صفحات الثقافة

«كلمن» و«بدايات»

عباس بيضون

اختفت مجلة «كلمن» بعد سنوات كان كل عدد فيها يخرج بشق النفس، ويصدر مع توجّس أن يكون العدد الأخير، وكانت الشغل الشاغل لعدد من هيئة تحريرها إلى أن ضاقت عليهم السبل ولم يعد في الإمكان اجتراح عدد آخر، فودّعت المجلة وتوقفت. أما السبب فلا يُخفى، أصدرت «كلمن» مجموعة من الكتّاب تطوعت لإصدارها وتطوعت لتأمين مادتها وتطوّعت للبحث عن تمويل لها، إلى ان استعصى التمويل واستحال. صدرت «بدايات» بعد «كلمن» وبالشروط نفسها، مجموعة كتّاب وأصدقاء تطوّعوا لإصدارها وتأمين مواضيعها و«تجميع»، كما ورد في عددها الأخير، نفقاتها. تأخر عددها الأخير بسبب الوقت الذي اقتضاه «تجميع» هذه النفقة، فالمجلة من هذه الناحية ليست خالية البال وإذا خرج العدد الأخير بصعوبة فإن كل عدد يقتضي درجة من الكفاح والمشقة والسعي.

صدرت «كلمن» على مشارف ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي وصدرت «بدايات» إبّانه وأياً كان الأمر فقد اتصلت المجلتان بهذا الربيع. وإذا كانت مجلة «كلمن» نقدية حرة أمكن أن تجري عليها تسمية «ليبرالية» التي تتردد في يوميات الربيع العربي. أما مجلة «بدايات» فهي يسارية معلنة، وإذا اعتمدنا هاتين التسميتين تذكرنا أن الليبرالية واليسار هما المكونان الأهم للطليعة الشبابية والنخبة المثقفة للربيع العربي. ذلك يعني ان توقف «كلمن» ومشقة «بدايات» هما من مكابدات هذا الربيع، وان اختفاء الأولى ومتاعب الثانية تطال محاولتين لإيجاد صوت نظري مواز لمجريات الربيع العربي، صوت قد يسهم في توعية وتعبئة وتصليب هذه النخبة الشبابية، وقد يساهم في نظم وتأسيس ومراجعة وتكييف وإعادة بناء وتشكيل هذا التيار المزدوج الليبرالي اليساري. علماً بأن التسمية الأولى دخلت حديثاً في الحراك السياسي وانتقلت منذ عهد قريب إلى التوظيف الجماهيري، فيما التسمية الثانية «اليساري» تتطلب إعادة نظر وإعادة تشكيل بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وبعد المراجعة الواسعة التي تتعرض لها الماركسية، وهذا ما كانت «بدايات» متنبهة له.

لا أفضل تسمية «ليبرالية» لكن قيام مجلة بهذه الوجهة حدث طليعي ومهم وتوقفها بدون شك مؤسف، ولا يقل أهمية قيام مجلة يسارية بالمعنى الجديد لليسار. المجلتان «كلمن» و«بدايات» تشتركان في هذا المزج بين النظر والبحث الميداني وإذا توقفت «كلمن»، فأملنا أن تتغلب «بدايات» على متاعبها وتستمر.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى