صفحات سورية

أين كنا… وأي نهج اقتصادي ينهض ببلادنا؟ السورية


بشار المنيّر

حدّدت الخطة الخمسية العاشرة هدفها بخلق 625 ألف فرصة عمل جديدة للنصف الأول من عمر الخطة، لكن المنفذ كان 277 ألف فرصة فقط، كما تبنت الخطة رفع معدلات نمو الأجور الحقيقية للعاملين إلى 8% في عام ،2007 لكن المنفذ كان 2,3%.

ورغم تحذيرات القوى السياسية الوطنية، والعديد من الاقتصاديين الوطنيين، بأن المماطلة في حل المعضلات الاجتماعية سيؤدي إلى اتساع الفوارق الطبقية، وتراكم الغضب الشعبي، تابع مهندسو الاقتصاد السوري السابقون نهجهم الرامي إلى استمرار سيطرة الرساميل الريعية على مفاتيح الاقتصاد الوطني، وتجاهلوا المؤشرات الاجتماعية التي كانت تتناقض تماماً مع الأرقام الوردية (الرسمية).

أولاً – البطالة..

وضغط القادمين الجدد

بلغ متوسط معدل البطالة بين أعوام 2001 و2004 حسب الأرقام الرسمية 6,11%، لكن هيئة مكافحة البطالة قدرتها بنسبة16%، وقدرتها تقارير المصرف الدولي بـ20% من قوة العمل، شاملةً فيها المتعطلين جزئياً أو كلياً. بينما نقح المكتب المركزي للإحصاء بياناته وحدد معدل البطالة بـ 8% في ضوء تعريف للعاطل عن العمل يقوم على أن المشتغل هو من عمل في أي نشاط من الأنشطة الاقتصادية لبعض الوقت (على الأقل ساعة واحدة) في اليوم السابق للمسح. ومن الواضح أن هذا التعريف يميل إلى تضخيم عدد المشتغلين وتقليص عدد المتعطلين لإبراز نجاحات الأداء الاقتصادي، ويبرز تركز البطالة في سورية في أن 61% من المتعطلين عن العمل في العام 2004 هم من الفئات العمرية (15-24 عاماً)، مما يجعل البطالة قضية شبابية بالدرجة الأولى. (1)

خلال سنوات الخطة الخمسية العاشرة 2005-،2010 كانت الأرقام الرسمية تشير إلى متوسط نسبة البطالة البالغ 5,9%، رغم تواضع الفرص التي قدمتها موازنات الدولة، والتي تراوحت بين 60 و65 ألف فرصة عمل سنوياً، ورغم محدودية الفرص المقدمة من القطاع الخاص، في حين قدر المكتب المركزي للإحصاء في مسحه للقوة العاملة لعام 2009 أن الشباب المتعطلين عن العمل من الفئة العمرية15-24 عاماً وصلت إلى 7,16%، وقدرت الهيئة السورية لشؤون الأسرة في دراسة ميدانية أن نسبة المتعطلين عن العمل لهذه الفئة العمرية وصل إلى 2,64%. (2)

وقد حاولت الحكومة السابقة (دفش)مسؤولية توفير فرص العمل إلى القطاع الخاص، الذي أعلن ممثلوه أنهم لا يستطيعون وحدهم أخذ مشكلة البطالة على عاتقهم ! فهذه من صلب مسؤوليات الحكومة، ودورهم فيها يأتي في المرتبة الثانية.

تهميش القطاعات

المولدة لفرص العمل

والسؤال هنا كيف يمكن خفض نسبة البطالة، خاصة بين الشباب الوافد إلى سوق العمل، في ظل السياسات الاقتصادية التي اتبعها مدبرو الاقتصاد السوري في الحكومة السابقة، التي همشت القطاعات الإنتاجية الأكثر توليداً لفرص العمل؟

فقد أدت مواسم الجفاف، والقرارات الحكومية الاعتباطية، وخاصة قرار رفع أسعار المازوت المستخدم في عملية الري، إلى انخفاض محاصيل الحبوب من 8,4 ملايين طن عام 2006 إلى نحو مليوني طن عام ،2008 وهبط عدد العاملين في النشاط الزراعي من 32% إلى 20% من إجمالي قوة العمل في سورية، وارتفعت نسبة البطالة بين الشباب في المناطق الزراعية الشرقية من البلاد، التي تعد مستودع الغذاء السوري، إلى أكثر من 40%.

كذلك أدى الانفتاح المتسرع قبل تمكين الصناعة الوطنية بشقيها العام والخاص، إلى استباحة الواردات القادمة من جميع الكتل الإقليمية والدولية أسواقنا المحلية، مسلحة بدعم حكوماتها، وبخبرة فنية عريقة، مما أدى إلى حشر صناعتنا الوطنية في ركن ضيق وهي المولد الأبرز لفرص العمل. فقطاع النسيج والألبسة – على سبيل المثال – الذي يشكل 46% من الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الصناعي في سورية، و 8% من مجمل الصادرات، ويشغّل نحو 30% من مجموع اليد العاملة في الصناعة، رفع الراية البيضاء، بعد دخول السلع الواردة من دول السوق الحرة العربية الكبرى منذ عام ،2005 والسلع المنافسة القادمة من الصين، ودول أخرى. أما تعويل مهندسي الاقتصاد السوري السابقين على الاستثمارات القادمة لحل مشكلة البطالة، فتدحضه الأرقام الرسمية التي تظهر أن مجموع فرص العمل المقدمة من المشاريع الاستثمارية المشمولة بقوانين الاستثمار منذ عام 1991 حتى عام ،2009 بلغت 206400 فرصة فقط. (3)

لقد نظر مدبرو الاقتصاد في الحكومة السابقة إلى مشكلة البطالة باعتبارها مؤشراً اقتصادياً فقط، ولم يعيروا الجانبين الاجتماعي والإنساني فيها أهمية تذكر، ولم يدركوا حجم المعاناة التي يكابدها المتعطلون عن العمل، وخاصة الشباب منهم، والتي تتلخص في عدم حصولهم على عائد يساعدهم على استقلالهم المادي والاجتماعي، وشعورهم بالإحباط بعد سنوات من التحصيل العلمي أو المهني، واضطرارهم للبحث عن فرص العمل خارج الوطن، وقد أدى ذلك – حسب اعتقادنا – إضافة طبعاً إلى أسباب سياسية تتعلق بمطالب ديمقراطية، إلى الحركات الاحتجاجية التي تشهدها البلاد منذ شهور.

ثانياً- أجور السوريين..

واللغز المحيّر!

تراجعت نسبة الأجور إلى الدخل الوطني من 17%خلال الفترة الممتدة مابين 1992 و،1999 إلى 16% في عام 2003. ورغم زيادة الأجور بنسبة 100% بين أعوام 2005و2011. لكن وفقاً لمسح قوة العمل عن النصف الأول من عام ،2010 فإن نسبة الرواتب والأجور إلى الناتج المحلي الإجمالي لم تتجاوز25% متضمنة أجور العاملين في القطاع الخاص غير المنظم، في حين ذهبت النسبة العظمى من الناتج إلى الأرباح والريوع. لكن النائب الاقتصادي السابق حدد المتضررين من إعادة هيكلة الاقتصاد السوري، وفقاً لاقتصاد السوق الحر بنسبة 25% من أفراد الشعب، وهم الفئات العاملة لقاء دخل ثابت، وذوو الدخل المحدود، أما الفئات الباقية فمصلحتها، برأيه، في تحويل الاقتصاد ! (4)

نشر المكتب المركزي للإحصاء في عام2010 نتائج مسح قوى العمل، ومتوسط دخل العاملين في قطاعات الزراعة والصناعة والبناء والتشييد والمال والتأمين والعقارات والنقل والخدمات في سورية. وتبين هذه النتائج أن الأجورلا تتناسب مع العمل في قطاع العمل المنظم، دون البحث في قطاع العمل غير المنظم الذي يختلف كثيراً عن هذه الأرقام، إذ يبرز بوضوح استغلال العاملين، ويبين الجدول التالي متوسط الأجور الشهرية للعاملين في قطاعات مختلفة (الجدول).

كما خلصت نتائج مسح دخل نفقات الأسرة لعام ،2009 الذي أعده المكتب المركزي للإحصاء، إلى أن متوسط إنفاق الأسرة السورية يبلغ نحو 9,30 ألف ليرة، بزيادة تصل إلى 20%، مقارنة بمتوسط إنفاق الأسرة السورية عام ،2007 الذي بلغ آنذاك نحو 9,25 ألف ليرة. والسؤال هنا كيف يتدبر العاملون معيشتهم في ظل انخفاض أجورهم، وارتفاع متوسط الإنفاق الأسري؟

ذكر الدكتور منير الحمش في محاضرته التي ألقاها في ندوة الثلاثاء الاقتصادية بتاريخ 233،2010 أن أحد المستثمرين الأجانب تراجع عن قراره بالاستثمار في سورية عندما قابل في تسعينيات القرن الماضي، أحد المسؤولين الاقتصاديين الذي تفاخر أمام المستثمر بانخفاض أجور اليد العاملة، وصرح هذا المستثمر بعد هذا اللقاء بأن الأجور المنخفضة تعني تواضع القدرة الشرائية للمواطن وانخفاض الاستهلاك، وهذا لا يشجع على الاستثمار في سورية.

المعالجة بالهجرة

وبحسب دراسة للهيئة السورية لشؤون الأسرة صدرت في عام ،2010 فإن الشباب الراغبين في الهجرة كانوا من ذوي الدخول المحدودة، التي تتراوح بين 4000و8000 ليرة سورية شهرياً. وأكدت الدراسة أن السبب الذي يدفع العاملين الشباب للتفكير بالهجرة هو الرغبة في تحسين المستوى المادي والمعيشي بالدرجة الأولى. كما تظهر هذه الدراسة أن نسبة العمال الشباب قاربت 8,35% من مجموع العاملين، ونسبة مَنْ دخلهم أقل من 4000 ليرة سورية شكلوا 6,34%، ونسبة مَنْ دخلهم بين 4000 و8000 ليرة 3,51%، أما من دخلهم بين 8000 و12 ألف ليرة فنسبتهم 2,11% والبقية تراوح دخلهم بين 12 ألفاً وعشرين ألف ليرة سورية شهرياً.

لقد ازدادت مساهمة القطاع الخاص في مجمل العملية الاقتصادية منذ عام ،2000 إذ أتاحت مئات التشريعات الجديدة توظيف استثمارات وافدة إلى مختلف فروع الإنتاج والخدمات، وبلغت حصة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي نحو69%، وتضخمت قوة العمل لديه لتبلغ نحو 5,1 مليون عامل في القطاع المنظم، و5,2 مليون عامل في القطاع غير المنظم.كذلك خفضت الحكومة معدل الضريبة على الأرباح إلى 28%، مما وسع هامش أرباح القطاع الخاص، في حين بقي متوسط الأجور في هذا القطاع منخفضاً رغم ظهور فئة من العاملين في مجالات البرمجيات والإدارة، يتقاضى أفرادها أجوراً مرتفعة.

أما في القطاع العام، فرغم الزيادات المتكررة لأجور العاملين في الدولة، والتي بلغ مجموعها 100%، منذ عام 2004 حتى منتصف عام ،2011 فإن الغلاء الذي شمل المواد والخدمات الضرورية (شفط) هذه الزيادات، بل تجاوزها، وبات من الضروري العمل على وضع سلم جديد للرواتب يأخذ بالحسبان المستوى العام لأسعار سلة من المواد والخدمات الأساسية للعاملين.

جاء في التقرير الاقتصادي والاجتماعي، الذي أقره المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي السوري (الموحد)

(معروف أن مزاج العامل يتأثر غالباً بمدى تطور أو تدني دخله وحقوقه، فيزداد أو يتدنى مستوى التزامه تجاه رب العمل والمجتمع.ولا يمكن المقارنة بين إنسان مقتنع بما يتلقى لقاء جهده، وآخر يشعر بالغبن والظلم. والحضارة الحديثة لايصنعها 10% من الشعب وإنما ملايينه. ومهما كان حجم الدخل الوطني ضرورياً للتقدم، إلا أن للتوزيع المنصف الأثر الحاسم في موضوع العدالة وفي تنمية الدخل.وتصح هنا الحكمة القائلة بأن الدولة التي تريد كسب رضا فقرائها عليها أن تضبط سلوك أغنيائها).

المراجع

1 – سورية 2025- (الاقتصادي).

2 – صحيفة (الوطن)

بتاريخ             2112 2010      .

3 – تقرير الاستثمار الرابع 2009.

4 – مجلة (الحال) العدد رقم 4.

القطاع عدد ساعات العمل في الأسبوع متوسط الأجر الشهري

الزراعة 39 7511

الصناعة 49 10803

البناء والتشييد 42 9673

الفنادق والمطاعم 54 10207

جريدة النور السورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى