صفحات سورية

إطلالة وشيكة للأسد وسلاحه خطّة إصلاحية متكاملة

 


فايق عمر

من المرجّح أن الظهور الثالث للرئيس السوري بشار الأسد، منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية السورية، قد بات قريباً جدّاً.

وما يدفع بهذا الترجيح، الاعتقاد، بل ويقوّيه، هو تجربة الطغاة الآخرين، الساقطين منهم والآيلين للسقوط إلى أسفل السافلين بأذن الواحد الأحد، فهؤلاء لا يطيب لهم الإطلال علينا إلا وتكون هناك أرواح بريئة زُهقت ودماء جديدة أُريقت. يقبع خلف هذا التكهّن في خروج قريب للأسد سببٌ آخر، تكرّر شبيهه أيضاً في تجربة الطغاة الأسلاف، وهو تبريكات وكالة الأنباء السورية، بوق النظام بكلّ تأكيد، بوجود خطّة إصلاحية، سياسية واقتصادية وقضائية وإدارية، وفي غيرها من المجالات، كاملةٍ لدى الحكومة السورية “الموقّرة” . ولا بدّ أن هذا النبأ “الجلل”، علاوة على أنه أسلوب بالٍ لحقن الشارع السوري المنتفض وقياس نبضه، تمهيدٌ وتحضيرٌ لخروج أسدٍ طال ظهوره على شعبٍ يموت صغاره جوعاً من وطأة حصار ظالم. بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السياسية والإعلامية، ونائبه فاروق الشرع، هما اللذان مهّدا، على الترتيب، لإطلالتيه الأولى والثانية، ولا ندري أسباب استغنائه عنهما بــ “سانا”. اللّهُمَّ إلا إذا كان صحيحاً ما تسرّب من معلومات عن وجود “خلافات حادّة داخل أروقة النظام”، وغياب لثقة، مفقودة سابقاً، بين أركانه، وما ترتّب على كلّ ذلك من تهجّم واعتداء ماهر الأسد، شقيق بشار، ضرباً على الشرع وشعبان.

طال غياب الأسد عن المشهد بعيد الإطلالتين الأوليتين، واللتين جاءتا متأخّرتين أيضاً قياساً بحجم الأزمة التي تعصف بالبلاد. هو الخوف، بلا شكّ، إن لم يكن بلادة في الإحساس حيث التّرقّب والدماء تُراق، الذي يساور الأسد من ظهور يعلم جيداً أن الشعب السوري بات يأنفه أكثر من أي وقت مضى. يحسبها جيّداً أن ردّ السوريين على خروجه سيكون عنيفاً، وعنيفاً جدّاً هذه المرّة. وهنا أيضاً متّعظاً وآخذاً الدروس والعبر من تجربتيه، المذكورتين، واللتين كانتا تقابَلان بمزيدٍ من الغضب والاحتجاج، وبتوسيع النطاق الجغرافي والبشري للانتفاضة السورية، لتشمل الآن معظم المساحة السورية. هذا، عدا عن تجارب أشقائه من أنظمة الاستبداد والقمع، والتي كانت تقابل هي الأخرى بالمثل في كلّ مرّة يطلّ رأسها، حتّى آن أوان أجلها، بحيث أصبح شبه منطقي الآن، جرّاء التناغم والتشابه، إلى حدّ التطابق، الحاصل بين التجارب الانتفاضية العربية الراهنة، من ناحية الإطاحة بالنظام، قياسُ زمن سقوط أي رئيس، طاغية، تعصف بنظامه رياح التغيير، بعدد المرّات التي يتكرّم فيها على شعبه برؤية طلّته البهية.

مع ذلك يبقى شيءٌ ما في المشهد الانتفاضي السوري يميّزه عن الانتفاضات العربية الأخرى، ليس لجهة الشعب المنتفض المتشابه إلى حدّ بعيد مع أشقّائه الذين سبقوه إلى هذا المجد العظيم، وإنما لجهة النظام واختفائه وتواريه عن الأنظار. فالملاحظ أن هذا التّخفي لا يقتصر على رأس النظام وحده، بل يشمل النظام برمّته. ففي الانتفاضة المصرية مثلاً، شاهدنا جميعاً الإطلالات الثلاث للرئيس المخلوع حسني مبارك قبل تنحيه، والتي لم تكن تفصل بينها فترات طويلة كالتي نلاحظها الآن مع الرئيس السوري. ورغم ذلك كان هناك تواجد مستمر لباقي أركان نظامه داخل المشهد، واحتكاك مباشر مع المنتفضين، وما الظهور المتواصل لنائبه عمر سليمان، أيام الانتفاضة، إلا خير شاهد على هذا الكلام. خذ مثلاً آخر راهناً، الخروج الأسبوعي للرئيس اليمني علي عبد الله صالح. وهنا أجدني مضطرّاً إلى التنويه بأنني لست في صدد إجراء مفاضلة بين هذه الأنظمة، فهي جميعها سواء في القمع والتنكيل والاستبداد بشعوبها، وتبقى مسألة ظهورها وتواريها تكتيكاً تلجأ إليه، كلٌّ وفقاً لرؤيته وحساباته، لعلّها تتمكّن من الوصول إلى قارب النجاة، حتّى ولو كان ذلك على بحرّ من دماء شعوبها.

النظام السوري يعلم جيّداً أن خطّته في البقاء متخفّياً، وكأن لا شيء يحدث في سورية، يراقب ويدير دفة جبهة القمع والتنكيل بالشعب الأعزل من وراء الكواليس، لن تنفع في ظلّ استمرار الانتفاضة وانتشارها السرطاني لتشمل كلّ بقعة في البلاد. ويعلم أيضاً أن محاولات خداع هذا الشعب، الذي أصبح الآن يشعّ علماً ومعرفةً بفساد حكّامه ولا جدّيتهم، سيما بعد انقلابهم على وعودهم الأخيرة وما أقرّوها من قوانين، لم تعد ممكنة البتّة. النظام يدرك الآن أن هناك جولة، إطلالة، تنتظره، وقد تكون الأخيرة، ولا بدّ له أن يدخلها ويجرّبها عاجلاً أم آجلاً. أغلب الظنّ أنه يعدّ لها العدّة الآن، على أمل أن يخرج منها ولو شبه منتصر، وهو ما لا يُبشّر به واقع الحال، خاصّة بعد أن صعّد المنتفضون من سقف مطالبهم، وحوّلوا شعار انتفاضتهم من “الشعب يريد الحرّية” إلى “الشعب يريد إسقاط النظام”. أياً تكن النتيجة، غالباً أو مغلوباً، يبدو أن خروجاً للأسد أمام الشعب السوري بات وشيكاً، وسلاحه هذه المرّة هو الخطّة الإصلاحية الكاملة التي بشّرتنا بها وكالة الأنباء السورية.

 

كاتب كردي سوري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى