صفحات الثقافةهيفاء بيطار

إصـلاح ثقـافـي؟


هيفاء بيطار

يقع المركز الثقافي السوري في باريس في إحدى أجمل المناطق، قريبا من نهر السين، وهو بناء جميل من ثلاثة طوابق، بناء رائع حقاً، فسيح وأنيق، الطابق الأول يضم مكتبة وأمينتها، والطابق الثاني يضم قاعة محاضرات واسعة، ومكاتب للعاملين، ومكتب رئيس المركز الثقافي…

ولا يخفى على أحد أن معاشات العاملين وخاصة مدير المركز الثقافي، كبيرة لدرجة يسيل لها اللعاب…

وبسبب زياراتي المتـكررة لباريس، غالبـــاً مـــا كنتُ أزور هذا المــركز، وفي كل مرة أخرج بالانطباع ذاته، خيبة أمل فظيعة تقارب اليأس المطبق…

ولقد كان لي الحظ أن أقدم محاضرتين فيه، باللـغة الفرنسية، وقد قدمتهما لأننــي موجـــودة أصلاً في باريس، إذ لم توجه إلي أبداً دعــوة. والحجة المطروحة دوماً أنه لا توجد ميزانية لاستضافة أدباء!… إذاً كانت محاضرتي نوعاً من العمل التطوعي…

وخلال زياراتي المتكررة لفتت نظري الأمور التالية:

أولاً: إن بعض السوريين العاملين فيه لا يكادون يلمّون باللغة الفرنسية، وتم تعيينهم بناء على المحسوبيات أي بالواسطة… حتى إن إحدى العاملات اعترفت لي صراحة أنها لا ترد على الهاتف لأنها لا تفهم كلمة من اللغة الفرنسية فكيف ترد؟!

ثانياً : نجد في الطابق الأول كومة من الجرائد السورية، «البعث» و«الثورة»، لكنها تعود لأشهر مضت؟!! وهي مكومة بلا مبالاة ولا أحد يخجل أن هذه الجرائد قد مضى عليها أشهر.

أما مدير المركز الثقافي فهو مدير خـُلبي، إذ لا توجد نشاطات ثقافية حقيقية، مجرد مـعارض رسم متباعدة لرسامين غالبيتهم أجانب، بمعدل نشاط أو نشاطين خلال شهر كامل…

لا أعرف كيف عليّ ـ وعلى كل الشعب السوري خصوصاً المعنيين بشؤون الثقافة ـ أن يحلوا تلك المعادلة المخزية، الدولة تدفع الملايين لموظفين محنطين في مبنى رائع، ولا يوجد نشاط ثقافي حقيقي، والحجة المقدمة دوماً: لا توجد ميزانــية لاستضافة أحد، سواء كان كاتبا أو مفكرا أو رساما؟!…

حتى إن أحد الكتاب السوريين زار باريس منذ سنوات وقدم محاضرة في المركز الثقافي السوري، ثم رغب في أن يسافر إلى مدريد ليقدم محاضرة في المركز الثقافي السوري هناك، ولأن مدير المركز الثقافي السوري في باريس وقتها أحس بالإحراج فقرر أن يدفع تكاليف سفر الكاتب من باريس إلى مدريد… لكنه فوجئ أنه بعد أن دفع المبلغ ـ وهو بسيط ـ أن جهة رسمية مسؤولة عن الميزانية قد طلبت من الكاتب أن يعيد المبلغ، وأن يكون سفره من باريس إلى مدريد على حسابه…

لا أفهم لماذا هدر المال بهذه الطريقة لهياكل ثقافية محنطة، وميتة، ولا تقدم شيئاً…

أظن أن الإصلاح الثقافي هو حجر الإصلاح، خاصة أن عملية الإصلاح كلٌ متكامل… أليس من الأفضل إغلاق هذا المركز الوهمي وعدم هدر كل الأموال الطائلة رواتب وضماناً صحياً، وإلى ما هنالك، لموظفين أهم صفة يتمتعون بها أنهم في غير مكانهم المناسب…

لماذا دوماً نردد من دون جدوى: الرجل المناسب في المكان المناسب؟ هل الخطأ في الرجل أم المكان أم في من يتحكم بالرجل والمكان؟!

أتمنى صدقاً لو يُغلق المركز الثقافي الفرنسي لأنني في كل مرة كانت خيبتي تزداد وتكبر، وأتحسر على هدر المال وإعطاء رواتب خيالية لمدراء غير كفوئين ولا يستحقون ولا يقدمون شيئاً للثقافة…

وبعد، في عصر العولمة، حيث صار بإمكان كل مواطن أن يطلع على ما يريد وهو جالس أمام الشاشة، ما عاد بإمكان أي مسؤول أن يختبئ ويتوارى، الكل يعرف ضحالة المركز الثقافي السوري في باريس، وخواءه، وفقره الثقافي…

فمتى ندق وتد الإصلاح في عاصمة النور باريس، لأن سوريا مهد الحضارة والأبجدية، يليق بهـا أن تتأنق وتتباهى بثقافتها ومثقفيها في الغرب، خاصة في عاصمة فرنسا الرائعة باريس.

هيفاء بيطار

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى