صفحات الناس

سلاح المعارضة السورية.. يقصف ولا يحسم

 

يصنع في ورش خراطة بخبرات المنشقين والأجانب.. وقذائف الهاون أبرزها

بيروت: «الشرق الأوسط»

لم يكن كشف «الجبهة الإسلامية»، أكبر التشكيلات العسكرية في سوريا، عن أنها تمتلك مصانع ذخيرة محلية الصنع في البلاد، مفاجئا. فمسار الأزمة التي امتدت على طول البلاد وعرضها لأكثر من ثلاث سنوات، في ظل «الشح» بالدعم العسكري لمقاتلي المعارضة السورية، دفع مقاتلي المعارضة إلى محاولات «الاكتفاء الذاتي من السلاح».

واستعانت تلك القوات، بحسب قيادي ميداني معارض، بخبرات «الضباط المنشقين عن القوات النظامية، وبخبرات المقاتلين الإسلاميين الذين سبق أن قاتلوا في العراق»، ما أسهم في توفير ذخيرة أساسية لقوات المعارضة، لكنها لم تعطها القدرة على الحسم.

يقتصر الحديث عن التصنيع العسكري عند المعارضة السورية على ثلاثة وجوه بشكل أساس، تقول مصادر المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إن أبرز إنجازات الصناعة المحلية هو تصنيع قذائف الهاون بعيارين متفاوتين، واستخدمت على نطاق واسع في دمشق وريفها. والثاني هو تصنيع المواد المتفجرة من المواد الكيميائية لتستخدم في العبوات الناسفة وعمليات التفخيخ. أما الثالث فكان تطوير الصواريخ المحلية الصنع، بما يمنحها قدرة على الوصول إلى مناطق أبعد جغرافيّا، علما بأن هذه الصناعة اقتصرت على حشوات الصواريخ وهيكلها المعدني، من غير أن تصل إلى صناعة الرأس المتفجر نفسه.

ولم تظهر صناعة المعدات العسكرية عند المعارضة السورية، طوال ثلاث سنوات، قبل أن تعلن «الجبهة الإسلامية» عن استحداث مدفع «جهنم»، قبل أسبوعين بموازاة استحداث «جبهة النصرة» مؤسسة التصنيع العسكري، أطلقت عليها اسم «بأس»، من غير أن تكشف تفاصيل الصناعات. ويشير مسار الاعتماد على الذات في تصنيع سلاح فعال في الميدان، وخصوصا في مناطق ريف دمشق المحاصرة، إلى الاعتماد شبه الكامل على جهود ذاتية لمواصلة القتال ضد النظام الذي يستخدم المدرعات وسلاح الجو وأحدث الصواريخ.

ويأتي الاعتماد على السلاح المحلي الصنع، تعويضا عن «الشح» الذي تلا مرحلة الاستيلاء على غنائم عسكرية، هي ذخائر ومدافع وبنادق آلية خفيفة ومتوسطة، من مخازن ومقار القوات النظامية التي تجري السيطرة عليها. وقال مصدر قيادي معارض في شمال سوريا لـ«الشرق الأوسط» إن «خبرات المنشقين من الجيش النظامي، وخبرات المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا خارج سوريا في السابق، وخصوصا العراق، أسهمت في التوصل إلى منظومة صناعة للذخيرة، تعوض عن النقص بالمعدات العسكرية»، مشيرا إلى أن معظم خبرات المقاتلين الأجانب «تركزت على صناعة المواد المتفجرة، بما يتخطى الذخائر والسلاح». وقال المصدر: «من يستطِع تكرير النفط بطريقة بدائية، لن يستعصي عليه تصنيع الذخيرة». وبينما تطورت صناعة مدافع الهاون بشكل قياسي، منذ بداية عام 2013، لم تتمكن قوات المعارضة من إنتاج كمية كبيرة من الصواريخ المحلية الصنع. وترجع المصادر ذلك إلى «عدم الاعتماد بشكل أساس على الصواريخ في المعارك، كون منصاتها ستكون مكشوفة»، لكن «استخدامها لقصف المناطق البعيدة المدى، وتتجاوز الـ10 كيلومترات مثل قصف ريف اللاذقية، يجعل الحاجة إليها أكثر إلحاحا». وأوضح أن تصنيع الصواريخ المحلية الصنع «اقتصر على تطوير صواريخ الغراد ومدها بحشوات دافعة إضافية، وتشكيل جسمها المعدني أحيانا، بعد توفر رؤوسها المتفجرة».

وبينما تتنافس الكتائب المقاتلة في ما بينها من أجل تطوير عتادها العسكري، تفوقت «الجبهة الإسلامية» بصناعة قذائف المورتر التي تطلق من مدافع هاون في ريف دمشق، بعد تحويل ورشات الخراطة الصناعية في المليحة وجوبر وغيرهما من مناطق الغوطة الشرقية لدمشق، إلى مصانع تنتج ما يزيد على ألف قذيفة مورتر من عياري 80 و120 مللم شهريا، وهي كمية تغطي أغلب الجبهات جنوب ووسط سوريا إضافة إلى العاصمة وريفها.

وبثت الجبهة الإسلامية تقريرا مصورا عن أحد معاملها المنتجة لقذائف الهاون والصواريخ المحلية الصنع، تحدث فيه أحد قادة الجبهة، قائلا: «بدأنا التصنيع بصانعة الألغام والقنابل اليدوية، وذلك نتيجة الحاجة في ظل قلة الموارد».

وتتشارك الجبهة الإسلامية مع فصائل أخرى موجودة في حلب، كانت أول من صنع قذائف المورتر، ما أعطى المعارضة قدرة أوسع على التحرك، لكن المقاتلين في الجيش الحر لم يتمكنوا من صناعة السلاح، وكانت الجبهة الإسلامية أول من أعلن صناعة مدفع «جهنم» بعد ثلاثة أشهر من العمل المتواصل، حيث يتميز المدفع بقدرته على إلقاء قذائف يزيد وزنها على 200 كيلوغرام، إلى مسافة تقارب خمس كيلومترات، بقدرة تفجيرية تعادل تفجير براميل الموت المتفجرة، التي تلقيها الطائرات المروحية لقوات الأسد.

ويوضح مقاتلون من الشمال أن هذا المدفع يمكنه إطلاق قذائف يبلغ وزنها من 5 كلغ إلى 40 كلغ، كما يمكنه إطلاق 15 قذيفة دون أن تتأثر سبطانته»، كما تفوق قدرته التدميرية مساحة 200 متر مربع، كما يحتوي على منصتين لإطلاق الصواريخ محلية الصنع وأبرزها صاروخ «روهينغا» في مؤشر إلى «المسلمين المضطهدين في بورما، ميانمار».

ويؤكد أحد المقاتلين في كتائب «أحرار الشمال»، المتمركزة في محافظة إدلب أن «نيران هذا المدفع بدأت يغير من شروط المعركة الميدانية لصالح المعارضة»، مشيرا إلى أن «مساحة التفجير التي تحدثها قذائفه كبيرة جدا مقارنة بالأسلحة الأخرى التي يصنعها المقاتلون». ويقول المقاتل المعارض إن «مدفع (جهنم) جرى استخدمه للمرة الأولى في معركة القصاص لأهلنا في بانياس، وكان لاستخدامه الأثر الكبير في تحرير الكثير من الحواجز النظامية في إدلب».

وتصنع حشوة مدفع «جهنم» من جرار الغاز المسال المستخدمة للأفران في البيوت والمحال التجارية، حيث يقوم صناع هذه القذائف بثقب جرة الغاز وحشوها بمادة «TNT» المتفجرة، إضافة إلى مواد أخرى شديدة الانفجار غالبا ما يجري استخراجها من الصواريخ والبراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات النظام السوري على القرى والبلدات السورية ولا تنفجر. ويوصل بالمقذوف «جرة الغاز» أسطوانة قطرها نحو خمسة إنشات بطول نحو 90 سم تعبأ بالبارود ومواد دافعة أخرى، إضافة إلى مسمار الاشتعال في أسفل الأسطوانة الطولية، ويتراوح وزن هذه القذائف بين 20 إلى 30 كلغ.

وبموازاة الكشف عن هذا المدفع، انفردت جبهة «النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة وحدها في إنشاء مؤسسة لـ«التصنيع الحربي»، بحسب ما أعلنته على حسابها على موقع «تويتر» ويتركز عمل المؤسسة الذي أطلق عليه اسم «بأس»، وفق مصادر جهادية، على «مجال التطوير والإنتاج الحربي القائم على أسس علمية مؤسسية لم تشهدها الساحات من قبل». وتأتي هذه المؤسسة ضمن مشروع بدأت به «جبهة النصرة» منتصف العام الماضي هدفه صناعة بعض أنواع الأسلحة والذخائر اعتمادا على آلات ومعدات استولت عليها من المصانع ومعامل الدفاع في مناطق سيطرتها.

ونقلت «مؤسسة المنارة»، التي تعتبر الذراع الإعلامية للجبهة عن المسؤول الجهادي قوله إن «المؤسسة تنتج اليوم الكثير من مدافع الهاون بعيارات مختلفة مع قذائفها، إلى الكواتم وقطع غيار لبعض الأسلحة، وقواعد بعض المدافع الرشاشة إلى مخازن كلاشنيكوف والعبوات والصواعق وغيرها، هذا بالإضافة إلى الصواريخ».

وإذا كان مراقبون يتوقعون أن تتمكن جبهة «النصرة» في القريب العاجل من تحديث بعض المدافع وتطوير مداها، قال ناشطون إنه يجري تحويل بعض المستودعات في مدينة حلب إلى ورش لتصنيع الأسلحة، حيث يعمل عناصر المعارضة على مخارط عملاقة مستخدمين رقاقات معدنية، كما يستخرجون مادة «تي إن تي» من الصواريخ التي أطلقتها القوات النظامية عليهم ولم تنفجر ويعيدون تعبئتها في أسلحتهم، وبحسب الناشطين فإن العاملين في هذه الورش يستعينون بمواقع على «شبكة الإنترنت» لإتقان صناعة الأسلحة البدائية.

لكن هذه الأسلحة التي يجري تصنيعها ليست فاعلة في الحرب التي تخاض على الأراضي السورية، بحسب ما يؤكده الخبير العسكري العميد المتقاعد نزار عبد القادر لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن «نوعية هذه الأسلحة متخلفة جدا». ويقول: «هي عبارة عن مدافع هاون يجري تصنيعها عبر أنابيب معدنية، إضافة إلى قذائف لهذه المدافع يستخدم المتفجرات في تصنيعها داخل ورش صناعية استولت عليها المعارضة السورية».

وتظهر أشرطة فيديو بثها ناشطون على موقع «يوتيوب» مصانع للسلاح تنتشر في ريف إدلب شمال سوريا الخاضع بمعظمه لسلطة المعارضة. ويوضح عبد القادر أن معظم هذه المصانع عبارة عن ورش «خراطة»، لافتا إلى أن «هذا السلاح ليس فاعلا ولا يمكن أن يؤدي إلى تغيير المعادلات الميدانية، لا سيما أن النظام يملك قوة نارية هائلة وأسلحة ذات مدى بعيدة لا تمتلكها المعارضة ولا تستطيع تصنيعها».

ويضيف عبد القادر: «هذه النوعية من الأسلحة يمكن أن تستخدم في حروب المواقع السريعة بحكم سرعة حركة تركيبها وفكها، وكذلك استخدامها على النقيض من النظام الذي يستخدم عادة أسلحة ثقيلة يسهل استهدافها».

ولا تمتلك المعارضة السورية أي خبرات تقنية بين صفوفها تشرف على تصنيع هذه الأسلحة، فالضباط العسكريون الذين انشقوا عن النظام وانضموا إلى المعارضة معظمهم من قطاعات المشاة الذين تقتصر خبراتهم على الخطط الميدانية، لكن الخبير العسكري نزار عبد القادر يؤكد في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن تصنيع مثل هذه الأسلحة البدائية لا يحتاج إلى خبرات تقنية أو أكاديمية، إذ يكفي أن تتوفر المواد حتى تجري عملية التصنيع»، ويضيف: «تصنيع مدفع الهاون يحتاج فقط إلى وجود أسطوانات وأحيانا يجري الاستعانة بشرائح معدنية من أجل تطوير المدى».

وبحسب أشرطة الفيديو التي تبث على مواقع المعارضة، فإن المشرفين على تصنيع الأسلحة هم من المقاتلين العاديين وأحيانا من سكان القرى ذوي الخبرات الصناعية. وتتركز معظم مصانع المعارضة في مناطق الشمال السوري، لا سيما في إدلب وحلب.

وتعد الجبهة الإسلامية التي تشكلت نهاية عام 2013 أكبر تجمع للقوى الإسلامية المسلحة في سوريا. وقد أعلنت الجبهة في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) انسحابها من هيئة الأركان بسبب ما سمته «تبعية هيئة الأركان للائتلاف الوطني وعدم تمثيليتها». أما كتائب «أحرار الشام» فهي من أبرز الفصائل الموجودة على الأرض، والمنتشرة على نطاق واسع.

وكانت نواة الجبهة أنشئت في عام 2012 حيث انضمت إلى هيئة الأركان، قبل أن تنفصل عنها، ويقدر عدد مقاتليها بما بين 35 و40 ألف مقاتل. والجبهة هي عبارة عن تحالفات لنحو 20 من المجموعات. تضم الجبهة ألوية الفاروق، الفاروق الإسلامي، لواء التوحيد، لواء الفتح، لواء الإسلام، صقور الشام، ومجلس ثوار دير الزور. أكبر فصائل الجبهة وأكثرها سطوة هي حركة أحرار الشام الإسلامية بقيادة حسان عبود، الذي يعرف أيضا بأبي عبد الله الحموي، وهو رئيس الجبهة (اعتقلته السلطات السورية بعد مشاركته في هجمات في العراق، وأطلق سراحه في أوائل عام 2011 كجزء من عفو عام).

وكانت حركة أحرار الشام اندمجت في فبراير (شباط) 2013 مع ثلاث حركات أخرى لتكوين حركة أحرار الشام الإسلامية. ويعرف عن مقاتليها قوتهم وانتظامهم. وكانت الحركة من أوائل من استخدموا أجهزة التفجير واستهدفوا القواعد العسكرية للحصول على السلاح. وتقول الجماعة إنها تدير 83 كتيبة في كل سوريا، بما في ذلك دمشق وحلب.

ومن أسس الجبهة أيضا، لواء الإسلام الذي يقدر عدد مقاتليه بنحو 9000، وقد تأسس لواء الإسلام في منتصف عام 2011 على يد زهران علوش، وهو ناشط سلفي اعتقلته السلطات قبل سنتين من تأسيس اللواء. تصاعدت أهمية اللواء بعد تبنيه تفجير مقر مكتب الأمن القومي بدمشق في يوليو (تموز) 2012، حيث قتل الكثير من كبار مسؤولي الأمن بمن فيهم وزير الدفاع، صهر الرئيس الأسد.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى