صفحات العالم

مقالات عن رثاء حمص

 

 

السعودية وإيران معاً في حمص؟/ موناليزا فريحة
لم ينه اتفاق حمص الحرب في سوريا بالتأكيد. من أقصى الشمال الى اقصى الجنوب، لا يزال النزف مستمراً. لا الانتخابات الرئاسية “التعددية” المقررة في حزيران المقبل تفتح صفحة جديدة في البلاد، ولا “الجهاد العالمي” سيسقط دير الزور ودياراً سورية اخرى كثيرة من حساباته قريباً . ولكن لدى كثيرين في حمص التي عادت أخيراً الى قبضة النظام، شعور بأنها النهاية.
المشاهد الواردة من المدينة وأحيائها القديمة لا توحي الا بذلك. مدينة أشباح ومبان مدمرة وأنقاض تروي ضراوة ثلاث سنوات من القصف والحصار. مقاتلون يتركون، وإن بأسلحتهم، ما كان يوماً مهد ثورتهم، لا يمكن إلا أن يشعروا باليأس. أما النظام فيمكنه التباهي أمام العالم بأنه استطاع بالبراميل وكل أنواع الاسلحة (في ما عدا الكيميائي المحظور)، تحقيق ما عجز عنه جنيف 1 و2 و3 وكل قرارات مجلس الامن والامم المتحدة مجتمعة.
ومع ذلك، من المبالغة القول إن اتفاق حمص ضربة قاضية للمعارضة أو نصر كامل للنظام. ثمة اقتناع بأن ما حصل في هذه المدينة التي تعكس عمق الأزمة السورية بدلالاتها العسكرية والسياسيّة والطائفية، قد يؤذن بدينامية جديدة في الحرب السورية أساسها التفاوض بين النظام والثوار، على أن تشمل لاحقاً مدناً ومناطق أخرى. وليس بعيداً من هذه الأجواء ما يحصل حالياً في عدرا بريف دمشق من محاولة لإدخال مساعدات غذائية إليها، والتي استولى المسلحون عليها في كانون الأول من العام الماضي، في مقابل الافراج عن أسرة سورية وضباط مخطوفين.
وليس سراً الدور الخارجي في اتفاق كهذا. فإذ اضطلعت ايران خصوصاً بدور علني أول فيه، عززت دعوة الوزير سعود الفيصل أمس نظيره الايراني محمد جواد ظريف لزيارة السعودية، التكهنات عن حصول تنسيق ما بين طهران والرياض في الصفقة. فللمملكة دور اساسي مع الجبهة الاسلامية، اكبر الفصائل المعارضة، والتي كانت لاعباً أساسياً وساهمت في اتمام ادخال المساعدات الى قريتي النبل والزهراء الشيعيتين.
وفيما تتكشف تباعاً حيثيات اتفاق حمص وقطبه المخفية، يبدو أن استنتساخه سيكون مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بتطور الامور بين الرياض وطهران. فالدعوة السعودية لظريف لا تعني بالضرورة أن الخلافات بين الجانبين قد انتهت، الا أنها قد تكون اقراراً من الجانبين بالحاجة الى التنسيق في أكثر من ملف، وخصوصاً في شأن الخطر الذي بات يشكله الارهاب في سوريا.
كانت ساحة الساعة في حمص شاهداً على الايام الاولى التاريخية للثورة السورية عام 2011، فهل يكون ما تبقى من تلك الساعة شاهدا على تاريخ جديد في هذه الثورة؟
النهار

 

 

السطو بنوعيه/ حسام عيتاني
يتعرض ما تبقى من حمص لعملية نهب منظمة تقوم بها قوات النظام السوري التي دخلت الأحياء المحاصرة بعد انسحاب مقاتلي المعارضة منها. يتزامن السطو هذا مع محاولة أعرض لفرض الهيمنة بالقوة العارية على قطاعات واسعة من السوريين واللبنانيين بذرائع تمتد من الانتخابات المتعددة إلى حرية التعبير عن الرأي.
الأنباء والصور الواردة من حمص تشير إلى “تمشيط” قوات بشار الأسد ومواليها للأحياء القديمة ليس فقط لإبطال المتفجرات، بل خصوصاً لإخلاء ما سلم من بيوت من الأثاث والمفروشات. “حطام الدنيا” كما كان العرب يسمون ما يملكون في هذا العالم، وما خلفه وراءهم أهل حمص، لن يجدوه في بيوتهم. الأرجح انهم سيعثرون عليه في أحد “أسواق السنّة” التي يعرض فيها “المنتصرون” غنائمهم للبيع بأسعار بخسة.
نهب المنازل جهاراً نهاراً أمام أعين أهل المدينة وعدسات الكاميرات يرمي إلى إفهام من لم يفهم بعد أن هذا النظام سيستمر بحكم السوريين على ذات المنوال الذي يحكمهم به منذ خمسين عاماً، وأن الدرس الوحيد الذي تعلمه من الانتفاضة عليه هو تعميم القمع والقتل وإسباغ السمة الشاملة والعلنية عليه.
يترافق ذلك مع “أول حملة انتخابية تعددية في تاريخ سوريا” على ما يقول إعلام النظام وأتباعه. حملة تنبع مأساويتها بالضبط من افتقارها إلى كل ما يجعلها تستحق هذا الاسم، فتظهر على حقيقتها: تمديد استيلاء يتخذ من القهر والعنف والقتل أداة للسلطة، إلى ما لا نهاية له. إنها محاولة لمصادرة ما تبقى من آمال السوريين في التغيير وإقناعهم أن ثورتهم التي كلفتهم أكثر من ربع مليون قتيل ومئات آلاف الجرحى والمعتقلين وملايين المشردين واللاجئين، قد فشلت وأن النظام برئيسه البائس سيبقى جاثماً على صدورهم وأنفاسهم إلى أن يقضي الله أمراً.
خنق آمال الحرية والقول بنهاية الثورة وهزيمتها يتزامن مع تسعير حملات تطويع الرأي العام اللبناني والعمل على فرض خطاب أحادي فقير وإرهابي، بالمعنى الدقيق للكلمة.
السلوك “الخشن” الذي لا يتورع عن اللجوء إلى القتل والاعتقال والتهجير في دمشق، يجد مرادفاً “ناعماً” له في بيروت عبر محاولة الاستيلاء على الفضاء العام وعلى تقاليد التعبير التي ما زالت، رغم شوائبها الكثيرة، حية في لبنان. ثمة توجه متصاعد عند قوى سياسية بعينها ووسائلها الاعلامية بالرد على كل كلمة مخالفة لما تعتقد القوى هذه صواباً. لا مشكلة في الرد إذا كان على أساس الجدال بين الأفكار والنقد مهما كان قاسياً، ما دام أنه يبقى في إطار السجال السياسي، وما يتبع ذلك من استحضار للحجج والبراهين الثقافية والتاريخية. ولا مشكلة أيضاً في تعدد الأصوات والآراء على الساحة الإعلامية، بغض النظر عن مستوياتها وكفاءاتها ومدركاتها. بيد أن المشكلة تبرز حادة عند اتجاه محدد يرغب في فرض وجهة نظره عبر التهويل والتهديد والتخويف، بكلمة واحدة عبر الإرهاب المعنوي الذي لا يخفي القائمون به أنهم لن يترددوا في تحويله إلى إرهاب مادي وملموس عندما تتاح الفرصة لهم. المفارقة تنقلب مهزلة عند تعرض المهولين والمُهَددِّين إلى الملاحقة القانونية فيلجؤون إلى استعراض مظلوميتهم وحقهم السليب في التعبير عن الرأي.
فهناك من يعمل على وضع أسس لوطنية اللبنانيين وما يجب عليهم قوله وما ينبغي السكوت عنه. قضايا مثل كتابات ومقابلات وزيارات ومشاركات في مؤتمرات في الخارج، باتت تقع تحت بند المحاسبة اليومية من “مراصد” وسائل الإعلام الممانعة. ولا يبدو أن الأمر مجرد صدفة بل هناك ما يوحي أن جهداً واعياً يُبذل لتطويق كل جزر الاعتراض على سياسية وثقافة أحاديتين تهدفان إلى استتباع الرأي العام اللبناني ومنع كل الأصوات الرافضة لأحادية الهيمنة السياسية الصاعدة هذه الأيام عن التعبير عن نفسها باستخدام ترسانة من الاتهامات أهمها التطبيع مع إسرائيل والعمالة والخيانة والتفريط وما يدخل في هذا الباب.
وعلى عادة سارية منذ زمن، يرفض أصحاب النهج المذكور إلا أن يقولوا ما لا يفعلون. فتضامنهم مع النظام السوري يصدر عن وقوف هذا في وجه الأطماع الإسرائيلية، في زعمهم. أما من يعترض على وحشية النظام فلا شك في طائفيته و”داعشيته” وظلاميته.
المهم في المسألة أن الساعين إلى إعادة تشكيل الرأي العام اللبناني وفرض قيمهم وآرائهم عليه بوسائل التخويف والتركيع، لا يختلفون في العمق عن كبيرهم القابع في دمشق، إلا في أدوات العنف غير المتاح استخدامها لهم في الوقت الراهن، لأسباب خارجة عن إرادتهم طبعاً. ومثلما يعمل الأسد على مصادرة الفضاء السياسي بالقوة والقتل، يقلده أنصاره بوسائل أقل بطشاً مادياً في هجومهم للهيمنة على الرأي المختلف، لكنها تنتمي إلى المنظومة القيمية ذاتها.
موقع 24

 

الانتصار على حمص… والخيار البديل/ خير الله خير الله
كان شعار النظام السوري في الماضي يقول بالانتصار على لبنان بديلا من الانتصار على إسرائيل. تطوّر النظام مع الوقت، خصوصا مع إصرار بشّار الأسد على ولاية ثالثة. صار الآن يعتبر الانتصار على حمص وعلى كلّ مدينة وقرية سورية هدفا بحدّ ذاته، والبديل من الانتصار على لبنان الذي لم يتحقّقْ ولن يتحقّقَ يوما.
مثل هذا النوع من الانتصارات على طريقة الانتصار على حمص ليس سوى تأكيد آخر لوصول النظام إلى الطريق المسدود الذي طالما عمل من أجل تأجيل الوصول إليه. كيف يمكن لنظام، لم يعد لديه من ينتصر عليه غير شعبه، الاعتقاد أنّه لا يزال من النوع القابل للحياة وأنّه قادر على حكم كلّ سورية في المستقبل؟
استهلك هذا النظام كلّ أوراقه. لم تعد لديه سوى ورقة الانتصار على الشعب السوري كي يثبت أنّه لا يزال موجودا. كلّ تاريخ النظام هو هروب مستمرّ إلى الأمام، خصوصا إلى خارج البلد تفاديا لمواجهة الحقيقة التي صارت واقعا ماثلا أمامه منذ اندلاع الثورة الشعبية قبل ثلاث سنوات وثلاثة أشهر.
صمدت حمص سنتين ونصف السنة بالتمام والكمال بفضل رجالها ولا شيء آخر غير رجالها. دخلها النظام أخيرا بعدما دمّر الجزء الأكبر منها. حسنا، اليوم حمص. أي مدينة سيدمّر غدا؟ ما أفق مثل هذا النوع من الانتصارات الوهمية التي تدلّ على أن النظام لن يرحل قبل تنفيذ المهمّة المطلوبة منه أصلا؟ تتمثّل هذه المهمّة في تفتيت سورية من منطلق طائفي ومذهبي بعد محاولة تفتيت لبنان والقضاء عليه وعلى مقوماته، خصوصا العيش المشترك فيه.
ما ترمز إليه حمص يتجاوز مدينة مهمّة ذات موقع إستراتيجي قريبة من طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني. تربط حمص بين كلّ المدن السورية. تربط خصوصا بين الداخل السوري من جهة والساحل الذي فيه القسم الأكبر من العلويين، مع الجبال المطلة عليه، من جهة أخرى.
بسبب الموقع الإستراتيجي المهمّ لحمص، كان التركيز دائما عليها. الواقع أن عملية السيطرة على حمص لم تبدأ البارحة. كانت هناك محاولات مستمرّة منذ سنوات طويلة لإخضاع المدينة التي هي في الأصل سنّية ـ مسيحية مع جيب علوي صغير يشمل بضعة أحياء فيها. شملت هذه المحاولات زيادة عدد العلويين في المدينة، إضافة إلى استحواذ أهل النظام على مساحات شاسعة من الأراضي عند مدخل دمشق المؤدي إلى حمص. هل صدفة ما نشهده الآن وما شهدناه في السنوات الثلاث الماضية من تهجير منظّم لأهل حمص شمالا ومن ربط بين حصار النظام لحمص وما تتعرض له قريتان شيعيتان هما نبل والزهراء في منطقة ذات أكثرية سنّية؟
من يتحمّل مسؤولية الظلم الذي لحق بأهل القريتين غير النظام الذي يمارس منذ فترة طويلة عملية تطهير عرقي مبرمجة في مناطق محدّدة بينها حمص؟
كان تطويق حمص دائما جزءا لا يتجزّأ من إستراتيجية النظام التي تصبّ في الإعداد للخيار البديل. هذا الخيار يعني وجود جيب علوي يمكن الدفاع عنه في حال اندلاع ثورة شعبية أدّت إلى خروج آل الأسد من دمشق لسبب أو لآخر…أو حتّى لو استطاعوا البقاء فيها، لكنّهم فقدوا السيطرة على كلّ سورية.
يشكّل الانقضاض على حمص ذروة الفشل لنظام طالما حاول تفادي التعاطي بشكل جدّي مع الداخل السوري. لعب هذا النظام دائما ورقة القمع في الداخل. حاول في كلّ يوم تغطية هذا القمع عن طريق رفع شعارات فضفاضة من نوع «المقاومة» و«الممانعة». كانت ورقة إثارة القلاقل في لبنان واحتلاله والعمل على تدميره أهمّ الأوراق التي لعبها النظام السوري منذ ما قبل استحواذ حافظ الأسد على السلطة كلّها واحتكاره لها.
في حمص انتهت لعبة حلف الأقلّيات التي سعى النظام إلى ممارستها، بالخفاء، انطلاقا من لبنان. قامت تلك اللعبة، التي باتت مكشوفة، على عناصر ثلاثة.
يتمثّل العنصر الأوّل في التحالف مع إيران، التي تمتلك «حزب الله» في لبنان من جهة، وفي حصر التمثيل الشيعي في البلد بالحزب الإيراني وحركة «أمل» المدجّنة سوريا وإيرانيا من جهة أخرى.
أما العنصر الثاني فكان ضرب القيادات السنّية، بدليل ما حلّ بالرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وقبله بكلّ زعيم سنّي حاول أن يرفع رأسه وصارت له حيثية وطنية تتجاوز طائفته. كان القتل أو التهجير مصير كلّ زعيم سنّي لبناني له شأنه تحوّل بالفعل إلى زعيم وطني قادر على الجمع بين اللبنانيين…
أما العنصر الثالث فكان يقوم على إضعاف المسيحيين كي يصبحوا تابعين للعلوي السوري. استُخدم السلاح الفلسطيني في البداية من أجل تحقيق هذا الهدف. وقد ترافقت عملية إثارة الصدامات بين المسيحيين والفلسطينيين مع محاولات لإيجاد انقسامات في ما بين أبناء الطائفة المسيحية نفسها. كان المطلوب دائما أن يكون المسيحيون في مواجهة مع المسلمين وحتى مع الدروز منهم، كي يدّعي النظام السوري أنه يتولى حمايتهم، على غرار حمايته للأقلّيات في الداخل السوري. كان المطلوب دائما، في حال غياب صدامات مفتعلة بين المسلمين والمسيحيين، إيجاد حروب بين المسيحيين أنفسهم.
تبدو سيطرة النظام على القسم الأكبر من حمص تحوّلا أساسيا على الصعيد السوري. هذه السيطرة تمّت بفضل الدعم الإيراني والروسي. هذا الأمر لم يعد سرّا. هذه السيطرة تعني أوّل ما تعني أن البحث بدأ جدّيا في كيفية إقامة جيب علوي تمهيدا لإعلان الدولة العلوية أو ما يشبه ذلك. إنّها تعني أيضا أن خيارات النظام باتت محدودة، خصوصا بعدما قرّر بشّار الأسد البقاء في السلطة وحدّد موعدا للانتخابات الرئاسية في الثالث من يونيو المقبل واختار من سينافسه، شكلا، في الانتخابات المعروفة نتيجتها سلفاً.
الأهمّ من ذلك كلّه، أن روسيا وإيران اختارتا أيضا إقامة دولة علويّة في سورية ونشر الفوضى في كلّ المناطق الأخرى، خصوصا في الشمال السوري. من قال إنّ إدارة أوباما ومعها إسرائيل ضدّ هذا الخيار الذي لا يزال يواجه مشكلة الوجود السنّي الكثيف على طول الساحل السوري؟ لا يمكن الاستخفاف بهذه المشكلة بأيّ شكل، على الرغم من المحاولات التي بذلها النظام في السنوات الأربعين الأخيرة من أجل تغيير التركيبة السكانية في المدن الساحلية الكبيرة، في مقدّمها اللاذقية وطرطوس وبانياس…
الرأي

 

 

كيف قاد تقاعس الغرب إلى سقوط حمص/ نديم شحادة
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) — في نفس الأسبوع الذي شهد سقوط حمص بأيدي نظام الأسد، اتفقت الولايات المتحدة وبريطانيا على استئناف تزويد المعارضة بأسلحة غير فتاكة. وفي الوقت الذي يبدو فيه القرار ذا رمزية مهمة جدا إزاء معارضة بحاجة ماسة إلى أي نوع من الدعم، فإنه أيضا يحتوي على رمزية أخرى مفادها أنّه من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى فرض التوازن على القوى المتنازعة على الأرض.
وتعدّ مساعدات الولايات المتحدة وبريطانيا عديمة الأهمية عندما تقارن بما يتلقاه النظام السوري من حلفائه مثل إيران وروسيا. والهدنة في حمص نتيجة واضحة لفشل الدعم الغربي للمعارضة وللدعم الكلي الذي يتلقاه النظام من حلفائه.
ومن شأن ذلك أن يعطي إجابات عن ظاهرتين: الأولى هي خيبة الأمل إزاء إدارة أوباما لدى غالبية حلفائها العرب والمعارضة السورية التي شعرت بأنه تم التخلي عنها من قبل الولايات المتحدة.
والظاهرة الثانية هي اعتبار كل من روسيا وإيران مساعدة ودعم النظام في سوريا كجزء لا يتجزأ من استراتيجيتهما السياسية والدبلوماسية، وهو ما يبدو أن والولايات المتحدة والمملكة المتحدة تنظر إليهما باعتبارهما إجراءين منفصلين: فإما تقديم الدعم العسكري للمعارضة أو الدفع باتجاه حل سياسي، لا يمكن القيام بهما في آن واحد.
المساعدات الأمريكية التي تقدر بـ27 مليون دولار، والأخرى البريطانية، وتصل إلى مليون جنيه إسترليني (1.69 مليون دولار)، في شكل مساعدات “غير فتاكة” كأنظمة اتصالات وأجهزة طبية ومواد غذائية، التي تم تعليقها في ديسمبر/كانون الأول، استؤنف تقديمها مجددا بعد فشل مباحثات “جنيف 2” لإيجاد حل سلمي للأزمة.
ومقابل ذلك، استمرت إيران وروسيا في تقديم مساعدات أكثر أهمية، سياسة الغرب في سوريا تعكس ضعفا، وترددا وافتقار للإستراتيجية، فيما أبدى الاثنان قوة وعزيمة، فاستراتيجيتهما تدخل في إطار استراتيجية أوسع لمواجهة الولايات المتحدة، التي كانت بدورها تضغط على حلفائها الإقليميين كتركيا والسعودية ودول الخليج الأخرى لتحجيم مساعداتهم للمعارضة السورية بدعوى استحالة الحل العسكري للأزمة.
المساعدات الإيرانية والروسية
من الصعوبة التقدير بدقة حجم المساهمات الروسية والإيرانية، فقد أشار تقرير المجلس الأوروبي للعلاقات الأجنبية، حول اقتصاد سوريا إبان الحرب، إلى مساعدات نقدية وامدادات نفطية بقيمة 5.8 مليار دولار في منتصف عام 2011، بالإضافة إلى تسهيلين ائتمانيين اثنين، بقيمة مجتمعة بلغت 4.3 مليار دولار في 2013.
ومؤخرا، زعم برهان غليون، الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، بأن المساعدات الإيرانية للنظام السوري تجاوزت 14 مليار دولار حتى اللحظة، وهو رقم قد يرتفع كثيرا حال تقدير حجم المساعدات العسكرية.
ما نعلمه هو وجود المئات من قادة “قوة القدس”، الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، في سوريا، إيران أيضا تسلح وتدرب حزب الله في لبنان وعدد من المليشيات العراقية التي تقاتل في سوريا، كما ترسل أسلحة وذخيرة. تأثير ذلك لا يطاق على الاقتصاد الإيراني، هناك العديد من المنشقين الإيرانيين من يعزون جانبا كبيرا من ضوائق الاقتصاد إلى تورط الحكومة في سوريا.
روسيا بدورها تقدم دعما اقتصاديا وعسكريا للنظام، بالالتفاف على العقوبات ودعم العملة السورية التي تطبع حاليا في روسيا، بجانب مساعدات عسكرية، تقنية ومعدات.
تشمل الحسابات كذلك مليارات الدولارات من الغرب في شكل مساعدات إنسانية تقدم عبر الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، معظمها يخصص للتعامل مع إفرازات الحرب كمشكلة اللاجئين، وتذهب البقية إلى النظام الذي يطوعها لصالحه في محاصرة أو استراتيجية التجويع التي اتبعها في حمص.
السيناريو بسيط، النظام قطع امدادات المياه والكهرباء والغذاء والوقود والمداخل، وباشر في قصف المدينة لإخضاعها باستخدام المدفعية والغارات الجوية والبراميل المتفجرة، ومن ثم تساعد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وبتمويل من الغرب، النظام وحلفائه للتفاوض حول الاستستلام، الذي يطلق عليه مجازا “وقف إطلاق نار محلي”، كما شهدنا مؤخرا في حمص وغيرها من المناطق.
استراتيجية مختلفة
التباين في الاستراتيجية فاضح: روسيا وإيران تعززان مساعدتهما العسكرية لتقوية موقف الأسد في المفاوضات، فيما تجمد أمريكا وبريطانيا دعمهما للمعارضة لدرجة قد تعتبر وسيلة ضغط لدفعهما تقديم تنازلات في المفاوضات، حتى آرون ديفيد ميللر، في تقرير مركز السياسة الخارجية، جادل بأن سبب تردد الرئيس باراك أوباما في مساعدة المعارضين في سوريا غايته عدم تعريض حواره مع إيران للخطر من منطق “لا يمكنك التفاوض وإطلاق نار في الوقت نفسه.”
قد يعود ذلك لاختلاف المفاهيم بشأن أهمية النزاع في سوريا، فالبيت الأبيض قد ينظر إليه باعتباره هامشي لدى تحويل اهتمامه بعيدا من الشرق الأوسط نحوآسيا، هذا يجعله نزاعا محليا تقف فيه جانبا بانتظار الطرف الذي سوف ينتصر، روسيا وإيران تلعبان لأجل تحقيق النصر، ويعتبرانها معركة استراتيجية بأهداف تتجاوز سوريا، ربما ضد الولايات المتحدة ونفوذها الدولي.
قد يجادل البعض بأن ما قد ينظر إليه كضعف أمريكي لا يقتصر فقط على موقفها من سوريا، ففي الوقت الذي يشعر فيه حلفاؤها بخيبة آمل بخذلانها لهم، أدى ذلك، في الوقت عينه، إلى تقوية ساعد أعدائها بالاعتقاد بإمكانية الاستفادة من الوضع.
لهذا السبب تعتقد روسيا بإمكانية الإفلات من تحركاتها الجريئة في أوكرانيا، في حين تعتقد إيران بإمكانية اللجوء لخدعة “الشرطي الجيد والآخر الخبيث الكلاسيكية، فالرئيس (حسن) روحاني، بابتسامة وتغريدة على تويتر يبدي رغبته في التفاوض حول اتفاق نووي فقط، أما الشرطي السيء، فهو الجنرال قاسم سليماني، قاد الحرس الثوري الإيراني، وله اليد العليا لمحاربة المصالح الأمريكية في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان ومناطق أخرى تنشط فيها قوة القدس.
الأمر مشابه للوضع في العراق عام 1991، عندما شجعت واشنطن انتفاضة، ثم تنحت وحلفاؤها جانبا لتشاهد مروحيات صدام حسين تسحقها، ليقتل خلال شهرين قدر ما فتك بشار الأسد من السوريين خلال السنوات الثلاث الماضية.

(باحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة شاثام هاوس، كما أنه المدير السابق لمركز الدراسات اللبنانية في جامعة أوكسفورد)، ما يرد في المقال يعبّر عن وجهة نظره ولا يعكس رأي CNN

 

 

وأباح المدينة لجنده/ حسام عيتاني
تتكرر هذه اللازمة في كتب التاريخ عند الحديث عن سقوط المدن بيد الاعداء، حيث يسجل المؤرخ تسجيلاً محايداً ان المنتصر بعد نجاحه في اقتحام الاسوار «أباح المدينة لجنده ثلاثة أيام بلياليها»، فسلب هؤلاء ونهبوا كل ما وجدوه وسبوا النساء والأولاد وقتلوا الرجال.
من النادر ان يعرب المؤرخ عن أسف صريح على استباحة المدن بسبب شيوع هذه الممارسة في زمن لم تكن معروفة فيه أي اخلاقيات للحرب خارج الخطوط العريضة التي يرسمها الأمير لجنوده او ما يتفق عليه مع وجهاء المدينة المُحاصرة الذين يخرجون عادة للتفاوض مع الغازي، إما لثنيه عن دخول البلدة او لتخفيف حجم النوازل التي يعتزم انزالها بهم وبها. لم يستطع بعض المؤرخين تجاهل أهوال ما شهدوه او سمعوا به والاكتفاء بالتدوين البارد، على النحو الذي فعله ابن الاثير الذي اسهب في الحديث عن تأثره حيال ما عاينه من جرائم الغزو المغولي.
نشهد في هذه الايام استباحة قوات النظام السوري ومؤيديه المسلحين لما تبقى من أحياء حمص القديمة بعدما أخلاها مقاتلو المعارضة. لم يترك الدمار الهائل وموجات النهب السابقة الكثير للجنود. رغم ذلك، ظهرت صورعدة لهم وهم يجمعون ما بقي بين الانقاض.
المثير للاهتمام انتشار أنباء عن مشاركة مدنيين من الموالين في نهب المدينة. ورغم وجود تأكيدات على ان التباسات عدة رافقت الصور هذه التي يبدو فيها عدد من السكان يجمعون ما سلم من اثاث منازلهم، إلا ان ثمة من يؤكد أن من بين النهابين مدنيين سمح لهم جيش النظام بمشاركته في جني فوائد انتصاره.
نهب الجيوش النظامية العربية «الحديثة» للمدن التي تحتلها وهي في الغالب الاعم مدن عربية بدورها، ظاهرة معروفة ومشهودة تؤكد على السمات «الاهلية» للحروب التي يشهدها العالم العربي والتي تسقط فيها الاتفاقيات والمعايير الدولية لمصلحة الكراهيات والاحقاد. غني عن البيان ان الجيش الاسرائيلي لا يردعه رادع عن اعمال النهب والسلب وما زالوا أحياء الشهود على رفعه مئات السيارات المدنية واثاث المنازل من بيروت وغيرها من المدن اللبنانية بعد دخوله اليها في 1982. (الجملة الاخيرة اضيفت حتى لا يخرج من يقول ان الجيوش العربية ليست وحيدة في هذا «النشاط»…).
وفي حمص، اضيفت الى ممارسة النهب الرسمي لقوات الجيش العربي السوري، ممارسة «جماهيرية» تمثلت في انخراط اعداد من الموالين في تحميل منازل المدينة القديمة وتعريتها مما احتوت عليه من اثاث ومقتنيات.
والحال ان هذا النوع من الاباحة «الاهلية» ينطوي على دلالات لعلها أكبر خطراً مما فعله الجنود. ذلك أن دخول المدنيين لسرقة منازل مواطنيهم، لا يكشف اخلاق اللصوص عند السارقين فحسب، وهذه اهون الشرور في ما نعاين، بل يقول ان المدنيين هؤلاء قد تماهوا تمام المماهاة في الصراع الدائر وانهم لم يعودوا يرون في اصحاب المنازل المستباحة غير أهداف للنهب ان لم يكن للقتل.
ويسلط السلوك هذا الضوء على سياسة التحريض والتفريق الطائفي التي فرضها نظام بشار الاسد على البلاد وأسفرت عن تعميق الانقسام الفئوي. تقول الصور الآتية من حمص والعشرات قبلها وشهادات لا تحصى عن اعمال انتقام وقتل ان الحدث الذي احدثه النظام بتشكيله «قوات الدفاع الوطني» التي ضمت في الاساس الشبيحة والرعاع، قد نجح في جذب اقسام كبيرة من السوريين الى خنادق الاحتراب الاهلي.
لا يعني ذلك أن الأسد هو مخترع الطائفية، بل انه ببساطة عازف النغمة الاعلى في نشيدها.
الحياة
اتفاق حمص» إيذان بسياسات معارٍضة ومقاتلة جديدة/ وضاح شرارة
في 7 أيار الجاري و8 منه خرج مئات من مقاتلي المعارضة المسلحة المعتصمين في بعض حارات حمص الداخلية منذ نحو السنتين، الى حافلات نقلتهم الى بلدات الدار الكبيرة وتلبيسة والرستن وتيرمعلة «الحرة»، على نحو 30 كلم الى الشمال من حمص. والمقاتلون الجالون عن متاريسهم وخنادقهم في احشاء حمص وثناياها المنيعة مروا بقوات النظام، وركبوا الحافلات، وسلاحهم الخفيف يتدلى من كتفهم، وأشرف على انسحابهم وسيط من الامم المتحدة. فغادروا البلد المحاصر والجائع والمقفر وغير الآمن الى بلاد «آمنة»، لا يخيم عليها طيف النظام الناري والقاتل. وبلغ المقاتلون غايتهم، أي البلدات والمدن القريبة، بعد وقت قليل، على الارجح، من ركوبهم سيارات النقل.
«عملة» المفاوضة
وهذا على خلاف انسحاب سابق، ومفاوضة سابقة عليه في اثناء انعقاد مفاوضات جنيف الثانية، قبل نحو 4 أشهر. فيومها وعدت إدارة بشار الاسد الامم المتحدة والهلال الاحمر السوري بعفو جزئي عمن يطلب العفو ويترك القتال، وبإجازة نقل مساعدات انسانية الى المحاصرين بحمص، وإخراج بعض الجرحى والمدنيين، في أثناء هدنة قصيرة. ولم يكد الموكب «الانساني» يبلغ أحد مداخل المدينة حتى انهمر الرصاص، وسقطت القذائف، فقتلت 5 مسعفين وجرحت العشرات. وكان تجمع نحو ثلاثمئة مسلح بموضع آخر، تخلوا عن سلاحهم وسلموه الى قوات النظام، وركبوا باصات النقل ومعهم رجال (ذكور) أعمارهم بين 15 و55 أرادوا الهرب من المجاعة والامراض والموت المداهم، فكان مصيرهم «الاختفاء»، على قول احد اعضاء الهيئة العامة السورية للثورة. فهم تولى نقلهم، وأسرهم والتحقق من هوياتهم والتحقيق معهم، بعض اهل القوة «النظاميين». ولم تحل رعاية الذمة والقول (الكلمة) بين النظاميين ومن يأتمرون بأمرهم وبين إطلاق يدهم وسلطانهم في الاسرى المستأمنين والعزل. فأُدخل هؤلاء في «قوم الليل» وطويته التي لا قرار لها.
والفرق بين المفاوضتين، وبين النتيجتين المختلفتين اللتين ادتا اليهما، مرده الى «العملة» التي قايض بها المعارضون حرية المقاتلين الجالين عن حمص المحاصرة. ففي المفاوضة على الثلاثمئة في كانون الثاني 2014، بادرت إدارة النظام الاريحي والكريم الى عفو غير مشروط إلا بطلبه والتماسه، وترك السلاح قرينةً على صدق النية والعزم. وصدَّق المحاصرون المنهكون البادرة، وليس بيدهم ما يشترون به التزام الادارة المراوغة واللئيمة عفوها المزعوم. فلم يقيد انتقامها وثأرها قيد معنوي أو مادي. وتلقفت ضحاياها بما يليق بـ»أخلاقها» وسياستها وأغراضها.
وأما مفاوضو إخلاء الألف والمئتين تقريباً الذين أُخلوا في 7و8 أيار، وحملوا سلاحهم فخرجوا مقاتلين معارضين وصامدين، كريمين وسالمين، الى غايتهم ومقصدهم، فاشتروا الإخلاء، وإلزام اهل النظام المراوغين واللئيمين به، بضمانات أكرهت المحاصرين والمتربصين على قبول حرية المقاتلين، والإقرار بكرامتهم وسلامتهم. و»عملة» شراء الحرية والكرامة والسلامة هذه المرة هي 45 رهينة من اهل النظام، فيهم أو بينهم 12 ولداً و3 نساء أسروا شمال اللاذقية في آب 2013، يوم أغارت الدولة الاسلامية في العراق والشام على بلاد العلويين، وأسرت بعضهم. وبين الرهائن جنود نظاميون يبلغ عددهم 28 جندياً فيهم ضابطان أسروا أو خطفوا في كسب. وزار اللواء ادريس، رئيس المجلس العسكري «الحر»، أطراف الشمال العلوي، وندد معارضون بالزيارة.
السوق بعد العملة
وفي «احتياط» الشراء امرأة ايرانية أو أكثر قيل قول كثير في دورها في حمل مفاوض ايراني نافذ على المفاوضة وحسمها في غضون شهرين. وقيل ان في الضمانات والقيود على المفاوض النظامي رهائن روس. والأمر الثابت أن نظير إخلاء مقاتلي حمص الباقين، في غير حي الوعر الطرفي والمحاصر الذي يعد «مئات الآلاف» من الاهالي واللاجئين إليه، قبلت كتائب اسلامية تحاصر بلدتي نُبّل والزهراء الشيعتين بريف حلب الافراج عن بعض التموين الى أهالي البلدتين الجائعتين والخائفتين والمروعتين شأن حمص ودواخلها. وكادت المقايضة تتعثر حين أنكر بعض مسلحي حلب من جبهة النصرة، وكالة «القاعدة» الاصلية والرسمية في قيادة «الشيخ» أيمن الظواهري، مفاوضةً و»مصالحة وطنية» و»فك الحصار عن نبل والزهراء (و) هم الذين قتلونا» وتراخياً في «تحكيم الشريعة في البلاد»، على ما قال أو كتب بعض أهالي حي الشعار في حلب وشطرها المعارض.
و»عملة» المعارضة وبعض جماعاتها-وتغلب عليها كتائب وفصائل اسلامية «جهادية» وإرهابية ويقاتل بعضها بعضاً، وتحكم حيث تحكم (في ريف دير الزور ومدينة الرقة وجوار معرة النعمان على الخصوص) بالقطع والتعزيز والحدود والمحاكمات الميدانية مصدرها غارات وغزوات وسطو وتخويف وخطف. ولا تعف الغارات والغزوات لا عن النساء ولا عن الاولاد والاطفال. والمغيرون مسلحون، بديهة، ويتنقلون في عربات وسيارات، ويأكلون ويشربون، ويبيتون في معاقل أو معسكرات. وهذه كلها تقتضي تمويلاً وتمويناً باهظين. وكان مصدر التمويل والتموين والتسليح «التبرعات» الحكومية والفردية، وجَوْد الاثرياء وسخاؤهم، أم كان ثمرة «المصادرات» (في لغة… لينينية ستالينية ترطن بها جماعات متفرقة)، أي السطو والقتل والبغي، فلا بد في عمليات مثل غزوة «بلاد العلويين» في 3 آب 2013 أو مثل مداهمة كسب، وحصار نبل والزهراء واقتسام عدرا، و»حكم» حي الشعار الحلبي وأرياف دير الزور والطبقة وغيرها، من تمول وتمون وتسلح، ومصادرها هي هذه.
ولا بد من هذه الوسائل أو مثلها، ومن تحصيل عملة المقايضة والشراء التي تلزم النظام بالمفاوضة حين تسنح الفرص، إذا شاء المقاتلون أو رغبوا في الخروج من حصار مدنهم وحاراتهم الطويل والمدمر على غير شاكلة الضحايا والطرائد المنذورين للخداع والصيد والتعذيب والقتل. وجمع احتياط يعتد به من هذه العملة القيِّمة والنافذة وحدها في سوق المبادلة ورفع الحصار وإقرار الهدنة وضمان السلامة التي تساوي الاراضي الوطنية طولاً وعرضاً، يستنفد طاقات الحركات «السياسية»- العسكرية كلها، ويشغلها وقتاً كاملاً. وهو (أي جمع احتياط عملة المفاوضة الناجعة) يستغرق سياسة الحركات «السياسية» العسكرية، ويصرف السياسة كلها، من استمالة القوى وخطط تحالفاتها ومناهج عملها وبرامج العمل وغيره مثله، الى تحصيل ما يُقايض به على تخفيف الحصار عن حي هنا، أو الاقتصار على قصف جوي بالرشاشات الثقيلة بديلاً من القصف بالبراميل والخزانات 4 مرات في اليوم الواحد هناك، أو نقل بعض الجرحى والمرضى بموضع ثالث. واليوم، تفاوض بعض «كتائب» حلب النظام على الاقلاع عن القصف اليومي بالبراميل والخزانات لقاء توزيع مياه الشفة على أحياء يقيم بها موالون وأنصار النظام.
وتفترض المفاوضة على احتياط عملة المقايضة أو المبادلة وجود السوق التي تصلح اطاراً عريضاً ومشتركاً للمبادلات القادمة. وحين يقول محافظ حمص النظامي ان اتفاق حمص وأحيائها الداخلية، وهي لم يبق من أهلها فيها غير المئات، يصلح نموذجاً لمفاوضة حي الوعر الخارجي الكبير الذي يعد أربعمئة الف مقيم ونازح ومهجر، فهو يقر بوجود السوق العريضة وحقيقتها هذه، وبمرجعيتها السياسية. فمادة العلاقات والمفاوضات غير العسكرية بين الجماعات المسلحة والمتقاتلة «السورية»- و»الدولة» جماعة من هذه الجماعات، وهي سورية مختلطة ومهجنة مثلها، وربما تفوقها اختلاطاً وهجنة- هي سيطرة الجماعات بالقوة وعنوة، ومن طريق القصف والقنص والخطف والجوع والمرض وقطع الطرق والارهاب، على مناطق وسكان وموارد ومواصلات. واطار السوق هو هذه.
وزعم بعض موظفي النظام المستولي ان المفاوضة أعادت «حمص» الى «الدولة» جملة أكاذيب كبيرة وفاقعة. وليس صحيحاً، طبعاً، أن حمص كانت في عهدة أهلها حين كان بضع مئات من أهلها يلوذون بطرقها الضيقة وسراديبها وبيوتها المتصلة سطوحاً وكهوف مونة وآباراً. فهي، في كلتا الحالتين، ميدان حرب غير متكافئة.
«العمل» السياسي
وصنعت سياسات الحروب السورية الكثيرة ، الامنية والاهلية والمذهبية والاقليمية البلدية والاقليمية الدولية والاجتماعية والسياسية والايديولوجية، اطار السوق وقوانين معاملاته وأسعار صرف عملاته. فهي آذنت بالانخراط الكامل والمستميت في ارساء العلاقات السياسية «المنزلية» على الحرب والبوليس والارهاب. ودعت أهلَ السياسة، وهم «المواطنون» عموماً أو الناخبون والناخبات من غير تمييز ومن كل الجماعات الاهلية والاجتماعية، الى «حضور» سوق القتل والترهيب التي افتتحتها علناً وجهاراً، و»البيع والشراء» فيها من غير قيد أو شرط غير قيد امتلاك العملة المناسبة شرطها. وعلى المثال الذي يقضي بطرد العملة الفاسدة والمزورة العملة الجيدة والقويمة، وإخراجها من المبادلات، بادرت «الدولة» العصبية وأجهزتها وطواقمها الى إغراق المقايضة والمفاوضة السياسيتين على التشريع والقوانين والحقوق والسلطات والتمثيل وتعريف الجماعات الوطنية وعلى التوزيع والريوع والعوائد، في طوفان اعتقالات وتحقيقات وتعذيب وقمع وقتل متعمد وحصار.
فلم يبقَ من السياسة المعروفة والمفترضة، الموروثة على هذا القدر أو ذاك من الادارات الاصلاحية الاستعمارية والانتدابية الليبرالية والاستقلالية الاولى، شيء يذكر أو أثر بعد عين. وكانت هذه السياسة، على التباسها، تدعو من ينوون مباشرتها والتصدي لمشاغلها الى الاعلان عن برامجهم ومقاصدهم، وتسويغها بمصالح ورغبات وغايات يرونها عامة ومشتركة، ويقترحون طرائق وخطوات قمينة بإبلاغ الجماعات التي يتوجهون عليها بدعوتهم وجمعيتهم الغايات المشتهاة والمرسومة. وحملت العلانية والعقلانية، المضمرة في مقارنة الوسائل بالغايات واحتساب الاكلاف، اهلَ السياسة، من القواعد الى القيادات، على المنافسة على التمثيل والادارة الوطنيين والمحليين البلديين. وحملتهم على المناقشة والاحتجاج والتحالف والخصومة، وعلى الحشد والتظاهر والاضراب والاعتصام. واحتسبت الحياة السياسية، وكتلها وأحزابها وحركاتها وجماعاتها، وقتاً أو زمناً يفصل اعلاناتها عن انجازاتها المتوقعة. وعلى هذا الوقت يدور «العمل» السياسي: الاقناع والتأليب والاقتراح وعقد الاحلاف والمفاوضة على أبواب البرامج وعلى توزيع المغانم والخسائر. وهذا كله يفترض وقتاً ومساومة ونزولاً عن امور وتغييراً في ترتيبها. وشأن الدولة والحاكمين لا يختلف عن شأن المعارضين. فمن يَحْكمون عليهم المفاوضة على الاجراءات المزمعة، والسهر على تماسك الصف الحاكم والمؤتلف، وتوفير الموارد، والامتثال لمعايير اضطلعت بدور حقيقي في تعريف هوية الكتلة السياسية وولاء جمهورها وصداقة أصدقائها…
الأجهزة الخاصة
وهذه الصورة للسياسية او عنها تبدو اليوم- ويكاد يملأ «اليوم» هذا «الستين سنة» المنصرمة على قول المصريين المنتفضين في أوائل 2011 منذ استيلاء عبد الناصر وضباطه على حكم مصر، وجدده الانعطاف الفلسطيني في 1967- 1973 ونفخ فيه الولي الفقيه الخميني الايراني في العقد التاسع، واستأنفته «الجهادية» الارهابية عشية الحملة الاميركية على العراق وغداتها – تبدو حلماً زهرياً لا يمت للوقائع القاسية، مثل «ضياع» فلسطين وأنظمة أسر ملاكي الارض وغلبة الولاء والانقياد لأعيان الجماعات الاهلية على التمثيل والتوزيع والانقسامات والتبعيات الى معسكرات، بصلة. (وملاحظة دوام هذه الاحوال وتفاقم و»إغنائها» بحروب أهلية مزمنة وارتهانات لا فكاك منها وهجرات نازفة واعتيال اجتماعي وشعبي واستبداد ذريع وثقافة ركيكة، ليست، عنيت الملاحظة، من قبيل نفاد الصبر على الاجابة والمقارنة المعللتين، فهي توجب نفسها حكماً). وما لابس هذه السياسة من حوادث ووقائع قاسية ومهينة لم يكن من بناتها، ولا من نتائجها، على خلاف مزاعم «الانقلابيين» الذين تذرعوا بالملابسة والمواقتة الزمنيتين الى وصم المثال السياسي الليبرالي والمدني بالقصور والعجز والتواطؤ. وذلك على مثال أحمر (شيوعي) وأسمر (فاشي) شاع في أوروبا الثورية، يميناً ويساراً، وتبعث فيه سياسة فلاديمير بوتين العمودية الاوراسيوية و»الارثوذكسية» رمقاً لاهثاً.
والانكار والطعن العمليان على مثال سياسي يسعى في تولي أصحاب المصالح (والاهواء والتواريخ) بأنفسهم وأيديهم صنع ما يريدون ويصبون اليه، على شرط إسهام المعارضين فيه واعتبار علل معارضتهم وخصومتهم، تمثلاً أو تجسداً في منظمات حزبية طليعية وجماهيرية معاً. وقدمت هذه المنزع العملي، أو «التقويم باليد» ومباشرة الفرض والاكراه على منازع الدعوة والتحريض والاقناع والمساومة. وترجمت المنزعَ العملي المباشر فروعاً أو منظمات عسكرية سرية ألحقتها بالأمين العام التنفيذي وحده، وأخرجتها من الجسم الحزبي المشترك والعلني أو الظاهر على هذا القدر أو ذاك.
وعلى شاكلة التنظيم السري، الإخواني المصري، تولت الفروع أو المكاتب العسكرية الحزبية اغتيالات الشخصيات المؤثرة. وأردفت بجهاز الاغتيالات جهاز تأهيل حرسي حزبي، أو قوات حزبية عسكرية تعد العدة لانتفاضة وشيكة تمهد الطريق لها بواسطة اغتيالات وأعمال تخريب تقود الى حرب أهلية وربما إقليمية، ويعول على انتصار قوات الثورة فيها على الرجعية وأذناب الاستعمار وبياعي فلسطين وعملاء التروستات والثقافة الغربية الحرام (قبل «بوكو» وطالبان ومرشد الباسدران وبعدهم). وقوات الدفاع الوطني (في «الساحل السوري» وريفي دمشق وحمص) والمقاومة الاسلامية (في «أرياف» لبنان القروية والبيروتية) وألوية اليوم الموعود وعصائب اهل الحق (أبو الفضل العباس)، الى «القاعدة» ووكالاتها المحلية والحرس الثوري والمتطوعين (الايرانيين) والمنظمات الفلسطينية المسلحة، تتحدر نظراً وعملاً من منظمات حرس أو قوات خاصة ومكاتب ولدت، منذ ثلاثينات القرن الماضي، بنواح متفترقة من عالم عربي مسحور.
وَوَلدت المنظمات والمكاتب والفروع العسكرية السرية، ومن ورائها أحزاب (ثم – دول) جماهيرية حكماً، أنظمة وحركات مسلحة شعبية وأهلية تزاول السياسة أو تدبير «الدول والمجتمعات» على المثال الحرسي والقواتي الخاص والعملي، إياه. وهذا المثال لا ينتظر تبلور «الشعب الواحد والمنتصر»، على قول فيديل كاسترو أو اللواء علي سعيدي أو زميله الجنرال يحيى رحيم صفوي، ولا ولادته من حوادث تاريخية مجلية ومشتركة فعلاً وليس عدداً، فيباشر فوراً بلورته وتوليده: يستدرج الجيران الى شن حرب عليه، ويعلن التعبئة العامة ومعها طوارئ أوسع عمومية، ويعمل التصفية والتطهير في هيئات الحكم والادارة ، ويصطفي نخب أهل مناصبه، وينشئ في الاثناء هيئاته وأسلاكه وأجسامه الموازية والخاصة، ويملي قوانينه ومعاييره، ويغلق حدوده، ويقتطع أرخبيل محمياته وولاياته ومعازله من فتات الدول والاوطان والمجتمعات القريبة ويستتبعها. وفي سبيل تثبيت الاقتطاع والاستتباع ينتهج السياسة نفسها أو يؤيد المثال الذي سبقه واهتدى إليه حليفه: ينشئ قوة أهلية ومسلحة موازية، وينفخ في نزاع اهلي دامٍ، ويدمج القوة الاهلية في كيان الدولة ويلحق هذه بالقوة الاهلية…
«الدولة» ـ «المقاومة»
وعلى هذا، قامت «المقاومة»، أي منظماتها الاهلية المسلحة وأجهزة دولتها الظل والنقيض و»مجتمعها الخاص» (الشيخ سليمان ضاهر العاملي)، محل الدولة والمجتمع معاً، وقام منطقها العملي والمباشر محل «المفاوضات» العقيمة والطويلة وخوائها. فلا تقتضي مساندة «فلسطين» التظاهر، والانتداب الى مجالس التشريع والسلطة التنفيذية، وتضامن الجمهور الطوعي ونزوله عن بعض احتياجاته، وتصور الحلول الجزئية والمرحلية ثم المتكاملة، وابتكار علاقات إقليمية من صنف جديد، واختبار هذا وصيغه… وينوب عنه، وعن مطاولته، ندب مناضل مدرب أو اثنين، وسفرهما بوثيقة قيد مزورة وجواز مزور الى بلد عربي كبير ومضطرب، وفي جيبه دفتر شيكات عالي الرصيد ووكالة تجارية ملفقة تصلح ذريعة الى مخالطة الناس وانتخاب خلية من العملاء المجاهدين. ويتولى هؤلاء رصد الملاحة في قناة السويس، عسى ولعل، ومراقبة السجون وجوارها والاعداد ربما لتحرير مساجين مجاهدين أسهموا في أعمال اغتيال من قبل، وروابطهم بـ»الروافض في إيران» (أبو محمد العوناني، أحد مقدمي الدولة الاسلامية في العراق والشام) قوية.
وعلى هذه الشاكلة، لا جدوى من منافسة رجل مثل رفيق الحريري في انتخابات نيابية عامة كثيرة المداخل والمخارج، ولا تؤمن نتائجها على رغم جعل البلد مرتعاً لحركات المقاومة وأممها وفروعها وأجهزتها منذ ربع قرن. فالأيسر بما لا يقاس اغتيال الرجل وبعض انصاره وحلفائه. فهذا يعجل في شق السنة والشيعة الوطنيين. ويرفد الانقسام العراقي البطيء، ويسرع سريانه في الميدان الحيوي الذي يهيمن عليه الاميركيون وينازعهم «الجهاديون» والعروبيون السنة وقادة الحركات المهدوية والخلاصية الشيعية وراعيها الفيلقي. والاغتيال يحرر الجماعة الحرسية والخمينية المسلحة المحلية من العقد المخاتل الذي يقيدها بالدولة، وترعاه الاستخبارات السورية واستطلاعها، ويحول بين القيادة الحرسية وبين التلويح بمهاجمة الجماعة المحلية «الكيان الصهيوني»، أو الهجوم فعلاً مع ابتداء صدور قرارات مجلس الامن في الصناعة النووية العسكرية الايرانية (في 11 تموز 2006) وحصارها. وعلى هذا المنوال، ناب استعراض مسلح خاطف تولاه اصحاب القمصان السود الطاهرة من كل رجس عن تسمية كثرة نيابية رئيسَ وزراء عنيداً وعدواً. وتنوب اليوم مقاطعة نيابية متكتلة عن امتحان انتخابات رئاسية، على رغم تمديد ولاية برلمان انتخب غداة الاغتيالات المتسلسلة، وغداة الانتصار الساحق في حرب مجيدة واسطورية، وغداة استمالة الولي الماروني المنتظر الى الصف المهدوي المدجج والسخي والطاهر. والمناظرة البيانية الطويلة مع العدالة الدولية، والمحكمة الخاصة بلبنان، استحوذت على شطر ثمين من وقت وجهد وخطابة أمير الجماعة الحرسية المسلحة (- لبنان) من غير طائل غير تظهير جهل عظيم ومغرض بفقه الأدلة والتحقيق وبجغرافية بيروت. وأقرب متناولاً تهييج البذاءة الاعلامية والصحافية على المحكمة وقمعها وانتهاكها الحريات والسيادات.
وغداة يقظة الكرامة والشجاعة و(حس) المصلحة العامة في جمهور السوريين، في شتاء 2011، لم يدم تردد رأس «العصابة»، دون مخالبها الامنية والميدانية، غير أيام قليلة. واستيقظت الانفعالات المتراكمة التي أدت، في 1960، الى انشاء المكتب العسكري، وانقلاب 1966 على انقلاب 1963، ثم انقلاب 1970 على انقلاب 1966 واستئصال الخصوم المحتملين في الاثناء. ومذذاك، تولت «النخبات» (خير الدين حسيب) أو اهل «الصفوة» (زيد بن علي) استئصال مقومات انفصال الجماعات واستقلالها (استقلالهم) بميل أو هوية أو تاريخ أو مصلحة على حدة، ومعها مقومات سياسة تشبه الليبرالية على أضعف معانيها. وبلغ من غلبة المثال السياسي وتسيده على العلاقات العصبية والبيروقراطية الريعية التي نهض المثال عليها ان مفاجأة المعارضة السياسية الداخلية بيقظة الكرامة والشجاعة والمصلحة العامة في السوريين لم تقل عن مفاجأة رأس النخبات المستولية.
فلم تدرك، على خلاف المخالب الامنية والميدانية العصبية ومعها العصابات «الجهادية» التي امتحنتها المقاومة العراقية في شقيها، أنها تنتمي، واليقظة المفاجئة، الى طور سابق وآبد من السياسات ومزاولتها، على رغم تحدر معظم جماعات المعارضين من الشيوعية والناصرية وفروعهما. فهتافاتها، مثل «الشعب السوري ما بينهان» و»الشعب السوري واحد» و»لا خوف» و»الله وسوريا والحرية وبس» و»ارحل ارحل يا بشار»، تعول على ما تركت الحركات والمنظمات السياسية، اي الاهلية العصبية المسلحة، التعويل عليه، ولو على سبيل التشبيه والتضليل، منذ وقت مديد. وعندما أقر بعض أعضاء المجلس الوطني السوري بأن المجلس، وهو غلب عليه الاخوانيون أي أقرب الجماعات الى المثال الانقلابي، لا يمثل المتظاهرين والجنود «الاحرار» الذي استقالوا من جيش الاغتيالات والخطف والسرقات، فهم لم يعدوا الحقيقة المرة.
والاقرار لا يعالج المشكلة، على افتراض احتمال علاج أو جوازه، وليس خطوة على طريق حلها، على ما ظهر جلياً في الاعوام الثلاثة المنصرمة. فما يدعو اليه المثال السياسي الغالب هو ما يصنعه المفاوضون على خروج مقاتلي حمص، ومن وراءهم من «الدولة» والنصرة والجيش الاسلامي ومئات الكتائب والعصابات الاخرى. وما يصنعه المفاوضون على مبادلة 1500 أسرة محتجزة في عدرا العمالية بـ1500 رهينة بأيدي قوات ماهر وبشار الاسد في عدرا الصناعية. وهذا «خبر» نعته بالمؤسف تقليل لئيم من فظاعته. ومصدِّق لخبر، أو احتياطه من الصدق والحقيقة، هو هول عشرات الآلاف من القتلى (والقَتَلة) السوريين، وهول خراب العمران وهيام المنقطعين والمهجرين على وجوههم.

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى