صفحات سورية

إعلان سورية للتغيير الوطني الديمقراطي/ حسن النيفي

 

 

في الثامن والعشرين من شهر نيسان – إبريل 2018، وفي مدينة غازي عينتاب التركية، انعقد المؤتمر الثالث لإعلان دمشق وذلك وسْط مناخ عام يتّسم بالركود السياسي للقوى السياسية السورية من جهة وكذلك وسْط حالة من التساؤل المبطّن بالإحباط عن مدى الدور الذي يمكن أن يؤديه(الإعلان)في الوقت الراهن.

ما من شك في أن إعلان دمشق كان أحد الكيانات السياسية التي جسّدت اختراقاً مهمّاً لحالة القمع التي كان يفرضها نظام الأسد على السوريين كما، جسّد إبان تشكيله (2007) تحدّيا قيمياً وأخلاقياً للسلطات الحاكمة، من خلال إصراره على ممارسة السياسة – كحق مشروع – بعد أن صادرها نظام دمشق طيلة فترة حكم الأسدين (الأب والابن)، الأمر الذي أتاح لإعلان دمشق أن يحوز على إرث رمزي في الوجدان السوري.

إبان انطلاقة الثورة السورية راح العديد من السوريين ينتظرون من (الإعلان) دوراً سياسياً مميّزاً عما سواه من القوى السياسية، بل تفاءل البعض أكثر من اللازم وراح يتطلع إلى قيادة الإعلان للحراك الثوري آنذاك، ظنّاً من الكثيرين أن إعلان دمشق هو الكيان الأكثر تنظيماً من جهة، وكذلك هو الأكثر نضجاً من حيث التعبير عن تطلعات السوريين الطامحين إلى الخلاص من الاستبداد من جهة أخرى.

إلّا أن واقع الحال أثبت أنْ لا إعلان دمشق ولا سواه من القوى السياسية السورية كان لها أي أثر حقيقي على سيرورة الحراك الثوري آنذاك، وباتت القناعة تتعزز في نفوس الكثيرين يوماً بعد يوم، أن ما جرى في سورية (آذار 2011) كان من خارج كافة الأطر السياسية التقليدية التي وجدت نفسها عاجزة عن مواكبة الثورة في طورها السلمي، باستثناء بعض الجهود والنشاطات الفردية التي كان تؤديها بعض الشخصيات ممن تنتمي إلى المعارضة التقليدية، وقد تكرّس هذا العجز حين تحولت الثورة إلى أطوارها الأكثر عنفاً ودموية.

ولعلّ المفاجأة الصادمة الأخرى هي عدم قدرة إعلان دمشق على إثبات وجوده وفاعليته كمكوّن أساسي في الكيانات الرسمية للمعارضة السياسية التي تشكلت فيما بعد، وأعني (المجلس الوطني والائتلاف)، بل إن جماعة الإخوان المسلمين التي لم يكن لها في الداخل السوري قبل 2011 أي نشاط يُذكر، كانت هي الأقوى نفوذاً داخل هذين الكيانين.

طيلة سنوات الثورة الأربع استمر ركود الإعلان، كسواه من القوى السياسية، إلّا ان هذا الركود السياسي قد تعزّز سلباً على المنظومة الداخلية للإعلان التي شهدت خلافات كثيرة بين أعضائه، وخاصة من كان منهم في صدارة القيادة، إذْ اتُهم هؤلاء بممارسة دور المعطّل لنشاط الإعلان، وذلك حرصاً على بقائهم في الصدارة على

حساب مستقبل الإعلان ككيان سياسي. ولعل هذا الخلاف الداخلي في الإعلان دفع عدداً من أعضائه إلى المبادرة بعقد المؤتمر الثاني في تشرين ثاني 2015، الأمر الذي أثار حفيظة بعض القيادات السابقة التي لم يتورع بعض منها عن اعتبار(إعلان دمشق)عقاراً شخصياً أو (ماركة مسجلة على اسمه)لا يجوز لغيره الاقتراب منها، بل الأمر الأكثر فداحة أن البعض ممن يُعدّ من مؤسسي الإعلان لم يعد يكترث للمضمون السياسي والقيمي للإعلان بقدر حرصه على أن يكون اسم(إعلان دمشق)مقترناً باسمه فقط، وإن اقتراب أي شخص أو أشخاص آخرين من هذه المظله هو اعتداء على ملكه الخاص. ولعلّ هذه الإشكالية هي التي دفعت معظم أعضاء الإعلان الذين شاركوا في المؤتمر الثالث إلى المبادرة والموافقة على تغيير اسم الإعلان ليصبح:(إعلان سورية للتغيير الديمقراطي).

وطيلة الفترة الممتدة من تشرين ثاني 2015، وحتى موعد انعقاد المؤتمر الثالث (نيسان 2018 ) حاولت الأمانة العامة المنتخبة من المؤتمر الثاني أن تنهض بالإعلان، ولكن لعلها أخفقت دون تحقيق ما ينبغي أن يكون، وذلك لأسباب منها قديمة مزمنة، ومنها جديدة تعود إلى العوائق العامة التي تحول دون تحقيق مُنجز سياسي لجميع القوى الوطنية السورية وليس للإعلان وحده.

لعلّ السؤال الأكثر تداولاً الآن: ما الدور الذي يمكن أن ينهض به(إعلان سورية)بعد مؤتمره الثالث، وذلك ضمن مناخ سياسي محلي وإقليمي ودولي بالغ التعقيد؟

ولكن الموضوعية المُفترضة في الجواب تقتضي أن يكون السؤال السابق موجهاً لجميع القوى الوطنية في سورية وليس إعلان سورية وحده، الذي – وبحكم الواقع المختلف عما قبل 2011 – لم يعد هو المعني الوحيد أو الأبرز بالشأن العام السوري، كما أن حالة الركود أو الشلل الحيوي لم تكن تطال الإعلان وحده، بل طالت – وما تزال – جميع الكيانات السياسية سواء منها التقليدية أو الجديدة، وهذا ما يدعونا لطرح السؤال مرة أخرى وفي سياق أكثر عمومية وشمولاً:

ما السبيل الذي يمكن من خلاله أن تتمكن القوى الوطنية السورية بمجملها أن تستعيد جزءاً من دورها حيال الحالة السورية الراهنة؟ وما هي أهم الكوابح التي تحول دون بروز أي أثر فاعل لنشاط حزبي سوري سواء في الداخل السوري أو في المنفى؟

لعلّ الإجابة الدقيقة على السؤالين السابقين تقتضي الخوض في مسائل عديدة ذات صلة بآليات تفكير ووسائل عمل وإيديولوجيات تلك القوى والأحزاب وما إلى ذلك، هذه الأمور، على أهميتها، إلّا أنها ليست موضوع هذه المقالة، لكن ما يمكن تأكيده والوقوف عنده هو أهم التحدّيات الراهنة أمام أي نشاط حزبي فاعل يرى ذاته معنيّاً بمعاناة السوريين، ويسعى للإسهام في عملية التغيير في سورية وليس الوصول للسلطة فحسب، ولعل أهم تلك التحدّيات منذ 2011 وحتى الوقت الراهن تتجسد بما يلي:

1 – لئن كان صحيحاً أن حالة من الشلل أو الموات السياسي كانت تغشى معظم القوى السياسية إبان انطلاقة الثورة، إلّا أن حالة الانتقال إلى الطور المسلّح للثورة، ومن ثم شيوع فوضى السلاح وانفلات الحالة الفصائلية وهيمنة أمراء الحرب، ومن ثم – أيضاً – توغل الفصائل الإسلامية واختراقها الكبير لمفاصل الثورة، كل ذلك وما تبعه من تداعيات ميدانية قد حشر(السياسة)في زاوية ضيقة جداً ولم يتح لها حتى الإفصاح عن وجودها أو الدفاع عن حقها بالوجود.

2 – هيمنة السلاح غير المنضبط، وربما الكثير منه غير الوطني، على معظم الجغرافية السورية امتد منذ أواخر العام 2012 وحتى العدوان الروسي المباشر في إيلول 2015،حين بدأت حالة التقهقر العسكري للفصائل العسكرية المعارضة ،ثم أخذ تقهقرها يكتسي طابعاً منهجياً موازاة مع مسار(أستانا) الذي كان من مخرجاته المباشرة استئصال المقاومة المسلحة، وانتهاج سياسة التهجير القسري والتغيير الديمغرافي، بالتزامن مع استخدام نظام الأسد المفرط للسلاح الكيمياوي، ولعل ذلك كله أدّى إلى انتزاع الجغرافية السورية من أيدي الفصائل العسكرية ليضعها تحت (تقاسم النفوذ الدولي)،الأمر الذي يعزز مصادرة الأرض السورية من قبل قوى معادية ليس لنشاط الأحزاب فحسب، بل لمفهوم الثورة بالمجمل. وهذا ما يجعل جميع الأحزاب والقوى السياسية فاقدة لأرضها ولأي محاولة في بناء حاضنة شعبية.

3 – على الرغم من تصدّر المجلس الوطني، ثم الائتلاف واجهة التمثيل السياسي للثورة، إلّا أنه وبعد مرور سبع سنوات، أخفق في تحقيق أي منجز ذي أثر حقيقي لصالح السوريين،ولم تفلح رهاناته التي علّقها على جهود المجتمع الدولي للإطاحة بنظام الأسد، ولكن على الرغم من هذا الإخفاق يصرّ الائتلاف على بقائه منفرداً في صدارة المشهد، رافضاً السعي للمساهمة في أي فعل جماعي من شأنه استقطاب الحراك السياسي السوري بغية تشكيل كيان يمثل – ولو نسبياً – مجمل الطيف السياسي السوري.

4 – رغبة الائتلاف بالبقاء في صدارة مُفترضة وسلطة مُرتهنة، تلقى دعماً إقليمياً ودولياً، الغاية من هذا الدعم هي الاستمرار في مصادرة القرار الوطني والحرص على الانصياع الكامل لأجندات الأطراف ذات المصالح المتصارعة على الأرض السورية.

ليس من المنطقي أن ينتظر السوريون دوراً مميّزاً لحزب أو تجمع أو تيار بمفرده ليقوم بخرق هذه التحدّيات بحركة بهلوانية أو قفزة هوائية من شأنها إعادة الاعتبار لأي عمل حزبي سياسي، بل الأمر المنطقي أن تكون هذه المهمة منوطة باستعداد وقدرة جميع القوى الوطنية السورية على الحوار البناء والجهد الجماعي والتفكير الرصين الساعي إلى إنشاء مركز أو مراكز استقطاب لمجموعات حزبية قادرة على التنسيق البرامجي الوطني المشترك، ذلك أن الانتقال من حالة (اللاسياسة) إلى الحالة السياسية المنتظمة لا يمكن أن يتأتّى إلا من خلال جهد تراكمي نوعي مقرون بإرادة صادقة وجهد مخلص.

لعلّ هذه الرؤية كانت إحدى شواغل المؤتمر الثالث (لإعلان سورية للتغيير الديمقراطي) الذي لم يعد يستمدّ مقومات وجوده وعمله من (الإرث الرمزي) الغابر، بل من قدرته على مواجهة تحديات واقع جديد.

شاعر وكاتب سوري

تلفزيون سوريا

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى