغم كل العمليات العسكرية التركية، ورغم كل حملات الاعتقال للناشطين المدنيين معه من أكراد وأتراك .
ولأن مجتمعات هذا المشرق العربي والإسلامي ابتليت بداء الاستئصال وإلغاء الآخر سواء كان عرقاً أو ديناً أو مذهباً أو معارضة سياسية، فلن يكون ممكناً أن تعرف استقراراً لا محلياً ولا خارجياً .
ولم تختلف السياسات الكمالية الأتاتوركية في إلغاء الآخر والمستمرة حتى الآن، عن ذهنية وسياسات أي نظام عربي وإسلامي .
هدّد حزب العمال الكردستاني بنشر المعركة ضد تركيا على مدى الجغرافيا التركية . ولهذا، لا شك، صلة بالفوضى الإقليمية الحاصلة التي تتيح استفادة أي قوة من الأوراق المتاحة . لكن عندما يقول مسؤول تركي رفيع إن استراتيجية الدولة الجديدة لحل المشكلة الكردية تقضي بشطب حزب العمال الكردستاني من المعادلة الداخلية، فما الذي يمكن توقعه من ردة فعل من حزب العمال الكردستاني الذي تؤيده أغلبية الأكراد؟
هذه اللحظة الصعبة على تركيا والتي تحمل لها نذر شؤم، ليست سوى نتاج ذهنيات استعلائية أكثرية لم تنجح تركيا رغم تبدل السلطات والحكومات في معالجتها، لتجد نفسها محاصرة ومهددة في منطقة الجميع فيها يحاصرون بعضهم بعضاً . فيما القرآن الكريم يدعونا جميعاً شعوباً وقبائل لنتعارف ونعترف بالآخر لا لنلغيه ونبيده من الوجود .
الخليج

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى