صفحات سوريةعبدالله تركماني

إصلاح سوري حسب مقاس سلطة الاستبداد

 


عبدالله تركماني

لم يأتِ الخطاب الثالث للرئيس بشار الأسد بشيء من شأنه أن يفتح الآفاق أمام الحلول السياسية للأزمة السورية التي تتفاقم منذ أكثر من 40 سنة وصولاً إلى المأزق الحالي، وذلك بسب تغليبه لغة القمع والتنكيل والقتل والسحل على لغة الحوار السياسي الجدي مع أطراف معارضة معروفة منذ تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي في أواخر سبعينيات القرن الماضي مروراً بنشطاء المجتمع المدني الذين حددوا مطالب الشعب السوري في بياني الـ 99 و الـ 1000 ناشط بُعيد بداية العهد الجديد في عام 2000 وكذلك وثيقتي إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في سنتي 2005 و 2007 وصولاً إلى خريطة طريق التغيير الوطني الديمقراطي لتنسيقيات الثورة السورية في أوائل شهر حزيران/يونيو الحالي، الأمر الذي قد يؤدي إلى انسداد الأفق السياسي بشكل شبه كامل.

كلّ ما سمعناه هو أنه أكد على ” إصلاح قديم ” حان وقت البدء فيه الآن، ليس لأنّ الشعب السوري غاضب عليه وعلى نظامه، ولا يريده، وإنما لأنّ ” أولويات ” نظامه ” الممانع ” تطلبت تأخيراً أو تباطؤاً في تحقيق ” إصلاح ” كان متفقاً عليه سابقاً منذ سنوات.

إنّ ما جاء في هذا الخطاب، كان عبارة عن رسائل قديمة جددها الرئيس أمام السوريين والعالم، وهي: سورية مستهدفة وما يجري فيها منذ أكثر من ثلاثة أشهرٍ ليس إلا مؤامرةً تقودها جهات خارجية، وتنفذها ” جراثيم سورية “، سلفية، تكفيرية، في الداخل. وأنها ماضية في ” مشروعها الإصلاحي “، كما تشاء سلطة الاستبداد، وفي الأدوات التي تراها مناسبة لها.

ويبدو واضحاً أنّ الأسد الابن لم يدرك بعد عمق التحولات الديمقراطية التي شهدها العالم بعد سقوط جدار برلين في عام 1989، لأنه لا يزال مصرّاً على حكم سورية اليوم من ” وحي ” القبر، بقبضة أبيه الماضية، كإصراره على تعليم السوريين من دفاتر ” مقاومة ” أبيه الماضية. فهو لم يفهم، حتى اللحظة، أنّ في اعترافه بفشلٍ ماضٍ فرصةٌ كبيرة لنجاحٍ قادم، وفي تصحيح ذاته أمام الشعب ترجيحٌ لمستقبل سورية. لذلك اعتبر أنّ ما يحصل في الشارع السوري الآن له ثلاثة مكوّنات: أولها، هو صاحب حاجة أو مطلب يريد من الدولة تلبيتها. وثانيها، يمثله عدد من الخارجين على القانون والمطلوبين للعدالة بقضايا جنائية مختلفة، عددهم يفوق الـ 60 ألفاً، وجدوا في مؤسسات الدولة خصماً وهدفاً لأنها عقبة في وجه مصالحهم غير المشروعة ولأنهم مطاردون من قبل أجهزتها. وثالثها، الأكثر خطورة بالرغم من صغر حجمه وهو يمثل أصحاب الفكر المتطرف والتكفيري ” هذا الفكر الذي اختبرناه وعرفناه منذ عقود عندما حاول التسلل إلى سورية واستطاعت أن تتخلص منه بوعي شعبها وحكمته. ‏ واليوم لا نرى هذا الفكر مختلفاً عما رأينا منذ عقود فهو نفسه وما تغير هو الأدوات والأساليب والوجوه “. فهل يريد السيد الوريث أن يعيد سورية إلى ذكرى مجزرة حماه في عام 1982 وعشرينيتها السوداء ؟ ‏ التي أثبتت أنّ مناعة سلطة الاستبداد تكمن في أجهزتها الأمنية والعسكرية، مع بقاء المؤسسات الأخرى ضمن الماكينة الإعلامية للنظام لا أكثر.

وهكذا، في ظل احتكام القوى الأمنية للعنف، كما وجدناه البارحة في حملة شبيحة السلطة على المبيتين الجامعيين لدمشق وحلب، وغياب أي أفق حقيقي لإجراء إصلاحات عميقة، وصل الشعب السوري إلى قناعة مفادها أن انتهاء انتفاضته من دون الحصول على نتائج سياسية حقيقية، تنطوي على تفكيك النظام الأمني والتوجه نحو نظام سياسي معاصر قوامه عقد اجتماعي وسياسي جديد يقوم على تعددية سياسية حقيقية ومؤسسات تؤمّن الكرامة والحرية للمواطن السوري، سيؤدي إلى الانتقال لمرحلة أسوأ مما كانت عليه الأمور قبل بداية الانتفاضة يوم 15 مارس/آذار الماضي.

وفي الواقع لا يمكن لسلطة مستبدة، تقوم منذ سنة 1970 على الإدارة الأمنية للأزمة السورية بكل تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، أن تتحول إلى مؤسسات راعية ونزيهة وعادلة تحترم حقوق الإنسان وكرامته.

وعليه فإنّ ما جاء في البيان الصادر عن لجان التنسيق المحلية في سورية حول الخطاب يساعد على إنارة طريق الشعب السوري نحو الحرية والكرامة، إذ ورد فيه ” لم يقترب الخطاب حتى من كونه خطاب أزمة وطنية تعيشها البلاد منذ ثلاثة أشهر، وأصر على التعامي عن حقائق أصبحت جلية لمن يريد أن يرى. أهمها رغبة السوريين وإرادتهم من أجل الانتقال ببلدهم إلى نظام ديمقراطي حر تعددي.

لجان التنسيق المحلية في سورية ترى في الخطاب المذكور تكريسا للأزمة من قبل النظام الذي يتمترس وراء الإنكار والتعامي عن رؤية الواقع الجديد الذي فرضته ثورة السوريين المستمرة حتى تحقيق مطالبها. وفيه تجاهل كامل لجرائم الأجهزة الأمنية التابعة للنظام التي ارتكبت أعمال القتل والتمثيل بالجثث واعتقال الآلاف من المتظاهرين والنشطاء والذين لا يزال مصير معظمهم مجهولاً حتى اللحظة.

وترى في دعوة الحوار المزعوم التي وردت في الخطاب مجرد محاولة لكسب الوقت على حساب دماء السوريين وتضحياتهم “.

إنّ المواطن السوري، الذي يعيش منذ 48 سنة في ظل حكم ذي مرجعية استبدادية، يريد حكماً ذا مرجعية ديمقراطية. كما أنّ الشعب السوري بات يدرك أيضاً أنّ ثمة دستوراً وضع على مقاس نظام رئاسي مركزي، يتمتع بصلاحيات تفوق صلاحيات كل المؤسسات. ويعرف أيضاً أنّ الرئيس يستطيع، بقرار رئاسي، أن يدخل التعديلات، التي تدفع إلى تغيير مرجعيات الحكم، من دون لجان أو حوار مفبركين من الأجهزة الأمنية، فيما إذا أراد أن يقود عملية إعادة بناء سورية المستقبل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى