صفحات العالم

اتجاهات الحالة السورية


أمين مشاقبة

يرتبط الأردن وسوريا بعلاقات جوار طيبة وأخوية، وعلاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية على الرغم من اختلاف نوعي النظام السياسي في كلا البلدين، وتشكيل سوريا عمقاً سياسياً وترابطاً اجتماعياً لكثير من المكونات الاجتماعية العشائرية والقبلية والعائلية والعكس صحيح وان استقرار سوريا كدولة جوار ومصالح متبادلة أمر مهم جداً للأردن ولا عاقل يرغب بعدم الاستقرار في دولة جوار ذات تأثير في عوامل عدة ولا تهون لنا إراقة نقطة دم سورية واحدة، ولكن الخريف العربي وتداعياته التي شملت الحالة السورية كما هو الوضع في العديد من بلدان الوطن العربي تتطلب الاعتراف بأهمية الإصلاح وضرورته، وأن أشكال النظم الاستبدادية والبوليسية أصبحت مرفوضة في العقل العربي أياً كان، ولا بد من حوار وطني يستوعب المطالب الجديدة ويلغي الإقصاء والتهميش لمكونات اجتماعية وسياسية ووقف سياسات استخدامات القوة المفرطة والقتل والدور الموسع للمؤسسات الأمنية فالمؤسسات الأمنية لن يكون دورها العلاج بقدر ما هو تعميق الحالة وإلى الأسوأ، فالنظام القائم في سوريا عليه الاعتراف أولاً بأهمية التعددية السياسية وتوسيع قاعدة المشاركة أكثر من التقوقع وراء سياسات وأحكام الحزب الحاكم الواحد، فالعالم قد تغير والتأييد الدولي في تزايد للقوى المطالبة بالديمقراطية ومعهم ما يسمى “الشرعية الدولية”، فسياسة العقوبات التي من الممكن أن تتفاقم كقوة ضغط على الدولة السورية أمور في طريقها للتطبيق وعزلة النظام قاب قوسين أو أدنى، وعليه، فلا يمكن إنكار العامل الخارجي ومدى تأثيراته، فالقوى الدولية مؤيدة للحراك ولا رجعة عن هذا الأمر، وبالتالي فإن النظام مطالب بمرونة أكبر ووقف كل الممارسات في استخدامات العنف ضد الشعب الأعزل.

إن ما يجري في الدولة الجارة والشقيقة يأخذ عدة اتجاهات، إذا بقي النظام يفكر بالقوة وممارسة استخدامها، فإن الحالة لن تعود إلى الوراء بالمطلق وما دام الدم قد سال من أجل الحرية والتحرر والكرامة، فلا عودة إلى ما كان الأمر عليه، وهذه هي حقيقة ثابتة، والاتجاه الآخر من الممكن أن تتحول الأمور إلى حرب أهلية تأخذ مدى بعيدا وتستمد قوتها من تزايد الخسائر البشرية داخليا، وتلقى الدعم من القوى الدولية وبعض دول الجوار غير العربية، إذ تقود إلى عزل النظام وانكشافه على الملأ وتأكل الاخضر واليابس، أما الاتجاه الآخر فيكمن بالتدويل وتدخل قوى أجنبية بموافقة ضمنية عربية كما حصل في الحالة الليبية وهذا أمر يشكل خطورة على مقدرات الدولة من أكثر من اتجاه مادياً وبشرياً، ويؤدي في النهاية إلى تدمير كافة البنى التحتية والانجازات التنموية ويضع الدولة في دوامة التأخر لمدة تزيد عن العقدين من الزمن، والأمثلة واضحة للعيان في الحالتين العراقية والليبية، ناهيك عن خضوع الدولة برمتها للقرار الخارجي وفقدانها مبدأ السيادة، والاتجاه الآخر المحتمل الحدوث هو انحياز المؤسسة العسكرية لمطالب الشعب والحراك الجماهيري وتقود المؤسسة العسكرية العملية الانتقالية للتحول إلى الديمقراطية كما يحصل في مصر، وتونس وهذا الأسلم في حالة استعصاء النظام القائم على القبول بالمبادرات والمرونة مع حركة التغيير، والاتجاه المحتمل القائم أيضاً هو انتصار الطائفة العلوية شعبياً لصالح الحراك القائم والانقلاب على أقطاب الطائفة الحاكمة وهذا احتمال يكاد يكون ضعيفا، لأن الزمن قد فاته، هذه احتمالات واتجاهات قائمة في الحالة السورية التي ربما تتطور أكثر وأسرع مما هي عليه الآن، وباعتقادنا أن لا مصلحة لنا في الأردن في تدهور الأوضاع إلى الأسوأ في سوريا الشقيقة.

وما يهمنا هو حالة الاستقرار والهدوء على الساحة السورية لأن الأردن والأردنيين سيكونون الأكثر تأثيراً في حالة تفاقم الأوضاع اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وعبر التاريخ السياسي للدولة الأردنية فإن استقرار الأردن يرتكز دوماً إلى دول الجوار العربي سوريا، العراق، والمملكة العربية السعودية وأي اختلال بالمعادلة له تأثيراته السلبية على الحالة الأردنية.

الدستور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى