ابراهيم حميديبشير البكرصفحات مميزةعلا عباسفاطمة ياسينمروان قبلانميشيل كيلو

“اتفاقيّة كيري- لافروف” المقدمات النتائج –مجموعة مقالات وتحليلات”

 

 

 

عشر «عقد» أمام الاتفاق/ إبراهيم حميدي

عندما انتهى المنسق العام لـ «الهيئة التفاوضية العليا» رياض حجاب من عرض الرؤية السياسية أمام وزراء خارجية «النواة الصلبة» في مجموعة «أصدقاء سورية» في لندن الأربعاء الماضي، رد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي اختار المشاركة التلفزيونية في المؤتمر، على حجاب: هذه الرؤية تعرقل المفاوضات التي أجريها مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

كيري كان بين عدد قليل في إدارة الرئيس باراك أوباما، يدفع للتعاون مع الروس وقتال المتطرفين، مقابل تشكيك وزارة الدفاع (بنتاغون) والوزير كارتر آشتون ورفض التعاون العسكري مع الروس وتحذير «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي أي) من تبادل المعلومات الاستخباراتية مع موسكو.

وخلال لقاء شخصيات سورية معارضة، بينهم جمال سليمان وجهاد المقدسي، نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في موسكو الجمعة، كان بوغدانوف على الخط مع زملائه في جنيف. وعندما أنجز كيري ولافروف الاتفاق، قال أحد المسؤولين الروس: «إنها لحظة تاريخية». تاريخية «اللحظة» تتعلق بأسباب أكبر من سورية، لها علاقة بعدم الثقة والصدام بينهما في مناطق أخرى في مقابل حديث عن تعاون عسكري واستخباراتي في سورية.

الاتفاق، تضمن نقاطاً عدة أهمها الانسحاب من طريق الكاستيلو في حلب بما سيؤدي إلى منطقة خالية من السلاح. وكانت الفصائل المقاتلة تستخدم هذه الطريق في حلب للتموين قبل أن تسيطر عليها قوات النظام. كما نص على تحديد مناطق «المعارضة المعتدلة» وفصلها عن مناطق «جبهة فتح الشام»، «جبهة النصرة» سابقاً قبل أن تعلن فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة».

يبدأ تنفيذ وقف النار الساعة السابعة مساء اليوم بتوقيت دمشق، لمدة 48 ساعة ثم يمدد لأسبوع لتطبيق وقف الأعمال القتالية وتكثيف إيصال المساعدات، على أن تبدأ الولايات المتحدة بالتنسيق مع الروس لتشكيل «مراكز تنفيذ مشتركة» للاتفاق وتنفيذ ضربات جوية مشتركة ضد «جبهة فتح الشام» و «داعش».

وبحسب مسؤولين غربيين ودوليين، فإن عشر «عقدة» تقف أمام تنفيذ هذا الاتفاق «المعقد جداً»:

أولاً، أبلغ الأميركيون والروس الأطراف الدولية والإقليمية والسورية بأنهم لن يسلموهم النسخة الكاملة من الاتفاق الذي جاء في خمس وثائق تضمن الكثير من المعلومات الفنية والعسكرية والبنود اشتغل عليها خبراء عسكريون وأمنيون وديبلوماسيون منذ آذار (مارس) الماضي بعد انهيار اتفاق وقف العمليات القتالية الذي أعلن نهاية شباط (فبراير). اكتفى الجانبان بأن أبلغ كل طرف حلفاءه بالمطلوب منه. بعثت موسكو رسائل إلى دمشق وتكفلت بالباقي عبر مركز العمليات العسكرية في قاعدة حميميم في اللاذقية. كما بعث المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني ومسؤولون في «غرفة العمليات العسكرية» (موم) بقيادة «سي آي أي» رسائل إلى الفصائل السياسية والعسكرية المعارضة، تضمنت المطلوب منها وتفسير الاتفاق وخصوصاً البعد السياسي.

ثانياً، قال مسؤولون دوليون إن هناك تحدياً كبيراً في رسم الأميركيين والروس خرائط محددة لمناطق «فتح الشام» بسبب التداخل العميق مع فصائل معارضة إسلامية ومعتدلة مصنفة على «القائمة المختارة» أميركياً، إضافة إلى أن جبهات القتال تضمن وجود العناصر كتفاً إلى كتف مع بعضهم بعضاً.

ثالثاً، الانقسام داخل المعارضة. ظهرت بعد إعلان الاتفاق بعض الاختلافات في كيفية التعاطي معه. ظهرت بعض الليونة والإيجابية من قبل الفصائل المدرجة على قائمة «غرفة العمليات» والمحسوبة على «الجيش الحر»، مقابل تشدد كبير من فصائل «جيش الفتح». ويخشى قياديون أن الموافقة على الهدنة قد تعني انشقاقات كبيرة في العناصر وذهابهم إلى «فتح الشام» أو تنظيم «القاعدة». وعقدت الغارات التي شنت على إدلب وحلب ومناطق أخرى في اليومين الماضيين من إمكانية موافقة هذه الفصائل على الاتفاق.

رابعاً، أحد الانتقادات لاتفاق وقف العمليات القتالية السابق أنه لم يتضمن آلية حيادية للرقابة على الخروق، إذ أن النشطاء كانوا يسجلونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما لم يتضمن آلية لفرض الامتثال، امتثال النظام بوقف غاراته على مناطق المعارضة وامتثال الفصائل بعدم قصف مناطق النظام. سعت واشنطن إلى «فرض الامتثال» واقتراح آلية للرد على الخروق، لكن موسكو رفضت ذلك ربما بعد التنسيق مع دمشق وطهران.

خامساً، تضمن الاتفاق أن يتوقف الطيران السوري على قصف مناطق المعارضة والمناطق المتداخلة بين المعارضة المعتدلة و «النصرة» ومناطق «النصرة» الكاملة لأن المناطق الأخيرة ستكون تحت ولاية الطيران الأميركي – الروسي. لكن سيسمح للطيران السوري بقصف «النصرة» في مناطق محددة. هذا يفتح الباب لاستمرار الغارات خصوصاً أن هناك وجوداً لـ «فتح الشام» في معظم مناطق البلاد، في غوطة دمشق وحماة وحمص واللاذقية. ودشنت أول من أمس معركة في القنيطرة.

سادساً، لم تعلن المجموعات المسلحة المحسوبة على إيران موقفها من الاتفاق. صحيح أن إيران و «حزب الله» رحبا بالاتفاق، لكن بقاء باقي المجموعات في المنطقة الرمادية يترك المجال لاستمرار عمليات هجومية خصوصاً أن قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري قاسم سليماني قاد عمليات لميلشيات شيعية في جنوب غربي حلب. وشكل تجاهل الاتفاق لهذه الفصائل أحد الاعتراضات الأساسية التي بعثتها الفصائل المعارضة إلى الجانب الأميركي.

سابعاً، تجاهل الاتفاق لـ «وحدات حماية الشعب» الكردية باستثناء الحديث عن ابتعادها عن طريق الكاستيلو. يمكن تفسير هذا لأنها تحارب «داعش» وهذا التنظيم غير مشمول في الاتفاق. لكن هناك معارك بين «وحدات الحماية» ضمن «قوات سورية الديموقراطية» (الكردية – العربية) وفصائل «الجيش الحر» في ريف حلب الشمالي ضمن عملية «درع الفرات» المدعومة تركيا. هل يشمل الاتفاق هذه المنطقة التي تريدها تركيا خالية من المقاتلين الأكراد و «داعش»؟

ثامناً، يفترض أن تدخل المساعدات الإنسانية من تركيا إلى طريق الكاستيلو إلى شرق حلب ويفترض اعتبار منطقة الراموسة ذات وضع خاص. ويفترض نشر دوريات للتفتيش والمراقبة وحماية قوافل المساعدات. من يضمن عدم التعرض لها خصوصاً عندما تبدأ الغارات ضد «فتح الشام» الموجودة قرب الراموسة؟

تاسعاً، التحدي الأكبر، بحسب مسؤول غربي، هو صمود الهدنة لمدة أسبوع. كيف يمكن ضمان صمت البنادق وفق الاتفاق المعقد لسبعة أيام في كل أنحاء سورية. البنتاغون اشترط صمود الاتفاق أسبوعاً قبل التعاون مع الروس. إذ هناك انقساماً داخل الإدارتين الأميركية والروسية إزاء الاتفاق. البنتاغون ضده بوضوح بل أنه أصدر بياناً من أن التعاون مع روسيا لن يبدأ قبل التأكد من وقف القصف السوري والروسي على المدنيين والمعارضة. وبحسب مسؤول، هناك رفض لتبادل المعلومات مع الروس وهناك خوف من أن روسيا تريد الاطلاع على النظام الأمني وآلية جمع المعلومات لدى الأميركيين. أيضاً، هناك رفض لوزارة الدفاع الروسية لهذا الاتفاق. صقور الوزارة يعتقدون أن «غروزني نموذج ناجح». أي، الحل العسكري فقط بتدمير مناطق المعارضة وبنيتها التحتية وحاضنتها والمدنيين.

السياسيون هم الأشد حماسة. كيري لا يرى بديلاً من التعاون مع الروس ويريد تقديم «إنجاز» يقوم على «خفض العنف» لأوباما قبل انتهاء ولايته. وبريت ماغورك المبعوث الأميركي يريد «إنجازاً ضد الإرهاب». الرئيس فلاديمير بوتين يريد اعترافاً أميركياً بالشراكة السياسية والعسكرية من البوابة السورية وقد يكون يريد حلاً سورياً قبل نهاية ولاية أوباما.

عاشراً، الغائب الحاضر في الاتفاق هو البعد السياسي لأن النظام والمعارضة يريدان معرفة النهاية السياسية. إذ أن المسودة الأولى للاتفاق التي سلمها كيري إلى موسكو تضمنت حديثاً عن «الانتقال السياسي»، لكن بحسب مسؤولين فإن الاتفاق لم يتضمن الكثير من العناصر السياسية. لذلك حرص راتني وزملاؤه على إضافة عبارات سياسية إلى الرسائل التي بعثوها على أن الهدف النهائي هو إطلاق مفاوضات سلام وصولاً إلى «سورية جديدة من دون (الرئيس) بشار الأسد».

المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا متحمس للاتفاق، وهو مستعد كي يقدم مبادئ المفاوضات خلال اجتماع لوزراء خارجية الدول الـ 15 في مجلس الأمن في 21 الجاري. كما أن الجانب الروسي حض مجموعات المعارضة في منصات القاهرة وموسكو والآستانة على التوصل إلى رؤية سياسية موحدة وتنسيق في وفد تفاوضي واحد. وستضغط موسكو لتشكيل وفد معارض واحد من «الهيئة التفاوضية» وباقي المجموعات لدى استئناف المفاوضات في الموعد الأول بين 28 الشهر الجاري وبداية تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.

الحياة

 

 

 

 

خرائط «جبهة النصرة» وفك الاشتباك في الكاستيلو تمهيداً لمؤتمر نيويورك وبحث «الانتقال السياسي”/ ابراهيم حميدي

يضغط وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا للحفاظ على «الهدنة الهشة» وإقرار الخرائط المشتركة لمواقع «جبهة النصرة» وإدخال مساعدات إنسانية إلى حلب على أمل عقد اجتماع لوزراء خارجية «المجموعة الدولية لدعم سورية» برئاسة أميركية – روسية في نيويورك الاثنين أو الثلثاء المقبل، قبل الاجتماع الذي دعت إليه نيوزلندا الأربعاء المقبل لتوفير تقدم كاف في ملفي الهدنة والإغاثة يسمح لدي ميستورا بأن يقدم مبادئ الانتقال السياسي والدعوة إلى استئناف المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة في جنيف في بداية تشرين الأول (اكتوبر) المقبل.

بالنسبة إلى الهدنة، اتفق كيري ولافروف على تمديدها يومين إضافيين على رغم إعلان وزارة الدفاع الروسية حصول 60 خرقاً «معظمها من المعارضة» مع تركيز روسي على «أحرار الشام الإسلامية» أكبر فصيل اسلامي معارض، فيما أفادت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» بحصول 84 خرقاً في 29 منطقة. وأفادت «المرصد السوري لحقوق الانسان»، بأن «تقويمنا إيجابي للهدنة فكانت النتيجة صفر قتلى في مناطق سريان الهدنة» يومي الثلثاء والأربعاء.

لكن، وفق مسؤول غربي رفيع، لا تزال مشكلة كبيرة قائمة بين واشنطن وموسكو، إذ يضغط الجانب الروسي على نظيره الأميركي كي «يفصل الفصائل المعتدلة عن الإرهابيين»، أي ضرورة أن تنأى الفصائل المدرجة على قائمة الدعم العسكري والمالي الأميركي عن الفصائل الإسلامية في «جيش الفتح»، وخصوصاً «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة) سابقاً، في وقت تضغط واشنطن، وخصوصاً وزارة الدفاع (بنتاغون) لحصول التزام كامل بالهدنة وإدخال المساعدات قبل تشكيل «خلية التنفيذ المشتركة» الاثنين المقبل كي تقوم الطائرات الأميركية والروسية باستهداف مواقع «فتح الشام» (النصرة)، بموجب خرائط مشتركة يجري الاتفاق عليها بين جهازي الاستخبارات والجيشين في البلدين.

و «خرائط» مواقع «فتح الشام»، هي إحدى النقاط الرئيسية في الاتفاق الأميركي – الروسي المعلن الجمعة الماضي. إذ تتوقع واشنطن من موسكو أن توقف جميع الطائرات السورية من التحليق في المناطق التي توجد فيها مواقع «فتح الشام» التي ستكون من صلاحية الطائرات الأميركية – الروسية مع السماح للطيران السوري في مناطق أخرى. وطالب جميع حلفاء واشنطن بالحصول على هذه الخرائط، لكن ذلك لم يحصل على نطاق واسع بناءً على تفاهم البلدين. ووفق مصادر مطلعة فإن «الخرائط» المتفق عليها تشمل معظم مناطق محافظة إدلب وجزءاً من ريفي حلب وحماة، حيث ينتشر عناصر «جيش الفتح»، التي يتوقع أن يشملها القصف الأميركي – الروسي وحظر الطيران السوري. وأضافت المصادر أن التنفيذ العملي للاتفاق يعني خروج الطيران السوري عن معظم الأراضي السورية باستثناء مناطق «داعش» وجنوب سورية، مع أن نص الاتفاق تضمّن السماح له بقصف «مناطق محددة لا يشملها الاتفاق».

وقال مسؤول غربي آخر إن الاتفاق «أثار حفيظة النظام وحلفائه والمعارضة وحلفائها لأنه يقيد أيدي الأطراف المحلية والإقليمية ويضع الأمور في أيدي واشنطن وموسكو، ما يضع تحدياً كبيراً أمام صمود الهدنة إلى الاثنين قبل بدء التعاون العسكري الأميركي – الروسي بناء على طلب البنتاغون».

إلى جرابلس بدل إدلب

بالنسبة إلى المساعدات، كشفت اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالمساعدات الإنسانية في جنيف وجود عقبة أمام وصول المساعدات إلى الأحياء الشرقية في حلب وعقبات أمام وصول المساعدات إلى مناطق حي الوعر في حمص ومعضمية الشام وريف دمشق المحاصرة من القوات النظامية وحلفائها والفوعة وكفريا في ريف إدلب المحاصرتين من فصائل معارضة. ودعا دي ميستورا النظام السوري إلى السماح «فوراً» بتوزيع المساعدات، مؤكداً أن حتى الروس أعربوا عن «خيبة أملهم».

وتسلمت الامم المتحدة في السادس من الشهر الجاري أذونات من دمشق لتوزيع مساعدات في بلدات مضايا والزبداني والفوعة وكفريا ومعضمية الشام «لكن نحن في حاجة إلى إذن نهائي. وهذا أمر يجب أن يتم فوراً»، وفق دي ميستورا. وأضاف: «»إنه لأمر مؤسف، إننا نضيع الوقت. روسيا موافقة معنا على هذه النقطة». وهنا، علم أن ممثلين من حي الوعر طلبوا من المبعوث الدولي التدخل لإدخال الحي ضمن الهدنة والاتفاق الأميركي – الروسي بعدما «تسلمنا رسالةً من دمشق: الخروج من الوعر أو العيش مع القصف والحصار». كما حضر المستشار العسكري في مكتب دي ميستورا في دمشق أمير ندى مفاوضات أجراها ممثلون للجيشين الروسي والسوري لإخراج مقاتلين ومدنيين من معضمية الشام. وكان لافتاً، أن الوجهة التي اقترحت لهم، هي مدينة جرابلس التي سيطر عليها «الجيش الحر» مدعوماً من الجيش التركي، وليس إلى ادلب كما جرت العادة في اتفاقات التسوية في داريا وحمص والزبداني.

وأثير موضوع دخول المساعدات إلى شرق حلب حيث يقيم، وفق الأمم المتحدة، 250 ألفاً إلى 275 ألف شخص في الأحياء المحاصرة. وقال مشاركون في اجتماعات جنيف إن «اللوم وجه إلى المجلس المحلي لحلب بعدم الموافقة على استقبال القوافل من حدود تركيا». لكن دي ميستورا قال إن الأمم المتحدة ليست في حاجة إلى إذن نهائي من دمشق لتوزيع المساعدة في حلب، لأنه تم وضع نظام آخر لذلك. وعبرت نحو عشرين شاحنة مساعدات الحدود وتنتظر في «منطقة عازلة» بين تركيا وسورية. ويفترض أن يسمح النظام للأمم المتحدة بمجرد «إبلاغ» الحكومة، بوصول القوافل الإنسانية إلى حلب من طريق الكاستيلو، محور الطرق الواقع شمال المدينة، حيث نص اتفاق الهدنة على «فك اشتباك» عسكري على طول طريق الكاستيلو وإقامة «نقطة مراقبة». وتنتظر الأمم المتحدة تنفيذ فك الارتباط هذا لنقل المساعدة شرق حلب.

وأعلنت موسكو الأربعاء أن الجيش النظامي سينسحب من طريق الكاستيلو صباح الخميس، لكن ذلك لم يحصل حتى بعد ظهر أمس. وقال «المرصد» إنه تم «حل عقدة انتشار القوات الروسية على طريق الكاستيلو وإبعاد فصائل متواجدة في بداية الطريق ونهايته من الطريق بعد إعادة انتشار قوات النظام». غير أن المجلس المحلي في حلب، أبلغ الأمم المتحدة بوجود «تحفظات» على تنفيذ خطة إيصال المساعدات. وقال مسؤول في المجلس: «نثق بالأطراف المعنية من باب الهوى على الحدود (مع تركيا) إلى الكاستيلو. إذ إن وجود الطرف الروسي أو النظام على الكاستيلو غير مقبول لعدم حياديتهما، ونقترح وجود الأمم المتحدة على المعبر»، مقترحاً «تسمية الأطراف المشرفة على مراقبة عملية استلام الشاحنات من مجلس حلب وليس من الحكومة السورية»، إضافةً إلى تحفظات بالمواد التي تحملها الشاحنات وهي «لا تضم المواد المتفق عليها التي هي مواد أساسية مثل الدواء والطحين والمحروقات حيث لدينا 20 ألف طفل دون سن السنتين من أصل 325 ألف محاصر شرق حلب، ما يتطلب برنامجاً زمنياً لقوافل المساعدات». كما طالب المجلس بـ «طريق أمن يسمح بحرية الحركة للناس وحالات الإسعاف وإخلاء الجرحى ومعالجتهم» علماً أن الاتفاق الأميركي – الروسي سمح بخروج المقاتلين شرط إبلاغ الأمم المتحدة.

ويعمل كيري ولافروف لتقويم واقع الهدنة والإغاثة ومباركة الاتفاق بينهما في اجتماع وزاري لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» في نيويورك قبل لقاء وزراء للدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن الأربعاء الذي سيقدم فيه دي ميستورا رؤيته السياسية ومبادئ الانتقال السياسي، التي تشمل التأكد من حصول «انتقال سياسي لا رجعة عنه» والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية لتكون عناوين الجولة المقبلة من المفاوضات في جنيف بداية الشهر المقبل. ويسعى فريق دي ميستورا إلى ترتيب اجتماع لممثلي «منصات المعارضة» قبل المفاوضات، لتشكيل أوسع تمثيل. كما يدرس فريق المبعوث الدولي إمكان توجيه الدعوات بطريقة مختلفة عن الجولات السابقة بحيث لا تقتصر على اعتبار وفدي الحكومة و «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة «وفدين مفاوضين»، وسط اعتقاد برفض واشنطن ولندن وباريس ودول إقليمية ذلك. ويتضمن برنامج النشاطات في نيويورك أيضاً دعوة الحكومة البريطانية لمتابعة المؤتمر الدولي للمانحين الذي عقد في لندن في شباط (فبراير) الماضي وخرج بتعهدات قدرها 12 بليون دولار لمساعدة السوريين في دول الجوار لبحث مدى الالتزام بهذه الوعود من الدول المانحة.

 

 

 

 

اتفاق الهدنة وخيارات “فتح الشام”/ ميشيل كيلو

بقرار أميركا وروسيا اعتبار جبهة النصرة، أو جبهة فتح الشام بمسماها الجديد، تنظيماً إرهابياً تجب محاربته والقضاء عليه، يصير قيام نظام إسلامي في سورية ضرباً من الاستحالة، مهما وفّرت “الجبهة” له من قوى ميدانية، بشرية وسلاحية، وناصرتها التنظيمات “المعتدلة” أو شاركتها القتال من أجلها. بهذا القرار، تكتمل أيضاً حلقة المبادرين إلى رفض الدولة الإسلامية من العرب ودول الإقليم، الذين لم يتأخروا في الإفصاح عن موقفهم منها، كالأميركيين والروس، بل أعلنوا، في مرحلةٍ مبكرة من الثورة السورية، موقفهم حيالها، واعتبروها تهديداً خطيرا لأمن المنطقة ولنظمهم واستقرارها.

إذا كان هذا التقدير صحيحاً، وهو صحيح، يكون من العبث الانضمام إلى “جبهة فتح الشام” في مقاتلة الروس والأميركيين، بالنظر إلى نتائجه الصفرية سياسياً التي تجعل تأسيس دولة إسلامية في سورية محظوراً عربياً ودولياً، ولأن الانضمام إليها سيجر التنظيمات المقاومة الأخرى، والصراع في سورية، إلى حال أفغانية، ستغوص بسببها في حربٍ لا نهاية لها، مرتفعة التكلفة إلى حد خطير، قد يقوّض مقومات وجود سورية واستمرارها دولةً ومجتمعاً، في حين يستطيع الأميركيون والروس التعاون على التعايش مع هذه الحرب إلى أن يتم القضاء على فرص قيام النظام الإسلامي العتيد، إن هو نجح في السيطرة على البلاد، أو إذا أعلنت بعض فصائل المقاتلين إقامته التي لن تبدّل الأمور، لأنه سيشبه نظامي “طالبان” و”داعش”، الموجودين افتراضياً، لكنهما لا يشكلان دولتين بمعنى الكلمة، ما دام حملتهما مقاتلين أفرادا جوّالين، وما دامتا تفتقران إلى ما يميز الدول من مؤسساتٍ، ويسمها من شمولٍ وعلانية، وتتمتع به من ولاء المواطنين لها وقبولهم بها.

ليس تخلي جبهة فتح الشام عن هويتها القاعدية تنازلاً تقدمه لأحد، بل هو تدبير عقلاني تمليه الواقعية والحكمة: الواقعية التي يجب أن تكون من صفات قادتها، وتتركّز حول استحالة قيام النظام الإسلامي الذي يقاتلون من أجله، من جهة، وجسامة ما سيقدم من تضحيات مجانية في سبيله ستدفع الشعب إلى الانفكاك عنهم، ورفض مشروعهم من جهة أخرى، والحكمة التي ترى أن للواقع تجليات متنوعة، لا تقتصر على شكل وحيد قائم، إن تشبث قادة أي تنظيم سياسي أو عسكري به، ورفضوا بدائله الأفضل، كانوا مجموعة حمقى، وفشلوا في آنٍ معا في المحافظة على تنظيمهم وقضيتهم التي لا تنتصر، كأية قضية أخرى، إن لم تعرف كيف تتكيّف بنجاح مع تحولات الواقع، وبالأخص منها التي لا يمكنها تحدّيها ناهيك عن تخطيها، ويترتب على رفضها ثمن باهظ إلى درجةٍ تنتفي معها فرص النجاة والاستمرار.

إذا كان من المحال أن تنجح “الجبهة” في إقامة نظام إسلامي، مهما قدّم الشعب السوري من

“ليس تخلي جبهة فتح الشام عن هويتها القاعدية تنازلاً تقدمه لأحد بل تدبير عقلاني تمليه الواقعية والحكمة” تضحيات، وكان التشبث بانتمائها إلى القاعدة يهدّد بتقويضها هي، وبقية الفصائل المسلحة التي ستتعرّض للضرب مثلها في حال تحالفت معها، وستفقد قوتها الوازنة والمؤثرة في حال نأت بنفسها عنها. وستواجه، في الحالة الأولى، وضعا دولياً معادياً، وسيتناقص اهتمامه بها في الحالة الثانية، بسبب ما سيصيبها من تراجعٍ وضعف، علما أن العالم سيعتبرها، في حال التهاون مع الجبهة، تنظيمات إرهابية مثلها، وسيحول بينها وبين المشاركة في أي حل سياسي قادم، وسيزيل عنها صفة الاعتدال التي تؤهلها لأن تكون بديلاً محتملاً للنظام الأسدي. لن تربح “الجبهة” سياسياً من تحالف الفصائل معها، لاستحالة قيام نظام إسلامي في بلادنا، بينما ستخسر الفصائل قوتها أو أجزاء منها، وهويتها التي تجعلها شريكاً دولياً مقبولاً، فماذا يبقى، في ضوء هذه الحسابات التي أعتقد أنها واقعية وعادلة، غير فكّ علاقة “الجبهة “بالقاعدة، والانتماء إلى ثورة الشعب وعلمها، وإلى الجيش الحر وفصائله، لا سيما أن هذه الخطوات تمكّنها من الحفاظ على قوتها الوازنة في مواجهة النظام، وتحمي قوى الجيش الحر والفصائل، وتقلّص فرص إضعاف الثورة اليوم والتخلص منها غداً، وتوفر على شعبنا تضحياتٍ جسيمة، لا عائد سياسياً أو عسكرياً يسوّغها، وتعيد إلى الحراك الشعبي هويته الأولى، المعادية للاستبداد ولنظامه الأسدي، وتؤسس وضعاً سيقلب ميزان القوى تدريجياً لصالح شعب سورية، وسيجبر الدولتين الكبريين على الحد من تلاعبهما بمصيره، وتصارعهما بدمائه، بينما سيبعث الأمل بالخلاص في نفوسٍ كثيرة أصابها اليأس من الانتصار والعودة إلى الوطن، وسيحفظ وحدة دولتنا ومجتمعنا، أو يجعل تهديدها ضرباً من العبث.

تقدّم التطورات فرصةً تاريخية “للجبهة”، إن اهتبلتها أنقذت شعبها وصانت حقوقه. عندئذٍ، سيدافع السوريون عنها بالأرواح والمهج، لأنها غلبت أمنهم ووجودهم وانتصار ثورتهم على حساباتها التنظيمية الضيقة.

هل يُقدم قادة “الجبهة” على ما يلزمهم واجبهم تجاه أهل الشام بفعله، وتنتظره منهم قطاعاتٌ واسعةٌ منهم، أم يركبون رؤوسهم، ويضعون حساباتٍ حزبيةً وتنظيميةً فوق مصالحهم وأمنهم، فيهلكوا ويهلك معهم عدد غفير من المقاتلين من أجل سورية، وأبرياء بلا عدد ثاروا من أجل الحرية والحياة والكرامة، ولم يثوروا لكي تقتلهم الحسابات الخاطئة والأنانيات التنظيمية والمشاريع الوهمية والمستحيلة.

العربي الجديد

 

 

 

سورية.. الهدنة أو التقسيم/ بشير البكر

وضعت الولايات المتحدة وروسيا السوريين أمام خيارين لا ثالث لهما: الهدنة أو التقسيم. وبات الاتفاق الذي توصل له وزيرا الخارجية، جون كيري وسيرغي لافروف، بعد أكثر من خمسين اجتماعاً كأنه خلاصة نهائية، لا قبلها ولا بعدها.

حتى الآن، تبدو الهدنة صامدةً على نحوٍ نسبي، بما يفوق حسابات حتى الأطراف التي سعت إليها، وذلك عائدٌ، في صورةٍ أساسيةٍ، إلى الضغط الكبير الذي مارسته موسكو وواشنطن على النظام والمعارضة، من أجل ضبط النفس، ووقف الأعمال الحربية.

مصلحة أميركا من الهدنة أقلّ مردوداً مما تطمح إليه روسيا، وقبل كل شيء، تريد واشنطن من اتفاق اللحظة الأخيرة في عمر إدارة باراك أوباما أن تبرّئ ذمتها من وزر التقاعس والتواطؤ حيال الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام السوري خمس سنوات، وعدم قيامها بأي رد فعلٍ من أجل مساعدة شعبٍ أعزل يتعرّض للإبادة والتجويع والتهجير من وطنه، ليس على يد نظام مجرم فقط، بل بمشاركة إيران وروسيا ومليشيات طائفيةٍ لبنانيةٍ وعراقية وأفغانية وباكستانية.

والأمر الثاني الذي تراهن عليه واشنطن، كمكسب من الاتفاق، ضرب جبهة النصرة التي تعتبرها تنظيم القاعدة، ولا يفيد في ذلك تغيير اسمها، أو حتى جلدها.

من منظور موسكو، فتح الاتفاق الباب لرفع العقوبات الغربية عن روسيا، ولحلٍّ في أوكرانيا، وهذا ما كانت روسيا تصرّ عليه في الكواليس، وهو يعد أحد الأسباب التي جعلتها تندفع بقوة نحو الملعب السوري، وتدرك روسيا أن تفاوضها مع الولايات المتحدة وأوروبا، بخصوص شبه جزيرة القرم وأوكرانيا والدرع الصاروخي، مختلف كليا عنه في حال لم تجهز هذه الحملة العسكرية التي حققت نجاحات كبيرة، منها على وجه الخصوص منع نظام الأسد من السقوط، وتوجيه ضربة جسيمة للمعارضة السورية المسلحة التي بات ظهرها إلى الحائط، الأمر الذي جعل خياراتها محدودةً، وهامش المناورة أمامها شبه معدوم.

ويفيد هنا التوقف أمام جملة وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، الشهيرة “ما لم يؤخذ بحد السيف لن يعطى على طبقٍ فوق طاولة المفاوضات”، وهو يقصد بذلك رحيل بشار الأسد الذي تتمسّك به المعارضة شرطاً أساسياً لأي حل. وستكون هذه النقطة، كما جرت العادة، الأولى على جدول مباحثات الطرفين، وسيتم البدء منها في أول جولة تفاوض مرتقبة في مطلع الشهر المقبل. وهناك معلومات متداولة في الكواليس تقول إن الملاحق السرية في الاتفاق الأميركي الروسي تعطي له الحق في الترشح من جديد، وكذلك الإبقاء على رؤساء الفروع الأمنية الذين ارتكبوا مجازر بحق الأبرياء، وتقع عليهم مسؤوليات قتل قرابة نصف مليون، وتهجير ثلثي الشعب السوري، وتدمير أكثر من خمسين في المائة من سورية.

الهدنة هي الفرصة الأخيرة. هذا ما ردّده كيري ولافروف، ما يعني أن فشلها سوف يقود إلى ما هو أسوأ. وهذا ما أفصح عنه الوزير الأميركي، حين طرح عليه سؤالٌ حول البديل عن الاتفاق، واعتبر أنّ من دونه “كان العنف سيزيد بدرجةٍ كبيرة، وكان سوريون كثيرون سيذبحون، أو يضطرون للفرار من بلدهم. كانت حلب ستتعرّض لاجتياح بالكامل. وكان الروس والأسد سيواصلون قصفاً عشوائياً عدة أيام، فيما نحن نجلس هناك، ولا نفعل شيئاً”. واستنتج من ذلك “أنّ الاتفاق فرصة أخيرة للإبقاء على سورية موحدة”.

سيقود تفاقم الوضع إلى هذا الحد حكماً إلى الخيار المشؤوم، أي التقسيم. وهذا أمر يطمح إليه النظام والإيرانيون الذين ارتكبوا مجازر، ومارسوا سياسات التجويع، من أجل تهجير مناطق كاملة من سكانها الأصليين، بهدف إقامة ما تسمى “سورية المفيدة” التي هي كناية عن كانتون النظام برعاية طهران.

لا خيارات أمام السوريين. هدنة كاذبة أو طربوش أميركي روسي للتقسيم.

العربي الجديد

 

 

 

سورية وقبول الوصاية/ فاطمة ياسين

كمن باع كرمه ليشتري معصرة، قَبِلَ كل من النظام والمعارضة السوريين هدنة الثماني والأربعين ساعة التي وفرها مهندسا الحلول الجزئية، الوزيران الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف. ليست المرة الأولى التي تُكثف فيها اللقاءات الدولية قبل مناسبات الأعياد، لاجتراح وقف نيرانٍ يعطي لمن أنهكتهم الحرب قليلاً من السلام.

تعوّل المعارضة على الدبلوماسية الأميركية، مع بعض مكاسب ميدانية حققتها بمساعدة المدفعية التركية، لاقتناص حل سياسي، ستنفَّذ بموجبه خطة انتقالية تُخرج بشار الأسد من اللعبة، فيما خيار الأسد الوحيد هو الاطمئنان بأن حلفيه الروسي لن يتخلى عنه.

لا يُفهم الغرض من منح يومين للقوى المتقاتلة على الأرض السورية قبل سريان الهدنة إلا توفير فرصة لمزيد من الموت والتدمير، ومحاولات تمدّد، قد لا تدير لها الدول راعية الاتفاق بالاً. قبل ذلك، وبما يشبه جولات المصارعة الرومانية، حيث الضربُ المباشر غير مسموح، استعاد النظام “الحلبة”، ودخل الراموسة وكليات المدفعية مجدّداً، لكنه أُجبر وفق الاتفاق، أخيراً، على جعل طريق الكاستيلو سالكاً للبضائع والسكان، ومُنِعَ من استخدام السلاح فوقه، ما يغيِّب هاجس تجدّد الحصار على الحلبيين الموجودين ضمن البقعة الشرقية المسوّرة بمليشيات الأسد، فيما يتم تجاهل نكبات مناطق أقلّ تسلحاً في حي الوعر وبلدة المعضمية.

يمرّر كيري، كلما أوتي له، عبارات من قبيل “الخطة الانتقالية” و”اتفاقات جنيف”، ويتغاضى لافروف عن الأمر، لكنه يحذّر من “المزايدات” على الوضع السوري، ويذكِّر بأن العمل المشترك هدفه القضاء على الإرهابيين، بعد فصلهم عن أولئك المعتدلين.

وفيما يخص النزاع الذي استمر سنين حول فكرة المنطقة الآمنة، فقد حسمته تركيا حين استخلصت، في الوقت الضائع الذي يسبق التفاهمات الكبرى، رقعة جغرافية واسعة بالقرب من حدودها، لتكون مأوى للاجئين السوريين الحاليين أو المحتملُ لجوءهم في قادم الأيام، خصوصاً وأن تلك المنطقة قريبة من الميدان الأكثر حيوية في الصراع، وهو حلب.

أُعلن، من جنيف، عن قبول طرفَي النزاع السوري الهدنة، جاء الخبر على لسان كل من كيري ولافروف، وفق حالةٍ بالغة الغرابة، تستدعي التساؤل عن مستوى سلطة واشنطن وموسكو التي لا تشبه بحال أسلوب الوساطات الدولية المعتمدة خلال النزاعات.

في عام 1990، كان هناك وجود فعال لوزيري شَطْرَي ألمانيا في أثناء خطة توحيدهما، إلى جانب ممثلين عن فرنسا وبريطانيا وأميركا والاتحاد السوفيتي، وعلى الرغم من أن قسمي ألمانيا كانا واقعين تحت ما يشبه الاحتلال آنذاك، إلا أن إصرار الألمان أَجبر رئيسة وزراء بريطانيا والرئيس السوفييتي، مارغريت تاتشر وميخائيل غورباتشوف، غير المتحمسين لوحدة ألمانيا، على إقراره. بخلاف ذلك، فرض الجنرال التركي مصطفى كمال أتاتورك وجودَه، ممثلاً وحيداً لتركيا، على المجتمعين في لوزان السويسرية، حين حضر الاتفاقية التي قضت بتسليمه حكم بلاده كاملاً. أما في حالة الاتفاق الراهن، فقد تنازل السوريون عن حقهم، الشكلي ربما، بالوجود. وأبدوا رضىً واعياً عن مشهد كولونيالي وقح، تمارسه الدول الكبرى في سورية، بحيث تقر وتحدّد، “من دون نشر وثائق”، ما سيتولى السوريون تنفيذَه، والأمر مفهوم، فالواقع لا يفرض حلاً سياسياً إلا من خلال سياسيين، لا تمتلكهم سورية، أو أنهم غُيِّبُوا قسراً، ليحل محلهم زعماء دول وصيةٍ، يرتجى منهم إنجاز خلاص للسوريين!

لا تريح حالة التفاهمات المرجوة من معظم السوريين كرسي بشار الأسد الذي ارتكزت قوائمه منذ بدايات الثورة على الفوضى التي أحدثها التداخل العسكري، ومن ثم الدولي، على أرض سورية، ما يعني للأسد أن سياق التفاهمات والهدن ربما سيجعل هذا الكرسي بمثابة الكبش المطلوب لإنجازها على اعتبار وجود الأسد في السلطة “غير شرعي” وتدعمه، أو تتعامل معه، مليشيات يملأ اسمها قوائم الإرهاب في العالم.

في المقابل، حال المعارضة كالقط الجائع الذي يجهد لاقتناص فراشةٍ لا تسمن ولا تغني، فقبلت هدنة يومين فقط، من دون تزويدها بمعلومات عن موعد البدء بالحل الشامل الذي سينقل سورية إلى السلام والديمقراطية.

العربي الجديد

 

 

 

 

السقوف الواطئة/ علا عباس

وفق التسريبات التي ترد على مدار الساعة عن المفاوضات الروسية الأميركية بخصوص حل الأزمة السورية، ووفق ما خرج من لقاء الرئيسين، باراك أوباما وفلاديمير بوتين، على هامش قمة العشرين، فنحن أمام سقف منخفض جدا للحلول المنتظرة. ومرة أخرى، على السوريين أن يفلتوا الأمل الذي تعلقوا به، وبنوا عليه أحلاماً بأن حربهم ستنتهي، وأن عذاباتهم سيكون لها نقطة نهاية.

ومن قبل أن تفشل هذه المفاوضات، فهي فاشلة، أي أنها في حال نجاحها ستكون تعبيراً عن فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل للأزمة السورية، فبعد خمس سنوات من الحرب، وبعد كل الويلات التي حصلت، والملايين التي تهجرت، تجتمع القوتان الكبريان في العالم، وتتفاوضان على مراحل وجولات، وتعقدان اجتماعات عديدة وعلى مستويات عديدة، وتسرّبان التصريحات عن قرب التوصل إلى اتفاق، والبعد عن الوصول إلى اتفاق، ثم فجأة يتبين أنه سيكون بخصوص انسحاب قوات النظام من طريق الكاستيلو، ومنع طائراته من تجاوز حدود محافظة حماة، وأشياء من هذا القبيل.

وفي النهاية، تفشل المفاوضات، حتى في الوصول إلى اتفاق على نقاطٍ كهذه، إنها إذاً حلول السقوف الواطئة، وأقصى ما يحق للسوريين أن يحلموا به هو حلول كهذه، أي وقف لإطلاق النار في منطقة محدّدة، أو فك اشتباك القوات في حي ما، والسماح بوصول الدواء والخبز إلى حي آخر. ويبدو أن قدر السوريين هذا نهائي، وأن عليهم أن يعيشوا هذه الحرب سنواتٍ طويلة، وأنهم إذا ما أرادوا أن يخففوا من حجم مأساتهم، فما عليهم سوى أن يتأقلموا مع هذا الواقع الأليم، ويتعاملوا معه كأنه الحياة الطبيعية.

كل ما يبدر عن العالم بخصوص هذه الأزمة من شهور ليس سوى تمضية للوقت، من دون أي اكتراثٍ حقيقيٍّ بإيجاد حلول، ولا أحد مستعد لبذل جهد جدّي، أو تقديم تنازلٍ في جزء صغير من مصالحه الذاتية، من أجل الشعب السوري، فكل القوى الدولية والإقليمية باتت لها مناطق نفوذ في الأراضي السورية، تحقّق لها مصالحها وتخدم مخططاتها على حساب الوطن السوري والمواطنين السوريين، والوقت الذي يمر يفعل شيئاً واحداً فقط، يثبّت مناطق النفوذ هذه، ويحولها إلى واقع نهائي.

قدمت الهيئة العليا للتفاوض، في المؤتمر المصغر لوزراء خارجية أصدقاء سورية، رؤيتها للحل السياسي للأزمة السورية، وهو كلام يتكرّر منذ خمس سنوات، من دون أي انعكاس واقعي له. وهو من وجهة نظر ثوارٍ كثيرين في الداخل من مقاتلين ومدنيين، تراجع عن مطالب الشعب السوري، وتخفيض لسقف المطالب. ومع ذلك، لا إمكانية لتطبيق هذه الرؤية السياسية على الواقع، لأنها تنطلق من أرضيةٍ لم يعد لها وجود، وهي أرضية أن سورية دولة واحدة، يمكن لأبنائها، موالين ومعارضين، أن يتفقوا على حلٍّ من نوعٍ ما. وتعود هذه الرؤية في جذرها أربع سنوات إلى الوراء، يوم لم يكن على الأراضي السورية قوى عسكرية مباشرة تتبع لست أو سبع دول، وفصائل محلية ترتبط بدول أخرى، فالسقف المنخفض للرؤية السياسية القائم على مرحلة تفاوض، ثم مرحلة انتقالية من سنة ونصف السنة، ثم انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية، تفترض أن يسحب الروس طائراتهم والإيرانيون قواتهم، وحزب الله مقاتليه، وتركيا دباباتها، وتزيل أميركا قواعدها الجوية، وتفكّك “الدولة الإسلامية” نفسها وتعلن إنهاء الخلافة، وتغير جبهة النصرة رأيها (مثلما غيرت اسمها) وتتوقف عن السعي إلى إقامة خلافةٍ أخرى غير خلافة البغدادي، وتوافق على سورية “علمانية تعددية ديموقراطية”. وقبل ذلك أن يوافق نظام الأسد على تسليم السلطة لمجلس انتقالي توافقي، ثم لمجلس منتخب، وهو الأمر الذي قتل النظام مئات الآلاف من السوريين، ودمر نصف البلاد، لكي لا يفعله، لكنه سيقبل به الآن، لأن الهيئة العليا للتفاوض طرحته على شكل رؤية متكاملة، وقدمه رئيسها، رياض حجاب، أمام وزراء خارجية “أصدقاء سورية”.

بعض الطروحات، مثل الاتفاق الذي تفاوض عليه الوزيران، الأميركي كيري والروسي لافروف، يمكن تسميته اتفاق السقف المنخفض. ولكن، هناك طروحات أخرى يمكن اعتبارها أكثر انخفاضاً، (حتى لو كان مضمونها مرتفعاً) لأنها غير قابلة للتطبيق، ولا تتناسب مع الواقع الميداني. وبناءً على ذلك، فإن كل ما يطرح الآن بخصوص الأزمة السورية هو أفكار تحت سقف واطئ، والسوريون يحتاجون حلولاً تصعد بهم إلى السماء.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

فرص نجاح هدنة سورية/ مروان قبلان

للمرة الثانية خلال ستة أشهر، يتوصل الطرفان، الروسي والأميركي، إلى اتفاق “لوقف العمليات القتالية” في سورية، يستثني جبهة النصرة التي غدا اسمها جبهة فتح الشام، وتنظيم الدولة الإسلامية. وعلى الرغم من أن واشنطن وموسكو حاولتا، هذه المرة، معالجة الأسباب التي أدت إلى انهيار الهدنة السابقة، بدليل المفاوضات الماراثونية المستمرة منذ أشهر، سواء على المستوى السياسي (كيري – لافروف) أو على المستوى الفني (اجتماعات روبرت مالي- ألكسندر لافرنتيف في جنيف)، والاعتناء بأدق تفاصيل تنفيذ الاتفاق، إلا أن حظوظ الهدنة التي أعلنها الجانبان يوم الجمعة الماضي لا تبدو مع ذلك أفضل من سابقتها.

ومع أن تفاصيل كثيرة في الاتفاق غير معلنة، وبعضها قد لا يتم الإعلان عنه أبداً، إلا أنه يمكن، مع ذلك، تلمس بعض السمات العامة التي قد تتحول، بمرور الوقت، إلى ألغام تفجر الاتفاق من الداخل. يلاحظ أولاً أن المسألة السورية يتم التعامل معها على نحو متزايدٍ باعتبارها شأناً ثنائياً روسياً – أميركياً خالصاً، بعد أن استبعد كل طرف حلفاءه من المفاوضات الفعلية عندما حان وقتها، مع ترك حق التقاط صور لهم على هامش اجتماعاتٍ يزداد طابعها البروتوكولي كل مرة. وإذا كان مفهوماً أن هدف أي اتفاق هو خدمة مصالح أطرافه، فالمفهوم أيضاً أن المتضرّرين والمستبعدين سوف يسعون إلى إفشاله. ثاني ملامح الضعف في الاتفاق أنه يتعامل مع قضايا ميدانيةٍ بحتةٍ بمعزل عن أي إطار سياسي للحل، فهو يتعامل مع موضوع وقف العمليات القتالية، ومراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، والتنسيق الأمني والعسكري لاستهداف جبهة فتح الشام وتنظيم الدولة، ما يعني فعلياً أن غرض الاتفاق تجميد الوضع الميداني بين النظام والمعارضة، وتأجيل البحث في الحل السياسي إلى ما بعد وصول إدارة أميركية جديدة. لكن الحكمة التقليدية تقول: اتفاق ميداني ناقصٌ إطاراً سياسياً يساوي الفشل.

ثالثاً، صمم الاتفاق، حصراً، للتعامل مع الهواجس الأميركية والروسية، مغفلاً بذلك كل سياقات الصراع المحلية والإقليمية، فالرئيس بوتين كان يسعى وراء هدفين رئيسين، يوشك أن يحققهما له الاتفاق: الأول، والأكثر أهمية، انتزاع موافقة إدارة الرئيس أوباما على التنسيق أمنياً وعسكرياً بين قيادة العمليات الروسية في سورية وقيادة قوات التحالف الذي تقوده واشنطن (ما يعني اعترافاً أميركياً سياسياً وعسكرياً بروسيا دولةً ندّاً)، وثانياً، انتزاع موافقة واشنطن “لفرط” القدرات العسكرية للمعارضة السورية، من خلال استهداف جبهة فتح الشام، ومن ثم تفكيك جيش الفتح الذي يمثل التحدّي العسكري الأكبر لقوات النظام وحلفائه في شمال غرب البلاد. أما إدارة أوباما فقد حصلت، في المقابل، على مبتغاها في موافقة روسيا على وقف استهداف النظام المدنيين في مناطق المعارضة، لأن ذلك يخفف الضغوط عليها في عز موسم الانتخابات، بسبب عدم اكتراثها بمقتل العشرات منهم يومياً، فضلاً عن قذف آلاف اللاجئين باتجاه أوروبا. وثانياً، انتزاع موافقة روسية على تركيز الجهد الحربي على تنظيم الدولة وجبهة النصرة، بدلاً من استهداف “المعارضة المعتدلة”. لكن هذا الأمر تحديداً هو ما يمثل العقدة الأكبر في الاتفاق، ففي حين تسعى المعارضة إلى تجنب الدخول في مواجهةٍ مع الروس والأميركيين، إذا هي رفضت الاتفاق، إلا أنها، من جهة أخرى، لن تستطيع الوقوف موقف المتفرّج على استهداف “النصرة” التي تعد جزءاً أصيلاً من جيش الفتح الذي يخوض معارك طاحنة ضد قوات النظام وحلفائه في جنوب غرب حلب وشمال حماة، وهذا ما أدى، فعلياً، إلى سقوط الهدنة السابقة التي كبلت حركة فصائل المعارضة، فيما استمر استهداف الروس والنظام الفصائل الإسلامية المكونة جيش الفتح، بحجة أنها “نصرة” أو تتعاون مع “النصرة”.

هناك تفاصيل كثيرة تضمنها الاتفاق، وأخرى سكت عنها، مثل وضع المليشيات المدعومة إيرانيا، ووضع وحدات حماية الشعب الكردية، ونطاق حركة طيران النظام، وكل واحدة من هذه القضايا كفيلةٌ بتفجير الاتفاق من الداخل، لكن العنوان الرئيس يبقى أن هذا اتفاق أمني بامتياز، لا يوصل إلى حل في سورية، لا بل يمثل، بشكله الحالي، وصفة لاستمرار الصراع بعد حرفه عن مساره الأصلي.

العربي الجديد

 

 

 

 

الاتفاق الجديد حول سوريا و«استراتيجية الخروج» الأمريكية/ جلبير الأشقر

يدرك الجميع، ولو فطرياً، أن ما تسميه دراسات التواصل ‍«لغة الجسد» غالباً ما يكون أهم من الكلام في التعبير عن حقيقة المواقف. وينطبق الأمر نفسه بلا شك على تفاعل لغات الجسد في المسرحيات المتعاقبة التي تتألف منها الحياة اليومية. ولا تشذّ المناسبات السياسية عن تلك القاعدة، بل تبلغ فيها «لغة الجسد» ذروة أهميتها.

ومن هذا الباب، فإن تاريخ منطقتنا حافل بالمسرحيات التي تزيد فيها تلك اللغة عن الكلام بلاغةً، على غرار حفل توقيع «اتفاقية أوسلو» في واشنطن قبل 23 سنة، في 13 أيلول/سبتمبر 1993. يومذاك كانت «لغة الجسد» التي عبّر بها كل من ياسر عرفات وإسحاق رابين عن موقفيهما إزاء الحدث (افتخار الأول وازدراء الثاني) دليلاً ساطعاً على أن تلك الاتفاقية لن تشكّل سوى محطة جديدة في إحكام الطوق الصهيوني على الشعب الفلسطيني. وها نحن أمام اتفاق جديد في سلسلة اتفاقات «السلام» التي توفّر لتاريخنا المعاصر إيقاعاً مألوفاً، وهو اتفاق الهدنة المجدّد في سوريا الذي أعلنه وزيرا الخارجية الأمريكي والروسي في نيويورك بعد منتصف الليل، بحيث توجّب عليهما انتظار تغيير لوحة تأريخ الحدث من التاسع إلى العاشر من أيلول/سبتمبر.

فبين ارتياح الوزير الروسي سيرغي لافروف وابتسامه وتكرّمه بإهداء الفودكا للصحافيين تعويضاً لهم عن طول الانتظار (مفترضاً أنهم جميعاً من هواة الخمر) وبين الريبة والحذر اللذين بديا في موقف الوزير الأمريكي جون كيري، بل حتى في كلامه، كان معنى الاتفاق جلياً. وقد أكّده ما جاء من ترحيب بالاتفاق من طرف طهران وتوابعها، بما فيها النظام السوري، مقابل الخيبة والتحفظات التي عبّرت عنها أوساط المعارضة السورية. ولم يناقض الأمر ترحيب الحكومة التركية بالاتفاق، إذ أتى بعد أن انحنى رجب طيب اردوغان أمام نظيره الروسي فلاديمير بوتين وكافأه هذا الأخير بمنحه الضوء الأخضر لإدخال الجيش التركي إلى الأراضي السورية تصدّياً لتقدّم القوات الكردية، وهو همّ أنقرة الأكبر في الساحة السورية.

وحقيقة الأمر أن الاتفاق الجديد محكوم عليه بالفشل كسابقه، حيث لا يرتبط بأي خطوات ملموسة تتعلّق بحلّ المشكلة الأساسية (مثلما خلت اتفاقية أوسلو عن البت في الأمور الأساسية بما حكم عليها بالفشل). ويقتصر الأمر في الواقع على موافقة واشنطن على مشاركة طيرانها للطيران الروسي بقصف «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً)، وتوفيرها للـ «حليف» الروسي لتلك الغاية معلومات عن مواقع الجبهة المذكورة، مقابل امتناع طيران النظام السوري عن المساهمة في القصف المشترك. والكل يعلم أن المعارضة السورية لا تنظر إلى «جبهة فتح الشام-النصرة» كعدوّ رئيسي إذ أن قتال الجبهة الأساسي موجّه ضد النظام السوري، ناهيكم عن أنها لم تنفّذ عمليات إرهابية في الخارج، خلافاً لتنظيم داعش الذي وجّه قتاله الرئيسي في سوريا ضد المعارضة السورية بعربها وكردها ودبّر أعمال قتل همجية في شتى البلدان.

وكما ظهر للعيان، فالتدخل العسكري الروسي المباشر الذي بدأ قبل عام، والذي رحّبت به واشنطن «ما دام موجّهاً ضد داعش»، إنما تجلّى بسرعة وبلا مفاجأة تدخّلاً لتدعيم النظام السوري عقب سلسلة الهزائم التي مُني بها حتى ذلك الحين. وقد تمّ الأمر بتركيز القصف الروسي على المعارضة السورية بحجة قصف «القاعدة-النصرة»، علماً أن مواقع النصرة متداخلة مع مواقع بعض قوات المعارضة السورية بحكم قتالهما ضد قوات النظام السوري، عدّوهما الرئيسي المشترك.

هذا وقد كشفت الصحافة الأمريكية أن سبب تأخير كيري لإعلان الاتفاق إلى ساعة متقدمة من الليل يعود إلى تحفظات قيادة القوات المسلحة الأمريكية، ولا سيّما عدم ثقتها بـ «التحالف» مع موسكو وامتعاضها من فكرة تسليمها أي معلومات. والحال أن باراك أوباما قد فرض مشيئته في الملف السوري على خلاف مستمر مع قسم هام من إدارته والبنتاغون، وذلك منذ سنة 2012. أما فحوى الخلاف فكان في الأمس كما اليوم أن معارضي أوباما في الملف السوري يرون أن لا سبيل إلى تسوية سياسية في سوريا ما لم يتم تدعيم المعارضة بما يخلق ميزان قوى على الأرض يجبر النظام ومن يرعاه على إبرام مساومة حقيقية.

أما في غياب ذلك، فلن تعدو الاتفاقات كافة عن كونها هدنات قصيرة في أحسن الأحوال. وقد يعتقد كيري أن العجائب في متناوله وهو الذي يؤمن بأن كافة المشاكل يمكن حلّها بمجرّد جمع فرقائها في غرفة واحدة، كما كتب عنه متهكّماً أحد كتّاب صحيفة «فايننشال تايمز».

غير أن ذكاء باراك أوباما لا يترك مجالاً للشك في أنه يدرك حقيقة الأمر. وقد قال عنه خبير الشؤون العسكرية الأمريكي أنطوني كوردسمان بحق أن همّه في سوريا بات إيجاد «استرايجية خروج» (exit strategy)، لكن ليس للخروج من الأزمة السورية التي كان له دور حاسم في مفاقمتها، بل للخروج من منصب الرئاسة!

٭ كاتب وأكاديمي لبناني

القدس العربي

 

 

 

سوريا:وقف النار كواجبٍ إنساني/ ساطع نور الدين

من دون تردد  او حتى تحفظ، يرجى ان يصمد اتفاق وقف اطلاق النار  في سوريا ، بغض النظر عن التفاصيل، وعن الشياطين التي لا تزال تكمن في داخلها، وهي كثيرة . ثمة محرقة بشرية رهيبة، فاقت كل الحدود والتصورات، وقد آن لها ان تخمد، رحمةً بضحاياها السوريين الذين كف العالم عن إحصاء أعدادهم، وعطفاً على أشقائهم وأصدقائهم الذين ما عادوا يحتملون صور  الموت والخراب والدمار.

وقف النار هو بأبسط المعايير  الانسانية والاخلاقية إنجاز خارق، يوقف بورصة الدم السوري، او على الاقل يخفض من أرقامها اليومية المرعبة. ولا يبدو حتى الان انه يمكن ان ينهار، كما حصل مع اتفاقات عديدة سابقة، او بالتحديد كما في الاتفاق الذي تم التوصل اليه في شهر شباط فبراير الماضي، ولم يدم أياماً معدودة.

الشكوك كثيرة وكذا التحفظات والشروط المتبادلة. لكنها لحظة للأمل المجرد من أي حساب سياسي أو أي تقدير عسكري ، بان يكون هذا الاتفاق الاميركي الروسي الذي يبدو انه سقط على الاشقاء السوريين كهبة من السماء، هو المدخل  الذي طال تأخره وطال انتظاره الى انهاء تلك الحرب السورية التي تخطت  بوحشيتها وقذارتها كل ما عرفه العالم  المعاصر من حروب تقليدية او أهلية.

السؤال الجوهري الوحيد الذي طرح في اليومين الاولين على بدء تنفيذ  الاتفاق الذي إنتهك ولا يزال ينتهك على أكثر من جبهة، لكنه يمضي  قدماً نحو إسكات الصواريخ والمدافع والبراميل المتفجرة: اذا كان بامكان اميركا وروسيا ان تفرضا على المتحاربين السوريين القاء السلاح او تنحيته جانباً ، لماذا تأخرتا حتى الان، حيث ارتفع منسوب الدم السوري الى معدلات إستثنائية.

في الرد على هذا السؤال يقال ان اميركا وروسيا دخلتا في مفاوضات شاقة ومعقدة وطويلة من اجل التوصل الى الاتفاق الذي لا تزال وثائقه الخمس سرية وهو ما يوحي بانها تجريبية. واذا كان التفاوض قد إمتد اكثر من اللازم، فإنه لا يمكن إستبعاد حقيقة ان الاميركيين والروس قد اختاروا التوقيت المناسب لهم لاعلان الاتفاق والشروع في التنفيذ. المؤكد ان الجانبين لم يأخذا في الاعتبار مناسبة عيد الاضحى، ولم يتعمدا ان يكون وقف النار هديتهم الى السوريين في العيد.

لعل في التوقيت عبرة ما،  مع ان الاتفاق لن يخدم الرئيس الاميركي باراك اوباما في ايامه الاخيرة في الحكم ولن يفيد حملة المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، ولا طبعا حملة منافسها دونالد ترامب.. ومع ان الاتفاق لن ينفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يدير روسيا بقبضة من حديد، لا في تعديل مكانته الداخلية ولا في تغيير صورته الخارجية.

الارجح ان الاتفاق هو نتاج إحساس أوباما بالحرج  والضيق من الاتهام الموجه له بالعجز والتواطوء ، والتفريط بالزعامة الاميركية العالمية، وهو من جهة أخرى ، مؤشر على شعور بوتين بان حملته العسكرية الضارية على السوريين تقترب من حدها الاقصى الذي يستدعي البحث عن بدائل لذلك  الاستعراض الناري في سوريا. لكن هذين التقديرين بحاجة الى إختبار يتجاوز وقف النار ، ويفتح  بالفعل آفاق الحل السياسي السوري، الذي من دونه لا يمكن للاتفاق ان يصمد سوى أسابيع أو أشهر لا أكثر.

الثابت حتى الان أن الاتفاق يعبر بواقعية شديدة عن إستحالة حسم الصراع بالقوة، وعن صعوبة إحداث تعديل جذري في موازين القوى، وعن حاجة ماسة الى عزل الأشد تطرفاً من المعسكرين المتحاربين، وعلى رأسهم تنظيم داعش وجبهة النصرة اللذين يستثنيهما الاتفاق ويستهدفهما، والاسد الذي تسرع في إعلان خطاب النصر من داريا.

مهما تعددت القراءات للاتفاق وإختلفت، فإنه لا يجوز سوى التمني بان يصمد رأفة بسوريا وشعبها.

المدن

 

 

 

 

الاتفاق الأمريكي ـ الروسي حول حلب: الشيطان في التفاصيل

رأي القدس

بعد موافقتها على الاتفاق الأمريكي ـ السوري حول حلب واحتفلت به بطريقتها الخاصة: قصف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في محافظة إدلب وقتل 90 مدنياً بينهم 22 طفلاً.

لأسباب كثيرة تبدو هذه الهمجية المستمرة منذ اندلاع الثورة السورية على النظام عام 2011 جزءاً من الصفقة «الإنسانية» التي احتاجت تسعة شهور لطبخها بدليل أن رد الفعل الوحيد المسموع من مبعوث الأمم المتحدة لسوريا ستافان دي ميستورا عليها كان تحذير المعارضة السورية من التحالف مع «جبهة فتح الشام»!

تتلخّص نقاط الاتفاق بخطوات إجرائية تتعلّق بدخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق حلب المحاصرة وخروج المدنيين والمسلحين منها (من دون التطرّق إلى قضية عودتهم) مقابل وقف النظام السوري قصفه لهؤلاء المدنيين والمسلحين وانسحاب قوّاته من معبر «الكاستيلو» التي ستكون تحت سيطرة الأمم المتحدة (فيما يتحدث بعض المحللين والمقاتلين عن بدء تواجد قوات روسيّة)، ولا يتضمن وقفا للقصف أو القتال في المناطق الغربية والجنوبية من حلب، مما يعني أن التركيز سيتم على مناطق شرق حلب فقط الواقعة تحت حصار النظام.

يتضمن اتفاق «السقف الأدنى» (بحسب تعبير المسؤولين الأمريكيين) تثبيتا لفكرة أن تنظيم «فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقا) إرهابيّ، رغم إعلان الأخير انفصاله عن «القاعدة» والتزامه التحالف مع حركات وتنظيمات سورية مسلحة بهدف إسقاط النظام، كما يتضمن الاتفاق قرارا باستهدافه من الطرفين الروسي والأمريكي معاً، وضغطاً على المعارضة السورية للانخراط في مشروع الاستهداف هذا.

يرفض هذا القرار عمليّاً خضوع «فتح الشام» لمنطق مقبول في السياسات العالمية (الانفصال عن تنظيم إرهابي)، ويقبل في الوقت نفسه وجود تنظيمات معتبرة إرهابية لدى الولايات المتحدة الأمريكية و»الناتو» (كـ»حزب الله» اللبناني) تقاتل في طرف النظام السوري، مما يعني، عمليّا، توطيد أركان النظام وحلفائه وشق المعارضة السورية وإنهاكها بقتال لا طاقة لها به، وإضفاء شرعيّة على طرف مقابل تجريم وافتراس طرف آخر.

ما كان لاتفاق إدخال مساعدات إلى شرق حلب وإفراغ تلك المنطقة من مدنييها ومسلحيها لو لم يسبقه قرار أمريكي ـ روسيّ آخر بإطباق الحصار عليها بعد أن استطاعت المعارضة فكّ ذلك الحصار والسيطرة على كليات التسليح والمدفعية والفنية ومنطقة الراموسة وهو ما يشير، في طيّاته، إلى أن إخضاع المعارضة، لا النظام، هو الهدف الاستراتيجي للاتفاق.

تكشف تفاصيل الاتفاق «استراتيجية» أمريكا وروسيا لتحديد معالم المرحلة السورية المقبلة أهم أركانها:

إعادة تأهيل تدريجية للنظام السوري مع إبقاء قضية خروج بشار الأسد من السلطة غامضة.

فصل تنظيم «فتح الشام» عن باقي أطراف المعارضة السورية.

توسيع متدرّج لسابقة شرق حلب على مناطق سورية أخرى لإيصال المساعدات الإنسانية إليها ووقف قصفها وإفراغها من المعارضة واستهداف تنظيمي «الدولة الاسلامية» و»فتح الشام».

مع تقدّم هذه الاستراتيجية العامة على الأرض تبدأ المفاوضات السياسية لرسم معالم تسوية «المسألة السورية».

لهذا الاتفاق ثلاثة جوانب، عالمية، وإقليمية، وسورية، ولحصول تقاطع بين هذه الجوانب الثلاثة كان على المسألة السورية أن تخضع لثلاثة مراحل كبيرة ساهم الأمريكيون والروس في إنجازها، في الأولى تم تثبيت شرعيّة النظام السوري من خلال منع أي محاولة لإقامة منطقة آمنة تمارس فيها حكومة للمعارضة مهامها، وفي الثانية والثالثة تم تحويل الشأن السوري إلى قضيتي اللجوء والإرهاب، تم الصراع على شقّ المعارضة السورية من خلال تعريف من هو الإرهابي.

في إدارتها للنزاع السوري قامت الإدارة الأمريكية بتوطيد أركان المشروع الروسي على أمل تخفيف وطأة المشروع الإيراني وتقليم طموحات النظام الإبادية والنتيجة هي هذه الطبخة المبتسرة في شرق حلب خلال الوقت الضائع قبل انتهاء ولاية أوباما.

القدس العربي

 

 

 

 

الاتفاق الأميركي – الروسي بالعناوين السابقة نفسها هل اتسعت المفاوضات إلى ما يتجاوز سوريا ؟/ روزانا بومنصف

ليس واضحا ما اذا كانت الخربطة الداخلية التي طاولت الحوار والحكومة في لبنان في الاسبوعين الاخيرين مرتبطة في شكل او في آخر بالرهانات على ان ثمة حلولا مقبلة للوضع السوري بناء على المفاوضات الاميركية الروسية التي جرت منذ 14 تموز الماضي بحيث قد تترك انعكاسات على ملفات عدة بما فيها لبنان بناء على التسوية الموقتة التي سترسو عليها الامور. لكن هذا غير مستبعد قياسا على الرهانات التي رافقت مراحل مختلفة من الحرب السورية وتأثيراتها على الاستحقاقات اللبنانية على رغم ان الاتفاق الاميركي – الروسي لم يرفع الآمال بان شيئا جديدا فعليا دخل على الخط اقله حتى الان وفي انتظار بلورة تفاصيل هذا الاتفاق.

اذ ان التلاقي التركي السعودي ابان زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لتركيا وعلى اثر قمة العشرين في الصين وقبيل الاعلان عن اتفاق اميركي روسي حول هدنة في سوريا لجهة التبشير بان اتفاقا اميركيا روسيا بات قريبا ترك المجال واسعا للاعتقاد بان كلا من واشنطن وروسيا قد حصنتا اتفاقهما بموافقة الافرقاء الاقليميين على ما كان سيعلن حول الهدنة على الاقل في موازاة ما عناه هذا الاعلان المشترك من تصويب لموقف تركيا من قبول بقاء الاسد خلال هذه المرحلة وفق ما كان اعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم . لكن في انتظار تفاصيل الوثائق الخمس التي اعلن عنها للاتفاق بين واشنطن وموسكو، فان بعض المطلعين يرون تكرارا انه قد لا يأتي خلافا للاتفاق الاميركي الروسي الذي ارسى هدنة مطلع السنة الحالية وادى الى استئناف المفاوضات التي توقفت لاحقا في نيسان ما دام السقف هو نفسه والعناوين هي نفسها. اي انها هدنة تبدأ من حلب وتؤدي الى تعميمها على كل سوريا وادخال المساعدات الانسانية ثم الاعداد للانتقال لمفاوضات سياسية . وهذا كله مفتوح على تساؤلات تتصل بوقوف النظام بمساعدة روسيا عند اطراف حلب مجددا لمحاولة السيطرة عليها ولو لم تساعده ليفعل في الفترة المقبلة لكنه وضع كفيل بان يعزز اوراق الاسد في المفاوضات السياسية لاحقا في حال لم تساعده روسيا على اكمال ما يسمى سوريا المفيدة في فترة غياب واشنطن “عن السمع” اي في الفترة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الاميركية في 8 تشرين الثاني المقبل وتسلم الرئيس الاميركي الجديد مهماته . وهو امر مطروح للتساؤل بقوة على قاعدة جملة امور : ان النظام اعلن هذه المرة ايضا مستبقا المعارضة ورأيها في هذا الاتفاق انه يلتزم الاتفاق علما انه كان اعلن سابقا في كانون الثاني ايضا استعداده للتفاوض مع المعارضة في جنيف وسرعان ما ظهر ان الامر لا يخرج عن اطار لعبة سياسية اعلامية ليس اكثر . وهذا لا يعني استعداده للمساومة على حل سياسي مع المعارضة. ثانيا ان ما اعلن في الاتفاق الروسي الاميركي هو مضمون الاتفاق السابق الذي تحول الى قرارات دولية لم يتم التزامها ان لجهة منع تقدم جهة على اخرى ومحاولة استيلائها على مناطق جديدة او لجهة حتمية ادخال مساعدات جديدة للمناطق المحاصرة ، وهو امر تقر الامم المتحدة بانه لم يحصل بالطريقة المناسبة وهو الامر الذى ادى الى تعليق المفاوضات من المعارضة في نيسان الماضي. وكان هناك خلاف آنذاك على التمييز بين المعارضة المعتدلة والمتشددين وليس واضحا كيف يمكن في ظل تضييق النظام على حلب ومحاصرتها مجددا ان تقبل المعارضة بتشتيت صفوفها واستفراد فصائلها بمحاولة الفصل بين الفصائل التي توحدت اخيرا من اجل فك الطوق عن حلب. يضاف الى ذلك الثغر المتصلة بحق الدفاع عن النفس واستمرار الحق في ملاحقة الارهابيين وتسجيل الخروقات واتخاذ اجراءات في حق من يخترق الهدنة علما ان الموفد الاميركي الى سوريا مايكل راتني والذي كان ضغط على المعارضة في كانون الثاني من اجل عدم تفويت فرصة المفاوضات السياسية ولكشف من هو المسؤول عن نجاح المفاوضات او فشلها لم تفعل بلاده اي شيء لمعاقبة من اخل بذلك وها هو يضغط مجددا على المعارضة من اجل قبولها بالهدنة راهنا في ظل اعلان كيري ان موسكو ستتحمل مسؤولية اخلال الاسد باتفاق الهدنة. ( وهو امر يناقض ما سبق ان اعلنته واشنطن عن مشاركة روسيا في الحرب ضد المعارضة السورية واخلالها هي ايضا بالهدنة السابقة).

لماذا قد يكون الاتفاق الاميركي الروسي الحالي مختلفا عن الاتفاق الذي تم بينهما قبيل نهاية السنة الماضية ؟

لا يبدو في اي حال بالنسبة الى متابعين ديبلوماسيين انه اتفاق مختلف اقله ظاهرا اذ قد لا يتعدى اعادة ترميم للهدنة السابقة ولاعتبارات متعددة تتصل بمصالح الطرفين ومسؤولية عدم اتفاقهما عن استمرار النزف السوري وعن استمرار هجرة اللاجئين والارهاب من جانب الدول الاوروبية . اذ انه لم يطرح مشروعا سياسيا كما تم استبعاد مصير بشار الاسد من المباحثات. لكن يبقى معرفة ما قد يكون اتفق عليه المسؤولون الروس والاميركيون اذ ينقل مطلعون عن متصلين بهم من المعارضة السورية ان المحادثات بين الجانبين الاميركي والروسي قد لا تكون اقتصرت على سوريا بل شملت مواضيع عدة اخرى في المنطقة كما شملت اوكرانيا، وهو الامر الذي قد يتبين لاحقا استنادا الى اعتقاد صار راسخا لدى هؤلاء المطلعين بان روسيا مستعجلة للحصول على اتفاق مع ادارة الرئيس باراك اوباما وقبل وصول الادارة الاميركية الجديدة التي يرجح ان تكون تحت رئاسة هيلاري كلينتون .

النهار

 

 

 

الصراع السوري والتفاهم الأميركي – الروسي/ د. أحمد يوسف أحمد

قبل أن أكتب هذا المقال بلحظات، ذكرت الأنباء أن وزير الخارجية الأميركي قد أعلن التفاهم مع روسيا على وقف لإطلاق النار يُفترض أن يكون قد بدأ بالأمس، وكان الجدل قبل ذلك محتدماً حول محاولة التوصل إلى تفهم روسي – أميركي حول الصراع في سوريا. وانصرف الجدل إلى البحث في فرص التوصل إلى هذا التفاهم والصعوبات التي تعترضه والتفاصيل التي يمكن أن يشملها ومدى تلبيتها لمطالب أطراف الصراع، ولا أنوي الخوض في تحليل هذا «الإنجاز»؛ لأنه ليس جديداً فقد سبق التوصل لمثله ولم يحدث شيء، ولكن هدفي هو التركيز على فكرة أن التوصل إلى تفاهم روسي – أميركي حتى ولو تجاوز وقف إطلاق النار واتسم بالشمول ولو نسبياً لن يكون بالضرورة عاملاً حاسماً في حل الصراع السوري أو تسويته. وأنه حتى لو بدأ تنفيذ هذا التفاهم فسيواجه صعوبات حقيقية تؤدي إلى تعثره إن لم يكن إلى فشله في تحقيق غايته. ويستند هذا الافتراض إلى بديهيات نظرية وخبرات عملية، فلكي تحل صراعاً أو تحقق تسوية لا بد أن تشمل العملية التفاوضية الأطراف كافة، وليس أهمها كما هو الحال في التفاهم الروسي – الأميركي. فالصراع في أبسط معانيه حالة من التعارض ولكي تحله أو تسوّيه لا بد أن تلبي عناصر الحل أو التسوية الحدود الدنيا على الأقل من مطالب الأطراف. وفي الحالة السورية ينطوي الصراع على أطراف عديدة على نحو بالغ التعقيد، فهناك أولاً النظام السوري وحلفاؤه المتمثلون في روسيا وإيران و«حزب الله»، وهناك ثانياً فصائل المعارضة السورية التي تدعمها دول عربية وتركيا عدا الفصائل الكردية والولايات المتحدة. وتضاف إلى ذلك كله قوى الإرهاب التي تواجه الجميع، وهنا تزداد الأمور تعقيداً بالخلاف حول تحديد ماهية الفصائل الإرهابية. والمشكلة أن مصالح هذه الأطراف متعارضة حتى داخل الطرف الواحد، ويكفي أن نشير في الطرف الداعم للنظام إلى التعارض بين المصالح الاستراتيجية لكل من روسيا وإيران حتى ولو اتفقت تكتيكياً. وعلى الطرف الثاني نشير إلى الارتباك الأميركي بين دعم الأكراد والحرص على التحالف مع تركيا، وبالنسبة للأخيرة اتضح لها مع بروز الدور الكردي في الصراع أنها أقرب للنظام السوري منها للأكراد وهكذا.

ويلمح معظم الأطراف إلى أن الطرف القائد أي روسيا في جبهة النظام والولايات المتحدة في جبهة المعارضة يتصل بها للتشاور للإيحاء بأن مصالحها مصونة، وهو قول في الغالب غير صحيح، وإلا ما رأينا الائتلاف السوري المعارض يحرص بعد اجتماعه الأخير على التصريح بأنه لن يكون ملزماً باتفاق لا يحقق مصالحه. والواقع أن هذه الغابة من المصالح المتعارضة لا يمكن أن تجد لها تعبيراً دقيقاً في أي تفاهم من هذا النوع كما تشير الخبرة الماضية لمحاولات مماثلة. ولذلك فإن الخلافات تثور عادة بين الأطراف المختلفة عندما تبدأ خطوات التنفيذ، ولنا في اتفاق الصخيرات مثال قريب، مع أن أطرافاً ليبية لها وزنها قد شاركت فيه، ومع هذا لم يلق قبولاً عاماً. ولذلك فإن الأطراف التي تشعر بأن مصالحها قد تم تجاهلها تلجأ عادة إلى وضع العصى في عجلات التنفيذ، بل وتتمرد على الاتفاق ذاته، أو على بعض خطوات تنفيذه، وتعود مجدداً إلى القتال إذا لزم الأمر، فإرادة الكبار لا تكفي كما قد يتوهم البعض وهي مسألة بديهية في العلاقة بين ما هو عالمي وما هو إقليمي، وإلا لكانت فكرة الاسترخاء العسكري التي دعت إليها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قبل حرب أكتوبر 1973 قد نجحت في وأد نشوب هذه الحرب، ولكن ما حدث هو أن العرب قد أجمعوا على رفض الفكرة ضمنياً؛ لأنهم رأوا أنها لا تحقق مصالحهم المتمثلة في تحرير أراضيهم المحتلة ومن هنا جاء إنجازهم في أكتوبر. وليس معنى ما سبق أننا ضد أي تفاهم يفضي إلى حل للصراعات المحتدمة على أرضنا أو تسويتها ولكن التنبيه واجب إلى أن هذه الحلول أو التسويات لا يمكن أن تأتي من طرفين فحسب ضمن أطراف عديدة في هذه الصراعات مهما كان وزنهما.

——————-

 

د. أحمد يوسف أحمد

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

الاتحاد

 

 

 

حصار حلب: الكاستيلو هدف المعارضة مجدداً بانتظار الاتفاق الروسي-الأميركي/ رامي سويد

سقطت مناطق سيطرة المعارضة السورية في مدينة حلب تحت حصار كامل من قوات النظام السوري مجدداً، بعد تمكن قوات النظام يوم الأحد من استعادة السيطرة على كلية التسليح والكلية الفنية الجوية ومدرسة المدفعية الواقعة جميعها على أطراف حي الراموسة جنوب غرب حلب. وبذلك تمكنت قوات النظام من السيطرة على طريق الراموسة خان طومان الذي تحول خلال الشهر الماضي إلى خط إمداد وحيد لقوات المعارضة في مدينة حلب، بعد خسارتها خلال شهر يوليو/تموز الماضي لطريق الكاستيلو شمال المدينة والذي كان يعد طريق إمدادها الوحيد إلى مناطق سيطرتها بمدينة حلب.

وانسحبت قوات “جيش الفتح” من كلية التسليح والكلية الفنية الجوية ومدرسة المدفعية جنوب غرب حلب بعد هجوم كبير شنته قوات النظام السوري والمليشيات المحلية والأجنبية الداعمة لها، مدعومةً بغطاء جوي كثيف. وتسبب الهجوم بقطع خطوط إمداد المعارضة المتمركزة في الكليات العسكرية وزاد الضغط الناري عليها ما أجبرها على الانسحاب من المنطقة، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد”.

ولم يقتصر سبب الانسحاب من الكليات العسكرية على هجوم قوات النظام الكبير عليها يوم الأحد. بل سبق ذلك خوض قوات المعارضة المتمركزة في المناطق المحيطة بطريق الراموسة خان طومان، لمعركة استنزاف ضارية ضد قوات النظام في هذه المناطق خلال الأسبوعين الأخيرين، خصوصاً في مناطق القراصي وتلة الجمعيات التي خسرتها المعارضة منذ ثلاثة أيام فقط، وفي منطقة تلة أم القرع وتلة السيرياتيل. وقد سيطرت قوات النظام على تلة أم القرع التي تشرف على طريق الراموسة خان طومان، مما منحها إمكانية استهداف أي مركبة تتحرك على هذا الطريق الذي كان يوفر ممر إمداد وحيد للمعارضة إلى حلب. هكذا اضطرت فصائل المعارضة إلى الدفع بقواتها في هجمات انتحارية على التلة بهدف استرجاعها من دون أن تنجح بذلك، متكبدة خسائر كبيرة في صفوفها.

وتسبب هذا الاستنزاف الكبير، على طول يمتد لستين كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من حلب، بضعف إمكانية المناورة لدى فصائل المعارضة وإرسالها للتعزيزات. تجدر الإشارة إلى أن هذه الفصائل كانت انشغلت أثناء معركة الحفاظ على خط إمدادها الوحيد جنوب غرب حلب، بمعركتين كبيرتين بعيدتين عن هذه المعركة؛ الأولى معركة السيطرة على جرابلس والقرى الواقعة على الجانب السوري من الحدود السورية التركية المشتركة شمال حلب بعد طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) منها. والثانية هي المعركة التي تخوضها قوات المعارضة في ريف حماة الشمالي ضد قوات النظام والتي حقق فيها مقاتلو المعارضة تقدماً هاماً.

وساهم خوض قوات المعارضة المتمثلة بعدد من الفصائل المنضوية في جيش الفتح، كحركة أحرار الشام وفيلق الشام، لهاتين المعركتين بالتزامن مع معركة جنوب غرب حلب، بتشتيت تركيز هذه الفصائل وعدم قدرتها بالتالي على الدفاع عن نقاط تمركزها الاستراتيجية هناك، وهي النقاط التي كلفت المعارضة خسائر كبيرة حتى تمكنت من السيطرة عليها مطلع الشهر الماضي.

وتبدو قوات المعارضة في حلب في وضع لا تحسد عليه حالياً مع فشل عملية فك الحصار على المدنية والتي حشدت لها قوات عسكرية كبيرة من أكبر فصائل المعارضة في الشمال السوري. إلا أنها قد تعود لمحاولة فك الحصار مجدداً على المدينة من الجهة الشمالية هذه المرة وتحديداً من طريق الكاستيلو. احتمالات كهذه تبدو مطروحة، لأن غرفة عمليات فتح حلب التي تضم أكبر فصائل المعارضة السورية العاملة في مدينة حلب، أصدرت بياناً مساء السبت وأبلغت فيه المدنيين المقيمين في مناطق سيطرة النظام السوري الواقعة بمحيط طريق الكاستيلو الذي يسيطر عليه النظام حالياً، بضرورة مغادرة هذه المناطق خلال ثلاثة أيام من تاريخ البيان حفاظاً على سلامتهم. وأعلنت قوات المعارضة طريق الكاستيلو والمناطق المحيطة به منطقة عسكرية. أمر يشير بشكل واضح إلى نيتها مهاجمة هذا الطريق بهدف استعادة السيطرة عليه.

” ومع استبعاد احتمال تمكن قوات النظام من التقدم على حساب قوات المعارضة داخل مدينة حلب بسبب تحصن الأخيرة بمناطق سيطرتها بالمدينة، وتمرسها الكبير في حرب الشوارع، يمكن عدم استبعاد أن تتمكن قوات المعارضة من فتح طريق الكاستيلو. وتطبيق هذا السيناريو يبدو محتملاً خصوصاً مع استمرار المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن هدنة طويلة الأمد في حلب، تتضمن فتح طريق إمداد لمناطق سيطرة المعارضة من طريق الكاستيلو بحلب بحسب ما أشار المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، مايكل راتني، في رسالته التي وجهها للمعارضة السورية.

وعلى هذا الأساس، من المتوقع أن تستمر المفاوضات الأميركية الروسية بشأن الهدنة في حلب بالتوازي مع تواصل الصراع الميداني بين قوات المعارضة وقوات النظام في المدينة، حتى الوصول إلى وضع لا يكون فيه أي من الطرفين محاصراً في مناطق سيطرته فيها. ويستلزم ذلك بطبيعة الحال إحراز قوات النظام السوري مزيداً من التقدم في منطقة الراموسة لتؤمن هي الأخرى طريقاً لإمداد مناطق سيطرتها في حلب، بدلاً من طريق الكاستيلو، ليعود الوضع بذلك إلى ما كان عليه قبل شهرين، حين كان طريق الكاستيلو خطاً لإمداد مناطق سيطرة المعارضة بحلب، وطريق الراموسة خطاً لإمداد مناطق سيطرة النظام فيها.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

اتفاق هدنة ولد ميتا/ ثائر الزعزوع

على الرغم من أن الاتفاق الروسي الأميركي الذي تم التوصل إليه مؤخرا يضع على رأس أولوياته محاربة تنظيم داعش، كما يبدو ظاهريا، إلا أن تفاصيل الاتفاق تتحول شيئا فشيئا إلى إجراءات تمهد الطريق لفصل الجبهات بشكل مؤقت، والسماح للنظام بإعادة تجميع قواته وترتيب أوراقه، فيما ستعمل الطائرات الروسية والأميركية على استهداف تجمعات المقاتلين من أجل الفصل بينهم وبين جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) وتنظيم داعش، وأن العمل سيتركز في محيط مدينة حلب وريفها. ولم يشر الاتفاق من قريب أو بعيد إلى مدينة الرقة عاصمة داعش في سوريا أو مدينة دير الزور الخاضعة بشكل شبه كامل لسيطرة التنظيم المتطرف الذي يشكل خطرا على الولايات المتحدة ومصالحها، كما قال وزير الخارجية جون كيري.

وإذا كانت البعض من كتائب المعارضة وفصائل الثوار في سوريا قد تعاملت مع مفردات اتفاق الهدنة بشيء من اللامبالاة بل والرفض كما جاء في بيان أصدره الجيش السوري الحر ممهورا بتوقيع عشرين فصيلا ليس من بينها جبهة فتح الشام، فإن ذلك مرده بكل تأكيد المعرفة الوثيقة بكافة الاتفـاقات السابقة والتي تركت الباب مفتوحا لاستهداف المدنيين تحت ذريعة محاربة الإرهاب. وقد قصفت روسيا منذ تدخلها العسكري المباشر في سوريا العشرات بل المئات من الأهداف المدنية، وأصدرت بيانات تؤكد أن طائراتها قصفت تجمعات للإرهابيين، رغم أن التوثيق الذي شاركت في إنجازه منظمات ومؤسسات دولية موثوقة يكذّب الرواية الروسية في كل مرة، تماما كما فعل ويفعل نظام دمشق منذ سنوات.

وليس مستبعدا في هذه الحالة أن تنضمّ الطائرات الأميركية إلى حلف قصف المدنيين تحت الذريعة نفسها، طالما أن بنوك الأهداف سيتم تحديدها بالاتفاق مع الروس، وعلى الرغم من تظاهر واشنطن بأنها تعرف كل شيء، إلا أن مسلسل الأحداث يثبت أنها لا تعرف شيئا وأنها باتت شبه خاضعة للمشيئة الروسية في ظل الضعف الذي تعاني منه الإدارة الحالية التي حوّلت الولايات المتحدة من صانع قرار دولي إلى مجرد تاجر سلاح يبحث عن سوق لتسويق بضاعته.

وإذا كانت كل من واشنطن وموسكو تسعيان، كما قالتا، إلى شلّ قدرات المنظمات الإرهابية إلا أن اتفاق الهدنة لم يشر إلى العشرات من الميليشيات الطائفية الموالية لإيران والتي تنشط في الساحة السورية، ولم يعتبرها خطرا على صناعة السلام، وتعامل معها وكأنها ليست موجودة أصلا، رغم أن نشاطها الإرهابي يتجاوز في الكثير من الأحيان ما قامت وتقوم به البعض من المنظمات ذات الطبيعة الراديكالية، باستثناء تنظيم داعش، بل إن الاتفاق لم يشر ولو بمجرد إشارة إلى إيران وحرسها الثوري، والتي لا تخفي وجـود قواتها قـريبا من مدينة حلب، موضوع اتفاق الهدنة، ولا تتوقف عن تشييع جنرالاتها ومقاتليها الذين ذهبوا إلى سوريا لأداء واجبهم “الجهادي”، فكيف يمكن تفسير هذا الإغفال المتعمد، علما وأن إحدى المناطق القريبة من دمشق تشهد مسيرات لأتباع تلك الميليشيات الإيرانية يطالبون فيها بطرد السكان السنة من تلك المنطقة، وهذا الأمر ينسجم بشكل كبير مع عمليات التهجير المنظّم التي ترعاها إيران في محيط دمشق تحديدا، والتي تهدف أصلا إلى خلق حزام طائفي يحيط بدمشق ويجعلها “مفيدة” في مشروع المرشد الإيراني؟

لنفترض جدلا أن نظام دمشق قد ينصاع بضغط روسي إلى الموافقة على بنود الاتفاق، رغم أن هـذا الأمر مستبعد كليّا كما أعلن رأس النظام عن ذلك غداة صـلاة عيد الأضحى التي أداهـا في داريا التي أخليت من ساكنيها، ولنفترض أنه سيتوقف عن قصف المناطق المدنية وعن إلقاء البراميل المتفجرة، فهل يمكن لجم الميليشيات الموالية له ومنعها من التمدد في الأرض السورية على حساب قوات المعارضة وفصائل الثوار التي ستكون تحت رحمة الطيران الأميركي والروسي؟

كل تلك الاحتمالات تجعل اتفاق الهدنة الذي احتفل طرفاه بتناول البيتزا وشرب الفودكا يولد ميتا، ولا يمكن التعويل أو المراهنة على نجاحه. ما يعني استمرار النزيف والتدمير لفترات إضافية، وسوف تتواصل الفضيحة الأخلاقية التي تطال البشرية جمعاء، كما وصفت منظمة الأمم المتحدة في وقت سابق ما يحدث في سوريا.

كاتب سوري

العرب

 

 

 

 

 

حروب سوريا/ نهلة الشهال 

الاتفاق الروسي الأميركي حول سوريا فوقي بالتأكيد، بل هو “تجريبي”، إذ يُعاد تأكيده كل 48 ساعة، بانتظار الصمود لأسبوع يبدأ بعد نجاحه القصف المشترك لمواقع داعش والنصرة.

والغاية المباشرة من الاتفاق تستحقّ العناء.. كأن يأمن الناس على أرواحهم ولو نسبياً، ولو لبعض الوقت، وأن تصل الإمدادات الإغاثية للمحاصَرين. ولكنها غاية قاصرة جداً بالتأكيد أمام هول الكارثة الممتدة.

ولن يمكن القضاء على المجموعات الإرهابية بالاستئصال العسكري وحده: قد يُضعفها القصف، ولكن وجود إطار يُدافَع عنه هو الحل، وهذا ليس متبلوراً بعد. وهنا فلا يُفترض أن تؤخذ على محمل الجد تصريحات بشار الأسد الأخيرة والتي تريد أن توحي بأنه يُمسك ـ أو سيُمسك ـ بزمام الأمور بوصفه يمثل “الشرعية”. كما يُفترض معاملة تصريحات أطراف المعارضة المختلفة، التي تقول إنها “تدرس” بنود الاتفاق قبل إعلان موقفها، بالمقدار نفسه من الاستخفاف. هؤلاء باتوا جميعهم، ومنذ زمن، أدوات بيد جهات إقليمية ودولية تتصارع حول النفوذ في المنطقة، أو باتوا مرتَهنين لإراداتها بوصفها الحامي والمنقذ، ما لا يمنع استمرار حروبهم الصغيرة.

ومثلما لا يمكن للقصف العسكري أن يُنهي الحالة، فلن يخرج أي طرف منها بنصر مبين، ولا بربع نصر. والعجز ذاك يتشارك فيه أيضاً النظام ومعارضاته. فماذا إذاً؟ هل تستمر هذه الحروب عشرات

السنين وتفتك بالملايين (السوريون الذين فقدوا حياتهم في 5 سنوات تجاوزوا ربع مليون، هذا عدا الجرحى والمعطوبين والمشرّدين، وعدا الدمار العمراني والاقتصادي المهول..)؟ هذه حال عقيمة بالتأكيد، وهي على ذلك بيئة مفتوحة على كل الاحتمالات، وأوّلها أن تترسّخ وأن تتمدّد وتعمّم الخراب.

تصعب لملمة الحروب، وبالأخص حين تصبح مدوّلة، وحين تتلاعب بها قوى قريبة منها، أي إقليمية، توظفها في غايات شتى، وحين تستفيد منها شرذمة واسعة تشكّل جماعات وعصابات واقتصاداً كاملاً ونمط حياة، فتجعلها مألوفة..

ليس «العدل» سمة هذا الاتفاق الأولي اليوم، وكذلك كل اتفاق سيأتي، بما في ذلك ما سيُعتَبر نهائياً. وكلها ستكون محبِطة للناس ولآمالهم الأصلية، كما لكل الأطراف. ولن تعوّض الثمن الباهظ من أي زاوية نظر إلى الأمر. ذلك أنّ هذا النزاع دخل في مستنقع مظلم وبلا رجاء. وهنا تصبح التفاصيل هي المهمة: كيف مثلاً تُعطّل النيات الانتقامية (للجميع)، وبأي ترتيبات وضمانات يؤسَّس لتوازن يحول دون الانتكاس. على هذه الهشاشات يجدر النقاش والعمل، فهي وحدها ما يمكّن في الظرف السائد أن يشكل فارقاً.

السفير العربي

 

 

 

 

خيانة» أميركية للثورة السورية/ حسان حيدر

يلخص الاتفاق الأميركي – الروسي الجديد حول سورية مسار التراجع التدريجي الذي أجبرت الثورة السورية على سلوكه، بعدما واجهت عنف النظام في بداياتها، واضطرت إلى اختيار الولايات المتحدة سنداً، لأنها كانت القوة الدولية الوحيدة القادرة، لو أرادت فعلاً، على لجم دمشق، ولأن العرب عجزوا عن تقديم دعم فاعل، فيما حشدت حليفتا بشار الأسد، إيران وروسيا، كل ما في قدرتهما لمساعدته في مواجهة شعبه.

كانت مواقف الأميركيين منذ البداية تعكس ارتباكهم وانقسامهم بين الرغبة المبدئية في مساعدة السوريين على التغيير وبين أولوية قرارهم بالانسحاب من بؤر التوتر الإقليمية، وفي مقدمها الشرق الأوسط. وكي يتفادوا الإحراج المتعلق بدورهم كقوة عظمى وحيدة، صاروا يقولون غير ما يفعلون، ثم ركزوا على بناء شراكات متعددة في المنطقة تعفيهم من تحمل المسؤولية كاملةً عن كل نزاع مهما كبر حجمه أو صغر، واختاروا الروس في سورية.

أطلق الأميركيون في البدايات شعارات مغرية وفضفاضة عن ضرورة رحيل بشار الأسد، وثمة في المعارضة من يعتقد بأنهم كانوا في وقت ما يعنون ما يقولون، لكنهم أخضعوا ذلك للضرورات التكتيكية في علاقتهم مع القوى الأخرى في المنطقة، ثم للاستراتيجيات التي تخدم رؤيتهم إلى تقليص دورهم في أقاليم غير مجدية، والتركيز بدلاً من ذلك على استشراف التهديد الآتي من الصين المتعاظمة الدور والطموح.

ومنذ انعقاد مؤتمر جنيف الأول والفشل الذريع في فرض آلية لتطبيقه، بدا واضحاً أن واشنطن في طريقها إلى التخلي تدريجاً عن أهدافها وجر المعارضة معها إلى هذا التراجع. وجاء جنيف الثاني ليسجل رسمياً هذا التراجع عن مسار التغيير في سورية، وسط دعوات إلى «العقلانية» واقتناص «الممكن». ولم تُجد المقاومة التي أبدتها المعارضة، وسط ازدياد انقساماتها بفعل التذبذب في الخيارات والوسائل. وما لبثت الأهداف السياسية التي رعتها أميركا أن تقلصت وتراجعت من تسوية شاملة للوضع السوري إلى التركيز على التفاصيل في كل جبهة مواجهة على حدة، وطفت على السطح نغمة التفاهمات الموضعية التي أغرقت فيها المعارضة رغماً عنها، بسبب تراجع قدرتها على الصمود وحرصها على إنقاذ ما أمكن من مقاتليها أو من المدنيين، وأيضاً بسبب ربط القوى الداعمة استمرار دعمها بخضوع المعارضة لرغباتها السياسية.

وسرعان ما طغت التفاهمات التفصيلية على المفاوضات بين الأميركيين والروس، بحيث هبطت إلى مرحلة أقل أهمية الدعواتُ إلى تغيير النظام وصارت مجرد لازمة عند كل تراجع جديد.

وجاء الاتفاق الأخير تتويجاً لسلسلة التراجعات الأميركية التي أعادت انتفاضة السوريين إلى نقطة الصفر تقريباً، وصوّرتها كأنها صراع بين قبضايات الأحياء الذين يمكن للوسطاء إقناعهم بتقاسم النفوذ، وليست ثورةً تهدف إلى إنصاف شعب يعيش منذ نصف قرن تحت عسف نظام دموي قاتل. وصار الأميركيون يحذرون من أن عدم قبول ما يوافقون عليه يعني تقسيم سورية، في ابتزاز مفضوح للمعارضين.

شكلياً، ألغى الطرفان المتفاوضان دور حلفائهما، لكن مثلما هو بيّن عملياً، فإن الروس يلتزمون في شكل حاسم دعم نظام الأسد، أكثر مما يلتزم الأميركيون دعم المعارضة، ولذا سارع النظام وحلفاؤه الإيرانيون إلى قبول ما يعرض عليهم، بينما يتردد المعارضون. وتأكد أن واشنطن الغارقة في أولوياتها تعطي الروس دوراً أكبر مما يفترض، وربما أكثر مما يستطيعون، لأنها ترغب في حل سريع يريحها ويسمح لها بمتابعة هدف «القضاء على الإرهاب» الذي يشكل أساس تفاهمها مع موسكو.

نجح الروس مع الوقت في دفع الأميركيين إلى الاختيار بين القضم المتدرج للمدن والمناطق الحرة، وبين القبول بالفصل بين «المعتدلين» و «المتطرفين»، أي نقل المشكلة إلى داخل معسكر معارضي النظام، وأدخلوهم في تفاصيل معقدة أنستهم الهدف الفعلي للمفاوضات التي تحولت إلى مساومة على تقاسم النفوذ. وسواء صمدت الهدنة الجديدة أم لم تصمد، فإن الثمن الذي ستدفعه المعارضة في المراحل اللاحقة سيكون مرتفعاً جداً. فإذا قبلت «خيانة» الأميركيين مساراً، لن تستطيع الإفلات من التنازلات التدريجية المطلوبة التي تعني عملياً طي صفحة الثورة، وإذا رفضت ستواجه منفردةً كل عنف النظام وحلفائه.

الحياة

 

 

 

اتفاق هدنة بشروط روسيا ولمصلحة الأسد وإيران/ عبدالوهاب بدرخان

اتفق الأميركيون والروس في شأن سورية، لكن أحداً لا يعرف ما هي حقيقة نياتهم. إذ إن «تعاونهم» يركّز على عمليات مشتركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) و»جبهة فتح الشام» («النُصرة» سابقاً). أي أنهم رضخوا، في نهاية المطاف، للأمر الواقع التي دبّره نظام بشار الأسد مع الإيرانيين باجتذاب الإرهابيين واختزال الأزمة في مواجهة مع الإرهاب قبل أن تكون صراعاً بين شعب ونظام إجرامي متسلط. ما طبع «داعش»، منذ بداياته، أنه استهدف فصائل المعارضة، تحديداً «الجيش السوري الحرّ»، ونال دعم الأسد وإيران ليخترق المناطق التي لم تكن لهما سيطرة عليها. وما طبع «النصرة» أنها هي التي خاضت أهم معارك المعارضة ومكّنتها من الحفاظ على التوازن في المعادلة الميدانية مع النظام قبل التدخل الروسي، لكن غباء زعيم «النصرة» بمبايعته زعيم «القاعدة» ومجاملته إيران لأنها تقدّم تسهيلات إلى «رفاقه» انكشف الآن في الإساءة التي تسبّب بها لمَن حاربوا إلى جانبه ولمَن انخرطوا في «جبهته» وهم لا يعرفون شيئاً عن «القاعدة» ولا يكترثون لها.

كان من الطبيعي أن يلقى الاتفاق الأميركي – الروسي ترحيب معظم العواصم المعنية، فالدولتان الكُبريان مستحوذتان على الملف وتديران الأزمة، ثم أن العنوان أي «الهدنة»، والهدف أي «الحل السياسي»، لا يثيران اعتراضات مبدئية. غير أن الثغرة الكبيرة في هذا الاتفاق وفي كل ما سبقه من تفاهمات، كما في مقاربة الأميركيين والروس للأزمة عموماً، تتمثّل في صمتهم المستديم حيال وجود الميليشيات الإيرانية التي تضمّ آلافاً من «الحرس الثوري» وعشرات آلاف المقاتلين الغرباء من جنسيات شتّى. فواشنطن التي تولّت دائماً مهمة ضبط المعارضة، وموسكو التي تدخّلت لإنقاذ النظام، تجاهلتا هذا التدخّل الإيراني كأنه غير موجود على رغم أنه ماضٍ في زرع وقائع من شأنها أن تفسد أي حلول مقبلة. لذلك اعتبرت طهران أن الدولتين الكُبريين مؤيدتان لدورها في سورية، حتى أنها طالبت بـ «آلية مراقبة شاملة» لوقف إطلاق النار، ودعت خصوصاً إلى «مراقبة الحدود لمنع وصول إرهابيين جدد»، مع أن طائراتها تحمل يومياً المزيد من مرتزقتها لرفد وجودها الذي بات احتلالياً بكل معنى الكلمة.

هذان الصمت والتجاهل هما ما يطرح السؤال المشروع عن حقيقة نيات واشنطن وموسكو، لأن التستّر على دور إيران يقتصر على احتمالَين لا ثالث لهما: تأجيل أميركا وروسيا أي مواجهة مع إيران إلى حين الاقتراب من إنهاء الصراع السوري، أو اعترافهما المسبق لإيران بأن تكون «شريكة» ولها كلمة في تحديد مستقبل سورية. وفي الحالين يكون الأميركيون والروس غير جادّين في هدنة وقف الأعمال القتالية، ولا في السعي إلى حل سياسي. فوجود إيران لا يختلف عن وجود الأسد، ولكليهما مصلحة في إحباط أي حل على الإطلاق، ويبدو أنهما يراهنان الآن على البنود السرّية التي انطوى عليها الاتفاق الأخير، لأنه لبّى شروط الروس وقدّم فيه الأميركيون تنازلات قد تؤدّي عملياً إلى إضعاف المعارضة «المعتدلة» في سياق القضاء على المتشدّدين. وفي مختلف الأحوال، ليس متوقعاً أن يختلف دور الميليشيات الإيرانية في سورية عما تفعله ميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق أو ميليشيا الحوثيين في اليمن، إذ إنها تعرقل قيام حكم متوازن وتضع القوى الدولية المعنية (وليس السوريين أو العراقيين أو اليمنيين وحدهم) أمام خيارين لا يحقّقان استقراراً داخلياً أو إقليمياً: إما خضوع السكان كافة لتسلّطها، أي لتسلّط إيران… أو التقسيم.

هل التعرّف إلى النيات الحقيقية لأميركا وروسيا متاح في الاتفاق الأخير؟ لا مجال لذلك، أولاً لأن إبقاءه سريّاً يؤكّد أنهما مصممان على إخفاء ما يخططان لسورية بل للمنطقة كما يؤكّد غموض الأهداف وهشاشة الوسائل، وثانياً لأن إبقاءه اختبارياً يعني أن الجانب الروسي لم يوفّر تعهّدات لالتزامه، وثالثاً لأن إبقاءه من دون ضمانات وآليات للمراقبة والمحاسبة يجعل الهدنة تحت رحمة الأسديين والإيرانيين كونهم الأعداء الطبيعيين لأي اتفاق يُراد له أن يمهّد لإنهاء الصراع. وبما أنه الاتفاق الأول من نوعه منذ انهيار الاتحاد السوفياتي للتعاون بين الدولتين في شأن بلد ثالث، فإن مضمونه (استناداً إلى لهجة المبعوث الأميركي الخاص مايكل راتني في رسالته إلى الفصائل) يوحي بخلل في المعادلة، فروسيا موجودة في الجو وعلى الأرض ولها مع النظام وإيران علاقة تلازم وتواطؤ فيما طوّرت مصالحتها مع تركيا إلى تنسيق، أما أميركا فبينها وبين المعارضة والدول الداعمة لها، علاقة ملتبسة يتزاحم فيها المع والضدّ. وهذا ما جعل غالبية المراقبين تعتبر أن الاتفاق انتصار للشروط الروسية التي كانت على الدوام معاديةً للشعب السوري.

لعل مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي اي) جون برينان يقدّم شيئاً من الإضاح لخلفية التفكير المشترك لواشنطن وموسكو، طالما أنه أطلق إشارتين خلال أقل من شهرين إلى أن سورية والعراق لن يعودا جغرافياً إلى ما كانا عليه في السابق. في الأولى (30 تموز- يوليو) قال خلال مشاركته في منتدى أسبن الأمني السنوي «لا أعرف ما إذا كان يمكن أو لا يمكن عودة سورية موحّدة مرة أخرى»، ومجرّد التشكيك هنا يعني أنه، بحكم موقعه واطلاعه، «يعرف» الكثير. أما في المرّة الثانية (10 أيلول – سبتمبر) فتحدّث في مركز بحثي نيويوركي عن «احتمالات تشير إلى إمكان انقسام البلدَين»، وأورد الأسباب من «إراقة الكثير من الدماء» و «الكمّ الهائل من الدمار» و «الانقسام الطائفي» إلى تعذّر «إنشاء حكومة مركزية قادرة على الإدارة في شكل عادل في كلا البلدَين». ومما قال إن أميركا «لا تريد حكومات مركزية استبدادية» في سورية والعراق، لأن المشكلات التي شهدتها المنطقة كانت «بسبب حكومات كهذه».

لا بدّ أن استخلاصات استخبارية مستندة فقط إلى ظواهر معروفة تنطوي على الكثير من غير المعروف، وبالتالي فهي تجعل الاتفاق الأميركي – الروسي ورقةً هزيلةً ينتظر طرفاها مزيداً من التعفّن في الوضع قبل أن يباشرا البحث في الخيارات النهائية، وفقاً لمصالحهما أولاً. وعلى افتراض أن الدولتين الكُبريين لا تؤيدان التقسيم وليستا متأكدتين من نجاحه في إنهاء الصراعات وعدم استيلاده صراعات أخرى مديدة، إلا أنهما لم تُظهرا أي إرادة في هذا المنحى. فلا روسيا فعلت شيئاً لوقف مخططات حليفيها تغليباً لخيار التقسيم في سورية، ولا يبدو أن التفاهم الأميركي – الإيراني في شأن العراق حسم مسألة وحدة البلد بل أبقاها نهباً لنزوات الإيرانيين. وباستثناء مواقف معلنة ومعبّرة عن الطموحات القومية لرئيس إقليم كردستان العراق إذ قال سابقاً إن الوقت حان لإعادة النظر في خرائط المنطقة وأشار أخيراً إلى أن «التقسيم في سورية قائم»، فإن الأطراف الأخرى تلزم صمتاً بالغ السلبية تاركةً الموضوع للتداول الأميركي والروسي.

عندما تكون خلفية المشهد منشغلةً إلى أقصى حدّ بالمنافسات على مناطق النفوذ لا عجب إذا قدّم المشهد نفسه وقائع لا يمكن التعويل عليها، ومنها هذا الاتفاق الأميركي – الروسي الذي يبقى مجرد رهان على هدنة وليس على حل للصراع. فالوقت الذي استهلك لإنجازه كلّف بضعة آلاف من الضحايا وأضعافهم من المصابين وعشرات المستشفيات التي دمّرها القصف، ولم تكن الخلافات فيه على بنود تخص سورية والسوريين بل على شروط التنسيق والتعاون بين الدولتين وما ترضى به الخارجية الأميركية ولا يرضى به البنتاغون ولا يستطيع البيت الأبيض حسمه. وفي النهاية، جاء الاتفاق لمصلحة موسكو، ونظاما الأسد وإيران يعتبران أنه لمصلحتهما أيضاً.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

هدية لموسكو ونصف هدية لـ «النصرة/ محمد علي فرحات

هدنة الأسبوع في سورية ناجحة، حتى الآن، والخروقات لم تمنع تنفس المواطن السوري، خصوصاً المحاصر من هذا الفصيل المسلح أو ذاك. ثمة هيبة لواشنطن وموسكو أدت إلى موافقة حلفاء العاصمتين، على رغم تحفظ يرى في الهدنة شأناً أمنياً بلا أبعاد سياسية ملموسة، بل إن الاتفاق لم ينص على آليات مراقبة عربية أو دولية، لأن الرقابة معقودة للجيش الروسي الذي يقدم تقريراً إلى الولايات المتحدة.

من علامات الهدنة صمت السلاح وتقديم المساعدات العاجلة، الغذاء والدواء، للمحاصرين، وارتجاج الأطراف المتقاتلة من صدمة سلام موقت يلجم عدوانيتها، مع ما يعني ذلك من تعوّد على فترات هدوء تتيح التروي في التفكير السياسي، فلا تكون الأفكار متعجلةً من أشخاص تلهبهم الحماسة أو تطفئهم الضربات على الرؤوس.

والهدنة السورية كشفت، من أيامها الأولى، عراء النظام والمعارضة، فإذا هما في صمت السلاح مرتبطان بهذه الدولة أو تلك على رؤوس الأشهاد، وليس كما نعهد في الإعلام وتصريحات وزارات الخارجية. الحرب السورية إقليمية دولية، والمحلّي فيها هو مسرح العمليات لا أصحاب القرار، لذلك يتعب المواطن كثيراً، فيما يحتفظ المقاتل بحيويته لأن أهل ميدان المعركة ليسوا أهله، أو على الأقل لا يشكلون له أولويةً. يأتي التعب إلى المقاتل من أمكنة أخرى ترى الحرب السورية في بداياتها، والمسارات السياسية لم تتبلور بعد. هي حرب النهاية المؤجلة، أو أنها لن تنتهي فيصيبها ما أصاب حروباً «أهلية» تحولت نزاعات باردة، ونقلت المقاتل من المتراس إلى البرلمان. أما المواطن فسيختار أهون الشرّين، التهميش بدل الموت قتلاً.

ويبدو الاتفاق الأميركي – الروسي الذي أنتج الهدنة فرصةً لموسكو ربما تنتشلها من الغرق في المستنقع السوري، هي التي أحضرت فرقاً من جيشها إلى البلد الملتهب وأقامت فيه قاعدتين عسكريتين. والفرصة لم تكتمل لأن لافروف وكيري يتبادلان الشكوك، بحيث يبدو الاتفاق أشبه بمخطط مبدئي لاحتواء الحرب لا حلها، وقد يكتمل المخطط حين يقبله الرئيس الأميركي الجديد، ويتشاور في شأنه مع الحلفاء قبل أن يبلور ملاحظاته بالاتفاق مع موسكو.

الحرب الأميركية – الروسية المشتركة في سورية ضد «داعش» و(ربما) «النصرة» هي المكسب الذي حققته موسكو، لكون واشنطن صارت إلى حدّ ما شريكاً ميدانياً، بعدما كانت في موقع المنافس أو المعرقل، ونقطة الشك بين طرفي الاتفاق هي الموقف العملي من «النصرة» (أو «فتح الشام»)، فالاتفاق يصنفها إرهابيةً مثل «داعش»، لكن التصريحات الفرعية لأصدقاء الولايات المتحدة (تركيا مثلاً) تهمل ذكر «النصرة»، وتصل الأمور بمعظم المعارضة المسلحة إلى التحفظ عن استهداف «النصرة»، ما يعني استحالة التفريق بين المسلحين المعتدلين ومسلحي الجبهة التي استأذنت قائدها أيمن الظواهري بتغيير اسمها فأذن وأعطاها صلاحية الاجتهاد في إدارة حرب سورية.

وليس المسلحون فقط من يتضامن مع «النصرة». كان المعارض المدني بكامل قيافته على شاشة التلفزيون يناظر خصمه السياسي بالقول إنه يتمسك بالتحالف مع «النصرة» على رغم اختلافه العقائدي معها، لأن لهما عدواً مشتركاً هو بشار الأسد. لكنه لم يعرض تصوره لمرحلة ما بعد الأسد، وكيف ستكون علاقته، هو المدني الضعيف، مع «النصرة» المتمكنة والمتمسكة بأيديولوجيتها، وأي صورة جديدة لسورية سيرسمها مع «النصرة» وسائر مشتقاتها؟

قد تحضر في هذا المجال فكرة التخلي عن التحالف مع «النصرة» في مقابل تخلي بشار الأسد عن «حزب الله» اللبناني وفرق مشابهة أحضرتها إيران لدعم النظام. ولكن، من يضبط عملية التبادل هذه، وهل تمكن المساواة بين عناصر «النصرة» السوريين وداعمي الأسد الآتين من وراء الحدود؟

هذه ليست النقطة الوحيدة لتعقيدات الوضع السوري، تعقيدات تتطلب أكثر من هدنة وأكثر من حوار سياسي إقليمي ودولي للحدّ من أخطار حرب سورية على محيطها والعالم. وفي الانتظار، يشهد الشعب السوري مزيداً من القتل والدمار، مع فترات قصيرة لراحة المحاربين، كما يشهد العالم متغيرات في الموقف من سورية، كان آخرها المتغير في سلوك رجب طيب أردوغان، بعد الانقلاب التركي الفاشل.

الحياة

 

 

هل يكون الاتفاق الروسي مدخلاً لحل سياسي في سورية؟/ خالد غزال

يتطرق أهم بنود الاتفاق المعلن حول سورية الى هدنة عسكرية وتقليص لأعمال العنف ووقف العمليات القتالية والسماح بوصول الإمدادات الإنسانية الى جميع المناطق السورية، ثم الاتفاق لاحقاً على عمليات عسكرية تطاول تنظيمي «داعش» و «جبهة النصرة». لم يرفض الاتفاق أياً من القوى الفاعلة على الأرض، سواء من الجانب الذي يعمل تحت رعاية روسيا، أو من الجانب الآخر العامل تحت الرعاية الأميركية. فالجميع في حاجة الى التقاط الأنفاس بعد أن أنهكت الحرب القوى وأضعفت قدراتها على اتخاذ قرارات تحسم الحرب عسكرياً. لكن الاتفاق، ومنذ ساعاته الأولى، أثار جملة أسئلة وشكوك حول مضمونه ومسار تنفيذه، وهو أمر طبيعي في كل أزمة. الى أن تتضح تفاصيل الاتفاق كاملة، لا بد من تعيين بعض القضايا المتصلة به.

إن السماح بوصول إمدادات إنسانية الى جميع المناطق مسألة مهمة وإيجابية، بعد المعاناة التي عاشتها مناطق متعددة من حصار النظام وميليشياته. كما أن وقف الأعمال العسكرية يعطي السوريين، شعباً ومعارضة، فرصة لإعادة التموضع، ويمنع النظام من متابعة حربه بهدف الحسم العسكري. السؤال التشكيكي عن مدى التزام النظام بوقف الأعمال العسكرية، في وقت كان يرفض أي هدنة ويرى فيها انتصاراً للمعارضة. هذه ملاحظة أولى. الملاحظة الثانية تتصل بما أعلن عنه في شأن التمييز بين قوى المعارضة المطلوب تواصل الحرب ضدها. الاتفاق يحددها بـ «داعش والنصرة»، لكن المسلك الروسي دأب على وضع المعارضة كلها في سلة واحدة، فكيف سيتم التصنيف مع تداخل المجموعات المسلحة مع بعضها البعض. كأنّ الاتفاق يطلب من المعارضة خوض حرب داخلية بين بعضها البعض لتصفية قوى «داعش والنصرة» والفرز الحاسم بينهما تمهيداً لعمليات الروس والأميركيين عليهما. إذا كانت تلك وجهة الروس في التعامل مع المعارضة، فلا يبدو أن الأميركيين يخالفون هذا التوجه.الملاحظة الثالثة، أن الاتفاق لا يلحظ كلاماً عن سائر القوى المتدخلة في الحرب عسكرياً، من قبيل إيران وميليشياتها اللبنانية والعراقية وغيرها، أو لدور تركيا المستجد. فهل يضمر هذا التغييب تكريس مناطق أمر واقع كما أفرزتها الحرب حتى الآن، وهي مناطق بات فيها التغيير الديموغرافي ملموساً، بحيث يتكرس تقسيم سورية تحت الرعاية الأميركية والروسية؟ وماذا عن الموقع الكردي المرعى أميركياً نحو كيان ذاتي يتم العمل على ترسيخه؟

يتجنب الاتفاق الحديث عن العملية السياسية الانتقالية أو الدائمة، وهي الموضوع الأساسي في الأزمة السورية. قد تكون الشكوك كبيرة حول هذا الجانب. ما طبيعة النظام المقبل وما موقع القوى السياسية المعارضة للنظام؟ والأهم من ذلك كله، تلك النقطة المتعلقة بمصير الرئيس الأسد، في ظل موقف روسي، كان حاسماً حتى الآن في التمسك ببقائه راهناً ومستقبلاً، إضافة الى تراجع أميركي واضح عن المطالبة برحيله. تضاف الى ذلك، جملة شكوك عن المدى الذي سيذهب فيه النظام في التنازل، في حال ضغط عليه الروس، في وقت يعرف النظام أن كل تسوية سياسية ستكون من حسابه أكثر مما هي من حساب المعارضة. ستظهر الأسابيع المقبلة حقيقة الاتفاق بين الروس والأميركيين، وطبيعة الصفقة التي أجريت، وما إذا تجاوزت الأزمة السورية الى مناطق دولية متنازع على النفوذ فيها. كما ستظهر مدى التزام «حلفاء الروس» من الإيرانيين والنظام وحدود الذهاب في تسوية جدية، تحيط بها الشكوك من كل جانب. في بلد تحكمه قوى أمر واقع مسلحة، متداخلة بين بعضها البعض، وبرعاية قوى عظمى آخر اهتماماتها ما يصيب سورية وشعبها من قتل وتدمير، في بلد هكذا حاله، لا يسع المرء إلا التعاطي بحذر شديد مع أي توقعات إيجابية توصل السوريين الى خلاص من المجزرة المستمرة على كل المستويات.

* كاتب لبناني

الحياة

 

 

الاتفاق الأميركي – الروسي يُقيد يد تركيا/ زينب غورجانلي

فيما وقت تتواصل فصول عمليات درع الفرات التركية في شمال سورية، أبرمت موسكو وواشنطن اتفاق هدنة في سورية يستثني تنظيمي «داعش» و»النصرة»، والعمل جارٍ لإنشاء مركز مشترك روسي – أميركي لمراقبة الهدنة وللتعاون العسكري المستقبلي بينهما. ومن سيخرق هذه الهدنة يجد نفسه أمام عقاب هاتين الدولتين العظميين. وعليه نسأل، كيف سيؤثر هذا الاتفاق في عملية تركيا المستمرة في محيط جرابلس؟ أولاً، هذه الهدنة تقيد حركة الجيش التركي. فهي (الهدنة) استثنت «داعش» و»النصرة» فحسب، في وقت لا يرى التفاهم الأميركي – الروسي أن قوات الحماية الكردية («وحدات حماية الشعب») و»قوات سورية الديموقراطية»، إرهابيتان. وعليه، قد يعتبر استهداف الجيش التركي القوات الكردية المسلّحة خرقاً للهدنة، في وقت حضّت موسكو المعارضة المسلّحة المعتدلة على عدم استهداف القوات الكردية. وهذه مسألة واضحة. وثانياً، الهدنة ستؤثر في خطط تركيا في «معركة الرقة المحتملة». فالرئيس رجب طيب أردوغان على هامش قمة العشرين، قال إنه بحث مع أوباما دور تركيا في معركة تحرير الرقة.

ولم نسمع بعدها تفاصيل حول الموضوع، واقتصر الكلام على حماسة أردوغان واستعداده للمشاركة. لكننا سمعنا تصريحاً من الخارجية الروسية يحذر من توغل الجيش التركي أكثر في شمال سورية، ويشير إلى أن العملية التركية لا تحظى بدعم قانوني من مجلس الأمن. وهذا تعبير واضح عن قلق روسيا ورفضها دخول تركيا معركة الرقة. والموقف الروسي يحد من قدرة تركيا على تجميع فصائل المعارضة المسلحة المعتدلة ليكون لها دور كبير فاعل على الأرض. والموقف هذا سيقيد أكثر عملية درع الفرات في شمال سورية بعد الهدنة.

وثمة مشكلة أخرى تسلط الهدنة عليها الضوء، وهي الموقف من «جبهة النصرة» أو «فتح الشام». والجماعة هذه ربطتها، الى وقت قريب، علاقة مع أنقرة، وموسكو تتهم أنقرة بدعمها. وفي الهدنة، ستستهدف «النصرة». ولن تسمح الهدنة بإعادة فتح ثغرة في حلب، في شمالها أو جنوبها، ولن يكون دور لـ»النصرة». فيبقى حصار حلب قائماً، حتى لو دخلت المساعدات من طريق الكاستيلو. وإذا تحركت «النصرة» وضغطت على غيرها من الفصائل للتحرك معها حول حلب، صارت تركيا في وضع حرج بين حلفائها الميدانيين وبين رغبة موسكو وواشنطن في الحفاظ على الهدنة واستهداف «النصرة».

وهذه الحال تعيد الى الأذهان تصريحات وزير الخارجية الأسبق، أحمد داود أوغلو، في بداية الربيع العربي، حين قال في البرلمان «إن ثمة شرق أوسط جديداً يولد الآن، ونحن في تركيا سندعم هذا المخاض، وسنوجهه ونقوده ونخدمه». وأخشى أن ما سيتحقق من هذه الأقوال هو القسم الأخير فحسب، أي أن تركيا ستكون في خدمة شرق أوسط جديد يولد على يد موسكو وواشنطن.

ويراهن بعضهم على إدارة أميركية جديدة من أجل كسب وقت في الصراع في سورية، ونرى أن حزب «العدالة والتنمية» سيواجه مشكلة مع المرشحين الأميركيين. وأيهما كان الفائز، (هيلاري كلينتون أم دونالد ترامب) نتوقع أن يزداد في عهده التوتر مع أنقرة. فالمرشحة الديموقراطية، هيلاري كلنتون، على علاقة وثيقة بكثير من المؤسسات التي يدعمها الداعية المعارض، فتح الله غولن. ومؤسساته هذه بين الجماعات الممولة لحملة كلينتون. ودرجت كلينتون على تلبية دعوات الى اجتماعات مؤسسات غولن في أميركا وحفلاتها. ولها تصريحات سابقة كثيرة تستحسن نشاطات غولن الثقافية «والتنويرية». وعليه، يفاقم بلوغ كلينتون البيت الأبيض من صعوبة تسليم غولن الى تركيا، ما يزيد التوتر بين واشنطن وأنقرة. ووصول ترامب الى الحكم في أميركا سيؤجج الصراع الكلامي بينه وبين أردوغان، الذي يسلط الضوء في تصريحاته على ازدواجية معايير الغرب في التعامل مع المسلمين. ومثل هذه التصريحات تضع ترامب في فوهة المدفع، ولا نتوقع أن يتراجع ترامب عن سياساته وتصريحاته التي تؤجج الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب، فيطغى هذا السجال على العلاقات بين واشنطن وأنقرة.

* كاتبة، عن «سوزجو» التركية المعارضة، 12/9/2016،

إعداد يوسف الشريف

الحياة

 

 

 

 

هدنة متهافتة والسلام أثر بعد عين/ مايكل وايس

في صيف 2011، أعلن الرئيس باراك أوباما أن حكم بشار الأسد فاقد المشروعية، ودعاه إلى التنحي. وفي مطلع خريف 2015، لم يتوقف المسؤولون الأميركيون عند التدخل العسكري لفلاديمير بوتين المباشر في سورية، وقالوا ساخرين أنه حادثة ستتكبد روسيا ثمنها. واليوم، وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، يسبغ مشروعية على جيش الأسد حين يحدد مناطق قتاله، ويرحب بسلاح الجو الروسي ويعتبر أنه شريك واعد في الحرب السورية المعقدة والمتفاقمة على «داعش» و «القاعدة»، وهما تنظيمان إرهابيان متنافسان. وفي مؤتمر عقد في وقت متأخر في جنيف، كان معظم المراسلين على ثقة بأن البيان الصحافي لن يُلقى، وطلبوا البيتزا والشراب لتزجية الوقت، ثم جاء كيري وبدأ يتكلم عن خطته بنبرة توحي بأنه يتمنى أن يحالفها الحظ. وكأنه يعول على الحظ فحسب. وملاحظاته كانت مليئة بأفعال شرطية وأدوات شرط. وافتتح بيانه بـ «إذا أرسيت الخطة…، إذا أصحاب المصالح…، تتماسك في هذه اللحظة المساعي المتعددة الأطراف وتكون جسر الشعب السوري الى مرحلة انتقالية». ولكنّ أحداً لم يصدق ما يقوله. ويرى روبرت فورد، سفير أميركا السابق الى دمشق الذي استقال من وزارة خارجية جون كيري احتجاجاً على سياسة إدارة أوباما في سورية، أن تقليص الأعمال العدائية، إذا دام ولم ينفرط عقده، سيخفف المعاناة الإنسانية. وهذا أمر حسن. ولكن، الى اليوم، لم تشق طريق واضحة تفضي الى اتفاق سياسي يعالج أسباب الأزمة السورية، يقول فورد. وحين أعلن كيري أن نظام الأسد سيحظر عليه شن غارات جوية «في أي مكان تتواجد فيه المعارضة (السورية) في منطقة متفق عليها…»، لم يحدد من تتضمن المعارضة السورية المتنوعة أيديولوجياً، فيما خلا تسميته «داعش» وفصيل «القاعدة»، «جبهة النصرة» سابقاً.

وعلى رغم أن الضربات الجوية المدمرة والغارات الجوية المتواصلة منذ سنوات بذريعة ضرب «النصرة»، نفخت صفوف «الجهاديين» وزادت نسبة الملتحقين بهم، بدا أن كيري يلمح الى أن الضربات الجراحية ستأتي بخلاف ذلك. ويرى شارلز ليستر، صاحب «الجهاد السوري»، أن الأخطار المترتبة على انفصال المعارضة المسلحة عن «النصرة» في خطوط القتال الأمامية، كبيرة، في وقت لم يسبق أن التزم النظام بقيود. ويرجح ليستر أن «النصرة» ستسعى الى إقناع الفصائل المعارضة بأن الاتفاق مؤامرة لتقويض الثورة، ويتخوف من وقوع كثر في شراكها.

وطوال ست سنوات، زعم الأسد والتابعون له أن النظام في حرب مع طيف من أطياف «القاعدة». ولكن بوتين على موقفه منذ أيلول (سبتمبر) 2015. ومفاده أنه يقصف «داعش» على رغم كل الأدلة الملموسة والموثوقة وعلى رغم استنتاج البنتاغون خلاف الزعم هذا. و «إذا كرر الروس ما فعلوه في المرة السابقة، حين محاولة وقف الأعمال العدائية، أي إذا واصلوا قصف القوات المعارضة للنظام بذريعة أنها «إرهابية»، سرعان ما ستتهاوى (الهدنة)»، يقول كولونيل أميركي سابق في سلاح الجو الأميركي، ريك فرانكونا.

وقال كيري أن «تقليص» العنف لمرحلة من الوقت في سورية هو امتحان يحسم أمر الضربات الجوية الروسية – الأميركية المشتركة. ولكن هذه المرحلة لن تدوم وتقتصر على سبعة أيام بدءاً من 12 الشهر الجاري، وتشمل كل المجموعات المسلحة في سورية في ما خلا «داعش» و«النصرة». وفي مرحلة العيد الانتقالية، يتوقع أن يتنفس حيان محاصران في حلب الصعداء. ومنها طريق الكاستيلو، وهي شريان حيوي للنقل الإنساني والتجاري والعسكري والبشري في شمال سورية. وكيري قال أن هذه المناطق محاصرة من جانبين فحسب.

ولكن الحصار عليها ثلاثي. فثلاثة أطراف تسعى الى السيطرة عليها: القوات الموالية لنظام الأسد، والمعارضة السورية على ولاءاتها المختلفة، والميليشيات الكردية، «قوات حماية الشعب»، التي تدعمها أميركا. واليوم، هذه الجهات مطالبة بوقف القتال. فهذه المنطقة ستتحول الى «منطقة منزوعة السلاح». وتغيرت الأيادي المسيطرة على ممر الراموسة، وهو إقليم استراتيجي بالغ الأهمية في مدينة حلب، ثلاث مرات في الأسابيع الأخيرة. ووقع الممر من جديد في أيدي النظام. واليوم، يجب على النظام، والمعارضة (ومن غرائب الأمور أن المعارضة التي يفترض بها التعاون في هذه المنطقة على رأسها «النصرة» وغيرها من الفصائل الجهادية الحليفة) توفير ممر آمن إنساني وبشري الى شرق حلب وغربها. ويفترض ألا تشن هجمات أو عمليات لاستعادة ممر الراموسة، على رغم أن السماء ستكون صافية من غير براميل متفجرة طوال أسبوع، وعلى رغم أن «النصرة» تعد لهجوم كبير يكسر الحصار. ويتساءل ليستر «هل ستتخلى «النصرة» عن خططها وتقبل بكل ما يجرى؟».

وأعلن كيري أخيراً، أن الإعداد على قدم وساق لإنشاء «مركز مشترك للتنفيذ (الاتفاق)» ولمناقشة أي من المناطق السورية تسيطر عليها «النصرة» والمعارضة. وسيشارك في المناقشات خبراء روس وأميركيون. ولكنني لا أوصي بأن يكون ميخائيل خودارينوك، كولونيل متقاعد في سلاح الجو الروسي، والمراقب الأميركي، توبياس شنايدر، من هؤلاء. فكلاهما طعن في قدرات قوات النظام السوري، وفي جدارتها.

واليوم السؤال يدور على قدرة الجيوش المتصدعة على الخضوع لأوامر الأسد. وخلص شنايدر في مقال نشره موقع «وور أون ذي روكس» الى أن بنية قوات النظام اليوم تكاد تكون مماثلة لبنية ميليشيات المعارضة». و«القوات الحكومية المقاتلة اليوم مؤلفة من مروحة واسعة (…) من ميليشيات محلية متحالفة مع فصائل متنوعة، ورعاتها محليون وأجانب، ومع أمراء حرب». وهذه القوات تهرّب السلاح والبشر والنفط الى مناطق «داعش» والمعارضة، وتشتبك دورياً مع قوات الأمن السوري من غير أن تخشى القصاص. أما خودارينوك فهو أكثر تشاؤماً من شنايدر. ففي مقالة نشرها في «غازيتا» الموالية للكرملين، خلص الى أن الميليشيات المؤلفة من متطوعين إيرانيين و «حزب الله» وقوات الحشد الشعبي» تحارب نيابة عن الجيش السوري. فشاغل جنود بشار الأسد جبي الإتاوة على الحواجز. ويوصي خودارينوك بتسريح الجيش النظامي وتجنيد جيش جديد. فهذا الجيش لم يشن عملية ناجحة منذ عام. ويرى خوادرينوك أن القوات الجوية المسلحة السورية متداعية وتستعمل قنابل «منزلية»، ويقول أن الجنود يحفرون خنادق مائية لتحميهم من أنفاق الإرهابيين. ولا يسع روسيا السيطرة على ميليشيات عسكرية عناصرها من كل حدب وصوب. فمصالح «حزب الله» والإيرانيين غير مصالح موسكو.

وخلاصة القول إن حمل الجيش السوري الحر وعشرات المعارضين الإسلاميين على قطع الأواصر بـ «القاعدة» والامتناع عن إطلاق النار ابتداء من 12 أيلول (سبتمبر) الجاري من غير موافقة أميركية، هو أسهل ما في ديبلوماسية كيري، وقوامها الدعاء والتمني. ولا دليل على أن في وسع بوتين والأسد النزول على ما تعهدا به.

* كاتب، صاحب «داعش: داخل جيش الإرهاب»، عن «ذي دايلي بيست» الأميركي، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

 

بوتين يبادر ويناور، وأوباما يتعاون/ هشام ملحم

الشكوك في فرص نجاح الاتفاق الأخير لوقف العمليات القتالية في سوريا الذي توصل اليه المسؤولون الاميركيون والروس، عميقة وواسعة، وتشمل حتى جهات اميركية رسمية. مسؤولون في القيادة المركزية المسؤولة عن العمليات العسكرية في سوريا والعراق قالوا علناً إنهم لا يتوقعون تشكيل “مركز التطبيق المشترك” الذي سيشرف على تنسيق العمليات العسكرية الاميركية – الروسية ضد تنظيمي “داعش” و”جبهة” النصرة فوراً بعد مرور سبعة أيام من الهدوء وفقا للاتفاق، نظراً الى انعدام الثقة بروسيا. ومعارضة وزير الدفاع آشتون كارتر وكبار العسكريين لأي تنسيق ميداني مع روسيا معروفة، لانه سيؤدي في رأيهم الى اعطاء الشرعية للقوات الروسية التي تمارس القصف العشوائي في سوريا، كما سيكافئ الجيش الروسي الذي احتل شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، فضلاً عن أي تعاون كهذا سوف يكشف طبيعة عمل القوات الاميركية وكيفية جمعها للمعلومات الاستخبارية. المتحفظون عن الاتفاق في واشنطن يراهنون على الاسد وحلفائه لتقويضه حتى قبل بدء تطبيقه.

 

سياسياً واستراتيجياً ليس من المبالغة القول إن موافقة واشنطن على الاتفاق هي بمثابة تسليم أميركي بأن روسيا هي الطرف الرئيسي الذي يبادر عسكرياً وسياسياً في سوريا، حيث تجد واشنطن نفسها – بسبب غياب قوات أميركية في سوريا – مضطرة الى ردود الفعل. وهناك عقبات كبيرة امام تطبيق الاتفاق من أبرزها سجل النظام السوري وحلفائه مثل ايران و”حزب الله”، وأيضاً روسيا في عدم احترام تعهداتهم ووعودهم، وخصوصاً منذ الاتفاق الاول لوقف العمليات القتالية في شباط الماضي. الاتفاق لا يتطرق الى كيفية مساءلة أي طرف ينتهك الاتفاق، كما لا يشير الى مسؤوليات أطراف مثل ايران والميليشيات الشيعية.

وهناك صعوبات تقنية ولوجيستية، وخصوصاً بعد معاودة النظام وحلفائه حصار حلب، الامر الذي يجعل مسألة فك تداخل قوات “جبهة النصرة”، التي تريد واشنطن ان تضربها مع روسيا، والفصائل الاخرى في حلب مسألة بالغة الصعوبة. وأكثر ما تخشاه قوات المعارضة التي لا تؤيد “جبهة النصرة” سياسياً، لكنها تجد نفسها ميدانياً تحارب مع “النصرة” أو قرب “النصرة” قوات النظام وحلفائه، هو انه اذا بدأ الاميركيون والروس بالفعل عمليات مشتركة لضرب النصرة، ان يؤدي ذلك الى تعزيز الوضع العسكري لنظام الاسد (تعزيز نفوذ موسكو) الامر الذي سيلغي أي ضغوط على الاسد لمعاودة المفاوضات. تطبيق الاتفاق العسكري – في غياب تفاهم على عملية سياسية تؤدي الى رحيل الاسد وحاشيته الدموية – سيؤدي الى إلحاق نكسة كبيرة بالمعارضة السورية.

تبريرات الوزير كيري للاتفاق لا تتعدى التمنيات. هذه هي النتيجة المنطقية لخمس سنوات من التردد والتخبط الاميركيين في سوريا.

النهار

 

 

 

بوتين والأسد بحاجة لانتصار لا هدنة/ بسام مقداد

أجمعت ردود الفعل الروسية على التشكيك بالاتفاق الروسي-الأميركي بشأن سوريا.

فمن موقعه الشعبوي المزايد، شأنه شأن سائر السياسيين الشعبويين في أنحاء العالم، لم يعلق رئيس “الحزب الليبرالي الديموقراطي الروسي” فلادمير جيرينوفسكي على الاتفاقية مباشرة، بل وجدها فرصة سانحة للقول بأن أميركا هي التي رعت نشأة الإرهاب في العالم، وهي التي مدته بأسباب الحياة. الحزب الشيوعي الروسي، المؤيد كلياً للحرب الروسية في سوريا، لم يجد متسعاً من الوقت للتعليق في موقعه الرسمي على الأمر، إذ إنشغل أمينه العام يوم الثلاثاء في 13 من الشهر الحالي، بافتتاح معرض “الواقعية الاشتراكية” في الفن التشكيلي. أما حزب “الحرية الشعبية” (بارناس)، والحزب الليبرالي الموحد (يابلوكا) فلم يدليا بدلوهما حول الأمر، وهما ينهمكان في الإعداد لإنتخابات الدوما في 18 الشهر الحالي.

الكاتب الشوفيني الروسي إدوارد ليمونوف، رأى في مقالة على موقع “livejournal” الروسي، أن الهدنة ليست سوى “خداع ذاتي وخداع للرأي العام”. ويقول إن “سوريا سوف تحاول العيش أسبوعاً من دون حرب”. ويشير إلى أن “العمليات الحربية في حلب لم تهدأ طيلة يوم الأحد الماضي. وجبهة النصرة (لها إسم آخر الآن، إلا أنها تبقى “جبهة” – على حد قوله) لم توقع أي هدنة. كما أن الجيش السوري الحر يرفض الهدنة، على حد زعمه.

ويقول ليمونوف “أما نحن فإنهم يدسون لنا تحت أنوفنا أسماء 600 قرية وبلدة وافقت على الهدنة. إنهم يحاولون قمع خيالنا بالكمية”. ويوضح أن هؤلاء ليسوا فصائل مقاتلة، بل هم “المتضررون”، أي القرى والبلدات التي تدور المعارك على أراضيها، أو تلك المهددة بمثل هذه المعارك. ويؤكد بأن “ثمة أموراً لا ينبغي القيام بها. مثل هذه الإتفاقيات، التي ليست من أجل شيء، ولا ينبغي عقدها بسبب الإحترام تجاه كيري أو أوباما أو الولايات المتحدة. إن مثل هذه الهدنات، التي لا يشارك في غالبيتها الطرف المعادي، لم يسمع أحد، مجرد سمع، بمثيل لها على كوكب الأرض (..) إنها خداع ذاتي وخداع للرأي العام”.

ويمثل ليمونوف هذا تعبيراً صارخاً عن المستوى الخطير، الذي بلغه السعار الشوفيني الروسي، الذي يتجلى في العداء المحكم للغرب وكل القيم الإنسانية العامة، التي يمثلها هذا الغرب. والجدير بالذكر أن ليمونوف كان قد طرده الشيوعيون من روسيا في العام 1974 وعاد إليها في العام 1991  ليؤسس “الحزب القومي البلشفي”، الذي تم حظره لاحقاً. وهو يؤيد بوتين في حربه السورية تأييداً مطلقاً، إلا أنه يأخذ عليه أنه لم يدخل سوريا بما يكفي من القوى لإحراز النصر، وحسب تعبيره “فالحروب تخاض لإحراز النصر فيها”. وللرجل رأي شديد الغرابة في الأعمال الإرهابية، التي يقوم بها المتطرفون الإسلاميون في الغرب، إذ يعتبرها “حرب تحرير شعبية مقدسة “، ويستعير لوصفها النشيد/الأغنية “إنهض أيها الوطن العظيم”، التي  تعتبر من أقدس أقداس الشعوب السوفياتية في حربها ضد هتلر.

في مقالة لهيئة تحرير “NEZAVISIMAIA GAZETA” المستقلة تحت عنوان “أقفَلوا الحرب في سوريا في استراحة تقنية”، تقول الصحيفة، ما إن تسرب نبأ الإتفاق خارج قاعة المفاوضات، حتى برزت لدى المتفائلين من السياسيين مقارنة تاريخية مع التحالف المعادي لهتلر. لكن من المستبعد جداً، على حد قول الصحيفة، أن يتشكل مثل هذا “الحلف العسكري المتكامل، بين روسيا والولايات المتحدة، على أساس الصراع ضد الدولة الإسلامية”.

وتعدد الصحيفة أسباباً لذلك، وتقول إنها تتعلق، أولاً، بتناقض أهداف الطرفين كلياً : واشنطن تؤكد، بشكل قاطع، أن بشار الأسد يجب أن يغادر المسرح السياسي، في حين أن موسكو تعتبر النظام السوري الحالي شريكاً لا بديل له في التسوية السلمية. كما أن معظم الخبراء يميلون إلى فكرة أن الأمر لا يتعلق ببدء عملية سلمية لأجل طويل، بل باستراحة تقنية ليس إلا، تنصرف خلالها واشنطن للقضايا الراهنة “ذات الطابع الداخلي”، على حد تأكيد الصحيفة.

وترى الصحيفة أن البرهان واضح تماماً؛ فقد بدأت واشنطن الحديث عن الهدنة تماماً حين أصبح “مقاتلو المعارضة المعتدلة، الذين يحاربون جنباً إلى جنب مع مقاتلي الدولة الإسلامية، محاصرين من جديد”. وقد بدا الأمر ليس دعوة إلى طاولة المفاوضات، بقدر ما هو إنذار. لكن وزارة الخارجية، وللحقيقة، عادت وخففت بعض الشيء من اللهجة، ووافقت أخيراً على تقسيم المعارضين إلى من هم “محقين” ومن هم “ليسوا على حق”، وهو ما كانت تسعى إليه موسكو منذ شهور طويلة. لكن واشنطن “لم يكن قد بقي لديها خيار آخر، على ما يبدو، وإلا لكان الأميركيون بقوا في سوريا من دون حلفاء”.

وتقول الصحيفة إن هيلاري كلينتون قد حصلت، بعد اتفاقات جنيف، على جميع الأوراق الرابحة الممكنة. غير أن انتصارها في المعركة من أجل البيت الأبيض يحول دون صمود الهدنة في سوريا.

وفي عنوان ساخرٍ “غَطَّوا سوريا هدوءاً” نشر موقع “GAZETA.RU”، الذي يتمتع بمصداقية كبيرة، بالرغم من وصفه بالموقع “البوتيني” من قبل بعض الإعلام الغربي، مقالة قال فيها إن الخبراء ينظرون على “نحو متباين إلى مستقبل الهدنة”، إذ يتخوف البعض من أن “الإتفاقيات قد تعني تسليم الرئيس السوري بشار الأسد من قبل الكرملين”.

وينقل الموقع عن رئيسة قسم القضايا الدولية في مركز الأبحاث العربية في معهد الإستشراق التابع لأكاديمية العلوم إيرينا زفياغلسكايا، قولها إن الوضع في سوريا شديد التعقيد. وثمة أمثلة “كيف أن بعض الناس يلتجئون أحياناً إلى الإرهابيين، طلباً للحماية، وهم ليسوا إرهابيين. كما أن قسماً من المعارضة يحارب أحياناً القوات الرسمية إلى جانب المنظمات الإرهابية لكن مع ذلك ثمة تفهّم بأن من سيقبل بالهدنة سوف يُشطب من لائحة من سيستمر قصفهم”. وتعتبر أن محاولات تعطيل الهدنة لا بد حاصلة من دون شك، لكن المهم هو “توفر الإرادة السياسية لدى الأطراف”.

نائب رئيس الدوما سيرغي جيليزنيك، الذي ترأس الوفد الروسي في المباحثات حول سوريا، يعتبر ان الإتفاقية يجب أن تلعب دور “الفاصل” ، الذي يتمكن من “تحديد أولئك، الذين هم على استعداد لقتال الإرهابيين”. ويقول إن “الكرة هي في ملعب الأميركيين”، في حين يقول الاستشاري في برنامج “الأمن والسياسة الخارجية” في مركز “كارنيغي” في موسكو نيكولاي كوجانوف، الذي شارك في مؤتمر “روسيا والعالم العربي” في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، في أيار/مايو الماضي، إن الهدنة الراهنة تملك فرصاً للنجاح أكثر مما كانت تملكه هدنة شباط/فبراير الماضي. ويعود ذلك لأسباب عديدة منها أولاً “دخول تركيا في الحرب؛ ثانياً بدأ الأطراف يدركون أن ليس من بديل آخر عن المفاوضات السلمية”.

أما الاختصاصي في مركز “كارنيغي” في موسكو والخبير في شؤون القوقاز والإسلام ألكسي مالاشنكو، فيعتبر أن نتيجة اللقاء هي هزيمة دبلوماسية لروسيا. ويستدل على قوله هذا بأن لافروف امتنع عن الكشف عن تفاصيل الإتفاقات المعقودة مع الولايات المتحدة وقال “لن أفصح لكم عن هذا”. ويضيف مالاشنكو “أعتقد أن هذه هي الخطوة الأولى للتخلي عن الأسد. أعتقد أنه لن تكون هناك هدنة”.

ويتابع مالاشنكو، أنه من “المثير أن نرى كيف سيتصرف الرئيس السوري، فهو يدرك أنه لا شيء من دون روسيا. وهذه نتيجة منطقية لسياستنا في سوريا. ليس لدينا بديل للأسد. وإذا ما فقدناه نفقد سوريا”.

وتميزت صحيفة “VEDOMOSTI” الرصينة والمستقلة عن سواها من الصحف والمواقع الأخرى، بأن فضلت أن تستعرض أقوال الصحف والمواقع الغربية حول الأمر. فقد نقلت عن صحيفة “تايمز” اللندنية، قولها إن الاتفاقية التي تم التوصل إليها بين روسيا وأميركا لن تحمل سوى استراحة قصيرة، وليس من أسباب تدعو للقول إن الاتفاقية أفضل من سابقاتها.

تتوقف الاتفاقية السلمية، بحسب ما تنقل الصحيفة عن “التايمز”، على إرادة بوتين الحسنة. فهو يعرف أن هيلاري كلينتون تسعى منذ سنوات لإقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا بأي ثمن. وسيطرة روسيا على سوريا تتوقف على قدرة روسيا على السيطرة على الجو وقيامها بالقصف وفق ما ترتأيه. فإذا تمكنت الولايات المتحدة من إقامة منطقة حظر جوي، فسوف يكون هذا تحدياً مباشراً لروسيا. ولهذا فإن بوتين على استعداد “للتظاهر بالتعاون السلمي مع إدارة باراك أوباما الراحلة، وأي رئيس قادم سوف يضطر للنظر إلى موسكو على أنها اللاعب الأكثر نفوذاً”. وتتابع الصحيفة بالقول، إن اتفاقية وقف إطلاق النار “مع أنها تبدو كفعل خيرٍ، هي في الحقيقة، تجلٍ متعجرف للسياسة الواقعية لموسكو. واستسلام نهائي يائس للإدارة الأميركية”. واذا ما تم سحق جميع أعداء الأسد الجديين بمساعدة الولايات المتحدة، في ظل ثقة موسكو بأنها تسيطر على الأسد، فإنه يمكن القول عندها أن روسيا ستنتصر على جميع الجبهات، على رأي الصحيفة.

المدن

 

 

 

عن الولايات المتحدة وروسيا في سوريا/ ماجد كيالي

الاتفاق الأميركي-الروسي حول الوضع في سوريا كشف أربع حقائق: الحقيقة الأولى، أن روسيا هي التي تلهث وراء اتفاق مع أميركا في سوريا، إذ كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد تمنّع عن المجيء (الخميس الماضي) إلى جنيف للاجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بينما كان هذا الأخير في انتظاره، بل إن لافروف اضطر للتنازل إلى حدّ إجراء مكالمة هاتفية معه، تم خلالها تذليل بعض القضايا الخلافية، والاتفاق على لقاء الجمعة. وحتى في هذا اللقاء الذي استمر ساعات طويلة وتمخّض (فجر السبت) عن اتفاق، فقد تم تأخير المؤتمر الصحافي واضطر معه لافروف للانتظار طويلا، ريثما ينهي كيري مشاوراته مع المسؤولين الأميركيين في واشنطن. وللتذكير فقد جرى كل ذلك في الوقت الذي تعتبر فيه روسيا نفسها أنها باتت تمتلك أوراق قوة بعد معاودة حصار المعارضة في حلب.

الحقيقة الثانية، أن الولايات المتحدة ليست في عجلة من أمرها وأن لا شيء يثقل عليها في سوريا، وهي تكتفي بفرض صيغة لا غالب ولا مغلوب. هكذا حتى هذا اللاحسم لا يخدم روسيا، فهي لا تملك الوقت وهي تخسر خاصة في ظل تراجع وضعها الاقتصادي، وفي تخوّفها من زيادة التورط في سوريا من دون أي أفق منظور.

الحقيقة الثالثة، أن ثمة فارقا هائلا في القدرة والقوة بين الطرفين، إذ أن أميركا لا تخسر خاصة وأنها غير متورّطة في الصراع العسكري وأنها تستخدم قوتها “الناعمة” فقط ربما إلى حين تشعر بأن اللحظة قد حانت وأن روسيا استنزفت تماما، وأن هذين العنصرين تتحسب لهما، لا سيما بعد دخول تركيا على خط المعادلة مباشرة، خاصة بعد النجاح في التقليص من قوة “داعش” وأخوات “القاعدة”.

الحقيقة الرابعة، أن الولايات المتحدة في كل ذلك تحرص على صيغة أن حلب خط أحمر، لا يسمح بإنهاء المعارضة فيها، وأنه لذلك لا أكثر من الحفاظ على خطوط القتال على حالها، وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب، علما وأنها لا تفعل شيئا أو لا تستخدم أوراق الضغط لديها حتى “الناعمة” أي من دون أي جندي على الأرض لفرض واقع جديد، لا لنصرة المعارضة ولا لهزيمة النظام ولا للضغط الجدي على روسيا. ومعلوم أن الولايات المتحدة، مثلما فرضت نزع السلاح الكيميائي، بإمكانها فرض قيام منطقة حظر جوي، أو فرض منطقة آمنة، أو إجبار النظام على إدخال المساعدات الغذائية إلى المناطق المحاصرة، أو السماح بتسليح الجيش الحر بمضادات الطائرات.

وفي الحقيقة، فإن البعض اعتاد التعامل بسذاجة ورغبوية وتسرّع في ما يخص موقف الولايات المتحدة مما يجري في سوريا، مع تأكيدنا على أنه موقف سياسي وأخلاقي عديم المسؤولية ويديم أمد الصراع ويفاقم من عذابات السوريين. السؤال الذي يفترض طرحه هو، ما هي مصالح الولايات المتحدة في سوريا أصلا؟ وهل ما يجري يؤثّر عليها، سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا، سلبا أم إيجابا؟

واضح أن الولايات المتحدة لا تخسر لا جنديا ولا سنتا واحدا فيما تتفرّج على الآخرين (روسيا وإيران وتركيا ودول عربية) يستنزفون سياسيا واقتصاديا وأمنيا ويخسرون، بل إن هؤلاء كلهم يتطلّعون إلى الولايات المتحدة، بحكم قدراتها، على أن تحسم أمرها لانتشالهم من هذه الورطة، التي دخلها كلّ لغاياته. هذا يفسر اللامبالاة الأميركية ولهاث الأطراف لا سيما وأن روسيا كما ذكرنا، خلفها. وفي مقابل ذلك، فإن روسيا تصارع في سوريا لتعزيز مكانتها ومساومتها مع الولايات المتحدة على ملفات أخرى مثل أوكرانيا، والصواريخ في حديقتها الخلفية، وأسعار النفط وخطوط الغاز، ورفع العقوبات الأميركية عنها.

على أي حال، فإن الاتفاق الأميركي-الروسي الجديد، هو اتفاق مؤقت، وتقني متعلق بالصراع العسكري على الأرض في حلب، أي وقف القتال وتمكين المساعدات الإنسانية ومحاربة الإرهاب. ومن حيث التفاصيل، فهذا الاتفاق يعتمد على عدة أسس؛ وقف إطلاق النار، ووقف القصف الجوي والمدفعي، وتحديد خطوط التماس بين المتصارعين، بحيث لا يتم خرقها، وفتح طريق الكاستيلو لدخول شاحنات المساعدات الغذائية الدولية، وفرضه كمنطقة محظورة على المتقاتلين أو كمنطقة منزوعة السلاح، وعقد هدنة كفترة اختبار، والتركيز على محاربة داعش وأخوات القاعدة، وهي العناصر التي تؤدي في حال نجاحها إلى تشكيل خلية أميركية-روسية تراقب هذا الاتفاق وتحدد الأماكن التي يمكن استهدافها في إطار محاربة الإرهاب، وصولا إلى استئناف مفاوضات جنيف بين النظام والمعارضة لفتح الطريق أمام الحل الانتقالي.

كاتب سياسي فلسطيني

العرب

 

 

 

 

 

 

المعارضة السورية أمام «واقعية» الصفقة الأميركية – الروسية/ راغدة درغام

ستكون الهدنة السورية التي ولّدها الاتفاق الأميركي – الروسي حاضرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يتوافد إليها القادة الأسبوع المقبل. وستأتي مدينة حلب إلى نيويورك لتمتحن الصدق والعزيمة. سيستغل الجميع مأساة المهجرين والمشردين السوريين ليزعم العطف والتعاطف، وسينفي كل من المعنيين أنه ساهم في مقتل نصف مليون إنسان وفي تدمير المدن العريقة والبنية التحتية وسيتأهب للاستفادة من إعادة تأهيلها بعد إتمام تموضعه فيها. سيتوافد رؤساء وفود الدول إلى منبر الجمعية العامة لإلقاء الخطابات السنوية، فيما سيتقوقع أعضاء مجلس الأمن الدولي آخذين أنفسهم بمنتهى الجدية وهم يبصمون بتباهٍ على الاتفاق الأميركي – الروسي، إذا رأى نور الاستدامة. فلا أحد يجرؤ على تحدي اتفاق فاوضت عليه واشنطن وموسكو انتهى بالتفاهم على وقف النار والتعاون عسكرياً لدحض «داعش» وأمثاله على نسق «جبهة فتح الشام» المعروفة سابقاً باسم «جبهة النصرة»، ولا أحد يجرؤ على التنبؤ باهتزاز الاتفاق. سيهمس كثيرون بالرهان على انهيار قريب للهدنة، لأن الاتفاق ينطوي على شوائب أساسية جذرية تجعل دوامه غير منطقي. سيردّ البعض بأن لا خيار آخر أمام المعارضة السورية سوى الانصياع لأن أنقرة رحبت، والدول الخليجية لم تعارض بصورة تعطيلية. تعمّد الاتفاق إعفاء الميليشيات التابعة لإيران من المطالبة والمحاسبة والمراقبة، فيما يطالب الثنائي الأميركي – الروسي الفصائل السورية المسلحة بتفكيك نفسها بنفسها كشرط مسبق لإنجاح الاتفاق. سيقول هذا البعض أن وقف النار وإنهاء النزاع المسلح باتا ملجأ مهماً وبدت المرحلة الانتقالية السياسية غامضة وتفاصيل المعالجة الإنسانية عائمة. باراك حسين أوباما سيعتلي منصة الجمعية العامة التي تكتظ بالرؤساء والوزراء ليخاطبهم لآخر مرة رئيساً للولايات المتحدة، وسيلقى اهتماماً بالتأكيد، لكنه لن يُقارَن بالترحيب والحماسة والفضول التي رافقت خطابه الأول قبل ثماني سنوات. سيُحكَم عليه من منظور سورية مهما تفادى ذلك عبر انعقاد قمة اللاجئين التي ستسبق الدورة الـ71، ومهما شدّ بالحاضرين إلى الاعتراف له بإنجاز اتفاقه النووي مع إيران. فإذا دامت الهدنة وصدقت وعود روسيا، لعل باراك أوباما ينجو من بعض اللوم والعتاب. أما إذا انهار الاتفاق، فسيقع الثقل على أكتاف وزير خارجيته جون كيري الذي يلاقي انتقادات حادة من مختلف الأوساط بما فيها المؤسسة العسكرية الأميركية، وبات يُشار إلى تفاهماته مع نظيره الروسي سيرغي لافروف بأنها نموذج ثنائي المكر والسذاجة. لعل الاستنزاف والإنهاك يدفعان الجميع إلى مرحلة «الاستواء» لأن الاستمرار في حروب مفتوحة على مستنقعات يشابه الانتحار مهما بدا اليوم أن هناك غالباً أو مغلوباً.

ما يتغير في أعقاب الاتفاق الذي توصل إليه الثنائي كيري – لافروف هو دخول الطائرات السورية في قصف التنظيمات المصنَّفة إرهابية والمنظمات التي ترفض الانحناء أمام التصنيفات الأميركية – الروسية. إيران وميليشياتها والنظام في دمشق ستستفيد من إتمام الولايات المتحدة مهمة تدمير ألد أعداء الأطراف الثلاثة، لذلك وافقت بسرعة وبلا تردد على الاتفاق الذي أكدت موسكو أنه لمصلحة هذه الأطراف بالذات في هذه المرحلة الحاسمة التي تفرضها معركة حلب المصيرية. أما المعارضة السورية فإنها مرة أخرى على المحك وبين أيدي اللاعبين الدوليين والإقليميين على السواء.

لا أحد يتمنى استمرار النزيف في سورية سوى «الدواعش» وأمثالهم. أما الشركاء الآخرون في المأساة السورية، فهم باتوا في حاجة إلى استراتيجية خروج من المأزق الذي تورطوا فيه وإلى استراتيجية تجنيب أنفسهم الانزلاق إلى مستنقع روسيا، وإيران في الطليعة. ما سيؤدي إلى تفتت الهدنة والاتفاق معها يكمن في العملية السياسية التي يُفترض أن تكون جزءاً أساسياً وتنتهي بحلول سياسية. فإذا اقتنص محور روسيا – إيران – النظام الفرصة وافترضها تأشيرة له لتحقيق الانتصار على قاعدة غالب ومغلوب، ستطول كثيراً الأزمة السورية وستتفرع أكثر وأكثر. فهذه هدنة انتقالية إلى عملية سياسية انتقالية – أو هكذا يُفترض أن تكون. في ذهن بعض الأطراف الاستفادة من هدنة إنسانية، ثم العودة إلى القتال بعزم أشد، لذلك من واجب الثنائي الأميركي – الروسي والأمم المتحدة معه أن يتأهب للتداعيات والإفرازات.

البعض يتحدث عن حتمية سقوط الهدنة بسبب تعدد وتضارب أجندات المقاتلين وأربابهم ميدانياً واستحالة تحقيق خروق ديبلوماسية طالما أن الميدان العسكري لا يسمح بها، وهو يقترح «التواضع» في التطلعات لأنه أكثر «واقعية». ريتشارد هاس، رئيس «مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك كتب في صحيفة «فاينانشال تايمز» أن البديل هو «تغيير الظروف على الأرض» عبر تحويل بعض المناطق إلى مناطق «آمنة»، الأمر الذي يتطلب إقامة «منطقة إنسانية» تحظى بـ «غطاء جوي وقوات مشاة تابعة للمجموعات المعارضة، ومن دول مجاورة صديقة».

هذا الكلام له رنة مشابهة لكلام تركيا عن إنشاء مناطق آمنة وطروحات إنشاء مناطق حظر الطيران. مهما كان التشابه أو التباعد بين الفكرتين، فإن «واقعية» انهيار الهدنة و «تواضع» التطلعات والإجراءات يعنيان أن إنهاء الحرب السورية «ليس وارداً في المستقبل المنظور»، وفق ما يقول ريتشارد هاس. فهو يكتب «فلا وقف النار على الصعيد الوطني ولا الانتقال إلى حكومة وحدة بعد الأسد مطروحان في الأوراق»، لذلك أفضل ما يمكن القيام به هو «إنشاء مناطق حماية لتخفيض المعاناة الإنسانية» في سورية، بكل واقعية وتواضع.

أحد اللاعبين الأساسيين بين جيران سورية هو تركيا التي دخلت الحرب السورية ميدانياً لهدفين، عنوان أحدهما «داعش» والآخر «الكرد». لم يكن أمام أنقرة سوى الترحيب بالاتفاق الأميركي – الروسي، إنما هذا لا يعني موافقتها المسبقة على التصنيف الآتي لِمَن مِن المعارضة إرهابي ومَن هو وطني. فالرئيس رجب طيب أردوغان عازم على إقحام الأكراد المقاتلين في سورية في خانة الإرهاب، متحدياً الموقف الأميركي الذي يرفض المنطق التركي ويعتبر الكرد شريكاً في الحرب على «داعش» في سورية وفي العراق – ومعركة الموصل المهمة آتية. وحلفاء تركيا من التنظيمات السورية المسلحة المعارضة غير راضين على التصنيفات والإعفاءات الأميركية – الروسية للمقاتلين في سورية من منظمات وميليشيات.

السؤال هو، هل سيكون في اليد حيلة للفصائل السورية إذا فرضت الواقعية والصفقات على داعميها القبول بالشروط الأميركية – الروسية، وحجبت عنها المعونات العسكرية الضرورية جداً لها في هذا المنعطف؟ الجواب لدى القيادات في الدول الخليجية المعنية، كما لدى القيادة التركية في ضوء ما تم التوافق عليه وإعلانه أثناء المؤتمر الصحافي الأسبوع الماضي لوزيري الخارجية السعودي والتركي، بدءاً من التمسك برحيل الأسد وتبديد الشكوك بما قيل عن استعداد تركي لبقائه في المرحلة الانتقالية لفترة موقتة مفتوحة الزمن، وانتهاء بمفاعيل دعم الفصائل السورية وتمكينها فعلياً بالسلاح والذخيرة الحاسمة في معركة حلب بالذات. فالمعادلة الميدانية تبقى في صلب مستقبل الهدنة، والثقة ما زالت زئبقية بين كل اللاعبين الدوليين والإقليميين والمحليين على السواء وهي تزداد شرخاً بين المعارضة السورية والإدارة الأميركية.

فعلياً، ما حدث عبر إعلان الاتفاق الأميركي – الروسي على الهدنة من جنيف هو تعطيل كل اندفاع للمحاسبة على استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة في نيويورك. مرة أخرى، يتصافح الثنائي كيري – لافروف على اتفاقات تعفي النظام في دمشق من المحاسبة في الملف الكيماوي. فلقد شكّل الاتفاق الأخير غطاءً حمى الحكومة السورية من المحاسبة، رغم تأكيد لجنة التحقيق الدولية ضلوع النظام في استخدام الأسلحة. كما جمّد أي مهل لتحريك الملف في مجلس الأمن لمحاسبة النظام على استخدام هذه الأسلحة في خرقٍ للقرارات وانتهاك للتفاهمات بما فيها الأميركية – الروسية.

الأرجح أن تبقى الهدنة سارية المفعول بقرار مقصود من دمشق وطهران وموسكو كي يمضي التجمّع الدولي في نيويورك على وقع إيجابي يحوّل الأنظار عن الغارات الروسية والبراميل المتفجرة السورية والميليشيات الإيرانية، ويُبعِد محاسبة النظام السوري على استخدامه السلاح الكيماوي الذي سلّط الأضواء مجدداً عليه. فالمعركة أيضاً معركة صور ورأي عام، ولا يفيد هذا المحور بأن يتحوّل الرأي العام ضده بسبب مشاهد رعشات الأطفال المحروقين بالأسلحة المحظورة. كان لا بد من قليل من التنازلات لشراء الوقت للأسباب هذه، كما لأسباب ميدانية تتطلب العودة إلى طاولة رسم الاستراتيجية العسكرية لحلب بعدما تكبدت الميليشيات التابعة لإيران خسائر كبرى. وكان جون كيري جاهزاً جداً، كعادته، لمصافحة التفاهمات مع سيرغي لافروف الذي قدم لكيري جزرة أرادها واحتفظ بأكثر من عصا في يديهما معاً. فلافروف يفهم كيري جيداً ويعرف نقاط ضعفه وأين تقع عاطفته إن كانت نحو إيران دوماً لأسبابه السياسية والشخصية، أو إن كانت ضد المعارضة السورية وأربابها بمبرراته التقليدية.

المعارضة السورية المعتدلة باتت تشكك جذرياً في نهايات إدارة أوباما وصفقات جون كيري وأصبحت غير جاهزة للانصياع لهما أوتوماتيكياً، لأن في ذلك توقيعاً على ورقة وفاتها، في رأي معظمها. الاتفاق الأخير بين كيري ولافروف ينطوي على تكليف فصائل المعارضة تدمير بعضها بعضاً، بدءاً بأكبر الفصائل المحاربة وأقدرها، ويتوعد بعمليات أميركية – روسية مشتركة لإتمام المهمة في حال أي تقاعس من طرف المعارضة. ميليشيات إيران وقوات النظام في دمشق بالطبع مرتاحة، لكنها استراحة عابرة.

الهدنة الدائمة هي الضرورية كما الاقتناع بأن الوقت حان لإتمام الصفقة الكبرى – صفقة إنهاء الصراع في سورية، كجزء من التفاهمات الكبرى الأميركية – الروسية والإقليمية. وهذا يبدو اليوم بعيد المنال.

الحياة

 

 

 

كيري استسلم أمام لافروف؟/ راجح الخوري

عندما يدافع جون كيري عن إتفاق الهدنة السورية ويعتبره “فرصة أخيرة لإبقاء سوريا موحدة”، يبدو ضمناً كأنه يحاول الإيحاء انه أنجز اتفاقاً جيداً مع سيرغي لافروف على رغم ان القتال لم يتوقف بدليل الكشف عن 60 خرقاً لهذه الهدنة في خلال ٤٨ ساعة وعلى إيدي النظام والمعارضة أيضاً!

كيري يحاول جاهداً الدفاع عن هذا الإتفاق الذي يتعرض لسلسلة من الإنتقادات القاسية يوجهها مسؤولون كبار في الجيش الأميركي والإستخبارات، لا تقتصر على استيائهم من الثقة المفرطة التي يبديها باراك أوباما بالروس فحسب، بل على إضطرار اميركا بموجب الإتفاق الى العمل كمخبر لدى موسكو يطلعها على برنامج ضرباته الموجهة الى مواقع الإرهابيين.

لست أدري من أين جاء كيري بتخريجة الفرصة الأخيرة لابقاء سوريا موحدة، اذا كان يستطرد في حديثه المتناقض ليقول إن المعارضة المعتدلة التي تدعمها واشنطن، كانت في الجانب الخاسر أمام قوات النظام المدعومة من الروس “و ان معادلة سحق المعارضين كانت ستلقي بهم في أيدي “داعش” و”النصرة” ليزداد التطرف بدرجة كبيرة”!

لا ليس من الواضح أبداً، لأن لا فرق بين معادلة تلقي المعارضة في أيدي النظام ومعادلة تلقيها في أيدي الإرهابيين، ذلك ان ترك هذه المعارضة التي يشير اليها كيري عرضة للسحق هنا أو هناك، سيجعلها مجموعات إشد تطرفاً بعدما تعرضت منذ خمسة أعوام للقتل والتدمير على يد النظام، وللإهمال والتخلي من إدارة اوباما التي سبق لها ان تجرعت كأس السلام الكيميائي كما يتجرع السوريون كأس الموت .

المؤسف ان يبدو كيري في نهاية عهد أوباما كأنه يعلن الإستسلام أمام النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، عندما يردّ على إنتقادات القادة العسكريين في وزارة الدفاع الأميركية ووكالة الإستخبارات بالقول “ان لم نجلس الى الطاولة سيزيد القتال بدرجة كبيرة فما هو البديل، هل البديل هو السماح لنا بالإنتقال من 450 ألف قتيل الى ألوف أخرى كثيرة”؟

لا حاجة لهؤلاء القتلى بدموع أوباما وكيري، الذي تجاسر مرة ليقول إن عدد القتلى في سوريا بلغ ٤٥٠ الفاً، كان في وسع واشنطن ان تنقذ الكثيرين منهم وتمنع إنتشار هذا الإرهاب الأسود، لو كانت تحملت مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية منذ البداية، ولو كانت فعلاً تقود تحالفاً من 64 دولة يشن كما يزعمون حرباً دولية ضد “داعش”، الذي لا يزال يقاتل من الرقة الى الموصل على عيون المقاتلات الأميركية والروسية وطائرات النظام التي لا تجيد إلقاء البراميل المتفجرة إلا على أحياء السوريين في حمص وحلب التي يزعم مستر كيري ان واشنطن تخشى عليها من المزيد من القتلى والدمار ويريدنا ان نصدقه حين يتعرض هو وأوباما لسخرية القيادات العسكرية الأميركية!

النهار

 

 

——————-

 

 

 

حلب والنظام الدولي الجديد/ أحمد مغربي

لعل “اتفاقيّة حلب” أو “اتفاقيّة كيري- لافروف” أبرزت ومَظْهَرَت النظام الدولي المعاصر الذي نعيشه الآن.”التشابك” هي السمة الأساسيّة لعلاقة “التوازن” نسبيّاً بين القوى الأساسيّة فيه، مع الاحتفاظ بمبدأ الدول ذات السيادة، والمستمر منذ “نظام وستفاليا” (1648).

انهار نظام الحرب الباردة وصراع العملاقين الأميركي والسوفياتي، فتلاه نظام دولي استند إلى أحادية القطب الأميركي المنتصر في الحرب الباردة، الذي سعى نسبيّاً لفرض نمط معين من النظم، خصوصاً النيوليبراليّة. وحاضراً، نشهد الانتقال من تلك الأحادية الأميركيّة إلى نظام آخر قوامه الاستمرار في معطيات “نظام وستفاليا”، مع حلول “التشابك” بين القوى الدوليّة الأساسيّة الحافظة للنظام (أميركا قوة كبرى بوزن خاص، ثم روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، كقوى دوليّة متفاوتة). واستطراداً، يعني ذلك أن كل قوة تزيد وزنها (بالقوتين الناعمة والقاسية) وتؤثّر على الاخرى، وتتنافس القوى بأوزانها لكنها لا تتصارع بالطرق التي كانت في النظم الدوليّة منذ وستفاليا. وفي تدخل القوى الدوليّة إلى الصراعات الإقليمية بتوازن يحدّده تشابكها الذي لا تخرج منه، فتحفظ النظام الدولي وتتنافس وتتصارع تحت سقف التشابك بينها. وتحت ذلك السقف، هناك ظاهرة “تفكك مركزة” لنقطة الثقل في القوة دوليّاً (لا قطب وحيداً، ولا قطبان، لكن أيضاً ليس أقطاب عدّة)، مع بروز دور غير مسبوق تاريخيّاً للقوى غير الدولتيّة يظهر بوضوح في الإرهاب الإسلاموي، لكنه ليس حكراً عليه.

تفكك المركزة… بقاء المركز!

قبل اتفاق حلب، سأل معلّق تلفزيوني أحد المرشحين المغمورين للرئاسة الأميركيّة عن حلب، فجاء الرد: “ما هي حلب”؟ سرعان ما صارت تلك الكلمات “هاشتاغ” اكتسح الـ”سوشال ميديا” عالميّاً. هل تعطي حلب إسمها للنظام الدولي المعاصر؟

مجدداً، ماذا لو جرّبنا تحدّي السائد، عبر التفكير بـ”اتفاق حلب” كمشهد يكثّف النظام الدولي الذي نعيشه في العقد الثاني من القرن 21، وبأن ما يكمل المشهد الحلبي يجدر البحث عنه في المناورات الصينيّة- الروسيّة في بحر الصين الجنوبي، وبتصاعد رنين عن “تسوية ما” في أوكرانيا؟

هل توسّع البيكار كثيراً بين أوكرانيا وبحر الصين؟ إذاً، لنعد بهدوء إلى حلب. (على رغم عدم الجدوى، يحس القلب بغصّة عند كلمة “هدوء” بعد ذِكْر حلب التي تعاني مجازر متنوّعة في كل ثانية. الهدوء هنا للعقل نسبيّاً، أما القلب، فله شأن آخر).

في ظل النظام الدولي المعاصر، تخف حركة الانتقال من الصراع على المشروعيّة الداخلية إلى صراعات إقليمية، بالأحرى لم تعد تلك الحركة مرتبطة بصراع بين نمطين عالميّين (رأسمالية واشتراكية)، تدعمهما القوى الكبرى إلى حد الصراع المسلح.

ونسبيّاً، لا تشاهد تلك الآليّة بحدّة إلا في أوكرانيا والشرق الأوسط. لأن الانتقال من نظام دولي إلى آخر هو تدرّج واستمرار في الصراعات، وتصلح أوكرانيا والشرق الأوسط لإبراز سمات النظام الدولي المعاصر. للمقارنة، تشهد أميركا اللاتينيّة والوسطى انتقالاً للسلطة بين اليمين واليسار من دون حروب، للمرّة الأولى منذ قرون مديدة، بل تنتهي فيها حروب كانت مستمرة منذ “الحرب الباردة”. وتتصاعد حدّة التوتّرات في المدى الاستراتيجي للصين (بما فيه الانتقال التاريخي في بورما)، من دون حروب فيها. على رغم الضجيج التي تثيره كوريا الشمالية، فهي لا تعدو كونها “ثقلاً” تضيفه الصين إليها، كي تحفظ توازنها النسبي مع أميركا. وفي المناورات المشتركة بينهما، تحاول الصين وروسيا الاستفادة من معطى كوريا الشماليّة، لكنها أيضاً تفعل ذلك لتزيد توازنها مع أميركا والاتحاد الأوروبي الذي يبدو موشكاً على فقدان “الثقل” الذي يحصل عليه من العقوبات ضد روسيا. الخلاصة؟ هناك تفكك لظاهرة وجود مركز قوة للنظام العالمي، لكن النظام المتشابك له “مركز” قوي هو حصيلة التقاطع بين القوى الدوليّة التي تحفظ “شبكة” النظام الدولي. ألا ينطبق ذلك على المشهدية المتكررة للظهور التعاوني بين كيري ولافروف؟ ألا يظهر ذلك عند قراءة وضع تركيا الأطلسيّة الحليفة الأميركيّة، وذات العلاقة الصاعدة مع روسيا (والصين)، وعلاقاتها المتأرجحة والمعقدة مع الاتحاد الأوروبي؛ والتي تستند إلى ذلك التشابك في إدارة علاقتها مع المنطقة الممتدة من السعودية إلى حدودها مع سوريا؟

الأحادية الأميركيّة الواهنة

الأرجح أن ظاهرة توزّع القوة في النظام الدولي هي أساس لبروز “مركز” مكوّن من قوى بأوزان مختلفة ومتشابكة فيه. ومن جهة اخرى، يكون التوزّع عينه سبباً لظهور فريد من نوعه لقوى غير دولتيّة صارت لاعباً فاعلاً فيه (للمرة الأولى في التاريخ الحديث)، خصوصاً ظاهرة “الإرهاب الإسلاموي” الذي “يربك” حتى الإسلامويّة كـ”وزن” أساسي في النظام المتشابك الدولي. تعطي تركيا وتحوّلاتها نموذجاً عن ذلك الإرباك والظهور أيضاً، ولعل تخليها عن “داعش” (وربما “النصرة”)، هو حسم تعوّضه بالتمايل صوب روسيا نسبيّاً، لكن حركتها تتولّد أيضاً من التحدّي الكردي الداخلي وتفاعلاته مع وضع الكرد في سوريا.

في سياق متّصل، رعى نظام الأحادية القطبية صراعات أوروبيّة في البلقان، شهدت تفكك دول وظهور اخرى جديدة، مع صعود قوي لظاهرة العولمة الحديثة، ونشر نظام نيوليبرالي أميركي في العالم. كانت شبكة الانترنت ومؤسّسات كـ”منظمة التجارة العالمية” و”البنك الدولي”، من الروافع الأساسيّة فيه. ولأسباب كثيرة، لم يصمد ذلك النظام طويلاً.

يصح القول بأنّ نظام الأحاديّة الأميركيّة صمد حيال ضغوط مختلفة ربما كان نموذجها (خارج الصراعات العسكريّة) الأزمة الاقتصادية في “النمور الآسيويّة” عند ختام الألفية الثانية، وهي أزمة اعتبرها كثيرون فشلاً لتعميم نمط الأحادية الأميركيّة في النيوليبرالية، وليس مجمل النمط الرأسمالي. وإضافة إلى قائمة طويلة من الحروب الإقليمية ربما أبرزها حربا أفغانستان والعراق، بدت الأحاديّة الأميركيّة غير قادرة على التعامل مع التحدّي الحاسم الذي فرضته الأزمة الاقتصادية العالميّة. بقول آخر، لم يعد خافياً فشلها في القوة الناعمة (النموذج النيوليبرالي المتطرف)، والقوة القاسيّة (العراق، أفغانستان، أوكرانيا، الكونغو و… الحرب على الإرهاب)، ما أشر على الانتقال التدريجي إلى النظام العالمي المتشابك.

قوى لادولتيّة: تحدي النظام المتشابك؟

منذ “وستفاليا”، يعتمد النظام الدولي على ذراعي الدول واستقلالها وسيادتها ومشروعيتها من جهة، فيما ذراعه الكبرى الثانية هو التوازن بين القوى الكبرى التي “تحفظ” النظام، كما تتصارع تحت سقفه.

في “مؤتمر فيينا” (1814- 1815)، برزت مسألة المشروعيّة الداخليّة بقوّة باعتبارها شرطاً ملازماً لسيادة الدولة، فصار ذلك جزءاً من “نظام وستفاليا”. واجتاز ذلك النظام حروب القرن التاسع عشر، خصوصاً الوحدتين الألمانية والإيطالية، لكنه أنهار تحت وطأة المتغيّرات التي راعاها بنفسه. ومع ذلك الانهيار، اندلعت حربان عالميتان مركزهما أوروبا التي ابتكرت “نظام وستفاليا”، بل عملت على نشره عالميّاً.

أعقب ذلك نظام “اتفاقيّة يالطا” (1945) التي أعطت إسمها للنظام الدولي في الحرب الباردة، بسمات تشمل الاحتفاظ بالنظام الوستفالي عبر التسليم بسيادة الدول وربطها بالمشروعيّة الداخلية؛ ولكن مع إضافة الصراع على المشروعية الداخلية الذي صار مرتبطاً مع صراع مرير على نمطين للدول تصارعا عبر الكرة الأرضيّة، بمعنى أنّ الصراعات الداخلية كانت مندغمة مع الصراع على النفوذ وتقاسمه دوليّاً (حرب فيتنام مثلاً واضحاً على انتقال الصراع على المشروعية الداخلية إلى حرب اقليمية واسعة بين القوتين الأساسيّتين للحرب الباردة)؛ إضافة إلى كون الردع الذري سقفاً للردع الاستراتيجي في “الحرب الباردة”.

في الأحادية القطبيّة، رفعت مسألة المشروعيّة الداخلية إلى درجة قصوى، واستخدمت في “تبرير” إعادة دولة مستقلة كالعراق إلى الاحتلال المباشر. وبالتدريج، برزت القوى اللادولتيّة على يد الدول (حرب أفغانستان ضد السوفيات، أبرزت “القاعدة”)، ثم صارت لاعباً فريداً على مسرح تاريخ النظام العالمي. في مرحلة الأحادية القطبيّة، حمل ذلك إسم “الحرب على الإرهاب”، لكنها لم تنجح. هل يستطيع النظام الدولي المتشابك أن يصل إلى خاتمة اللعبة مع القوى اللادولتيّة (“داعش” نموذجاً، رغم طموحه “الدولتي”)، خصوصاً مع مقاربة متنوّعة تتضمن توسيع “الشبكة” عبر انخراط قوى اقليميّة (تركيا، السعودية، إيران…)، ومراعاة المشروعية الداخلية المنظورة منذ “نظام وستفاليا”، على غرار سقوط المالكي ومحاولة إدماج السنة العرب في الحرب على “داعش”، وكذلك “ضبط” المتغيّر الكردي ضمن خريطة دولتيّة ما في الشرق الأوسط؟ الأرجح أن ثمة كلاماً كثيراً آخر.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى