صفحات سورية

إذا حكم «الاخوان» سوريا سأهجر بلادي

 

 


حسين جمو

سقط قناع الاخوان المسلمين في سوريا مبكرا جدا حتى قبل اختتام المؤتمر السوري للتغيير في انطاليا التركية. فبينما كانت دماء قتلى الانتفاضة تسيل في أزقة الرستن وتلبيسة، وضع ممثلو الاخوان في المؤتمر عصاهم الغليظة في عجلة المؤتمر «المريب» ليصر على معارضة بند في البيان الختامي يؤكد على علمانية الدولة السورية بعد إسقاط النظام البعثي.

أفضل ما خرج به المؤتمر هو تأسيس صندوق الاغاثة لدعم الانتفاضة وعائلات القتلى في الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد، وأسوأ ما خرج به هو تكريس مشاركة الاخوان المسلمين لمرحلة ما بعد الأسد بما يفوق حجمهم الحقيقي.

الاسلاميون في المؤتمر قفزوا على الخطوات الملحّة، وتزمتوا في التمسك بهوية الدولة التي يفترض أن تطرح كآخر نقطة في عملية الصحوة الديمقراطية التي تشهدها سوريا والمنطقة. يريدون هوية دينية تشير إلى الاسلام كمرجعية للحكم.

أولاً، المؤتمر لم يكن فاشلاً، لكنه دعم موقف المترددين من الأقليات الدينية في سوريا تجاه القلق من مرحلة ما بعد التغيير. حيث أن الأسد ما زال يملك القوة على الأرض، ولم يفقد السيطرة بعد، ومع ذلك يتصرف الاخوان وكأن النظام سقط وهناك فراغ دستوري!.

ثانياً، لا يحق للمشاركين جعل هذا المؤتمر وقراراته مرجعية لسوريا المستقبل. جميعهم يعلم أنهم لا يمتلكون التفويض الشعبي لتمثيلهم. لكن نظراً للظروف الاستثنائية وحجم التضييق الهائل على النشطاء في الداخل، اكتسب المؤتمر صفة تمثيلية نسبية كان الأجدى أن لا تتجاوزها إلى صفة التمثيل المطلق. وبطبيعة الحال لا يمكن تشريع «مرجعية سياسية» في ظل ظروف غير طبيعية تمر بها سوريا. عندما يسقط النظام سيكون للشعب كلمته التي أهدر خمسة عقود ليعثر عليها، وهي «الحرية» بدون رتوش الاخوان.

ثالثاً، لهجة الخطاب المتكبرة التي تحدث بها ممثل الاخوان ملهم الدروبي أو ممثل إعلان دمشق في الخارج أنس العبدة، ورش الورود والكلام المعسول على الحكومة التركية يظهر انتماء هذه الخطاب إلى عقلية النظام. كما كشفت بشكل جلي حجم الهوة التي تفصله عن ثورة الشباب التي تريد تحطيم المرجعيات (قومية أو دينية او طائفية) كي لا يعيش جيل الثورة هاجس تكرار نموذج القداسة السياسية التي يريد الاخوان استبدالها بالقداسة الدينية. وغالبية الشعب سيقول كلمته: «لا هذه ولا تلك، وإنما الحرية». وأمام تكبر الاخوان لا بد من ان يسمعوا ما يلي :«أعتقد أن الأكراد (على الأقل) مستعدون لكل شيء (أكرر: كل شيء) لضمان دولة متعددة القوميات ومتعددة الأديان والطوائف». لا عودة للأحادية، ولا قداسة إلا للحرية.

رابعاً، لم ينتفض الشعب السوري لتمكين الاخوان من الحكم. بل الاخوان يتحملون نصف المسؤولية عن الدكتاتورية التي جثمت على صدور السوريين طيلة عقود. وكتوضيح : لا يحق لي ولا لغيري الاعتراض على المشاركة السياسية للاخوان في حكم سوريا، لكن تلويحهم بـ«الشريعة» و«لا علمانية الدولة» في وجوه من يختلفون معهم سيعني وفقاً للشريعة التي ينادون بها أن المختلفين معهم كفّار. كيف لي أن أعيش في سوريا تحكمها الشريعة الاسلامية؟. وكلما خالفتهم سيقولون : أنت تخالف القرآن. ولا طاقة لي على مثل هذا الاتهام.

لا رجعة عن هدف إسقاط النظام لدى العلمانيين أو الاسلاميين. ما يطمئن ان كل الأطراف أحرقت خط الرجعة. والخطوة الضرورية المقبلة يجب ان تأتي من الطائفة العلوية. حيث مستقبل سوريا بدون النظام الحالي أمر لا يقبل الاحتمال، إنما هي مسألة وقت فقط. ويبقى انضمامهم من الآن إلى الحراك المعارض بأي طريقة إنما ضرورة «علمانية».

خارطة المعارضة توضحت تماما بين علمانيين ومتدينين. ومن يريد دولة مدنية ديمقراطية عليه الانضمام إلى الحراك العلماني المعارض حيث غالبية السنة وكل الأكراد، لتبقى أقلية اخوانية قد تتضخم في حال بقيت الطوائف الأخرى خارج الحراك الثوري.

شخصياً، أكبر دليل لدي على تخبط الاخوان المسلمين وطفولتهم السياسية في مؤتمر انطاليا هو هذا المقال الذي ما كانت هناك حاجة إليه ولا يناسب هذه المرحلة التي تراق فيها دماء أشرف السوريين لولا ما شهدناه منهم في ديار أردوغان. أرجو من الاخوان أن يفكروا بحجز مكان لهم في سوريا بدلا من التفكير بحجز سوريا لأنفسهم.

ايلاف

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى