صفحات مميزةعزيز تبسي

إستدراج الضعفاء للموت/ عزيز تبسي

بعد أن إكتشفت وإختبرت مكاتب المقاولات الرياضية، أعماق العنف الإستبدالي، والضرورة المجزية مالياً من إستثماره عند الجماعات المضطهدة والمهمشة، عكفت على تنظيم وإستثمار حفلات صاخبة ومثيرة للمصارعة الحرة (الأمريكية)والملاكمة الإحترافية، ويتفق قبلها على كل العناصر الدرامية والأجور، كيف ستوجه الضربات، وكميات الدم المسال، والمفاجآت التي ينبغي الإعداد لها بعناية للإستزادة في تمتع الجمهور وهياجه. تعود عناصر هذه الحفلة الدموية إلى زمن قديم، ربما إلى الرومان، حين كانوا ينظمون مهرجانات القتل في الملاعب الرياضية، التي وزعتها الإرستقراطية العسكرية الحاكمة، على أربع أطراف إمبراطوريتهم، وباتت من لوازم سيطرتهم على العامة وفق مؤرخي تلك الحقبة من الزمن، كان قد رصدها المؤرخ: ول ديورانت في موسوعته قصة الحضارة، وتكون المعركة غير متكافئة، بين السجناء المنهكين المحطمين المنذورين للموت، بموجب أحكام قضاء ديموقراطية مالكي العبيد، والكواسر من الأسود والفهود . ويتم تجويع هذه الضواري قبل المأدبة، ليتعزز الدافع عندها لتمزيق الفريسة الميتة من الرعب. وبفعل الغباء والعادة التي يرسخها التكرار المبتذل للحدث عينه، يجتمع العامة على المدرجات، ليترقبوا نتيجة المعركة بين الأسود الجائعة والسجناء العراة، اللذين لا يملكون وسيلة مقاومة سوى أكفهم المرتجفة، والمهارات الغريزية التي تتصاعد حينما يتلاصق الدفاع عن الحياة بالموت، الآتي مع براثن الكواسر وأنيابها الحادة، لكن هذا الذي يحصل ليس موتاً، بين قضمات أنياب أسد هصور وتمزيق براثنه للحم الحي المختلج، إنها سلسلة طويلة من الآلام والميتات. ولكن ماذا لو نجا السجين مما أعده له الحراس ومنظمي المهرجان الدموي؟ سيتأخر قتله لحين الموعد الآتي من المباراة-المذبحة. وكان قد توسل الشاعر الإسباني فيدريكو غارسيا لوركا إلى قائد الفصيلة الفاشية المكلف بقتله، وفق رواية “هيجان-جوزيه دي فيلالونغا: لا تقتلوني على مرأى من القمر” وطالب مناضل من تشيلي من قاتليه، اللذين إستوقفوه على حاجز عسكري “أرجوكم لا تؤلموني”، وحين أخرج جندي بولوني شاب ورقة من جيب سترته الداخلي ومدها نحو العسكري النازي العجول “أرجوك، هذه الرسالة لأهلي” نظر القاتل في الرسالة ليتأكد من عنوان البلدة المرسل إليها وتمتم” لقد سبقوك إلى الموت” وبرشقة رصاص مزقهما معاً. علم هؤلاء جميعاً بأن لا فرار من الموت، ولكنهم طالبوا في اللحظة الأخيرة بموت مختلف، أقل بهائمية، سريع، وربما بلا أوجاع. فعل مالكو العبيد الرومان هذا المهرجان الدموي وتبنوه ووفروا له كل وسائل الإستمرار، كوسيلة لتفريغ العنف في مكان مأمون بعيداً عن السلطة وإمتيازاتها، وتذكير الجمهور بمصير من يخرج عن الرضوخ من العبيد بمصير هؤلاء اللذين تمزقهم الضواري في حلبة المصارعة، كأنما ليضعوا الأسس الصلبة لدرس تربوي-تأديبي، في الطاعة. القبائل البدائية وفق العديد من كتابات الباحثين في علم الإناسة، كانت تحرص على التكافؤ في حروبها، القبائل الإسترالية “الهمجية” قدمت الأسلحة للبيض غير المسلحين قبل الهجوم عليهم، وبعض قبائل الهنود كانت تتقاسم البارود مع أعدائها، وقبائل لم تكن تقبل إنهاء مباراة كرة القدم-بعد أن وصلتها قواعدها وأصولها-إلا بالتعادل بين الفريقين المتباريين وتكاد تمدد المباراة إلى زمن يفوق زمنها بكثير ،حتى تدرك هذه النتيجة. كتب فوستو أنطونيوني :”أن الحقد هو أهم ما يميز عدوانية الإنسان عن عدوانية الحيوان، فليس هناك حقد عند الحيوانات، فالحقد هو عدوانية تسامت حتى تجاوزت البيولوجي كلياً، كي تصل مرتبة نفسية خالصة. “نقلاً عن مدخل إلى سيكولوجيا الإنسان المقهور-د. مصطفى حجازي. النية المخادعة في إظهار معركة متكافئة إظهار المعركة الإستعراضية بين الثور بقدراته الطبيعية-البيولوجية، جسمه الثقيل الحيوي المرن ،قرنيه المدببين القاسيين، وغضبه الدائم من الإستفزاز، الذي يقوم المصارع بجسده الفتي ولباسه الزاهي الملون ورايته الخفاقة وحصانه العالي وحزمة السيوف الصقيلة، المجلوخة بمزاج الجزارين اللذين تأخذهم الشفقة على إيلام ضحاياهم، حين يجري ذبحهم من الوريد إلى الوريد، وستغدو في شروط أخرى، فضيلة بعد حفلات الذبح الفاشي بالسكاكين المثلومة. ينبغي التعرف الدقيق على بيولوجية الثور ومزاجه، للعمل الدؤوب على إنهاكه بالجري الطويل والدوران المرهق حول الحلبة، وسبر نقاط ضعفه، كرغبة في تمتيع الجمهور بإطالة عمره الإفتراضي ، قبل غرز النصال بالتتابع في ظهره، من فوق صهوة الحصان. الجميع يعلم نتيجة هذه المعركة، ربما بإستثناء الثور الوحيد في الحلبة، لن ينجده أحد، ولن يسعف جروحه أي من هؤلاء الأطباء المنتظرين في الغرف المطلة عليها…الجميع في خدمة الفارس.. الجمهور الذي لن يتوقف عن الصياح والتشجيع، طاقم الإطباء، سيارة الإسعاف… لم يبلغه أحد يوماً وهو يمرح في السهوب بهذه المصارعة غير المتكافئة، التي تسمى عنوة مصارعة الثيران الإسم الرائج لحفلة قتل الثيران، المعركة التي لا تنتهي إلا بقتل الثور، وركوعه الدامي على قائمتيه الأماميتين، أمام إنتعاظ الفارس وهياج جمهوره. تصغير القتلى مقدمة لتصغير الجريمة حين حوصرت المخيمات الفلسطينية في طرابلس1983 وبيروت1986 وقصفت بلا هوادة وجوّعت وقطعت عنها مياه الشرب لأشهر، قال القتلة، في إجابة على سؤال لم يتجرأ أحدٌ على طرحه، هؤلاء ليسوا فلسطينيين، إنهم عرفاتيون فحسب. وحين أنزلت أغلب أحياء مدينة حماة فوق أهلهاشباط1982،وقف القتلة فوق الأنقاض، وأعلنوا أنهم يحبون “الحمويين” والنواعير ونهر العاصي وحديقة أم الحسن….، وكان لابد من “تطهير” المدينة من رجس الإخوان المسلمين، اللذين “للمصادفة” كان قد فرّ أغلبهم من المدينة، بعد فشل تجربة إمارتهم الإسلامية. وبعد أن سوي مخيم نهر البارد بالأرض، يخرج القتلة كذلك ليؤكدوا أنهم يحبون الفلسطينيين وبيارات البرتقال والليمون، ولكنهم يكرهون فتح الإسلام. وبعد كرم الزيتون، والقبير، والحولة، والتريمسة، وكفر عويد ،وكن صفرا………..هؤلاء ليسوا فلاحين مسالمين مأخوذين بسكينة الدجاج وطاعة الخراف…..إنهم عراعير-نسبة للداعية الطائفي-الفاشي عدنان عرعور-. ليس في فم القتلة الفاشيون ماء ،كما يتوهم الأغبياء والطيبون على السواء، في فمهم كلام….كلام هو المتمم والمستكمل الشرّطي للفعل الفاشي،كأنهم “يحبون” من يخالفهم إما ميتاً أو في مقامه. عزيز تبسي حلب آب2012

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى