صفحات العالم

النأي بالنفس


ساطع نور الدين

فلسفة النأي بالنفس عن سوريا وأزمتها، والتي انتقدها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، تكتسب المزيد من المصداقية والشعبية يوماً بعد يوم، وتتحول الى خيار سياسي عملي تعتمده مختلف الطوائف والقوى السياسية اللبنانية التي تكتشف تدريجياً ان لبنان ليس محكوماً بأن يضحي بنفسه من اجل اي سوري مهما كان عزيزاً.

ثمة تحولات ظاهرة في موقف الأليتين الشيعية والمسيحية، وفي موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وما يمثله داخل الطائفة السنية التي حسمت قرارها منذ اللحظة الاولى لاندلاع الثورة السورية… وهي تبشر بأن لبنان يمكن ان ينجو من عواقب التغيير الوشيك في سوريا، التي كانت تبدو في أواسط العام الماضي بمثابة زلزال مدمر يمكن ان يدمر الشرق الاوسط برمته، فإذا هي مجرد صراع سوري داخلي اولا وأخيرا، قبل ان يكون صراعا بين أمم العالم وشعوبه كافة.

التحول الابرز كان في الموقف الذي عبر عنه الأمين العام لحزب الله نصر الله في خطابه الاخير، والذي سبقته ملاحظات أبداها في مجالسه الخاصة على أداء النظام السوري، وانتقادات حادة للمعارضين السوريين بلغت حد وصفهم في أحد خطبه العلنية بأنهم مجرمون نالوا العفو ومتآمرون ومتواطئون مع اميركا وإسرائيل… فإذا هم، يستوي فيهم المقيمون في الداخل والخارج، مدعوون من قبل نصر الله الى الحوار مع النظام، واذا الجميع في سوريا بمن فيهم النظام ايضاً، مطالبون أيضاً بإلقاء السلاح.

الدعوة متأخرة جداً، وهي لن تثمر حواراً او حتى وقفا لإطلاق النار، لكنها تعبر عن رغبة شيعية طارئة في اعتماد سياسة النأي بالنفس عن الحرب الاهلية التي تدور الآن في سوريا وتحرق كل من يحاول ان يقترب منها، لبنانيا كان ام عربيا ام إسلاميا ام حتى أجنبيا… وتضع حزب الله قبل اي طرف آخر امام واحد من اخطر التحديات التي واجهها في تاريخه.

وكذا الامر بالنسبة الى التحول في الموقف المسيحي الذي عبر عنه البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي اطل على الأزمة السورية في بداياتها الاولى من موقع الشريك والحليف للنظام الذي يواجه تهديداً اسلامياً سلفياً يطال الأقليات المسيحية في سوريا ولبنان، فإذا به يكتشف متأخراً بعض الشيء ان الثورة السورية ليست اسلامية، وان الحياد الإيجابي تجاه ما يدور في سوريا هو الموقف العاقل والمنطقي الوحيد.

قد لا يصح اعتبار تركيز الرئيس ميقاتي على الديموقراطية وحقوق الشعوب العربية تحولا في موقفه بل مجرد انخراط مع الغالبية السنية التي تدعم الثورة السورية من دون تحفظ او تردد، لكن المسافة التي تفصله اليوم عن دمشق ونظامها لا تحتاج الى دليل على كونها أكثر من نأي بالنفس، واقل من قطيعة كاملة.

يسير لبنان في الاتجاه الصحيح، نحو الحد من الأضرار والخسائر التي ستنجم عن التغيير القريب في سوريا… والتي لا يمكن استبعادها تماماً، نتيجة وعي القوى السياسية المؤثرة في أهمية فلسفة النأي بالنفس.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى