صفحات سورية

أهم معوّقات تنامي الحراك الشعبي في سورية وسبيل تجاوزها

 


جميل الحفّار

قالت ثورتا تونس ومصر للشعوب العربية “إن التغيير أبسط مما تتوهمون”. وما حدث في اليمن وليبيا عدّل قليلاً من بلاغة هذا القول في أذهان السوريين، لكنه لم يبطل القناعة بصحته. صحيح أن نجاحهما سيعطي السوريين موجة جديدة من التفاؤل تقوّي تحركاتهم، لكنها لن تصل إلى مستوى احتقانهم من النظام إلا إذا تمكنت الحركة الديموقراطية الفاعلة على الأرض من التأثير في غالبية شرائح المجتمع لجهة تجاوز أسباب عطالتها. فما هي أهم هذه الأسباب؟

1ـ إشراك الجيش في القمع منذ البداية: لا شك في أن الخوف من بطش النظام عنصر مشترك في كل الثورات، لكنه اكتسب أهمية لاجمة على نحو استثنائي في سورية. فالاحتجاجات التي لم تعم كل المناطق بسرعة، كما حصل في تونس ومصر، سمحت للنظام بالرد عليها فوراً بإشراك الجيش في القمع.

ميدانياً لا داعي لإرسال الدبابات إلى درعا وحمص وبانياس وغيرها، طالما أنها لا مسلحين فيها. وحتى لو افترضنا وجود إرهابيين، فالتعامل معهم لا يتم بالدبابات. لذا فالهدف الرئيس من إنزال الجيش هو تفهيم الشعب بأن من يرغب بالاحتجاج على النظام سيواجه الجيش والشرطة والأمن والحرس الجمهوري والفرقة الرابعة ككتلة واحدة.

هذه الرسالة تثبّط من عزيمة الشعب لأن معناها “لا وجود لطرف داخلي قوي قادر على تخفيف البطش، أو تعديل كفته عبر تخويف بعض أطراف النظام من مغبة الحرب الأهلية”. لذا نرى دمشق وحلب لا تتحركان فعلياً، وليس بسبب “تزاوج مصلحة التجار والسلطة”.

2-  خوف الأقليات الطائفية والدينية من التغيير: طبيعي أن تنطلق الاحتجاجات من المساجد، باعتبارها أماكن التجمع الوحيدة التي بقيت للسوريين. لكنً اقتصار الاحتجاجات الكثيفة عليها، وفقط ضمن أوساط السنة أيام الجمعة (باستثناء السلمية)، يخيف تلك الأقليات لأنه يخلق عندها شعوراً باليقين من أن الإسلاميين هم قادة تلك الجموع. وبالتالي فإن “الحرية والكرامة”، اللتين ستتاح لها في ظل حكمهم، ستكونان أقل مما هما عليه في ظل النظام القائم. هذا بالنسبة للمسيحيين وباقي الأقليات الإسلامية، أما العلويون فوضعهم أعقد.

من المعلوم أن النظام لم يتمكن من البروز كـ”حامٍ” لهم إلا بعد أحداث الثمانينات. وبالتالي يتخيل معظمهم أن الحركة الحالية، الموصوفة أعلاه، عبارة عن حركة إسلامية موجهة ضد النظام وضدهم. هدفها الثأر، انتقاماً من قيام النظام باستباحة مناطق السنة التي كانت تحتضن مقاتلي الإخوان المسلمين.

لا شك في أنهم يسمعون المحتجين يرددون “سلمية – مدنية”، لكن معظمهم يذكّرهم هذا الهتاف برفع أنصار معاوية للمصاحف: الهدف منه توحيد الجميع ضد النظام، وشل قدرته على القمع. وبعدما يضعف ويأخذ بالتفكك، ستبدأ المعركة ضدهم.

من المؤكد أنّ هذا التفكير من جانب الأقليات عبارة عن أوهام، ومع ذلك لا يكفي أن يقتنع الديموقراطيون بأن هذه أوهام حتى تقتنع غالبية كل أقلية أن أفكارها أوهام. وإنما ينبغي تبديدها من خلال الفعل على الأرض، طالما أنها لا تتبدد بمحاولة الإقناع بالكلام أو عبر الفيسبوك.

هذه الأقليات عددها في سورية على الأقل نصف عدد السنة العرب. وهي لن تنخرط في الحركة المضادة للنظام إلا إذا رأت بأم عينها أن الراية السياسية القائدة للتحركات مدنيتها تفقأ العينين الاثنتين. فقط بهذه الحالة تبدأ بالاندماج ضمن الحركة الديموقراطية المضادة للديكتاتورية، لأنها تتأكد من أن النظام القادم سيكون مدنياً. هذه المدنية، التي تطالب بها الأقليات بصمت، هي شرط تحقق حرية وكرامة الشعب السوري لأنه لا يمكن بناء دولة المواطنة بمعزل عن أسسها. وبالتالي فإن ضرورة العمل على إبراز الوجه المدني للتحركات ليست تنازلاً للأقليات، ولا دعوة براغماتية لشدها إلى الحركة، بل مطلب شعبي تطالب به غالبية السوريين… لكنه واضح جداً عند الأقليات.

3ـ ضعف المعارضة الديموقراطية: لولا ضعفها لما كان هذا الواقع قائماً أصلاً، ومع ذلك تبدو الأمور كما لو أنها تدور في حلقة مفرغة: حتى تقوى الحركة ضد النظام يجب تنخرط فيها غالبية الشعب. وهي لا تنخرط إلا إذا بادرت المعارضة الديموقراطية المدنية إلى تنظيم الحركة وضبطها لتصير الديموقراطية المدنية وجهها الأبرز. ولأن المعارضة ضعيفة، فهي تنتظر تنامي الاحتجاجات حتى تقوى بقوتها. وبالنتيجة تبدو الصورة أن الحركة الشعبية تنتظر نزول المعارضة الديموقراطية حتى تقوى، والمعارضة تنتظر نزول غالبية الشعب حتى تقوى.

هذا صحيح بالمنطق الشكلي، أما بمنطق الفعل السياسي فخاطئ كلياً بدليل مسار الأمور منذ بداية الاحتجاجات حتى الأمس القريب: تحرك الشعب وأعطى دفعة قوية للمعارضة السياسية، قادتها إلى وضع ستة شروط للحوار مع النظام. بعد تلبيتها، يقوم رئيس الجمهورية علناً بالدعوة إلى مؤتمر حوار وطني. هذا الشعور بالقوة، الذي وضعها في موقع المتشرط، ما كانت تحلم به قط.

الآن جاء دورها كي ترد للشعب ما أعطاها، عليها أن تنسّق مع باقي مجوعات النشطاء في الميدان، من شباب وغيرهم، لتبدأ بدعوة الشعب رسمياً، باسمها واسمهم، إلى النزول في يوم كذا (ليكن الجمعة كبداية) من أجل كذا وكذا. على هذا النحو تشق بداية سياق جديد لتبديد مخاوف السوريين وأوهامهم، لأنها تصير هي المسؤول رسمياً أمام السلطة والشعب عن كل ما يجري ضمن الاحتجاجات. هذا ما يدفع الحراك الشعبي على طريق تجاوز أهم عوائقه طالما أنها ذات مصداقية، فهي ستعلن رسمياً عن كل ما فعلته هي والشعب في التظاهرات وعمّا فعله النظام. بهذا تسند الحركة الشعبية أيضاً، وتريحها من عبء عدم وضوح المطالب أمام الكتلة الصامتة من السوريين، لأنها تصير اللاعب الرئيسي في مواجهة النظام عبر تحديدها لمطالب الشعب في كل مرحلة من مراحل صراعه معه.

أخيراً لم أتطرق للحركة الكردية لأنها، بالنضج الذي ظهرت به وهي تضبط حركتها مع حركة احتجاجات العرب، تكون عنصراً محفزاً للاحتجاجات بينما الموضوع مخصص للعوائق.

دمشق

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى