صفحات العالم

إنهم يطلقون النار على الجياد في سورية

 


توماس فريدمان

هناك رواية متداولة بين اللبنانيين على الـ«فيس بوك» تتحدث عن ناشط ديمقراطي سوري أوقفه الجيش السوري في احدى نقاط التفتيش، كان يحمل معه في السيارة حاسوباً محمولاً «لاب توب» وقرص ذاكرة «فلاش ميموري» على المقعد المجاور له في السيارة، وبعد ان فحص الجنود جهاز الكمبيوتر سألوا الناشط «هل لديك (فيس بوك)» فردّ الناشط بعبارة «لا» فسمح له الجنود بالمرور.

قطعاً ستشعر بالأسف لذلك الجندي السوري الذي يبحث عن «فيس بوك» على المقعد الأمامي للسيارة، لكن هذا هو حال النظام، فسورية لا تعلم من الذي يضربها، كيف تفقد اكبر دولة بوليسية في المنطقة قبضتها على شعبها الذي لا يتسلح سوى بكاميرات الهاتف المحمول واستخدام الـ«فيس بوك» والـ«يوتيوب».

وبمثال واحد يمكنكم معرفة كيف حدث الانفلات، فقد اتحد منشقون سوريون عدة ليؤسسوا من لا شيء «شبكة أخبار الشام»، وهي عبارة عن موقع الكتروني يعمل على نشر الصور الملتقطة بالهاتف المحمول واخبار الـ«تويتر» التي تعكس الاحتجاجات في جميع انحاء سورية، بحيث استطاعت القنوات الفضائية الممنوعة من الدخول الى سورية الاستفادة من تلك الصور التي تصلها على مدار الساعة. وأراهن بأن «شبكة اخبار الشام»، باشرت عملها بكلفة لا تزيد على الاف قليلة من الدولارات، واصبحت غاية للكثير ممن يرغبون في مشاهدة صور الفيديو التي تعكس الانتفاضة السورية، والآن اصبح ذلك النظام الذي كان يسيطر على الأخبار فاقداً للسيطرة.

لا أعتقد ان الرئيس السوري بشار الأسد سيدوم طويلاً ليس بسبب الـ«فيس بوك» الذي يرغب النظام في مصادرته اذا ما استطاع الى ذلك سبيلاً، ولكن بسبب شيء يختبئ في المجال المنظور، وهو ان الكثير من السوريين استطاعوا ان يكسروا حاجز الخوف، ففي الجمعة الماضية قتل النظام 26 محتجاً او اكثر في تظاهرات عبر البلاد.

قتال شرس يفضي الى الموت، وهو العرض الأكبر على وجه الأرض لسبب واحد بسيط فقط، وهو انهيار الوضع في ليبيا وفي تونس وفي مصر وفي واليمن، وانفجاره في سورية. ان الديمقراطية التي ستتمخض من ثورات الدول العربية ستغير حكوماتها الى الأبد وستفرز تعقيدات طويلة الأمد في هذا الإقليم، الا ان الوضع الذي سينجم في سورية، سواء كان ديمقراطية او انهياراً، سيغير كل منطقة الشرق الأوسط بين عشية وضحاها.

انهيار او دمقرطة النظام السوري سيكون لهما تأثير شديد في لبنان، وهو الدولة التي سيطرت عليها سورية منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، وايضا في اسرائيل التي كانت تعول على الوصول الى سلام مع سورية بشأن هضبة الجولان منذ ،1967 وفي ايران طالما ظلت سورية المسرح الإيراني الرئيس لتصدير الثورة للعالم العربي، وعلى ميليشيات «حزب الله» التي تحصل على الصواريخ من ايران عبر سورية، وفي تركيا التي تجاور سورية وتتشارك معها في الكثير من مجتمعاتها العرقية، خصوصاً الأكراد والعلويين والسنّة، وفي العراق الذي ظل يعاني سورية معبراً للجهاديين الانتحاريين، وفي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي يقيم قائدها في دمشق.

وإذ أن سورية بلد مفصلي في المنطقة يتمنى جيرانها ان يضعف نظام الاسد ولا ينهار، ويصبح بالتالي معتدلاً. القليل من الجيران يثق في قدرة السوريين على تأسيس نظام اجتماعي مستقر من حطام دكتاتورية الأسد، وربما تكون تلك المخاوف في مكانها، ولكن لا يملك أي منا الحق في ذلك سوى السوريين انفسهم الذين سيناضلون بأرجلهم وأرواحهم ليعيشوا مواطنين لهم حقوق وواجبات متساوية وليس مخالب لمافيا النظام.

ويعلم المنادون بالديمقراطية في سورية، اكثر من أي بلد عربي اخر، أنهم عندما يسيرون نحو الحرية بشكل سلمي يواجهون نظاماً لا يتردد في فتح النار عليهم، ويندهش جيرانهم اللبنانيون من هذه الجرأة الخرافية.

يقول الكاتب بصحيفة «لوريان ـ لوجور» البيروتية، ميشيل حاجي جيورجيو ـ احد عناصر ثورة الأَرز «لدينا التزام بالتضامن مع الشعوب التي تتعرض للمحن، والتي تقاتل من اجل حريتها وكرامتها بأساليب غير عنيفة»، ويضيف «لن تكون هناك ديمقراطية مستقرة في لبنان اذا لم تكن هناك ديمقراطية في سورية».

سؤال المليون دولار الذي يتعلق بالثورة السورية وجميع الثورات العربية هو: هل الشعوب مستعدة للاتفاق على عقد اجتماعي للعيش مواطنين متساوين وليس كطوائف متنافسة، عندما تنزاح القبضة الحديدية للأنظمة؟ الإجابة ليست واضحة، ولكن عندما تشاهد الكثير من الناس يتحدون هذه الانظمة سلمياً مثل السوريين فإن ذلك يشعرك بأن شيئاً ما في الأعماق يريد ان يخرج للسطح، «يشعرك بأنه على الرغم من عدم وجود مواطنين عرب يتمتعون بكل الحقوق والواجبات» كما تقول المحررة «ناو لبناون» حنين غدار لبن، فإن هؤلاء المواطنون يريدون ان يصبح لهم كيانا، وهو معظم ما ترمي اليه هذه الثورات.

وتقول غدار انها عادت قبل فترة قصيرة من نيويورك حيث شاهدت تظاهرات في سنترال بارك بين محتجين يدعون إلى ان العربات التي تجرها الجياد امر جميل، وبين نشطاء حقوق حيوان من يعتقدون ان عربات الشوارع تهدد حياة الإنسان، وتعلق غدار «أتمنى، يا إلهي، ان اعيش في بلد مثل هذا حيث يعيش الناس في رفاهية للحد الذي يهتمون فيه بحقوق الحيوان». وتضيف «اننا بعيدون جداً عن تلك الرفاهية».

توماس فريدمان كاتب ومحلل أميركي

ترجمة: عوض خيري

الإمارات اليوم

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى