صفحات العالم

أين قلب العالم العربي اليوم؟


نهلة الشهال

هل انزاح قلب العالم العربي، نقطة الثقل منه، الى منطقة الخليج، وتحديداً منها ما تسميه لغة الأبحاث الأميريكية «جنوب الخليج»، وتقصد به دول مجلس التعاون الخليجي الست؟ لعل حالة الانتقال الحالية المضطربة التي تمر بها بلدان عربية، عُرِّفت في السابق بأنها مركزية، تفسر ذلك. فمصر اليوم مشغولة بحالها، ويلزمها وقت لتعود فتجد نقطة ارتكازها الذاتية، ومن ثمَّ قدرتها على استعادة مكانتها المحورية. ودون ذلك عدة متطلبات، مِن غيرِها لن يمكن تحقيق ذلك، لا سيما أن مصر كانت قد فقدت سلطتها وألق حضورها على مدى العقود الأربعة الماضية، حين همشت نفسها باتفاقية كامب دافيد، ثم خلال حقبة مبارك. وقد حوَّلت هذه الخيارات/المسلكيات البائسة عبارة «عظمة مصر» الى جملة فارغة. ويفسره ايضاً، وبالمقدار نفسه، شطب العراق نتيجة الحربين العالميتين اللتين شنتا عليه، وبينهما حصاره، وبعدهما احتلاله مباشرة من قبل أميركا، ثم غرقه في حال من الدمار والخراب والتفكك والتحارب، مما لم تمحَ آثاره بعد، ناهيك بتوفر شروط تجاوزها. وعلى ذلك، غابت دول أخرى هامة، منشغلة بأوضاع داخلية ثقيلة، كحالة الجزائر. وهكذا انحلت كافة المحاور التي كانت تتشكل منها أجنحة المنطقة والتوازنات الحاكمة لها، وعرفت جامعة الدول العربية طوال الفترة الماضية انعدام الوزن، قيل فيه، التماساً للأعذار، أنها ليست إلا مرآة للوضع العربي.

إلا أن السؤال عاد يُطرح بسبب عدة ظواهر. فقد برز إطار مجلس التعاون الخليجي وكأنه حقق أخيراً تناغماً بين أعضائه، وتجاوزاً للصراعات بين السعودية وقطر التي طبعت اجواءه، وكان آخرها تباين المواقف الحاد بينهما بخصوص الموقف من العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006. وراح المجلس يوسع أفقه، فعرض على بلدان ليست ضمن دائرته الجغرافية الانضمام إليه، كالأردن والمغرب الأقصى. وبينما هو يرفض بعناد عضوية اليمن التي تتوسط دوله، وفق مبررات شتى، إلا أن الآلية القائمة اليوم لحل الازمة اليمنية المتفجرة، أنتجتها وتتحكم بها المبادرة الخليجية.

وقد غطى المجلس إرسال قوات سعودية الى البحرين لمواجهة انتفاضة أهله، وحسماً لها. وتمَّ تدخل قوات «درع الجزيرة» بموجب اتفاقية الدفاع المشترك بين أعضاء المجلس. وقد رفعت الواقعة منسوب التوتر مع إيران درجة الى الامام، وكذلك رفعت حال الاستنفار العام السني ـ الشيعي في المنطقة. فقد استخدمت فرضية وجود «مؤامرة» إيرانية على البحرين التي ينتمي أغلب سكانها الى المذهب الشيعي.

وبعد ذلك، بارك المجلس وواكب النشاط الفائق لبعض أعضائه، فشاركت الامارات العربية المتحدة وقطر في عمليات حلف شمال الاطلسي في ليبيا، مشاركة عسكرية ولوجستية ومالية وسياسية، علنية ورسمية. وحصل ذلك بعد قرار من الجامعة العربية أجاز ما تبعه من تدخل أطلسي. وفي حينها، فاجأ مسلك الجامعة الجميع، إذ بدت هذه الاخيرة كمن يستفيق من نوم أهل الكهف. ولكن كاريكاتورية نظام القذافي، وغيظ الجميع منه الذي نجح في إثارته على مدى سنوات، وفي نهاية المطاف هامشية ليبيا، جعلت ذلك كله يبدو وكأنه استثناء.

إلا أن ما ترهص به مجريات الامور العربية بخصوص سوريا، يعاكس تلك الفرضية. وما زال من المبكر الحسم في التوقعات، إلا أن ما يمكن ملاحظته حتى الآن أمرين أو ثلاثة. فمع تجدد استفاقة الجامعة ولعبها الدور المركزي في الازمة السورية، تبرز خاصيات تشير الى صلة هذا الدور بالتدويل، فتنشط الجامعة رسمياً لقطع الطريق على التدخل الدولي، ولكن مؤدى الدور يبدو في الواقع وكأنه حلقة وسيطة لا غنى عنها للتمهيد لهذا التدخل ولشرعنته. ويكفي بهذا الصدد، قراءة التعليقات الدولية، وبالأخص منها الاميركية والأوروبية. ثم إن قرار الجامعة تعليق مشاركة الوفود السورية في مؤسساتها وأعمالها (وهو أخف من تعليق العضوية)، يظهر وكأنه فاجأ سوريا بينما الأعراف الدبلوماسية في كل الأطر تقر إبلاغ المعنيين بما سيُطرح. وقد رحبت به واشنطن وبروكسيل بوصفه «قراراً في الاتجاه الصحيح». وأما الخاصيتان الأخريان فتتعلق واحدتهما بدور قطر في هذا السياق، مسنودة بسائر دول مجلس التعاون الخليجي. وقد اتخذت قطر مكانتها تلك بفعل عاملين، واحدٌ يفترض أنها الأقدر على التوسط مع سوريا بحكم ماض قريب مطبوع بالتواصل، وثان يستند الى نجاحها الليبي. اما ثالث الخاصيات فيتعلق بدور تحتله تركيا، التي تقول على لسان وزير خارجيتها، كما تقول الجامعة على لسان أمينها العام، إن القرارات المتخذة منسقة بالكامل معها، وكذلك ما يُنتظر من مسارات لاحقة. وكل ذلك جديد ومثير ومتفاعل وغير معلوم النتائج بعد، ليس على مستوى سوريا فحسب، بل فيما يخص المنطقة برمتها.

وهنا، وبشكل لا يبدو على صلة مباشرة بهذه المفارقات، يجدر الالتفات الى عزم الرئيس أوباما التقدم من الكونغرس بطلب الموافقة على بيع الإمارات العربية المتحدة أسلحة صاروخية متطورة، منها 4900 قنبلة خارقة للتحصينات. وتندرج فذلكة الصفقة المقترحة ضمن تصور استراتيجي متكامل يقول إن دول «جنوب الخليج» حليف يمكنه لعب دور حاسم في أي مواجهة مقبلة مع إيران، سواء بخوضه «حرباً بالوكالة»، أو كمرتكز لا غنى عنه في سياق مواجهة أميركية ـ إيرانية مباشرة.

وتصف هذه النظرية ساحة الاشتباك بتوسع كبير، تبرز في سياقه أهمية ودقة المنافسة العسكرية والاستخباراتية في المنطقة، كما الدروس المستخلصة من التجربة الليبية، وإن كتمرين جزئي. فحلف شمال الاطلسي، يجري تقييمات جادة للدور الذي لعبته قوات قطر والإمارات في تلك الحرب، من ضمن تقدير موقف حول الإسناد المحلي الذي تحتاجه الولايات المتحدة في حروب مقبلة، يقفز منها اسم إيران حتى عندما لا يرد، وهو على كل حال غالباً ما يرد بصراحة. ومن جهة أخرى، تخطط الولايات المتحدة للاحتفاظ بقوات برية لها في المنطقة رغم نوايا الانسحاب من العراق، بينما تستمر اساطيلها البحرية وقواتها الجوية في التواجد هنا.

وفي سياق تلك الرؤيا الشاملة يرد موضوع النفط كعامل أساسي. فتقول تقارير «إدارة معلومات الطاقة» الاميركية (EIA)، إن 18 في المئة من واردات الولايات المتحدة من النفط تصلها من منطقة الخليج العربي، علماً أن نصف النفط المستخدم في الولايات المتحدة مستورَد، وأنها أكبر مستهلك في العالم. وتقول ايضاً إن منطقة الخليج تنتج اليوم 28 في المئة من النفط العالمي، ولكن النسبة ستصل الى31 في المئة بحلول عام 2035، مما يعني أن تلك الاهمية ذاهبة الى اطراد.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى