صفحات العالم

إسرائيل والنظام السوري والتلاعب بقضية الدروز

 

 

قامت فصائل من المعارضة السورية المسلحة أمس الجمعة بفتح معركة «كسر القيود عن حرمون» والتي تواجه فيها قوات للنظام السوري و«حزب الله» اللبناني والميليشيات المحلّية المساندة للنظام في المنطقة. الهدف من المعركة، حسب الفصائل، هو فتح الطريق بين الغوطة الغربية وبلدات ريف القنيطرة، وخصوصاً بلدة بيت جن المحاصرة منذ عشرة أشهر.

لتحقيق الهدف المذكور هاجمت الفصائل المذكورة حاجزاً عسكريا على مدخل حضر، وهي بلدة سكانها من طائفة الموحدين (الدروز)، فقتل تسعة أشخاص وجرح 21 آخرون. تبع ذلك اشتباك مع قوّات النظام ومع عناصر ميليشيات محلّية مساندة له، كما انطلقت مؤازرات لفصائل محلية في محافظة السويداء لمساندة قوات النظام والميليشيات المساندة له، كما حاول متظاهرون دروز من أهالي الجولان المحتل اقتحام الشريط الفاصل من جهة مجدل شمس المقابل لبلدة حضر «فزعة» لمواطنيهم وأقاربهم في القرية المقابلة، متهمين إسرائيل بتسهيل مرور فصائل المعارضة السورية.

ردّت إسرائيل على الاتهام على لسان الناطق الرسمي العسكري، أفيخاي أدرعي، بأنها لم تساعد ولن تساند «أي جهة إرهابية للمس بسكان قرية حضر»، أما المتحدث باسم الجيش، الجنرال رونن مانيليس، فقال إن الجيش الإسرائيلي جاهز «لمنع تعرض حضر للأذى أو الاحتلال كجزء من التزامنا إزاء المجتمع الدرزي».

النظام السوري في المقابل، بدأ قصف بلدة بيت جن المحاصرة بصواريخ أرض أرض، وأعلن على لسان جيشه، قتل القائد العسكري لمعركة «كسر القيود عن حرمون»، وعن استعادة قواته السيطرة «على تل الوسيط غرب حضر وأن معارك عنيفة تشهدها التلال المحيطة بالبلدة».

«القدس العربي» كانت قد نشرت على صفحتها الأولى أمس خبر اغتيال مسلحين في محافظة السويداء للمساعد بدر سليمان أبو حبيب، مدير سجن فرع الأمن العسكري الذي يترأسه العميد وفيق ناصر، على خلفية الغضب الشعبي الكبير داخل السويداء من اختطاف ميليشيات تابعة للنظام لفتاة قاصر، ويمثّل هذا الاغتيال تطوّراً مهمّاً يؤشّر لتصاعد التوتّر داخل المحافظة مع إمكانية واضحة لمناوشات يقودها ناشطون معارضون دروز ضد القوى الأمنية المخضّبة بدماء أبناء البلدة والوالجة في قضايا التعذيب والاغتيالات والابتزاز المالي.

قيام الفصائل المعارضة السورية بمحاولة فكّ الحصار عن بلدات الغوطة الغربية هو جزء من حيثيّات الصراع المستمر منذ الثورة السورية عام 2011، ولكنّه (أرادت هذه الفصائل أم لم ترد) يفتح تعقيدات طائفيّة وإقليميّة هي جزء من عدتي اشتغال النظام السوري وإسرائيل وطرقهما لشقّ الاجتماع السوري والفلسطيني على خلفيّات طائفيّة ودعاوى عتيقة، استخدمتها المنظومة الكولونيالية التي كانت تحتل البلاد، وورثتها أنظمة الاستبداد والاحتلال والاستيطان بكامل تفاصيلها، بل وزادت عليها الاستثمار في تأليب البدو على الحضر، والريف على المدينة، والقوميّات والإثنيات والطوائف والمذاهب على بعضها البعض.

من جهة أخرى، فإن الاتجاه الذي اتجهته بعض فصائل المعارضة بعد فشل الحراك السلمي نحو السلفيّة الجهادية المتطرفة، جعل الأقلّيات، وبينها الدروز، في وضع صعب، وجاءت مجزرة قتل 24 مدنيا درزياً في قرية قلب لوزة في ريف إدلب، عام 2015، على يد «جبهة النصرة»، لتصنع شرخاً هائلاً لا يمكن تجاوزه، وبالنسبة لكثيرين من الدروز، لم يعد الفرق بين فصائل المعارضة و«النصرة» مهمّاً، كما لم يعد مهمّا أن «النصرة» نفسها، انشقت لاحقاً عن «القاعدة»، وبدأت اتخاذ مسار سياسي وعسكري مختلف، يحاول تجاوز كوارثها السابقة. لقد دخل سيناريو ثورة المظلومين على النظام، منذ وقت طويل، في مجموعة كبرى من السيناريوهات الداخليّة المعقّدة.

رغم كل ما قلناه إن اتهام بعض أهالي مجدل شمس لإسرائيل بمساعدة الفصائل السورية المسلحة على دخول بلدة حضر يصبّ في طاحونة ادعاء النظام السوري الدفاع عن الدروز، وهو خطاب خطير يضع الدروز في مواجهة مع باقي السوريين، ويستبطن في داخله فكرة أن الدروز أقليّة في خطر، على النظام (وإسرائيل) حمايتها من «الإرهابيين المسلمين».

الاستسلام لهذه الفرضية يغفل في داخله دور الدروز المهم في مقاومة الاستبداد على اشكاله، وتشكّل أسماء مثل سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى أيام الاحتلال الفرنسي، وشيخ الكرامة فهد البلعوس، وعشرات آخرين، منارات مضيئة، ليس للدروز فحسب، بل للسوريين أجمعين.

القدس العربي»

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى