صفحات سورية

إعلان دمشق في الخارج يُبَيّن البَيّن

 


محمد الحاج صالح

جاء في بيان غريب وملفت للنظر صادر عن الأمانة العامة لإعلان دمشق:

” وصل إلى بعض المواقع الإلكترونية نداء! باسم إعلان دمشق وبعض الشخصيات الوطنية السورية يدعو إلى مؤتمر وطني شامل للمعارضة السورية في تركيا”

لا يرد هنا أي ذكر للطريقة التي وصل فيها البيان إلى تلك المواقع الالكترونية. وتوحي الصياغة في هذا الاقتباس بأن لا اعتراض على محتوى النداء أو الأصحّ “رسالة الدعوة” وإنما تشير إلى أن خطأ مجهولاً قد حصل فقط. كما تزكّي “النداء!” بإيجابية ترقى إلى العموم الوطني بوصفها المؤتمر بالوطني الشامل!

الأكثر غرابة يلي:

“نود التوضيح أن تلك الصيغة التي ورد بها النداء المذكور هي عبارة عن مشروع صيغة مُقترحة للمؤتمر من قبل الدكتور عبد الرزاق عيد رئيس المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر، وهي ورقة من بين عدة أوراق أخرى مُقترحة، ولم تتم مناقشتها أو التوافق عليها بين الأطراف المشاركة في المؤتمر بعد”

يبدو أن من صاغ هذه الفقرة لاهمّ له سوى التبرير، ولذلك يتناقض في فقرة من ثلاثين كلمة. إذ كيف تكون الرسالة النداء صيغة مقترحة للمؤتمر وفي الوقت ذاته يفترض أنها سترسل للأعضاء المدعوين قبل المؤتمر بمدة كافية للتحضير والسفر؟ والدليل هو المقطع الأخير من الدعوة الذي يسمّي فيه الأستاذ الدكتور عيد الدعوة بالدعوة دون مواربة. فهو يدعو للمؤتمر باعتباره ممثلاً أو مسؤولاً عن أكبر ومعظم الفاعليات والتكوينات السياسية في سورية وهي: أولاً إعلان دمشق، وثانياً لجان إحياء المجتمع المدني، وثالثاً شباب الثورة السورية أجمعين على الانترنيت والفيس بوك، ورابعاً الشخصيات الوطنية (ربما دون استثناء). هذا هو المقطع:

“إنني باسمي كرئيس للمجلس الوطني لإعلان دمشق، وباسم إعلان دمشق في الخارج، وباسم لجان إحياء المجتمع المدني، وباسم شباب الثورة السورية على الانترنت والفيسبوك، وباسم الشخصيات الوطنية: السياسية والثقافية والفنية ندعوكم لحضور المؤتمر السوري التوحيدي لكل الجهود والطاقات حول أهداف ثورة شعبنا في الحرية والكرامة، وبناء الدولة الوطنية ذات الشرعية الدستورية الحديثة”

الأستاذ الدكتور هنا يعرف باسم من يتكلم ولمن يوجه الدعوات، أما الأمانة العامة للإعلان فلا تدري من أمرها شيئاً وتسمي الدعوة “نداء”. فإما أنها تكذب، أو أن الدكتور يفعل. لكن… هل من تدين له كل هذه الفاعليات السياسية بالطاعة يفعل. مُستبعد جداً! إذ يبدو أن الدكتور “مالي إيدو!”

ثم لماذا لم “تصل” دعوات أخرى أو “مشاريع صيغ مقترحة للمؤتمر!” أخرى للمواقع الألكترونية؟ علم هذا عند الأمانة الأمينة والدكتور. أحدهما أرسل الدعوة بلا شك.

الأكذب حتماً في بيان الأمانة هو الختامُ الذي يقول:

“لذا وجب التنويه والتوضيح، ريثما يتم انجاز الصيغة الرسمية للدعوة الى المؤتمر، والتي سُتعلن بشكل رسمي من قبل منظميه”

يبدو أن الدعوة بعرف الأمانة العامة توجه للمدعويين بعد عقد المؤتمر. منطق مخالف مثل تبول البعير.

جديرٌ ذكره أن النظام الداخلي للإعلان في المهجر يحصر العمل والتحرك السياسي والتصريح الإعلامي بالأمانة العامة، ولا يتيح لرئيس المجلس سوى أمور تنظيمية.

الأنكى من كل هذا أن الأستاذ الدكتور وفي رسالة الدعوة “خاصته” يردّ إلى بيان الـ99 كل شيء، فمن بيان الـ99 وربيبه الصغير إعلان دمشق انطلق كل شيء كل شيء. بيان الـ99 هو الخالق الجديد أولاً للحراك السوري والعربي معاً، وثانياً الثورات العربية (كذا… يعني التونسية والمصرية والليبية واليمنية والبحرانية وأختهن السورية) وثالثاً مع ملاحظة الصياغة الركيكة أدى بيان الـ99 إلى دخول عشرات السياسيين والمثقفين إلى السجون والمنافي (كذا!)، وخامساً أدى إلى منع السفر الذي طال الآلاف (أيضاً كذا). من لا يصدق ما أوردناه هنا، ليقرأ هذا المقطع من الدعوة التي أسمتها أمانة الاعلان زوراً “مشروع صياغة”:

“إعلان دمشق أوسع ائتلاف وطني في تعدديته الحزبية والفكرية ومكوناته السوسيولوجية (اثنيا وطائفيا)، من حيث التواجد على الساحة الوطنية والدولية، والذي قد عبر في سيرورة تشكله من ( بيان (99 ) إلى وثيقة الألف لـ”لجان إحياء المجتمع المدني” تتويجا بإعلان دمشق) ما أصبح متداولا عربيا ودوليا بـ(ربيع دمشق)، حيث ثمة من يرى في ربيع دمشق (من بيان 99 إلى إعلان دمشق ) رصيدا فكريا ونظريا ليس للحراك الديموقراطي السوري فحسب بل والعربي، إذ يعتبرونه قد مثل التمهيد الفكري والسياسي لفضاءات الثورات الديموقراطية عربيا بما قدمه من إسهامات فكرية وتضحيات نضالية أدت إلى دخول عشرات السياسيين واالمثقفين كتابا وصحفيين إلى السجون والمنافي، بل ومنع السفر الذي طال الآلاف!!”

رحم الله الجاحظ إذا أسمى كتابه البيان والتبيين

إنه لمن المؤكد والضروري والانتفاضة السورية تناصف شهرها الثالث أن تردفها تشكيلات سياسية تساعدها وتعبر عنها ما أمكن. إنما من المؤمل أن لا يتنطع أحد أو يركب أحد الموجة أو يستغل الوضع، فلا إرادة إلا إرادة الشباب الذي يحمل روحه على كفه ويخرج طلباً لحرية سورية. من قبل مؤتمر انطاليا كان مؤتمر آخر في تركيا أيضاً وهناك تفكير بمؤتمرات ومؤتمرات. فما الفائدة؟ لن يكون من فائدة إن لم يعقد مؤتمر ذو تمثيل وطني فعلي ومن تمثيل وازن وكاف للشباب، وإلا فلا… ولنلاحظ أن لا الثورة التونسية ولا المصرية تراكضتا لعقد مؤتمرات. نعم تجربتنا تختلف. ونعم … لأنْ نبتدع تجربتنا وطريقنا. لكن الحذر الحذر من أن نضرّ بالانتفاضة من حيث لاندري. والأضرار الممكنة كثيرة منها الأخلاقي والثقافي وأقلها السياسي.

أتمنى، فعلاً، أن يتنبه مؤتمرو انطاليا إلى مخاطر عقد مؤتمر أي مؤتمر، وبالصيغته المعتمدة حالياً، وأن يتخذوا قراراً حكيماً وشجاعاً بتأجيله إلى إشعار آخر.

وإذا كان المموّلون صادقين في غيرتهم على الإنتفاضة، فليخسروا “شوية فلوس” خيرٌ من خسارة في السياسة والأخلاق، وربما طعن الإنتفاضة… في آن معاً!

محمد الحاج صالح

26/5/2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى