رفيق شامي

إعراب ليس فقط للمبتدئين/ رفيق شامي

مهداة لروح حبيب كحالة- ومُضْحِكِهِ المُبكي

إعراب: أكلَ إنسانٌ كتاباً

أَكَلَ: فعل ضروري ومفيد لحفظ البقاء فيما لو استطاع الإنسان أكل مواد غير ملوثة، أو معالجة كيميائياً،أو متفسخة. ومثل هذه المواد النقية المغذية قل وجودها، كقلة أبناء الحلال بين حكامنا. لكن فعل الأكل لا يقتصر على المواد الغذائية، فهو  يتعداها إلى أكل حقوق البشر، أحياناً بالدستور وغالباً بدونه.

يختلف عقاب الآكل حسب كمية أكله، فمن يأكل حقوق قارَّة بكاملها يدخل التاريخ من بابه العريض، ومن يأكل حقوق مئات الألوف من البشر يعين وزيراً عقاباً له. والويل لمن تقتصر فعلته على أكل حقوق إنسان واحد ولم يستطع تدبير نفسه بالتي هي أحسن. في هذه الحالة قد يتعرض لعقاب القانون… ولا يتم فعل الأكل لكل حاضر بل قد يأكل مستقبل البشر أو ماضيهم وقد يرافق الحالة الأخيرة اجترار، رغم أن الإنسان عموماً ليس من الحيوانات المجترة.

ويخلط بعض الناس بين فعلي “حدثَ” و”أكل هواءً” رغم أنهما متشابهان شكلاً وصوتاً، إلا أن محتوييهما مختلفان اختلاف الأرض عن السماء.

إنسانٌ: فاعل في هذه الجملة، ونادراً في المجتمع، فهو مفعول به على الأغلب، والفاعل مرفوع بالضمة، وقد سميت ضمة لأن الفاعل يضم عَرَقَ وأموالَ المفعول بهم إلى أمواله، فيرتفع بها لتزداد فتحة المفعول بهم، وهذه هي صفتهم المميزة: الفتحة في المعدة والثوب. ولما كان الفاعل يستلذ بهكذا وضع (انظروا إلى رامي مخلوف كمثال) ولما كان يعرف أنه يسرق على عينك يا تاجر، وأنه ولا حتى الدجاج يتحمل مثل هذا الذل، فإنه يحاول بمساعدة 15 جهاز تربية بدنية الحفاظ على أكبر عدد من المفعول بهم، وبالتالي تتحول الدولة إلى نظام لحماية الفاعل ضد غضب المفعول بهم. ولهذا الغرض، وليس لتحرير الجولان أو فلسطين، ناهيك عن الإسكندرون السليب، يكدس الفاعل أسلحة بقدر أسلحة دولة عظمى، لأنه منذ اليوم الأول يعرف أن هؤلاء المفعول بهم سينتفضون ويكسرون ضمته ويحولونها لكسرة بعد أن يجروه من قدمه اليمنى خارج الوطن والذاكرة. والفاعل شديد الدهاء، فهو يعرف أن تحول مفعول به لنائب فاعل يساعد على بقاء أفعاله الإجرامية مموهة لفترة أطول، وحالة تسمى إعرابيا “مبنياً للمجهول”. انظروا إلى قدري جميل كنموذج لنائب فاعل قبل أن يصبح لا محل له في الإعراب. وأما إذا أراد مئات الآلاف من المواطنين أن يصبحوا فعَلَة، فإن الفاعل الأكبر يغضب وتتورم أوداجُه، لأنه يعرف أن مجتمعاً كله فَعَلَة لا يترك مكانا لفاعل واحد.

كتاباً:  مفعول به بفتحتين للدلالة على مقدار ما أصابه من مراقبة وحذف. الكتابُ مرضٌ سارٍ يتموهُ بأوراق ليخفي طبيعته. وهو يصيب الكاتب والقارىء بأرق، فالأخير قد يكتشف أن حقيقة أمسِهِ تحولتْ عبر الكتاب  إلى كذبة، فيبدأ بالشك بكل الحقائق، ومن هنا أرَقُهُ، أما الكاتب فأرقُهُ له مسببٌ آخر، فهو الذي كد السنين ليكتب هذا الكتاب الذي ظنه سيقوض المجتمع ويدفع الناس  للتهافت عليه وكأنه خبز طازج في أيام مجاعة، وها هو يرى أول ما يرى أخطاء  قواعدية ومطبعية وشكلية نام عنها محقق دار النشر. وهاهو يرى كتابَه يتوارى بسرعة من المكتبات والأسواق دون أن تنتبه له حتى جارتُه أو حماتُه. أقول (مرض سارٍ) لأن المصابين به يتمسكون بالكتاب رغم كل ما لحق بهم من أذى. وهو كالتدخين لا يكف المرء عنه رغم معرفته بضرره، ولذلك يُكذب كل من يقول ليبرر عدم قراءته للكتب.إنه يود أن يقرأ، لكن وقته لا يسمح له بذلك. هل قال هذا أحد المدخنين في التاريخ؟ وقلت عمداً(مرض سارٍ) ليس فقط لأنه يُعدي بل لأن الكتاب ينتشر رغم كل محاولات مساندته من الحكام العرب.

إعراب الجملة: تبدو الجملة غريبة فالإنسان لا يأكل في الأحوال العادية كتباً، ولعل الجملة ينقصها بعضُ الكلمات فهي إذن جملة ناقصة، أو لعل الأمر يتعلق بكتاب صغير ابتلعه صاحبُه عندما قرعت المخابرات(والأدق رفست) باب بيته، ولم يبق أمام صاحبنا سوى جوفه الذي تعود على بلع الكبيرة والصغيرة، فبدا الأمر وكأنه أكل، والأصح أن يقال خبأ الكتاب، فالجملة مستترة، والتستر ابنُ عم المجاز ونحن السوريون فنانو جاز ومجاز، تدربنا برعاية البعث ألا نقول ما نعني ولا نعني ما نقول…كله تستر بتستر، ومجاز بمجاز، كأن تكتب لصديق من مهجرك في يوم صيفي: كيف حال الطقس عندكم في دمشق وأنت تعلم أن الطقس الصيفي في دمشق لم يتغير منذ 1800 سنة، إنما تريد معرفة الأحوال المعيشية والسياسية…إلخ فيجيبك هو من الداخل المقموع متمرس على المجاز والتورية. الحمد لله أحوالنا مثل أحوال والدتي ووالدي بألف خير ولنا مثلهم مطلق الحرية. إبننا سعيد يزور خالته التي تقطن في كندا منذ ثلاثة أشهر. وبما أنك تعرف أن أم الصديق وأباه توفيا قبل عشر سنين وأن بيت الخالة هو تورية للسجن، فقد حصلت على صورة للوضع المزري دون خطر.

(ملاحظة من كش ملك: حقوق التأليف محفوظة للكاتب)

رفيق شامي- 2013 ©

نشر المقال بوافقة الكاتب

موقع كش ملك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى