صفحات مميزة

اتفاق مناطق خفض التصعيد –مقالات محتارة-

 

 

 

المعارضة السورية أمام معركة مصيرها/ برهان غليون

مع غياب كامل للسوريين، في النظام والمعارضة، تم التوقيع في أستانة يوم 4 مايو/ أيار الجاري، على اتفاق خفض العنف الذي يشمل أربع مناطق، تضم أجزاء من محافظة إدلب واللاذقية وحماة وحلب وحمص ودرعا والقنيطرة. وهي المناطق التي تشكّل خطوط الجبهة الرئيسية المتبقية بين قوى المعارضة ومليشيات النظام السوري المتعدّدة الجنسيات. يهدف الاتفاق الذي تعتبره الدول الثلاث الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، “إجراءً مؤقتاً مدته ستة أشهر” قابلة للتمديد بموافقة الضامنين، إلى وقف أعمال العنف بين الأطراف المتنازعة، ووقف استخدام أي نوعٍ من السلاح، بما في ذلك طائرات التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية والطبية، وتأهيل البنية التحتية، وتأمين الشروط المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين الراغبين في العودة. ومن المفترض، حسب الاتفاق، أن تشكل الدول الضامنة قوات خاصة لإقامة الحواجز ومراكز المراقبة وإدارة المناطق الأمنية.

وباستثناء تعبير الخارجية الأميركية عن شكّها في إمكانية نجاح هذا الاتفاق الذي يجعل من طهران، حسب تعبيرها، ضامنة له، وهي أحد المسؤولين الرئيسيين عن استخدام العنف، كما يتجاهل سجل النظام السوري السيئ في تنفيذ الاتفاقات السابقة، لم تظهر ردود فعل ذات مغزى، لا عن الدول العربية الداعمة للمعارضة، ولا عن تجمع أصدقاء الشعب السوري، ولا ممثلي الأمم المتحدة.

لا ينبغي أن يكون لدى أي إنسان وهمٌ حول مغزى الاتفاق الذي وقعته الدول الثلاث التي أعلنت نفسها بشكل ذاتي، صاحبة المبادرة في إيجاد حل للنزاع السوري. وفي ما وراء ذلك، تأكيد وصايتها غير الشرعية على سورية، ورسم مستقبلها بغياب جميع الأطراف السورية

“يندرج اتفاق أستانا في سياق خسارة المعسكر الإقليمي والدولي المناصر للمعارضة تفوقه” والدولية. وليس هناك من يعتقد بين الأطراف، الدولية والسورية جميعا، أن الهدف من هذا الاتفاق كان بالفعل تخفيف مستوى العنف، أو توفير المزيد من المذابح والأرواح البشرية، أو أنه جاء من وحي أي حافز أخلاقي أو إنساني، كما أن من المؤكد تقريبا أنه لن يكون في تطبيقه أفضل من الاتفاقات التي سبقته، وأنه سيستخدم، كما استخدم غيره، من أجل قضم مزيد من المواقع لقوات المعارضة، وتضييق الخناق عليها، بذريعة ضرورات فصلها عن الفصائل “الجهادية” والمتطرّفة، وأنه سوف يعمّق الشرخ القائم في ما بين أطرافها، وإنه لن يُحترم، في النهاية، إلا من جانبٍ واحد، وسيكون بالضرورة اتفاق الزوج المخدوع. فبصرف النظر عن الديباجة التبريرية، يندرج هذا الاتفاق في سياقٍ واضح، لا يزال يترسخ منذ أكثر من ثلاث سنوات، هو سياق تراجع المعارضة وانكفائها على خط الدفاع الذي لا تزال تقف عليه منذ عدة سنوات، وتنتقل فيه من مواقع متقدّمة إلى مواقع أكثر تراجعاً، على المستويين السياسي والعسكري. كما يندرج في سياق خسارة المعسكر الإقليمي والدولي المناصر للمعارضة تفوقه لصالح صعود المحور الروسي الإيراني الذي جعل من الممكن أن تدخل إيران في فريق الدول الراعية للاتفاق، ومن ورائه للحل، وهي الطرف الأكثر انخراطاً في الحرب ضد الثورة والمعارضة، وأن تتحول إلى ضامن لوقف النار والسلام، في وقتٍ تشكل مليشياتها القوة البرية الأولى في حماية معسكر النظام، بينما تبدو الدول العربية وجامعتها كما لو أنها قبلت بتهميشها تماماً، بما في ذلك الدول التي وقفت سنواتٍ طويلة إلى جانب المعارضة.

لكن في ما وراء ذلك، وأهم منه، أن هذا الاتفاق، الذي لا يختلف في جوهره وأهدافه عن الاتفاقات والمصالحات والهدن المحلية التي اعتمدها النظام خطة طويلة المدى لتفتيت المعارضة واحتوائها، جزء من الاستراتيجية الروسية العسكرية والسياسية التي سعت، بجميع الوسائل، وأهمها الطيران الحربي، إلى تغيير خريطة الصراع على الأرض، من خلال العمل على ضرب تواصل قوى المعارضة، وعزلها في مواقع ثابتة، وإنهاء الحقبة التي سيطر عليها الصراع الشامل، بين الثورة والمعارضة من جهة والنظام من جهة ثانية، ومن ثم إلى تحويل الثورة إلى بؤر تمرّد مغلقة، ومحاصرتها سياسيا، بعد أن تمت محاصرتها عسكريا، ومن وراء ذلك استعادة المبادرة وإعطاء التفوق والأسبقية لمليشيات النظام من جديد، بصرف النظر عن تناقضاته وخراب أركانه، وتهافت مرتكزاته وشرعيته.

أخطر ما جاء به هذا الاتفاق أنه أوحى للعالم، وللمجتمع الدولي، أننا لم نعد أمام قضية ثورة ضد نظام جائر ودموي، ولا حتى في مواجهة حرب أهلية شرسة، وإنما أمام دول ثلاث منخرطة في الصراع، تنسّق في ما بينها من أجل تمكين السلطة المركزية للدولة من استعادة سيطرتها على حركة (أو حركات) المعارضة والتمرّد التي وقفت في وجهها وقاومتها سنوات طويلة. وكذلك، أن طهران لم تعد أحد المسؤولين الرئيسيين عن تمويل الحرب، وتمديد أجل النزاع، وإنما جزءٌ من الحل، وأن الأمر قد تحوّل، منذ الآن، من أزمة سياسية مستعصية إلى مسألةٍ تقنية، تتعلق بمراقبة وقف إطلاق النار، وتأمين فرق المراقبة الدولية المؤهلة للقيام بذلك. وبالفعل، بدأت تعليقات صحافية كثيرة تشير إلى هذا الاتفاق كما لو كان يمثل بداية الحل. وهذا ما يتماشى مع الخطة الروسية التي تريد أن تستفرد بالحل، وتفرض الصيغة التي تنسجم بشكل أكبر مع مصالحها ورهاناتها. هكذا ضعف وسيضعف أكثر شعور المجتمع الدولي بالحاجة العاجلة للبحث عن حلٍّ يرضي تطلعات السوريين الذين ثاروا على نظام الأسد الدموي، ولن يتساءل أحدٌ، بعد الآن، عما إذا كان هذا الاتفاق يقود نحو تسويةٍ سياسيةٍ فعليةٍ تتفق ومضمون قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وإنما عما إذا كان من الممكن إنجاح الاتفاق ووقف إطلاق النار فحسب.

لم تخطئ فصائل المعارضة السورية، إذن، في رفضها التوقيع على الاتفاق إلى جانب الدول

“لم تخطئ فصائل المعارضة السورية، إذن، في رفضها التوقيع على الاتفاق إلى جانب الدول الثلاث، احتجاجا على إدخال طهران طرفا ضامنا للحل السياسي والسلام” الثلاث، احتجاجا على إدخال طهران طرفا ضامنا للحل السياسي والسلام، في حين أنها كانت، ولا تزال، المسؤول الأول عن قرار تمديد أجل الحرب، وخوضها حتى النهاية، والتي لا يخفي مسؤولوها حجم المجهود الحربي الهائل الذي قدّموه في قتال الشعب السوري، والسعي إلى القضاء على ثورته بأي ثمن، سواء على شكل قواتٍ برية مليشياوية، أو مساعدات مالية وسياسية ولوجستية. كما لم تخطئ الهيئة العليا للمفاوضات التي ذهبت إلى أبعد من ذلك، في إدانة الاتفاق، واعتبرته مقدمةً لتقسيم سورية.

يعكس هذا الرفض خوف أطراف المعارضة السورية من نتائج هذه الاتفاق، العسكرية والسياسية، وفي مقدمها تكريس الدول الثلاث راعيةً للحل السياسي في سورية، ومصادرة إرادة الشعب السوري في تقرير مستقبله، كما يعكس قلق السوريين والمعارضة من تطبيع دور إيران في سورية الحاضرة والجديدة، لكنه لا يمكن أن يشكل ردّا على الاتفاق الذي ستضطر الفصائل إلى احترام بنوده، وتطبيقه، مهما كان الأمر، خصوصاً أن تركيا التي “تمثل” الفصائل في هذا الاتفاق، وفي المفاوضات التي تجري في أستانة، هي شريك رئيسي في إعداده وأحد ضامنيه .

يحتاج وقف التدهور المتواصل في الموقف العسكري والسياسي لفصائل المعارضة ردّاً من نوع آخر، أي رداً استراتيجياً، لا يكتفي بردود الأفعال التي درجت على اتباعها في السنوات الطويلة الماضية، وكانت نتائجها ما وصل بها الحال اليوم من تراجعٍ مستمر وتفرّق وخصام. وهذا يعني، في الوضع الراهن، بناء استراتيجية مستقلة وفعالة للمقاومة من المعارضة والفصائل، تختلف عن التي اتبعتها في السنوات الماضية، والتي قامت على ردود الفعل والتسليم للأصدقاء والحلفاء والذهاب فصائل مشتتة إلى المفاوضات، وانتهت بها إلى طريق مسدود. وقد كانت من دون نقاش نموذجا لاستراتيجية الفشل التي لم يكفّ الرأي العام السوري، الثوري والمعارض، عن التنديد بها منذ سنوات، من دون أن يحصل على أي رد إيجابي من فصائل عسكرية، تدّعي التضحية من أجل الثورة وأهدافها، بينما ترفض أي مبادرةٍ لبناء جسم وطني عسكري واحد وقيادة موحدة مشتركة، عسكرية وسياسية، تعكس إرادة السوريين في التحرّر والمقاومة ورفض تأهيل النظام، وتعزّز موقفها الإقليمي والدولي بتأييدهم وثقتهم، فالشرط الأول لمنع الآخرين، من الدول والمؤسسات والتكتلات، من مصادرة قرار السوريين، والتفاوض عنهم والحلول محلهم، وقطع الطريق على تقسيم سورية، أو استخدام الاتفاقات الفنية، مثل اتفاق خفض العنف، أو إقامة المناطق الأمنية، والفصل بين الفصائل والجبهات، ذريعة للتمهيد لهذا التقسيم، هو توحيد قوى المعارضة والثورة السورية، وتحقيق وحدة قيادتها. كل ما دون ذلك من احتجاجات وإدانات وشكاوى يدخل في باب التعبير عن المشاعر والسخط، لكنه لا يشكل استراتيجيةً للمقاومة، وتأكيد التمسك بالقرار الوطني، ولا يغيّر كثيرا في المنحى التراجعي الذي يميّز مسيرة المعارضة اليوم. مع العلم أن هذا الاتفاق يشكل آخر امتحانٍ للمعارضة، وهو الذي سيقرّر مصيرها.

العربي الجديد

 

 

 

لماذا تفرض موسكو حظرا على نفسها؟/ مروان قبلان

حفلت الأزمة السورية، على امتداد السنوات الست ونيف من عمرها، بمفارقات عديدة، وتناقضات شديدة، بلغ بعضها حد الغرابة، وإن كانت مفهومةً تمامًا بلغة المصالح، من ذلك مثلاً أن دولاً “محافظة” دعمت الثورة في سورية، وأنظمة “ثورية” وقفت في وجهها، لا بل سعت إلى وأدها. ومن ذلك تغير مواقف بعض الدول والأحزاب وانقلاب أدوار بعضها الآخر بصورة حادّة، بحيث غدا بعض الحلفاء خصوماً، وأصبح بعض الخصوم حلفاء، ووقف بعض اليسار الثوري في وجه الثورة، ورفع بعض اليمين المحافظ السلاح دفاعاً عنها، هذا من بين أمثلةٍ كثيرة يمكن ذكرها.

المفارقة التي شهدنا بعض فصولها أخيرا، في سلسلة مفارقات الأزمة السورية، تمثلت باتفاق أستانة، الذي توصلت إليه الدول الراعية للحرب في سورية لإنشاء مناطق تهدئة أو خفض للتصعيد (De-escalation Zones). أصل الاتفاق مبادرةٌ روسية، تلقفتها تركيا خلال اجتماع القمة، أخيرا، بين الرئيسين بوتين وأردوغان في منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود، ومثلت محاولةً جديدة لاستعادة زمام المبادرة على الأرض، وفي السياسة، بعد فشل الاتفاق الروسي-التركي لوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أنقرة أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

واقع الأمر أن المبادرة الروسية جاءت إشكالية وغير مفهومة، لجهة دوافعها، وانقلاب موقف الكرملين فيها، فمن جهةٍ طرحت روسيا فكرةً تركية ظلت تقاومها منذ بداية الأزمة، وهي إقامة مناطق آمنة (Safe Zones)، دع جانباً مسألة إنشاء مناطق لحظر الطيران (No Fly Zones) أرادتها أنقرة لتأمين إقامة اللاجئين داخل الأراضي السورية، وحماية جيوب المعارضة من القصف الجوي الذي نكّل بالمدنيين والثوار. لا بل استخدمت روسيا، وبشكل متعمد، القصف الجوي استراتيجيةً لاقتلاع أكبر عدد ممكن من المدنيين من أراضيهم ودفعهم في موجات هجرة ولجوء كبيرة باتجاه أوروبا، بهدف تفكيك الاتحاد الأوروبي، ومعاقبة الأوروبيين، خصوصا الألمان، على مواقفهم من الأزمة الأوكرانية، فكيف تطرح روسيا الآن مبادرة حظر الطيران إذاً؟

وتغدو المفارقة أكبر، إذا لاحظنا أن الطيران الروسي هو الطيران الوحيد (إلى جانب طيران النظام) الذي يحلق ويقصف في المناطق الأربع التي تمت الإشارة إليها في اتفاق أستانة، وكأن روسيا تفرض حظرًا على نفسها، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة لجهة التفسير، إذ كان في وسع روسيا، ببساطة، أن توقف طيرانها عن القصف في هذه المناطق، من دون الحاجة إلى إعلان حظر طيران. فلماذا تفعل ذلك؟

يبدو صعباً فهم المبادرة الروسية خارج سياق العودة الأميركية القوية إلى الساحة السورية، فمبادرة تخفيض التصعيد جاءت بعد استهداف قاعدة الشعيرات، ما عزّز مخاوف روسيا من احتمال حصول تغيرٍ في المقاربة الأميركية تجاه الصراع في سورية، في ضوء توجه إدارة ترامب المعلن نحو “قصقصة” النفوذ الإيراني في المنطقة، ابتداء من سورية. وقد بدا واضحاً، منذ اللحظة الأولى لإعلانه، مدى اهتمام روسيا بالحصول على التزامٍ من واشنطن بدعم اتفاق أستانة والعمل به. إذ صرح المبعوث الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتيف، بأن بلاده تتوقع من الولايات المتحدة احترام مناطق الحظر في الاتفاق، وهذا ما دفع الروس أيضاً إلى الذهاب إلى مجلس الأمن لاستصدار قرارٍ يرحب باتفاق أستانة، ما يعني أن المبادرة لم تكن سوى محاولةٍ لتثبيت الوقائع التي حققتها روسيا على الأرض خلال العامين الماضيين، ومنع أي تغيير جذريٍّ عليها، من خلال تقييد حركة واشنطن في الأجواء السورية، وهو أمرٌ ما كان ليمرّ على البنتاغون الذي رفض صراحةً الالتزام بمناطق الحظر الروسية.

يبقى سؤالٌ مهم، متصلٌ بموقف إسرائيل من الاتفاق، وما إذا كانت ستلتزم به في ضوء التفاهم الذي أبرمه نتنياهو مع بوتين، خلال زيارته الأولى إلى موسكو بعد التدخل الروسي في سورية في سبتمبر/ أيلول 2015، وسمح لإسرائيل بحرية الحركة في الأجواء السورية، بناء على مقتضيات مصلحتها الأمنية. فهل يقبل نتنياهو تقييد حركة الطيران الإسرائيلي في سوريةـ من دون أن يكون جزءاً من اتفاق أستانة؟ هذا السؤال برسم الروس والإيرانيين وكل “محور المقاومة” الملحق بهما للإجابة عليه.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

اتفاق أستانة الثلاثي.. خلفياته وفرص نجاحه

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

توصلت الدول الراعية لمحادثات أستانة (روسيا وتركيا وإيران) في الرابع من أيار/ مايو الجاري في العاصمة الكازاخية إلى اتفاقٍ ينصّ على خفض التصعيد في أربع مناطق رئيسة في سورية، تشمل المناطق التي تشهد مواجهاتٍ بين النظام السوري وحلفائه من جهة، وفصائل المعارضة المسلحة من جهة أخرى، في أجزاء من ثماني محافظات على امتداد الشريط الغربي من البلاد، الممتد من حلب شمالًا إلى درعا في الجنوب. ويهدف الاتفاق، كما جاء في نصه، إلى وضع نهايةٍ للعنف في هذه المناطق، وإدخال المساعدات إليها من دون عوائق، وخلق ظروفٍ مواتيةٍ لتحقيق تقدّم باتجاه حل الأزمة سياسيًا، وليبدأ سريان الاتفاق، اعتبارًا من منتصف ليل السادس من أيار/ مايو ستة أشهر قابلة للتجديد بموافقة الدول الضامنة. وكان الاتفاق قد ظهر، بملامحه الأولى، عشية القمة التي جمعت الرئيسين، التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في منتجع سوتشي على البحر الأسود، قبل يوم من انطلاق محادثات “أستانة 4″، إذ طرح بوتين مبادرةً، قال إنها تهدف إلى تخفيف حدة القتال في سورية، ووافق عليها أردوغان، قبل أن تُطرح على الأطراف المشاركة في محادثات أستانة لاعتمادها. فما هي حظوظ نجاح هذا الاتفاق؟ وما الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه؟

أبرز بنود الاتفاق

نص الاتفاق الذي توصلت إليه الدول الراعية الثلاث لمحادثات أستانة على عددٍ من البنود، أهمها:

  1. إنشاء أربع مناطق للتهدئة أو خفض التصعيد، وتشمل: كامل محافظة إدلب، وأجزاء من محافظات اللاذقية وحماة وحلب. أجزاء من ريف محافظة حمص الشمالي. الغوطة الشرقية. أجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة.
  2. يتم وقف استخدام كل أنواع الأسلحة، بما فيها سلاح الطيران، ضمن مناطق خفض التصعيد، وتأمين دخول آمن وسريع للمساعدات الإنسانية، ومن دون عوائق، إلى هذه المناطق، وتوفير ظروف مناسبة لعودة آمنة وطوعية للاجئين والنازحين.
  3. إنشاء مناطق آمنة ضمن مناطق خفض التصعيد لمنع نشوب أية حوادث ومواجهات عسكرية بين الأطراف المتنازعة.
  4. تشمل المناطق الآمنة إنشاء نقاط تفتيشٍ لضمان التنقل للمدنيين غير المسلحين من دون

“جاء اتفاق أستانة بعد أن فشلت الجهود التركية – الروسية السابقة في إدامة وقف إطلاق النار” عوائق، وإيصال المساعدات الإنسانية، وتسهيل الأنشطة الاقتصادية، وإنشاء نقاط مراقبة لضمان الالتزام ببنود اتفاق وقف إطلاق النار. ويتم تحديد مهمات وعمليات نقاط التفتيش ونقاط المراقبة وإدارة المناطق الآمنة من طرف قوات الدول الضامنة، وفق الاتفاق بينها. ويمكن مشاركة طرف إضافيٍّ عند الضرورة بموافقة الضامنين.

  1. يتخذ الضامنون الإجراءات اللازمة لمتابعة القتال ضد “داعش”، وجبهة النصرة، وجميع الأفراد والمجموعات والكيانات الأخرى المرتبطة بالقاعدة أو “داعش”، كما حدّدها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضمن مناطق وقف التصعيد وخارجها.
  2. يؤلف الضامنون، خلال أسبوعين من توقيع الاتفاق، مجموعة عملٍ مشتركة لخفض التصعيد، مكونة من ممثلين مفوضين لترسيم حدود مناطق خفض التصعيد والمناطق الآمنة، وتسوية المشكلات العملية والفنية المتعلقة بتنفيذ الاتفاق.
  3. تتخذ الدول الضامنة الخطوات اللازمة، بحيث تنجز خرائط مناطق خفض التصعيد والمناطق الآمنة وخطوط فصل مجموعات المعارضة المسلحة عن المجموعات الإرهابية المذكورة في الفقرة رقم 5 من الاتفاق، حتى يوم 4 حزيران/ يونيو 2017.

سياق الاتفاق

جاء اتفاق أستانة بعد أن فشلت الجهود التركية – الروسية السابقة في إدامة وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه روسيا وفصائل من المعارضة السورية المسلحة، بوساطة تركية في أنقرة، يوم 29 كانون الأول/ ديسمبر 2016. وسعت موسكو، من خلال هذا الاتفاق، إلى إطلاق مسار سياسي في أستانة، يهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار في 24 كانون الثاني/ يناير 2017 خطوةً على طريق فرض رؤيتها للحل في سورية. لكن الخروق الكبيرة لقوات النظام وحلفائه من المليشيات المدعومة إيرانيًا، وخصوصًا في محيط مدينة دمشق (تحديدا في وادي بردى والغوطة الشرقية)، أدت إلى تداعي الاتفاق، وصولًا إلى انهياره بصورة كاملة تقريبًا، فقد عادت المشاركة الروسية القوية إلى جانب النظام، لصد هجوم كبير قادته قوات المعارضة على أطراف دمشق الشرقية، وفي ريف حماة الشمالي، منتصف آذار/ مارس الماضي، ردًا على استخدام النظام وحلفائه اتفاق وقف إطلاق النار غطاءً للاستمرار في عملية حسم الصراع عسكريًا.

وفي الرابع من نيسان/ أبريل الماضي، وردًا على الهجوم الكبير الذي نفّذته المعارضة في

“عادت إدارة الرئيس ترامب، فور تسلمها السلطة، إلى طرح فكرة إقامة مناطق آمنة في سورية” أرياف حماة الشمالية، استهدفت قوات النظام بلدة خان شيخون التي تسيطر عليها المعارضة في ريف إدلب الجنوبي بالسلاح الكيماوي؛ ما أدى إلى مقتل عشراتٍ من المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء، وإصابة نحو 400 شخص ممن وجدوا في مجال الهواء الملوّث بالغاز السام. وخلافًا لموقف إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، المتردّد في قضية معاقبة النظام السوري على استهدافه غوطتي دمشق بالسلاح الكيماوي (آب/ أغسطس 2013)، سارعت إدارة الرئيس دونالد ترامب، ولأول مرة منذ اندلاع الأزمة في سورية، إلى استهداف قاعدة الشعيرات الجوية في ريف حمص التي انطلقت منها الغارة على خان شيخون، وذلك بصواريخ من طراز “توماهوك” رد فعل عقابي على انتهاك النظام السوري قرار مجلس الأمن رقم 2118. ومع أن الرد الأميركي جاء زجْريًا محدود النطاق، أثارت هذه الخطوة مخاوف روسيا من تغيّرٍ في السياسة الأميركية تجاه الأزمة السورية، أو عودة الانخراط الأميركي بقوة في الأزمة السورية، على الأقل، بعد أن نأت واشنطن بنفسها عنها طوال عهد الإدارة السابقة، تاركة لروسيا مطلق الحرية في تحديد مسارات الصراع السوري ميدانيًا وسياسيًا.

عادت إدارة الرئيس ترامب، فور تسلمها السلطة، إلى طرح فكرة إقامة مناطق آمنة في سورية، من منطلق أنّ ذلك يمثّل حلًا لقضية اللاجئين، وهو أمرٌ كانت ترفضه إدارة أوباما باستمرار، بحجة أنه قد يجرّ الولايات المتحدة إلى التدخل عسكريًا ضد النظام. وقد طلب ترامب من وزارتي الدفاع والخارجية وضع خطةٍ لإنشاء مناطق آمنة داخل سورية في غضون 90 يومًا. ولم يُخفِ الروس استياءهم من هذا الطرح الذي جاء بمنزلة تشويشٍ على جهدهم، فقد ظهروا في أستانة مستفردين بوضع أُسس الحل السوري، بمساعدة تركيا التي تولّت الضغط على المعارضة لحضور المحادثات. ويبدو أن روسيا، بطرحها مبادرة إقامة مناطق خفض التصعيد، تحاول قطع الطريق على أي تحرّكٍ من إدارة ترامب لإقامة مثل هذه المناطق، أو أخذ الحل بعيدًا عن رؤيتها له، بعد أن اعتادت على اعتباره حقًا حصريًا.

الأهداف الروسية من الاتفاق

ثمة هدفان رئيسان تسعى روسيا إلى تحقيقهما من اتفاق مناطق خفض التصعيد، هما:

  1. إعطاء الانطباع بوجود عمليةٍ سياسيةٍ جاريةٍ تقودها موسكو؛ بهدف إجهاض أي محاولة لفكّ قبضتها على الملف السوري سياسيًا وميدانيًا، من جهة، بينما يستمر تحالف النظام وإيران وروسيا في محاولة ضرب المعارضة على الأرض من جهة أخرى، وخصوصا أن الاتفاق يدعو، في الفقرة الخامسة منه، إلى الاستمرار في مواجهة تنظيمي “داعش” وجبهة النصرة في مناطق خفض التصعيد، والتي طالما اتخذتها روسيا وحلفاؤها ذريعةً لاستمرار استهداف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، حتى إخراجها منها، كما حصل في وادي بردى واتفاق المدن الأربع، وكما يحصل حاليًا في منطقتي برزة والقابون من ضواحي دمشق. لقد استُخدمت الاتفاقيات الثلاثية التي لم تُشرك فيها أطراف الصراع السورية التي حضرت أستانة في عزل مناطق للمعارضة وتصفيتها حتى التوصل إلى اتفاقٍ آخر تُعزل فيه مناطق أخرى.
  2. قطع الطريق على أي تغيير في السياسة الأميركية نحو الأزمة السورية، وخصوصا بعد أن أبدت واشنطن استعدادها لاستخدام القوة ضد النظام السوري، بعد استهدافه خان شيخون بالسلاح الكيماوي، بدليل أن موسكو سعت إلى إلزام واشنطن بالاتفاق، فقد دعا المبعوث الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتيف، الولايات المتحدة إلى دعم الاتفاق، والالتزام بعدم التحليق فوق مناطق خفض التصعيد. وقد اكتمل المسعى الروسي بالتوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرارٍ يدعم الاتفاق بهذا المعنى، وذلك لتكريس شرعيته دوليًا، وتكريس مسار أستانة بين روسيا وتركيا وسورية.

ردات الفعل

بينما رحّب بشار الجعفري، رئيس وفد النظام السوري في اجتماع “أستانة 4″، بالاتفاق،

“تحاول روسيا قطع الطريق على أي تحرّكٍ من إدارة ترامب لإقامة المناطق الآمنة وأخذ الحل بعيدا عن رؤيتها” معتبرًا أنه يساعد على فتح الباب للحل السياسي للأزمة السورية، رفض وزير الخارجية، وليد المعلم، أي دور للأمم المتحدة في مراقبة مناطق خفض التصعيد؛ فقد قال في مؤتمر صحافي في دمشق “لا نقبل بدور للأمم المتحدة، ولا لقواتٍ دوليةٍ في مراقبة حسن تنفيذ المذكرة… الضامن الروسي أوضح أنه سيكون هناك نشر لقوات شرطة عسكرية ومراكز مراقبة في هذه المناطق” من الدول الضامنة. أما المعارضة فقد انقسمت حول تقييم الاتفاق؛ ففي حين انسحب جزءٌ من وفدها في محادثات أستانة من الاجتماع الختامي، احتجاجًا على اعتبار إيران ضامنًا للاتفاق، بينما تعد خصمًا للشعب السوري، وتشرف على عملية قتل السوريين واقتلاعهم وتهجيرهم، اعتبر يحيى العريضي، المتحدّث باسم وفد المعارضة إلى أستانة، أن مسألة مناطق خفض التصعيد تساهم في منع عمليات القصف بالطيران والبراميل المتفجّرة على رؤوس المدنيين، كما أكد أن من شأن الاتفاق على هذه المناطق أن يمهّد إلى الحل السياسي الشامل، والذي يتضمّن عملية انتقالٍ للسلطة، رافضًا الاتهامات التي اعتبرت أن الاتفاق يساعد على تثبيت النظام السوري. وأبدى جزءٌ ثالث من المعارضة تخوفًا من أن يكون الاتفاق مقدمة لتقسيم البلاد.

أما المواقف الدولية، فقد كان تركيز موسكو على الموقف الأميركي الذي لم يحدّد حتى الآن، ففي حين أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها من الدور الإيراني في الاتفاق، قالت وزارة الدفاع الأميركية إنها تدرس بعناية المقترح الروسي إلى إنشاء مناطق لخفض التصعيد، لتقدير ما إن كان تطبيقه ممكنًا، علمًا أن وزارة الدفاع (البنتاغون) كانت قد رفض أن يحدّ الاتفاق من حرية حركة سلاح الجو الأميركي فوق سورية.

خاتمة

مع أن روسيا تأمل من هذا الاتفاق أن تستمر في قيادة الجهود السياسية في سورية، فإنها قد تكون معنيةً هذه المرة باحترامه، تجنبًا لتدهورٍ قد يؤدي إلى تدخلٍ أميركي جديد. ومع ذلك، لا تبدو فرص نجاح التهدئة أفضل مما كانت عليه سابقًا؛ فكل العوامل التي أدّت إلى فشل الاتفاقات السابقة، لا تزال قائمة؛ إذ ما زال جزءٌ من معسكر حلفاء النظام يؤمن بإمكانية الانتصار عسكريًا، ويتخذ من الاتفاقات المتكرّرة غطاءً لتحقيق هذا الهدف، عبر قضم مناطق أكثر، وتفريغها من سكانها وتجميع المعارضين في إدلب، أملًا بتصفيتهم في مرحلةٍ لاحقة. ويزداد أمل النظام وحلفائه في تحقيق انتصارٍ، لأنّ مثل هذه الاتفاقات غالبًا ما أدت إلى مزيدٍ من الصراعات والانقسامات داخل صفوف المعارضة المسلحة. أخيرًا، يبقى الموقف الأميركي الأكثر أهميةً في تقرير مصير الاتفاق ومساره، خصوصًا في ضوء عودة الولايات المتحدة إلى الساحة السورية، ورغبتها المعلنة في احتواء التمدّد الإيراني في المنطقة، انطلاقًا من سورية.

العربي الجديد

 

 

 

 

هل ثمّة مقاربة روسية جديدة في سورية؟/ حمزة المصطفى

بعد إخفاقات متكرّرة واجهت مسار أستانة التفاوضي، منذ سيطرة النظام السوري على مدينة حلب أواخر العام الماضي، توصلت الدولتان الراعيتان لهذا المسار (تركيا وروسيا)، بالاشتراك مع إيران، إلى اتفاق آخر تحت مسمّى جديد “تخفيف التصعيد”، يقضي بإنشاء “مناطق آمنة” محدودة النطاق، تشمل مساحات الاشتباك اليومي بين النظام والمعارضة المسلحة في عدد من المحافظات السورية. وإذا ما تجاوزنا مسار الاتفاق ومصيره المستقبلي، فإن الأخير حمل في طيات بنوده لغةً خطابيّةً غير مألوفة روسيًا أو إيرانيًا.

دأب الخطاب الرسمي التركيّ، منذ تدفق أولى موجات اللاجئين السوريين إلى تركيا أواخر عام 2011، على المطالبة بإقامة منطقةٍ آمنة على الحدود السوريّة التركيّة، من دون أن يجد آذانا صاغية لدى إدارة باراك أوباما التي نأت بنفسها، آنذاك، عن الانخراط العسكري المباشر في سورية، بغض النظر عن أشكاله ومسمياته. أكثر منذ ذلك، تحولت سوريّة إلى “منطقة آمنة” لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، بعد اعتماد الغرب فرعه السوريّ “حزب الاتحاد الديمقراطيّ” شريكًا رئيسيًا في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، قبل أن تتخلى الحكومة التركية عن مقاربتها القديمة تجاه الأزمة السوريّة لصالح خياراتٍ عسكريةٍ ودبلوماسية “أكثر تدخلية”.

من هنا، لم يقتحم مصطلح “المنطقة الآمنة” الخطاب الرسمي الأميركي، إلا بعد أفول عهد أوباما، خصوصا بعد فشل الأخير في تطبيق اتفاق “وقف الأعمال العدائية” في سورية، بسبب تحفظ وزارة الدفاع (البنتاغون) على بند التنسيق العسكريّ، وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع روسيا. ومع أن مصطلح (وخيار) “المناطق الآمنة” تردّد في الحملات الانتخابية لكل من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، فإنه ظل غامضًا في ماهيته وكيفية تطبيقه وأهدافه. وبينما

“ساهمت الضربة العسكرية الأميركية “التأديبية” للنظام السوريّ في “تأديب” حلفائه أيضًا، ودفعتهم إلى مراجعة خياراتهم، أو مراجعة أدواتهم في تحقيق هذه الخيارات” نظرت هيلاري كلينتون إلى هذا الخيار باعتباره أداة ضغط محتملة على النظام السوري، بغرض دفعه إلى “تغيير حساباته” وقبول الحل السياسيّ، رأى فيه ترامب وصفةً سحريّة ذات أهدافٍ وظيفيةٍ محدودة، تتجلى في إيقاف تدفق اللاجئين السوريين إلى الخارج، وخصوصاً الولايات المتحدة.

في ضوء ذلك، استقبلت روسيا وصول ترامب إلى البيت الأبيض بارتياحٍ كبير، وأضحت بداية عهده اللاعب الوحيد والقادر على توجيه الصراع السوري نحو مخرجاتٍ تتوافق مع رؤيتها القائمة على الحفاظ على بنى النظام القائم وشخصياته، مع تجميله دستوريًا وانتخابيًا وإجبار المعارضة على الانخراط فيه، أو مواجهة خيار “الإبادة” الشاملة. ويمكن، ضمن هذا السياق، فهم اندفاع النظام السوري، بإيعازٍ روسيٍّ، إلى استخدام السلاح الكيماوي على نطاق واسع مجددًا في خان شيخون مطلع إبريل/ نيسان الماضي، من دون أن يعبأ بالمخاطر المحتملة عليه، فالهجوم الكيماوي كان سيوفر فرصًا كبيرة لجهة زرع خوف مستطيرٍ داخل المجتمعات المحليّة في إدلب، بما يدفعها إلى الانقلاب، أو نبذ الفصائل المسلحة في استنساخٍ لتجربته الوحشية “الناجحة” في حلب، لكن النظام السوري وموسكو اللذين نظرا إلى تصريحاتٍ سابقةٍ لترامب عن عدم جدوى مطالبة الأسد بالرحيل بأنها إطلاق يد كامل في سورية أخطآ الحسابات والتقدير هذه المرّة. وبخلاف أوباما، لم ينتظر ترامب موافقة الكونغرس، ولم يسع إلى صفقات مع روسيا، حتى أقدم على رد عسكريّ محدود، استهدف قاعدة الشعيرات الجوية في ريف حمص.

وقد ساهمت الضربة العسكرية الأميركية “التأديبية” للنظام السوريّ في “تأديب” حلفائه أيضًا، ودفعتهم إلى مراجعة خياراتهم، أو مراجعة أدواتهم في تحقيق هذه الخيارات، ولا سيما بعد اختلاف نبرة الخطاب الأميركي تجاه النظام السوريّ، مع التلويح بمعاقبته، في حال استخدام الكيماوي أو البراميل المتفجرة. وبكلماتٍ أخرى، أدركت روسيا استحالة الاستمرار في مقاربتها العسكرية السابقة، من دون وقوع مجازر كبيرة قد تدفع ترامب، بحكم شخصيته المتقلبة، إلى خياراتٍ أخرى أكثر تدخليةً في سوريّة. كما تنبهت مجددًا إلى “محدودية” قدرتها وقوتها مقارنةً بالولايات المتحدة، وعجزها عن المضي في خطٍّ “صدامي” مع إدارة ترامب في سوريّة، على الأقل في المدى المنظور، ولا سيما أن الضربة التأديبية للنظام كانت نقطة الإجماع الوحيد في الولايات المتحدة على سياسات الرئيس الجديد خلال المائة يوم الأولى من حكمه. ضمن هذا السياق، نهجت روسيا، خلال الشهر الماضي، سلوكًا عسكريًا مختلفًا، حيث خفضت طلعاتها الجويّة “الهجوميّة”، وقلصت من استهدافها المدنيين ومرافقهم. وينطبق الأمر نفسه على النظام السوري تقريبًا، على الرغم من اضطلاعه حاليًا بمهام عسكريّة أكبر. لكن، مع حذرٍ شديدٍ في ما يتعلق بنوعية السلاح المستخدم وعدد الضحايا.

“بانتفاء قدرتها على فرض حل عسكري مستدام، بدأت موسكو تبني مقاربةٍ مختلفةٍ في مسعى إلى الالتقاء مع الولايات المتحدة، والتنسيق معها عسكريًا واستخباراتيًا في سورية”

بانتفاء قدرتها على فرض حل عسكري مستدام، بدأت موسكو تبني مقاربةٍ مختلفةٍ في مسعى إلى الالتقاء مع الولايات المتحدة، والتنسيق معها عسكريًا واستخباراتيًا في سورية، وكذلك تشجيع تركيا على الاستمرار في تبني مسار أستانة، بعد نزوع الأخيرة إلى خفض تمثيلها واهتمامها فيه بعد الضربة الأميركية، واندفاعها إلى خطواتٍ انفراديةٍ جريئةٍ بقصف مناطق نفوذ الاتحاد الديمقراطي شرق نهر الفرات وغربه. وما قد يعطي للمقاربة الروسية أعلاه صفة “الجدّة” هو إشراكها إيران، بشكل صريح وعلني، في رعاية الاتفاق، بما يجعلها مسؤولةً عنه، في تطوّر عن نهجها التفاوضي السابق الذي حاولت موسكو، من خلاله، إيهام القوى الإقليمية والدولية بوجود خلافٍ أو بون شاسع بينها وبين إيران في سورية.

من المحتمل أن يكون اتفاق “تخفيف التصعيد” خطوةً تكتيكيةً روسيةً لاستجلاء حقيقة توجهات الإدارة الأميركية الجديدة تجاه سورية، أو نهجا احتوائيا للانتقادات الدولية والحقوقية المتزايدة لدورها في سوريّة التي وصلت إلى حد اتهامها بالمشاركة أو التنسيق مع النظام في استخدام السلاح الكيماوي، لكن المؤكد هو إدراك روسيا، بعد نحو عامين من تدخلها العسكري المباشر، عجزها عن فرض إرادتها في سورية، ما اضطرّها، في الراهن، إلى البحث عن نقاط التقاء مع الآخرين، وهو ما سوف يدفعها إلى تبني مقاربةٍ جديدة في المستقبل.

العربي الجديد

 

 

 

 

لا بديل في “سوريا الأسد”/ عمر قدور

ما أن أُقرت خطة أستانة في خصوص مناطق “خفض التصعيد” حتى بدأت تتوالى أخبار هجوم قوات النظام على بعضها، ذلك كان متوقعاً بالقياس إلى تجارب سابقة، آخرها كان اتفاق التهدئة الذي رعاه الثلاثي الروسي-التركي-الإيراني. وكما هو معلوم يتفادى الحلف الروسي-الإيراني استخدام تعبير “وقف إطلاق النار” أو “الهدنة” لما يتضمناه قانونياً من وقف تام للهجمات، والإبقاء على استثناء التنظيمات الإرهابية مما يُسمى تهدئة يعني الاحتفاظ بحق مهاجمة الجميع، طالما لم يأتِ الاتفاق ضمن تفاهم حقيقي أوسع على تمكين ما يُسمى المعارضة المعتدلة من السيطرة على مناطقها وإدارتها.

أهم ما سجله اتفاق “خفض التوتر” هذا عودة الدفء إلى الاتصالات الروسية-الأميركية في الشأن السوري، بعد تصريحات أميركية حادة حول مصير عائلة الأسد، وأيضاً تصريحات بدت جدية حول إقامة مناطق آمنة. الأمر الذي استدعى تحركاً روسياً سريعاً لامتصاص الغضب الأميركي، مع المراهنة على كونه انفعالاً آنياً بالنظر إلى طبيعة ترامب الشخصية، والتعويل على تراجعه عن موقفه أسوة بتراجعه عن مواقف أخرى أكثر حساسية للأمن القومي مثل العلاقة مع الصين والمكسيك وكندا.

بحسب ما نقلت وسائل الإعلام، عندما طرح وزير الخارجية الأميركي رحيل عائلة الأسد على لافروف، تساءل الأخير عن البديل، وهو تساؤل واظب المذكور على طرحه منذ سنوات، وفي كل مرة يسرّبُ الإعلام الروسي صمت الطرف الآخر في دلالة العجز على الرد. فحوى هذه التسريبات ألا وجود لبديل عن عائلة الأسد، وأن ثبات الموقف الروسي على القول بأن موسكو لا تدعم شخصاً، بل تدعم من منظورها دولة ومؤسسات، والتمسك بالأسد في الوقت نفسه لا يحمل تناقضاً، لأن موسكو أعلم بغيرها أنها سوريا الأسد حقاً، وأن أي كلام آخر عن الفصل بينهما هو كلام نظري يمكن تفنيده بسهولة.

لقد استُهلك كلام كثير في السنوات الماضية لتفنيد السؤال عن البديل، انطلاقاً من سهولة القول بوجود ملايين السوريين أقل إجراماً ووحشية وفساداً من النظام الحالي، وبينهم من هو مؤهل لتولي المناصب بجدارة تفوق على نحو مؤكد مَن لم يكن له أية جدارة باستثناء وراثته السلطة. قيل كلام كثير عن تسبب المعارضة في نفور المجتمع الدولي من الثورة، وقيل كلام آخر عن اتخاذ قصة البديل ذريعة لمنع التغيير في سوريا، انطلاقاً من أن البديل المعنيّ هو وجود معارضة تتمتع بصدقية كافية أمام المجتمع الدولي. على ذلك، لم يشهد حال المعارضة استقراراً، وكأنها كانت طوال الوقت، فوق علاتها، حقل تجريب على نية الوصول إلى صيغة ترضي داعميها الإقليميين وتحظى برضا مجتمع دولي يزداد نأياً عنها.

نظرياً، سيبدو أحطّ ما في الكلام عن البديل القول بوقوع الفوضى والحرب الأهلية بديلاً، وكأن قائليه لا يرون الحرب المدمرة الحالية، ولا العدد الهائل من الميليشيات التي تقاتل مع النظام أو ضده. التحذير من التجربة العراقية يظهر كمزحة سخيفة جداً، لأن الواقع السوري والثمن المدفوع حتى الآن تجاوزا التحذير الشهير، من دون أن يتزحزح أصحابه عنه. حتى التحذير من سيطرة تنظيمات إسلامية لا يبدو منسجماً مع عدم قدرة النظام على التصدي لها، رغم دعمه بعشرات المليشيات الشيعية، ما استدعى تدخلاً مباشراً من قبل التحالف الدولي.

إذاً يلزم أن نتخلى عن الحديث عن سوريا بمفهومها المستقل كبلد في معرض التحليل والتفنيد، وأن نقرّ بأن الحديث كله يدور عن “سوريا الأسد”، كما روّج لها النظام طوال عقود وكما يراها أصحاب نظرية البديل. ففي “سوريا الأسد” سؤال البديل المطروح هو التالي: هل يمكن الحفاظ على النظام إذا ضحينا برأسه؟ أم أن هذا غير ممكن قطعاً بالمقارنة مع عراق صدام حسين؟

الإجابة الروسية والإيرانية حاسمة بالقول أن رحيل عائلة الأسد يعني سقوط النظام تلقائياً، أما فرضية العثور على بديل من خارج العائلة فهي غير ممكنة، لا بسبب صعوبة العثور على شخص من هذا القبيل، وإنما لأن أي شخص جديد لن يتمتع بالقدرة على طمأنة نظام تمحور أساساً على عائلة الأسد، وسيتداعى حكماً بنهايتها. بهذا المعنى، لا وجود حقاً لبديل عن عائلة الأسد، ولن يكون هناك بديل إطلاقاً إلا في حالتين؛ أن يقرر المجتمع الدولي نهاية النظام ككل، أو أن يفرض انتداباً يفك قسرياً معادلة “سوريا الأسد”، ويعيد “قسرياً أيضاً” تأهيل النظام بحيث يعمل بمعزل عن العائلة التي صممته.

في الواقع أغلب المحاولات الدولية والعربية حتى الآن إنصب على أن تقبل موسكو بفكرة الانتداب هذه، وأن تعيد تأهيل النظام من دون عائلة الأسد. لكن موسكو درجت على بيع كلام من نوع عدم تمسكها ببشار شخصياً، مع الاستدراك بعدم إمكانية المحافظة على النظام بدونه. الإلحاح على هذه المحاولات من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الإقليمية، ولو كانت الأخيرة مكرهة بحكم التوجه الأميركي، لا يعني سوى المراوحة في المكان ذاته، ومنح موسكو فرصة تلو الأخرى كي تثبّت نفوذها ورؤيتها الخاصة ببقاء الأسد، وهذا ما يعنيه أيضاً اتفاق من نوع “خفض التصعيد”، أي إتاحة فرصة إضافية لتمكين نظام عائلة الأسد.

دور المعارضة في أحسن هذه التصورات لا يتعدى إستخدامها للضغط على النظام وحلفائه من أجل انتزاع رأسه، ثم المشاركة في إنعاش الجسد وجعله قابلاً للحياة. وعلى رغم ما في الثمن المدفوع سورياً من غبن قد نجد قبولاً لا يُستهان به لهذه الصيغة، وجزء منه قبول على أرضية إدراك عدم إمكانية حياة الجسد بعد قطع الرأس. إلا أن التورط في هذه الصيغة يُفترض أن يكون على أرضية غير تلك التي يقترحها حلفاء رأس النظام ويوافق عليها قسم كبير من “أصدقاء” المعارضة، إذ يجوز للأخيرة مساءلة الجميع عن البديل المنتظر ضمن النظام نفسه، حيث يعلم الجميع أن المفاوضات الحالية والمستقبلية لا معنى لها في غياب بديل ضمن النظام باستثناء قبول المعارضة بالنظام نفسه وبعائلة الأسد أيضاً.

في الواقع لا يملك لافروف ولا الدبلوماسية الروسية ذلك الدهاء الذي يُراد لنا الاقتناع به، وليس سؤاله عن البديل وصمت مفاوضيه “إذا صحت رواية الإعلام الروسي” سوى تعبير عن تفاهم أعمق من الخلاف على مصير عائلة الأسد. سؤال لافروف لا ينتمي أصلاً إلى حقل السياسة بوصفها فن ابتكار البدائل، ويكفي لكشف سطحيته وجود ضغط مقابل يُفهم بوتين تصميم المجتمع الدولي على التغيير، ومطالبته هو بأن يجيب عن سؤال البديل.

المدن

 

 

 

ملابسات الإشراف الدولي/ ميشيل كيلو

هل بدأ وضع سورية تحت إشراف دولي عليها، بحضور روسي وموافقة أميركية؟ وهل ستنجح موسكو في الحصول على تفويضٍ من مجلس الأمن، أو الأمم المتحدة، يشرعن قيام المناطق الأربع الخاصة بما يسمى “خفض التوتر”؟ أم سيكون هناك اليوم، أو بعد حين، تفاهم بين الدولتين العظميين يمهّد لنجاح التفويض الذي لا توافق واشنطن على مشاركة إيران في تطبيقه، بيد أنها قد تغير موقفها مقابل ثمن عراقي كبير، قد تجد طهران نفسها مجبرةً على دفعه، لأن علاقاتها مع موسكو قد تتحول، في أي تفاهم مع أميركا، إلى عبء على الكرملين، خصوصا إذا أصر ترامب على إخراج الملالي من سورية؟ وهل ستتمسك موسكو بطهران إن تفاهمت واشنطن معها على دور تركي موسع، ستتقاطع عنده سياسات الدولتين، بينما سيعطل خلافهما حول دور إيران وأهدافها تفاهمهما الضروري لحل المعضلة السورية؟ أخيرا، هل ستمهد إدارة المناطق لإنجاح الإشراف الدولي عليها، قبل نقله إلى غيرها؟ وما مصير الجغرافيا الخاضعة لتنظيم داعش، وتبلغ قرابة نصف سورية؟

يبدو أننا أمام خطواتٍ موضوعها إخراج سورية من وضعها الراهن، بمبادرة روسية تكسر الاحتجاز الدولي الذي يغلق منافذ الحل في سورية، ويصعد التعارض بين مصالح طرفيه الروسي والأميركي، ويعزّز التضارب بين تموضعهما في مناطق سورية وتعاملهما معها، ويربط موسكو بقوىً ليس من السهل تهميشها، قبل تسريع الحل، ويوسع أخيرا الهوة بين مشاريع الحلول المختلفة ووثيقة جنيف وقرارات مجلس الأمن، فضلا عن زيادة مخاطر انعكاس الحدث السوري على الأوضاع الداخلية للبلدان المنخرطة فيه، الانعكاس الذي لم يعد شأنا خارجيا بالنسبة لها، وإنما تتشابك آثاره مع صراعات الأجنحة فيها، كما يبدو بوضوح في إيران، حيث تطالب قطاعات شعبية واسعة بوقف انخراطها في حرب بشار الأسد ضد شعبه الأعزل والمسالم.

بتقديم مشروع قرار روسي إلى مجلس الأمن حول المناطق الأربع، تفتح موسكو باب الحوار مع واشنطن على أعلى مستوى، بعد أن تفاهمت مع إيران وتقاربت مع تركيا، ودخلت على خط الكرد، وزادت دعمها الأسد زيادة مفاجئة، وأوصلت جيشه إلى مشارف منطقة الانتشار الأميركي شمال سورية وجنوبها، فهل سينجح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في إقناع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بخطة بلاده، أم أن الأخير سيرفض التعاون معه في الظروف الراهنة، بينما يبني عسكره موقعا استراتيجيا وطيدا يطل على الشرق الأوسط بأكمله، يضم شمال سورية والعراق، هو في أحد المعاني تعويضٌ عن فشل جورج بوش في تحويل بلاد الرافدين إلى قاعدةٍ له، يتحكم عبرها بالمجال الأوراسي، وينشط جنده جنوب سورية، قرب إسرائيل، بالتزامن مع خطوة روسيا حيال المناطق الأربع، كأن الدولتين تتسابقان على ترجيح كفة كل منهما على الأخرى في سورية، بدل تهيئة ظروفٍ تمكّنهما من وضع بعض مناطقه اليوم تحت إشراف دولي، لن ينجح الروس في فرضه ميدانيا وإقراره دوليا من دون تفاهم مع واشنطن على مستقبل سورية وعلاقاتهما، فإن فشلا وقع تصعيد غير مسبوقٍ لجميع حروب الشرق الأوسط، وانتشار سريع لنيرانها إلى مختلف دول المنطقة، بالتلازم مع الحرب ضد الإرهاب، والصراع بينهما على إرثه الأرضي.

هل الخطوة الروسية التي أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها تدرسها بعناية، لأن “الشيطان يكمن في التفاصيل”، نهائية، أم أن تنفيذها سيرتبط بنجاح مفاوضات موسكو الحالية مع واشنطن؟ وهل يعقل أن تؤيد أميركا إشراف روسيا وإيران على المناطق الأربع وتلك التي يحتلها جيشها، وحراس إيران، وشبيحة الأسد خارجها، أم أن مفاوضات الدولتين ستفشل، ولن تتوصل إلي صياغة أسس مشتركة للتعامل بينهما ومع المأزق السوري/ الإقليمي، لأن البيت الأبيض ليس راغبا بالضرورة في رفع الضغط عن روسيا، أو متلهفاً على حل سريع للمعضلة السورية، يعطل ترتيباتهم بعيدة المدى التي يصحّحون من خلالها أخطاء غزو العراق، ويستدركون ما عجزت أميركا عن تحقيقه بعده؟

يطلق موضوع المناطق حوارا روسيا/ أميركيا واسعا حول سورية وعلاقاتهما الدولية، ليس واضح النتائج، لكنه يرجح أن يستمر إلى ما بعد طرد “داعش” من الموصل والرقة، وتطبيق خطة الروس الخاصة باحتجاز فصائل كبيرة من الجيش الحر وجبهة النصرة في المناطق الأربع، فهل سيغريهما وضعهما، عندئذٍ، بالتفاهم من موقع متوازن، ينهي خلافاتهما ويشجعهما على إصدار قرار دولي، يضع سورية تحت إشرافهما، أم يفلت صراعهما من أية رقابة، فتكون سورية الموحدة ضحيته الرئيسة؟

العربي الجديد

 

 

 

سوريا.. مناطق احتلال وبؤر صراع/ هوازن خداج

شكّل مؤتمر أستانة 4 نقطة جديدة في الملف السوري، ليس من ناحية التوجّه الجاد للبحث عن حلول للحرب في سوريا ومحاولة استنباط بوادر سلام تنهي سفك الدماء وتوقف إطلاق النار في عموم سوريا، إنما من ناحية البحث عن بعض الهدوء للأطراف الدولية المتصارعة في إدارة الوضع السوري وإظهار حسن نواياهم في التعاطي مع بعضهم البعض وإدارة مشاريعهم بعد تقسيم سوريا إلى أربع مناطق نفوذ سميت “مناطق تخفيف التصعيد” وهي محافظة إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية والجنوب السوري؛ بحيث يتم ضمان مصالح الجميع وتتولى مراكز مراقبة دولية الإشراف على خطوط التماس بينها، وإدارة النيران بشكل أكثر تمكنا، وبموافقة الأطراف السورية التي تحولت إلى طرف موقع على الاتفاقيات ولا يعني قبولها أو رفضها شيئا في تغيير مسار الأمور.

مناطق تخفيف التصعيد والسير وفق ما يضمن استمرار الأوصياء ويخدم أجنداتهم تبدو مقدمة لتقسيم البلاد عبر تكريس مناطق نفوذ محلية وخارجية “احتلال” لا سيما في إدلب وجنوب سوريا وهما المنطقتان الحدوديتان المتصلتان مع تركيا والأردن، تزداد تعقيدا في مناطق أخرى وتجعل فكرة التقسيم غير ممكنة، فملف الجغرافيا السورية مازالت تحكمه العديد من الإشكاليات خصوصا في منطقتي الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، وهي مناطق معزولة بحكم محاصرتها من قبل النظام وسيطرة المعارضة السورية عليها ولا تتصل جغرافيا بحدود مع دول الجوار. وفي ما تم استبعاده من مناطق تخفيف التصعيد والتي تشمل في الشمال السوري مناطق “شرق الفرات” حيث النفوذ الأميركي الداعم للوحدات الكردية، والنفوذ التركي الداعم لمجموعات الجيش الحر والفصائل الإسلامية لقتال الوحدات الكردية، يضاف إلى ذلك داعش والنصرة.

هذه المنطقة الهامة حيويا لقطع التواصل الجغرافي بين إيران والعراق وسوريا ولبنان والمساهمة في إضعاف حزب الله وضمان أمن إسرائيل، ستكون بؤرة قتال طويلة الأمد فطهران لن تخضع بسهولة لمشاريع الحلول التي يمكن أن يتفق عليها حليفها الروسي مع خصمها الأميركي الذي يلحّ على خروجها وحزب الله من سوريا، كما تمّ استثناء كل من دمشق ومحيطها والمناطق المحاذية للبنان كالزبداني والقصير حيث نفوذ إيران وحزب الله.

التداخل الجغرافي يرافقه رفض أطراف الصراع اقتسام الأرض، فكل من النظام وحلفائه والمعارضات وحلفائها، يرغب كل طرف في استقرار سوريا على حدودها الحالية، لإدراكه أن أي تقسيم لسوريا ستنتج عنه كيانات وبؤر هشة ومتحاربة ولا يمكن ضبطها أو السيطرة عليها.

المحاولات المتتالية للوصول إلى تسويات تخفف التبعات السياسية والإنسانية الناتجة عن استمرار موجات الهجرة والنزوح الداخلي بأرقامها غير المسبوقة عالميا، مازالت تدور في فلك المصطلحات بدءا من المناطق “الآمنة” التي تم طرحها في الأعوام الماضية عبر العديد من الأطراف إلى “الهادئة”، وصولا لمناطق “تخفيف التصعيد”، التي وجدت مخارجها في ترتيبات أستانة لتشكل جزءا من رغبة الضامنين وأهمهم روسيا بوصفها الدولة الأكثر تأثيرا في سوريا بالانتقال نحو مرحلة قطف الثمار وضمان مصالحهم، مع إعطاء أميركا المناطق التي تهمّ أمن حلفائها “إسرائيل والأردن والأكراد”، إضافة إلى الإيحاء بالحدّ من تمكين إيران المتمكنة أصلا في سوريا عن طريق العديد من الاستثمارات والمشاريع. وبالتالي فهذه المناطق لن تكون أكثر من إدارة هدن خاصة بالدول في حربها ضد السوريين واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان تقيد الأطراف المتنازعة بوقف إطلاق النار والالتزام بالهدنة الهشّة التي سبق أن توصلت إليها تركيا وروسيا في نهاية ديسمبر.

برنامج المناطق “الآمنة – الهادئة- تخفيف التصعيد والعنف” وإرضاء الأطراف ليس خطوة في معادلة السلام في سوريا، إنما خطوة سقيمة تقسم سوريا إلى مناطق “احتلال وبؤر صراع” ولن تقدّم مسارا عاما لحل حقيقي عادل وشامل ودائم للمشكلات السورية، ولن يتم أي خفض للتصعيد فلن تعدم الوسائل لسفك دماء السوريين على كافة الأيدي القاتلة التي تحولت في ظل الواقع السوري إلى حكم وضامن لاقتسام الخارطة السورية سياسيا، وجميع هذه الاتفاقات والمسارات ليس للشعب السوري أي رأي فيها، والعالم كله يعرف أن من يدّعون تمثيله والتحدث باسمه لم يعتمدوا خطابا وطنيا سوريا واضحا رغم قسوة أعوام الحرب.

كاتبة سورية

العرب

 

 

مناطق خفض التصعيد السورية حبر على خرائط/ عبدالناصر العايد

على رغم تحوير التسمية، فإن مناطق خفض التصعيد التي طرحتها موسكو في مؤتمر آستانة هي ذاتها المناطق الآمنة التي سبق أن تحدث عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. الأميركيون قابلوا هذا الخطوة الروسية المواربة بخطوة مواربة أيضاً من طرفهم، وأرسلوا مسؤولاً رفيع المستوى في الخارجية راقب المؤتمر، لكنه حين أفصح عن رأيه قال نقطة واحدة ذات أهمية، هي أنهم قلقون من دور إيراني مستقبلي في سورية، تشرعنه هذه الاتفاقية.

الأمور بسيطة ومعقدة في سورية في آن معاً، لدى الأميركيين جدول عمل سوري من ثلاث نقاط، هي القضاء على «داعش» و «القاعدة»، وإعادة إيران إلى داخل حدودها، وإزاحة بشار الأسد، لوضع القضية السورية على سكة الحل.

أما الروس، فيتعاملون، بحكم محدودية إمكاناتهم، مع الشأن السوري وفق الحالة، يتقدمون حيث يتاح لهم، ويحجمون عند أول إنذار، ويراعون مصالح حلفائهم وشركائهم الذين لولاهم لما استطاعوا أن يتواجدوا في الشرق الأوسط.

لا يستطيعون أن يضربوا صفحاً عن التعاون مع واشنطن، فمن دونه قد يغرقون في أفغانستان أخرى، وعرضوا خدماتهم بخاصة في النقطة الأولى، أي محاربة «داعش» و «النصرة» مرات عدة، لكنهم اصطدموا بعقبة إيران، ففي ذهن ترامب وإدارته أن وجود المتطرفين السنّة مرتبط باستفحال الميليشيات الشيعية المرتبطة بالولي الفقيه، وأنه يجب إجلاؤها عن الأراضي السورية، وهو إحراج أول للروس، فالحرس الثوري الإيراني وتلك الميليشيات هي من تمسك الأرض تحت طائرات بوتين، وربما كانت خزينة خامنئي هي من تمول تدخله العسكري المكلف، وتستطيع إيران أن تتمرد على الروس في سورية، لكن الروس لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك. ناهيك عن أن إيران حليف استراتيجي لروسيا في مسائل عدة ولا يمكن التفريط بها ببساطة، وربما تم تفصيل اتفاق المناطق الآمنة لحل هذه الإشكالية، بإيجاد صيغة شرعية للوجود الإيراني في سورية، ولعل هذا أيضاً سر مسارعة نظام الأسد لقبول الاتفاقية، غلى رغم رفضه بصوت عالٍ لهذه الفكرة طوال السنوات الماضية.

في النقطة الثالثة أي إزاحة بشار الأسد، فإن الروس أيضاً يجدون صعوبة شديدة في إبداء أي نوع من المرونة إزاءها، فالأسد هو من جلبهم بتعاقد رسمي ومنحهم أجزاء استراتيجية من سورية، هو الغطاء الشرعي الوحيد للتواجد الروسي في البلاد، بخاصة في ظل الخصاء التاريخي المتعمد في عقد القيادة الأسدية، التي تجعل من شبه المستحيل العثور على شخصية عسكرية أو مدنية قادرة على الحلول محل بشار الأسد فيما لو قررت روسيا استبداله بآخر من داخل النظام، ناهيك عن أن ذلك سيمسّ مصالح إيران، التي تعتبر أيضاً أن بقاء بشار الأسد هو ضمانة نفوذها في سورية، وفي غيابه ليس لديها سوى سلاح الميليشيات الطائفية، الذي بات معرضاً للذهاب أدراج الرياح مع الإصرار الأميركي والعربي والإسرائيلي على تفكيكه.

الاختبار الهام للديبلوماسية الروسية التي أثبتت رسوخها وذكاءها في السنوات المنصرمة، هو في مؤتمر جنيف السوري المقبل، إذاً ينتظر الأميركيون، بعد أن سايروا الروس في محادثات آستانة العسكرية، أن يثبت هؤلاء أن لديهم طرحاً جدياً في ما يخص عملية التفاوض السياسي، وأن لديهم إجابات وتصورات واضحة حول مراحل ومآلات العملية السياسية، التي يفترض أن تنتهي بخروج القوات العسكرية الإيرانية من سورية، وخروج عائلة الأسد من السلطة، وهذا يقتضي أن تمارس روسيا نفوذها على هذين الطرفين لإرغامهما على ذلك، وهو أمر إذا حصل فإن روسيا ستكافأ عليه غربياً وعربياً.

أما إن لم تبد موسكو استجابة ذات صدقية، وتقبل الصفقة، فإن واشنطن لديها فائض من الأوراق للعبها، من دعم فصائل المعارضة العسكرية في شكل جدي لدحر المتطرفين والنظام وميليشيات إيران في آن معاً، وهز صورة روسيا واستنزافها عسكرياً وسياسياً، إلى استخدام ملف انتهاكات قوات الأسد وحشد حلف دولي ذي شرعية أممية وحقوقية ضده، والذهاب إلى فرض مناطق آمنة بالقوة بعيداً من نفوذ موسكو، إلى توجيه ضربة قاصمة لإيران عبر إسرائيل في معقل ذراعها «حزب الله» في لبنان، إلى توجيه ضربات أميركية مباشرة لنظام الأسد، وثمة أطراف في الإقليم جاهزة لدفع الكلفة مهما غلت.

إذا وصلت التطورات إلى هذه النقطة فإن الأمور التي كانت تبدو شديدة البساطة ستنتقل إلى مستوى التعقيد الكامل الذي لا يمكن حسابه أو التكهن بنتائجه.

عجلة السياسة الخارجية الترامبية ستبدأ بالدوران قريباً، عندما تكتمل الاستراتيجيات والخطط التي طلبها حول مختلف القضايا، وهو حين سيتوجه للشرق الأوسط أولاً، والى السعودية وإسرائيل تحديداً، فإنه يكشف عن محور سياسته الخارجية وأولوياتها، وهي ايران. وبالنسبة الى الشأن السوري فقد بات أمر رحيل بشار الأسد محسوماً قبل جميع هذه الترتيبات، بفضل رعونة بشار الأسد واستخدامه السلاح الكيماوي مرة أخرى، فالصواريخ الأميركية التي ضربت مطار الشعيرات، تشبه ما يصطلح عليه في العلوم العسكرية بالطلقات التحذيرية، ومعناها أن هذا المكان هدف لهجوم مدمر قادم، وعلى من يريد تجنب الأذى أن يبتعد منه.

واستناداً إلى وجهة النظر السابقة، فإن مناطق خفض التصعيد التي تم تحديدها في آستانة، ما هي إلا حبر على خرائط، ولن تؤدي أو تنتج أي شيء.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

ماذا حقق مؤتمر أستانة؟/ فاطمة ياسين

كانت وضعية وقف إطلاق النار في سورية سائدة في أثناء مؤتمر أستانة الماضي، وهو الطعم الذي قدمه الروس بداية الاجتماع. جهد الجانب الروسي على تعويم هذا المصطلح، وتعميميه على وسائل الإعلام، وتضخيم مفرداته لتصبح مرادفة لمؤتمر “الحل” وملاصقةً له، وقد ترافق مع تخفيفٍ حقيقيّ في حدة القصف، وتقليصٍ مؤقت لطلعات الطيران، لإحداث مناخٍ واقعي لحالة وقف إطلاق النار. تلاشى ذلك كله بالتدريج، ليستيقظ العالم على هجمات من الحلف الأسدي بالسلاح الكيميائي، من دون أن يصدر أي إعلانٍ بأن حالة وقف إطلاق النار توقفت! بعد انفضاض الاجتماع، عاد كل شيء إلى ما كان عليه، وعادت عمليات الكر والفر والتقدّم والتراجع مع ثباتٍ لحالات الهجوم بالبراميل من السماء. الآن، في نسخة أستانة أخيرا، وقد تبدّدت تداعيات غيمة السارين المسمومة، يجري التسويق، بقوةٍ، لحالةٍ أخرى من حالات الهدنة، سمّيت وقف التصعيد، وهي تسميةٌ تسويقيةٌ لوقف إطلاق النار. يبدو الأمر، هذه المرة، مرسوماً من تحت طاولة الأمم المتحدة، وإن لم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن الصورة، فوقعت الدول الثلاث الضامنة هذا الاتفاق، وساد ما يشبه الهدوء في بضع نقاط للتماس، مع تعالي أصواتٍ معترضةٍ ومتخوفةٍ من أن يكون هذا العنوان مقدمةً تقسيمية كبرى.

قد يكون ترويج فكرة التقسيم صاروخ اختبار، لا سيما أن الخرائط النهائية، كما تنص وقائع الاتفاق، سيتم التوافق عليها خلال شهر. ولكن، في الخطوط العريضة، يجري الحديث عن أربع مناطق كبرى، هي شريحة طولانية، تتضمن خطاً يصل بين حماه وحمص ودمشق ودرعا، وتشمل اللاذقية تحصيلاً لحاصل. لا تأتي الوثيقة على ذكر الشمال، وتستثني عن قصد الرّقة ومناطق “روجافا”، وتدير ظهرها لكامل حوض الفرات الأعلى والأدنى، مبقيةً على سورية التي يعرّفها الإعلام بسورية المفيدة، والتي يظهرها الاتفاق منطقةً متجانسةً، لكنها مبقعةٌ بكثير من القطاعات المعارضة المحاطة بالنظام. يبدو الاتفاق، للوهلة الأولى، حالة تجميد للوضع الراهن، ويخفي، في ثناياه، مصير الأسد، بل يتعامل معه ندّاً صالحاً، ويرفع من وضعية إيران من غازٍ أو مستعمر إلى دور الضامن، في تبرئةٍ مقصودة لكل ما تم ارتكابه حتى الآن.

الحالة الإنسانية المزرية التي أحدثها النظام في كامل سورية، والحالة الإرهابية التي راجت في المنطقة بوجودٍ قويٍّ ومؤثر لتنظيم الدولة الإسلامية، ونتيجة سلوكيات النظام العنيفة، نقطتان مثيرتان وحلحلتهما أمر عاجل، بل يجب أن يكونا عنواناً لجوهر الاتفاق. وتكريس اجتماعات أستانة يراكم حالةً من تجنب الخوض في موضوع ثورة الشعب على نظامٍ لا يكفي وصفه مستبدّا، لصالح المعالجات الإنسانية ومكافحة الإرهاب. وبين هاتين النقطتين، يلهث النظام، وكل من يسانده في التهام مزيد من الأراضي، فلم يُعقد أستانة الأول قبل أن يبتلع النظام حلب، وعقد أستانة الحالي والحافلات الخضراء تنقل أهالي الوعر ومضايا إلى أماكن بعيدة، مع استمرار حصار أجزاء من أطراف دمشق، ومحاولات النظام التقدّم في ريف حماة.

المناطق الشاسعة من سورية خارج اتفاقات خفض التصعيد، وتنتظر هجوماً وشيكاً سواء في الرّقة أو دير الزور، وهي مناطق مؤهلة ومرشحة لتوليد مزيد من النازحين، وكذلك يصمت الاتفاق عن الإقليم الجديد المثير للجدل، والمسمى “روجافا”، في ظل الامتناع التركي، والدعمين، الأميركي والروسي، وتواطؤ نظام الأسد مع الحالة القائمة.

تحقيق هدوء شامل هو رجاء سوري عام وخالص وحقيقي، وهو ما تتحدّث عنه وثيقة وقف التصعيد في بندها الأول، ومكافحة التنظيمات الإرهابية العنيفة حاجةٌ ملحة. ولكن، ما هو الثمن المسفوح لقاء الحصول على هذه الأمنية، وقد تعوّدنا على أن لكل الأشياء مقابلاً مطلوباً؟.. والمقابل هنا هو مخاطرة جغرافية كبيرة، وبالذات على حساب سورية الداخلية، بفراتيها الأعلى والأدنى، وتغاض آخر عن النظام الذي كان وراء كارثية المشهد الحالي، وتحويل دولة إيران المتحرّشة بالإقليم إلى مجرّد ضامن.

العربي الجديد

 

 

 

سوريا: تعميق مسار أستانا/ ورد كاسوحة

الاتفاق الأخير حول إنشاء مناطق اصطُلح على تسميتها «مناطق وقف التصعيد» هو المحطّة الأخيرة في المسار الذي قادته روسيا بالشراكة مع تركيا وإيران. هذا المسار شهد تحوّلات عدة أسوة بباقي المسارات التي مرّت بها الأزمة السورية، ولكنه تميّز عن سواه بالقيادة الواعية التي كانت تضع منذ البداية الحلّ السياسي كشرط لتدخّلها العسكري. التدخّلات الأخرى التي لم تنسّق مع الروس فشل جميعها، وانتهت بعد حصول التدخّل الروسي إلى قناعة مفادها أن أيّ تدخّل في المستقبل لا يأخذ بعين الاعتبار الرؤية الروسية للحلّ لن يكون له دور في مستقبل سوريا بعد الحرب.

هذه القناعة أوصلت فصائل المعارضة المختلفة المنضوية ضمن المظلّة التركية (وهي الأوسع والأكثر تأثيراً في مجمل البنية السياسية والعسكرية للمعارضة) إلى القبول بالدور «التحكيمي» الذي بدأت روسيا بمزاولته غداة الانتهاء من معركة حلب. فحسب رؤية الروس كانت حلب هي المحطّة التي سيجرى انطلاقاً منها تصحيح الخلل ليس في الموازين العسكرية فحسب بل في العملية السياسية أيضاً، والتي كانت قد تعرّضت لشلل كامل إثر فشل جولات جنيف المتتالية. لكن هذا التصحيح لم يكن ليحصل بالشكل الذي تريده موسكو لو قرّر الروس مسايرة الحلفاء في عملية الحسم العسكري التي كانت المطالبات بها قد سبقت عملية استعادة حلب. إذ بخلاف حلفائها الذين كانوا مصرّين على أولوية استعادة المنطقة الشمالية بالكامل انطلاقاً من المدينة كانت روسيا تنظر إلى الأمر ليس باعتباره نصراً عسكرياً أو إلحاقاً للهزيمة بالمعارضة وإنما تحريكاً للعملية السياسية. وهو ما يقتضي الإبقاء رمزياً على الجسم العسكري للمعارضة بعد إنهاكه في مفاصل رئيسية من بينها حلب، وذلك بغرض جرّه إلى التفاوض لاحقاً بعد الاتفاق مع الرعاة الأتراك على تفاصيل الانتهاء من آثار معركة حلب.

وربما كان التدخّل التركي المضبوط تحت مسمّى «درع الفرات» هو الشكل الذي اتُفق عليه بين الطرفين لإقناع المعارضة بالانخراط في التسوية بعد خروجها من حلب، وتمركُزها في جرابلس ومارع والباب والراعي بدلاً منها، أي في المناطق التي حصل الاتفاق على إخراج «داعش» منها في مقابل عدم تركها للنظام أو الأكراد. وعلى الأرجح أنّ «الاتفاق» (بين الروس والأميركيين لاحقاً) كان يتضمّن بالإضافة إلى ذلك عدم ترك تركيا تتمدّد خارج المناطق التي عُيّنت لها في إطار عملية درع الفرات، والتي يتحدّد في ضوئها مدى انخراطها في التسوية، بحيث يصبح الحضور التركي أساسياً في شقّها العسكري، وبما يتيح في المقابل انخراطاً أكبر وأكثر فاعلية للنظام بضمانات روسية.

تطوير آليات ضبط الهدنة

هكذا، تتوسّع التسوية وتنخرط فيها القوى الأكثر تمثيلاً من الناحية العسكرية والأكثر قدرة على ضبط المسارات المتعارضة حين يجرى الانتقال من مرحلة إلى أخرى، ومن إطار إلى آخر. المحطّة الأخيرة أتت بمثابة تتويج للجهد الذي بذلته روسيا في تطوير الاستراتيجية الخاصّة بإنهاء الصراع في سوريا. البداية كانت من الاتفاق الذي أُبرم بينها وبين تركيا أواخر العام الماضي قبل أن تنضمّ إليه إيران ويتحوّل بعد توسيعه في أستانا إلى مسار عسكري يربط التسوية التي تُبحث في جنيف بآليات تطبيقية على الأرض. وهو ما صادقت عليه الأمم المتحدة ومجموعة الدعم السياسية الدولية (مجموعة دعم سوريا) التي ترعى مفاوضات جنيف، وبالتالي جرى اعتباره استكمالاً لعملية التسوية التي يستحيل استمرارها من دون ضبط العمل الميداني وتوظيفه لاحقاً في المسار التفاوضي. بعد اكتسابه الشرعية على نطاق واسع إقليمي ودولي بدأ الروس باختبار نظام وقف الأعمال القتالية، مستعينين في ذلك بأدوات عديدة طوّروها أثناء خبرتهم في التعامل مع المجموعات السورية المختلفة، وعلى رأس هذه الأدوات استراتيجية المصالحات التي اعتُمدت كأساس في «التحكيم» بين القوات المتنازعة إثر إنشاء مركز حميميم لقيادة المصالحات. توسيع قاعدة الراغبين في التسوية على أساس مبدأ المصالحات اصطدم بتعنّت المجموعات التي لم تشملها الهدنة أو نظام وقف الأعمال القتالية، فاشتعل القتال مجدداً على أكثر من جبهة (أهمها الغوطة على مرحلتين وريف حماه الشمالي) وتعطّل العمل باتفاقية الهدنة، وبالتالي اكتشف الروس محدودية الأدوات التي يتيحها العمل بالهدنة من دون تطوير استراتيجيات مناسبة للتعامل مع التطوّرات التي تطرأ على المسار وتعيق تطبيقه أو إنفاذه. من هنا ولدت فكرة إنشاء «مناطق وقف التصعيد»، وهي في معظمها تحت سيطرة قوّات غير بعيدة عن «جبهة النصرة» (ادلب، شمال حمص)، ولكن ربطها بمسار أستانا عبر إيقاف القتال فيها سيحدّ من نفوذ هذه المجموعات داخلها، ويسمح للمجموعات الأخرى الراغبة في التسوية بالتحرّك ضمن آليات محدّدة تضمن لها في مقابل الابتعاد عن «النصرة» التمثيل الواسع داخل المعارضة المشارِكة في أستانا وعدم التعرّض لها بالمعنى العسكري الذي يفهمه الروس والنظام جيداً. وهو ما عبّر عنه بوتين حين أشار في معرض تعليقه على إنشاء تلك المناطق إلى أنها ستكون مُستثناة من عمليات القصف التي يشنّها الطيران الحربي، على أن تقتصر في المقابل على الأراضي التي لا يزال «داعش» مسيطراً عليها. وهي إشارة ضرورية لفهم المنطق الذي يحرّك الروس أثناء عملهم على تطوير الاستراتيجيات الخاصّة بإنهاء الصراع هنا. فهم عبر اقتراحهم إنشاء «مناطق وقف التصعيد» يذهبون خطوة أبعد من الجميع في الفصل بين المعارضة الراغبة بالتسوية والمجموعات الرافضة لها مثل «النصرة» وسواها، ولا يكتفون بذلك بل يضعون أيضاً آليات تطبيقية تكفل عدم التصعيد مجدّداً في حال ارتأت «النصرة» معاودة إفشال الهدنة عبر توريط مجموعات من تلك المناطق في القتال لمصلحتها. وهو ما يتيحه بسهولة وبآليات تنفيذية واضحة وجود مراقبين من الدول الضامنة للهدنة على حدود المناطق المعنيّة بعد إتمام وضع الخرائط لها من جانب خبراء في تلك الدول. في هذه الحال لا تتوسّع التسوية وتتجذّر فحسب، بل يُتاح لمسارها العسكري أن يُستكمل بوجود عناصر كانت خارجه قبل أن يكتشف الروس فاعليتها في عملية تذليل الاعتراضات على نظام وقف الأعمال القتالية واحتوائها.

* كاتب سوري

الأخبار

 

 

 

 

هل تضمن واشنطن حصة تركيا من آستانة ثمناً لتسليح الأكراد؟/ بيسان الشيخ

توقع كثيرون أن يبدي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتراضاً أقوى على القرار الـ «ترامبي» المباغت بتسليح قوات «سورية الديموقراطية» لمحاربة «داعش» أو أن يبادر إلى طلب توضيحات حيال تلك الخطوة الأميركية المتقدمة في المنطقة إن لم يكن إلغاء أو تأجيل زيارته المرتقبة إلى واشنطن الأسبوع المقبل. فالتطمينات التي لحقت القرار والقائلة بأن واشنطن لن تتخلى عن «الشريك التركي في حلف الناتو»، ليست على قدر الصفعة التي كالها الرئيس دونالد ترامب باعتماده من يصفهم أردوغان وجزء غير يسير من الشعب التركي عموماً بـ «التنظيمات الإرهابية»، شريكاً مضارباً على حدودهم. وصحيح أن الإدارة الأميركية السابقة دعمت المقاتلين الأكراد علناً، ولكن تدخلها بقي «موضعياً» في معارك بعينها (كوباني على سبيل المثال) ولم يرق إلى درجة التفويض المباشر، كما هي الحال مع قرار التسليح الأخير.

وإلى ذلك، ذهبت بعض وسائل الإعلام المحلية التركية إلى وصف القرار الأميركي بأنه يرقى إلى مصاف «الإهانة» الديبلوماسية، ليس لكونه سبق لقاء الرئيسين بأيام معدودة فحسب، وكان يمكن أن يشكل بنداً على جدول الأعمال، وإنما أيضاً لأن وفداً تركياً رفيعاً تبلغ به خلال وجوده في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، بلا أي نقاش أو توطئة.

وكان أردوغان أرسل إلى واشنطن كبار مساعديه حول القضايا الأمنية وبينهم رئيس الاستخبارات هاكان فيدان ووزير العدل ورئيس الأركان العامة ومفوض سياسي متحدث باسمه هو إبراهيم كالين، وذلك لتمهيد الطريق لاجتماعه بترامب والخروج بنتائج مرضية.

لكن يبدو أن جوهر الخلاف يكمن في تعريف «النتائج المرضية» بحسب كل طرف. فإذا كان توصيف تنظيم «داعش» بالإرهابي يحظى بإجماع دولي، فإن «حزب العمال الكردستاني» ومتفرعاته المحلية ليسوا مدرجين على لوائح الإرهاب إلا في تركيا، وفي ذلك فرق غير بسيط.

وعليه، كان الهدف الرئيس لزيارة الوفد التركي، محاولة ثني الجانب الأميركي عن دعم الأكراد السوريين في عملية الرقة المزمع انطلاقها قريباً، فيما تراجعت (ظاهرياً على الأقل)، المطالبة بتسليم الداعية فتح الله غولن المتهم بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية خلال الصيف الماضي، بعد فوز أردوغان بالاستفتاء الأخير.

وبدا واضحاً لواشنطن أن المطالبة بعدم تسليح الأكراد السوريين سيكون الغرض شبه الوحيد من الزيارة، فسارعت إلى قطع الطريق على أي مفاوضات في هذا الشأن وأبلغت الجانب التركي بالقرار المفاجئ، قبل يوم من إعلانه رسمياً وعبر وسائل الإعلام.

وبالنسبة إلى خطيب مفوه كالرئيس التركي، معروف بإطلاق كلمات نارية من على المنابر، لا يوفر فيها النقر على وتر المشاعر القومية والكرامة الوطنية، جاء رده على مسألة بأهمية تسليح الأكراد على حدود بلاده متقطعاً، وديبلوماسياً أكثر من المتوقع. فتمنيات من قبيل أن تتراجع واشنطن عن «خطأ جسيم»، أو تلويح بأن تركيا لن تتحالف مع «تنظيم إرهابي في محاربة تنظيم إرهابي آخر»، لا تسمن من جوع في هذه الحالة.

فتركيا خسرت ود أوروبا في شكل شبه كلي، وعلاقتها مع موسكو تبقى متذبذبة وغير مضمونة لا سيما أن خلافاً جوهرياً حول الموقف من النظام السوري يشوبها، وهي بحاجة لتحالفات دولية متينة ليس أفضل من واشنطن لعقدها معها. وكانت أنقرة أرسلت أكثر من إشارة في هذا الاتجاه، بدءاً من اعتبار النظام الرئاسي الأميركي «نموذجاً» يحتذى عوضاً عن «التوافقية (الأوروبية) المعطلة»، وصولاً إلى مقولة عدم تعارض الديموقراطية مع عقوبة الإعدام التي تسعى تركيا اليوم إلى استعادتها ولا تزال مطبقة في عدة ولايات أميركية.

لكن ما لا يزال غير واضح هو كيف ستتعامل واشنطن مع هذه الشراكة وما إذا كانت معنية بإرسال تطمينات بالأفعال لا بالأقوال، عقب قرارها الأخير.

ويبدو أن من بين ما يتم طرحه حالياً في هذا السياق، هو أن تقوم واشنطن بمراقبة الأسلحة الممنوحة للشريط الكردي ومنع انتقالها إلى «حزب العمال»، والتأكيد بأن وحدات حماية الشعب ستغادر الرقة بعد تحريرها لتبقى مسألة إدارتها مؤجلة. لكن ذلك لا يطمئن تركيا على الإطلاق وإنما يزيدها قلقاً. فهي خطوة تمهد بداية لاعتراف سياسي دولي بالأكراد السوريين ما قد يؤدي تدريجياً إلى اعتراف بـ «إدارة كردية» قد تضم لاحقاً «حزب العمال الكردستاني» وتتحول مع الوقت إلى منطقة حكم ذاتي بشروط لا كلمة لتركيا فيها.

والحال إن القرار الأميركي الأخير ليس اعتباطياً أو «ترامبياً» بالدرجة التي قد يبدو عليها. ذاك إنه جاء بدوره كرد فعل على اتفاق آستانة الأخير، الذي أبرم بين كل من تركيا وروسيا وإيران، فارضاً الأخيرة كلاعب دولي أساسي و «طرف ضامن» لوقف العمليات القتالية في سورية، وهو ما يضرب عرض الحائط بسعي الإدراة الأميركية لتقليص الدور الإيراني في الشرق الأوسط، والذي لن تتنازل عنه واشنطن.

لذا، ليس مستغرباً أن تكون أنقرة قد تلقت الرسالة بوضوح، وامتصت الصدمة عبر تصريحات متفرقة هنا وهناك، وتصعيد لغوي معد للاستهلاك الداخلي، ليبقى السؤال حول الثمن الذي ستطلبه من واشنطن. فإذا كان ترامب حديث العهد في السياسة والعلاقات الدولية، يبقى أن نظيره التركي لا تنقصه الخبرة ولا الدراية، وهو يدرك جيداً أن بعض العواصف يقتضي الانحناء قليلاً. وبحسبة سريعة للمصالح التركية، وعلى رأسها إبعاد شبح دويلة كردية من على حدودها، ليس ما يمنع أن يطلب من واشنطن أن تكون هي الضامن الدولي لحصة تركيا من آستانة. فيستكمل الشريط الحدودي «العربي- السني» في الشمال السوري عبر ملء المناطق الآمنة باللاجئين والنازحين (منطقة درع الفرات)، وتدفع مناطق السيطرة الكردية إلى الداخل مع إبقائها تحت مظلة أميركية. فإن قاتلت «داعش» أو تناحرت في ما بينها، لا يعود الفرق كبيراً.

الحياة

 

 

 

قراءة في اتفاق «المناطق الآمنة» في سورية/ لينا الخطيب

تم في الأسبوع الماضي التوقيع على اتفاق حول إنشاء «مناطق تخفيف التصعيد» في سورية بين روسيا وتركيا وإيران كجزء من محادثات آستانة بقيادة روسيا وتركيا. وجاء الاتفاق عقب المحادثات المباشرة الأولى بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، بحضور مساعد وزير الخارجية الأميركي بالنيابة لشؤون الشرق الأدنى بعد ذلك كمراقب عن محادثات آستانة.

لكن الاتفاق جاء أيضاً بعد انسحاب الجماعات السورية المعارضة المسلحة التي شاركت في المحادثات احتجاجاً على استمرار قصف النظام السوري مناطق المعارضة. وكان ممثلو هذه الجماعات قد عادوا الى الانضمام الى المحادثات في نهاية المطاف بعد انسحابهم ولكنهم انسحبوا مرة أخرى عندما تم توقيع الاتفاق بين روسيا وايران وتركيا، مشيرين الى دور إيران في الاتفاق كسبب لانسحابهم. كما أعرب الممثلون السياسيون للمعارضة السورية، الذين لم يكونوا جزءاً من محادثات آستانة، عن قلقهم من أن إيران – وهي إحدى الدول المؤيدة الرئيسية للميليشيات الموالية للنظام داخل سورية – أدرجت في الاتفاقية باعتبارها من «الضامنين» لمناطق تخفيف التصعيد.

وعلى الرغم من أن البعض قد يعتبر الاتفاق إنجازاً ولو صغيراً في المحادثات، فإن قراءة بنوده تظهر على نحو وثيق أنه قد لا يكون بالضرورة الخطوة الأولى نحو السلام، ولكن قد يكون له أثر معاكس.

إن عدم موافقة المعارضة السورية على الاتفاق يأتي بعد سنوات من محاولة التفاوض مع النظام السوري من خلال عملية جنيف من دون أن يتمكن من الوصول إلى المفاوضات وجهاً لوجه بين الجانبين. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم جدية النظام أو داعمته الرئيسية روسيا في التوصل إلى تسوية مع المعارضة.

مع تزايد الضغط الخارجي على المعارضة السورية، يتم دفعها إلى خيار ضيق وهو أن تعلن في النهاية دعم المبادرات التي يبدو أنها توجه الصراع نحو درجة من تخفيف التصعيد، على أساس أن تخفيف التصعيد سيمهد الطريق لمحادثات سلام أوسع نطاقاً. ونظرياً، يمكن عندئذ للمعارضة أن تبني على مخرجات آستانة في الجولات المقبلة لمحادثات جنيف في وقت لاحق من شهر أيار (مايو) الحالي.

كانت الرغبة في تخفيف حدة التصعيد قد دفعت المعارضة إلى قبول سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار التي تم التوصل اليها في جنيف في الماضي. ولكن حينذاك، واجهت المعارضة في الوقت نفسه التحدي ذاته الذي شعرت به الجماعات المشاركة في آستانة، ما دفع كلاً منهما إلى رد الفعل نفسه: في الماضي انسحبت المعارضة من جنيف بسبب التجاوزات المستمرة من النظام، وفي الآونة الأخيرة، جمد المندوبون مشاركتهم في آستانة للسبب نفسه.

وعلى رغم أن اتفاقيات مثل «مناطق تخفيف التصعيد» تبدو إيجابية في الشكل، إلا أنها غالباً ما كانت تستخدم من روسيا والنظام السوري لإيذاء صدقية المعارضة السورية وممثلي الجماعات المسلحة، اذ ان مواصلة مشاركتها في المحادثات أثناء قصف النظام المدنيين يجعلها تبدو منفصلة عن أرض الواقع.

غطت وسائل الإعلام العالمية اتفاق آستانة كاتفاق حول إنشاء «مناطق آمنة»، ولكن «مناطق تخفيف التصعيد» ليست الشيء نفسه. فالمناطق الآمنة لا يضمن أمنها من جانب أي من الأطراف المشاركة في النزاع. ولكن اتفاق آستانة يسمح لروسيا وايران بإقامة نقاط تفتيش ومراكز مراقبة «لضمان تنفيذ بنود نظام وقف إطلاق النار» في مناطق تخفيف التصعيد.

وعلى الرغم من أن الاتفاق ينص على أن «الضامنين» (روسيا وإيران وتركيا) «سيطلبون من الأطراف المتصارعة التوقف عن استخدام أي نوع من الأسلحة في مناطق تخفيف التصعيد» (وبالتالي تجاهل أن روسيا وإيران نفسيهما هما اثنان من تلك الأطراف المتنازعة)، ينص الاتفاق لاحقاً على أن الضامنين «سيتخذون جميع التدابير اللازمة لإجبار جماعات داعش وجبهة النصرة (المعروفة الآن باسم جبهة فتح الشام) على الخروج من مناطق التصعيد كما جماعات أخرى لم تنضم إلى اتفاق وقف إطلاق النار».

إن إدراج هذا البند مهم. فاذا تخيلنا كيف يمكن لمناطق تخفيف التصعيد أن تعمل، يمكن للمرء أن يتصور مناطق محاطة بالقوات الروسية والإيرانية (والتركية)، والتي تستخدم مراكز المراقبة لرصد تحركات الجماعات المسلحة داخل المناطق. وان يتصور مواصلة روسيا وإيران الانخراط في نشاط عسكري داخل تلك المناطق بحجة القضاء على تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة».

إن الاختلاط المتزايد لـ «جبهة النصرة» مع جماعات مسلحة أخرى تحت راية تحالف «هيئة تحرير الشام» بقيادة «النصرة» يعني أن العديد من الجماعات المسلحة ستعتبر من خلال هذا الاتفاق أهدافاً مشروعة لروسيا وإيران. وقد يدفع ذلك بدوره الجماعات المسلحة إلى الدخول في مواجهة عسكرية مع «النصرة».

ومن ثم يمكن أن تستخدم روسيا وإيران هذه السيناريوات للقول إنه أصبح من غير الممكن «تقديم المساعدات الإنسانية» أو «ضمان حركة المدنيين العزل في المناطق» كما يفترض الاتفاق، مما يضع العبء على عاتق جماعات المعارضة المسلحة. وسيتجلى ذلك بشكل خاص في محافظة إدلب (المشار إليها في الاتفاق بـ «المقاطعة»)، التي يتركز فيها عدد كبير من جماعات المعارضة المسلحة ووجود مقاتلي «النصرة».

إدلب هي أيضاً المنطقة التي يقل فيها نسبياً وجود الميليشيات المدعومة من إيران عن المناطق الأخرى المذكورة في الاتفاق، وهي المنطقة شمال حمص والغوطة الشرقية وجنوب سورية. ولذلك فإن خطة إنشاء منطقة لتخفيف حدة التصعيد في إدلب يمكن أن تكون وسيلة لإيران لاختراق هذه المنطقة «بصورة شرعية».

يأتي توقيت الاتفاق أيضاً بعد تغيير موقف روسيا تجاه المجالس المحلية في سورية، حيث أدرجت روسيا دوراً لهذه المجالس المحلية في مشروع دستور لسورية تم تقديمه في جولة سابقة من المحادثات في آستانة. التفسير المحتمل لهذا التغيير هو أن روسيا تأمل باستيعاب المجالس المحلية في الدولة السورية الى حين الوصول الى اتفاق تسوية للنزاع في المستقبل. وبما أن المجالس المحلية تعمل في بعض المناطق المدرجة في اتفاقية مناطق تخفيف التصعيد، يبدو أن خطة روسيا هي استخدام مناطق تخفيف التصعيد كخطوة أولى نحو الهيمنة على المجالس المحلية.

إن تخفيف تصعيد الصراع في سورية هو في الواقع خطوة ذات مغزى نحو التوصل إلى تسوية، ولكن الاتفاق الإشكالي الحالي الذي وضع في آستانة يصب الزيت على النار.

* كاتبة لبنانية ورئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد «تشاتام هاوس»، لندن

الحياة

 

 

 

اتفاق آستانة لن يعيش طويلاً/ حسان حيدر

لم يمض شهران على رفض بشار الأسد اقتراح المناطق الآمنة الذي تحدث عنه دونالد ترامب بغموض قبيل تسلمه سلطاته، حتى أعلنت دمشق أنها تؤيد الاقتراح نفسه، بعدما جاء هذه المرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبتأييد من إيران.

ففي العاشر من شباط (فبراير) الماضي رفض الأسد في مقابلة مع «ياهو نيوز» الفكرة واعتبر أنها «غير واقعية، وغير ممكنة قبل تحقيق الأمن والاستقرار في سورية والقضاء على الإرهابيين». وقبل ثلاثة أيام فقط قال وزير خارجيته وليد المعلم إن حكومته تلتزم اتفاق آستانة بإنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد بضمانة كل من موسكو وأنقرة وطهران، لكنه شدد على أن ذلك «لن يوقف الحرب على المجموعات الإرهابية».

ومع أن حاكم دمشق لا يملك أي قدرة على رفض ما يقبل به رعاته الروس والإيرانيون، إلا أن هؤلاء يحرصون على أن يعلن شكلياً موقفه ليمنحهم ذرائع قد يحتاجونها لاحقاً للتملص.

ليس معروفاً من أين جاء اقتراح ترامب. فهو قال إن الأوروبيين ارتكبوا خطأ فادحاً عندما وافقوا على استقبال ملايين اللاجئين من سورية والشرق الأوسط. ومع أن الولايات المتحدة لم تكن معنية مباشرة بأزمة اللاجئين التي هزت أوروبا، بسبب بعدها الجغرافي.

من الواضح أن بوتين تلقف الفكرة الأميركية أو ربما كان وراءها منذ البداية. غير انه قدم صيغة مختلفة تطالب واشنطن بتعديلها، مبدية تخوفاً من «شيطان التفاصيل».

لكن، إضافة الى الموقف الأميركي الذي قد يتغير بعد لقاءات لافروف في واشنطن، تبدو دوافع روسيا وتركيا وإيران موقتة، ومرشحة لتقلبات تفرضها الحسابات الخاصة بكل منها.

فموسكو تعتقد أن الاتفاق سيمكنها من انتزاع قيادة الحل العسكري- السياسي في سورية، بما يضمن دورها ومصالحها، ومن تعقيد المهمة الأميركية في طرد «داعش» من معقله في الرقة، حيث لا تجني الولايات المتحدة وحدها الفضل في طرده، بعدما منعتها من المشاركة في الحرب على التنظيم في العراق. ولهذا سرّب الروس معلومات عن حظر طيران التحالف الدولي ضد «داعش» ثم تراجعوا بعدما زمجر الأميركيون.

ويرى الروس أن خطتهم تمنح قوات الأسد الفرصة لإعادة ترتيب أوضاعها في مناطق سيطرتها «المفيدة»، بما يكرس التفوق الذي حققته حتى الآن بمساعدتهم، كما تطلق يدها في مواصلة استهداف مناطق بعينها بحجة أن فيها «إرهابيين».

وتعرف موسكو أن مفاوضات الحل السياسي ستطول بما يكفي لتغيير الأدوار وتعديل الأوضاع على الأرض، مع احتمالات نشوب قتال بين المعارضة والمتطرفين. وربما ينشغل الأميركيون بقضايا أكثر أهمية من البحث عن ترتيبات للحكم في سورية.

وبالنسبة الى تركيا التي تدعم بعض فصائل المعارضة، فهي ترى أن تدخلها وتأثيرها سيكونان أسهل بكثير في شمال سورية، لأن لديها حوالى ثلاثة ملايين لاجئ سوري يفترض أن ينتقل معظمهم الى المنطقة الآمنة هناك عبر الشريط الذي يحتله جيشها، ما يعني تشكيل غالبية عربية مستجدة في مناطق الأكراد المحاذية للحدود التركية، تقضي على أي فكرة للحكم الذاتي.

وتقرّبُ أنقرة من موسكو مرده الى استيائها الشديد من دعم واشنطن «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تتهمها بأنها امتداد لـ «حزب العمال الكردستاني». وزاد هذا الاستياء بعدما وافق ترامب أول من أمس على تسليح «الوحدات» واعتمادها قوة رئيسية في الهجوم المزمع على الرقة.

أما إيران المتخوفة من خطوة أميركية لقطع طريق الإمداد البري من أراضيها الى «حزب الله» عبر العراق وسورية، فهي بحاجة الى تعزيز تحالفها مع الروس لاستيعاب هجمة ترامب وعزمه على تقليص دورها في سورية، وفي حاجة ايضاً الى تهدئة جبهات القتال التي ينخرط فيها الحزب لمنحه فرصة لالتقاط انفاسه، لا سيما في ظل التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة والغارات التي تستهدف مخازن سلاحه في الاراضي السورية. ولهذا فهي تقبل موقتاً بالاحتفاظ بما يمكن الحفاظ عليه بانتظار تغير الموازين.

واذا كانت أهداف كل من أطراف اتفاق آستانة مختلفة عن الآخر، فهذا يعني أن نجاح تطبيقه رهن باستمرار خدمته هذه الأهداف المتباينة، وأن تغيرها بالنسبة الى أي منهم سيؤدي الى تقويضه، وهو أمر قد لا يتأخر اذا نجح الأميركيون في «تحييد» أحدهم.

الحياة

 

 

 

 

هل أخطأت تركيا بتوقيع اتفاقية أستانة؟/ سمير صالحة

احتمالات نجاح الاتفاق البدعة “مناطق تخفيف التوتر” بين موسكو وأنقرة وطهران فوق جزء من الأراضي السورية كبيرة، لكن أسباب التوقعات بالفشل كثيرة أيضا.

شراكة ثلاثية بين لاعبين من المفترض أن مصالحهم متضاربة متباعدة في الملف السوري تظهر إلى العلن بقدرة قادر على هامش اجتماعات أستانة، لتتحول إلى شركة مساهمة ضامنة محدودة المسؤولية، بغاية غير ربحية، هدفها تقديم خدمات أمنية وسياسية وإنسانية مجانية للشعب السوري، رغما عنه، وبالمعايير والمواصفات التي حدّدتها رؤى الفرقاء الثلاثة، تحت غطاء لا خيار آخر أمامكم، وثقوا بما نقول، وحقل التجارب السوري قادر على استيعاب مزيد من الاختبارات بعد.

فجأة، تعلن روسيا وتركيا وإيران عن قرار تبديل القبعات إلى زرقاء هذه المرة. كان الشريك الأممي ستيفان دي ميستورا حاضرا للترحيب بالخطة الروسية، ووصفها بأنها تحرك في الاتجاه الصحيح لوقف حقيقي للقتال. والخارجية الأميركية، على الرغم من تحفظها وتشكيكها في مشاركة إيران دولة ضامنة فيما هي متهمة بقتل الشعب السوري “تقدّر جهود التهدئة التي بذلتها الدولتان الضامنتان، روسيا وتركيا، باتجاه المساهمة في تخفيف التصعيد، ووقف معاناة الشعب السوري والتمهيد لحل سياسي للنزاع”. أوروبا أيضا تريد الخروج بأسرع ما يكون من تهديد موجات اللجوء التي يحرّكها المشهد السوري، ولذلك رجحت التأييد الخجول. كثير من دول المنطقة، وكعادتها، متردّدة أو منقسمة، حيال ما يجري، وهو أكبر ما يمكن أن تقدمه للإخوة السوريين الذين ورّطوا الجميع بثورتهم على النظام قبل ست سنوات.

سؤال: لماذا لم تحمل موسكو مشروعها السوري إلى مجلس الأمن، ليناقش هناك، ويحظى

“قبلت أنقرة التحدّي في التوقيع على اتفاقية نفترض أن الحلقة الأمنية والعسكرية الثانية فيها وشقها السياسي لم يعلن بعد” بالدعم والتأييد والإجماع الدولي؟ هل كانت تخاف الفيتو الأميركي الأوروبي، أم هي أرادت عدم إشراك بعضهم في خطتها لتحصن مواقعها الإقليمية، وتثبت أقدامها في المنطقة، عبر تكريس نفوذها في سورية؟

ماذا عن إيران؟ لا مشكلة عندها، هي جاهزة للحوار مع كل من يحمي حصتها، وهي آخر ما فعلته كان قبول اتفاقية التفاهم النووي مع أميركا، والدخول في حلقة من المساومات الإقليمية مع عدوها اللدود في كل مكان.

لماذا قبلت تركيا توقيع اتفاقيةٍ، ليس مع روسيا التي لم يعد لها خلافات معها سوى حول توقيت تصدير سلعة البندورة وتسعيرها، وتحديد نوعها، وجنسها المناسب، للمتذوق الروسي، بل مع إيران التي كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل أيام، يتهمها باتباع “سياسة توسعية فارسية في المنطقة ستقود إلى توتر العلاقات وتراجعها، وتتسبب بانفجار أمني وسياسي بين البلدين”؟ هل لأن طهران نجحت، وبسرعة البرق، في إقناع أنقرة بأنها تخلت عن مواقفها التي تقلق الرئيس التركي، أم أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هو الذي استطاع إقناع أنقرة بفوائد تأسيس هذه الشراكة الثلاثية؟ أم هي البراغماتية اللعينة من حمى عدم انقطاع الخيط الرفيع الجامع بين تركيا وإيران؟

ربما وصلت أنقرة إلى قناعة بأن التفاهم مع إيران هو الحل الوحيد لإضعافها في سورية، وتقليص نفوذها، وتجنب ارتدادات أحلامها التي بدأت تقترب من مناطق الحدود التركية السورية في خط الساحل وإدلب نفسها. وما دفع أنقرة إلى توقيع اتفاقية أستانة أيضا هو اكتشافها نقاط الضعف الروسية في الملف السوري، وحاجة موسكو إلى قفزة سياسية إلى الأمام تقطع الطريق على العودة الأميركية، وتخفف عنها عبء التحالف مع النظام وإيران، وبالتالي، حاجة الكرملين لتركيا لإطلاق خطة تحرّك جديد من هذا النوع في سورية.

تقول الخارجية التركية إن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في كازاخستان سيشمل كل إدلب وأجزاء من حلب واللاذقية وحمص. وسيحظر استخدام جميع الأسلحة في تلك المناطق، ويحظر تحليق الطيران السوري، وسيسمح بإدخال المساعدات. احتمال أن يكون بين ما دفع السفير التركي، سدات أونال، لتوقيع الاتفاق في أستانة قناعته أنه سيوفر لأنقرة فرصة التقاط الأنفاس على جبهة شمال غرب سورية، والتركيز على مناطق شمال شرق البلاد، حيث تستعد واشنطن، مع حليفها الكردي هناك، لإعلان منطقة نفوذها الجديد ومحاصرة تركيا بالجغرافيا الكردية، وكان الحقيقة هي غير ذلك، تماما كما فعلت في شمال العراق.

الاتفاق بالنسبة لتركيا ربما هو أيضا فرصة لتخفيف التوتر على الجبهات السورية – السورية،

“قبول الاتفاق الثلاثي بالنسبة لتركيا مرتبط أيضا بإصرار واشنطن على تحالفها المعلن مع “قوات سورية الديمقراطية” والالتفات أكثر إلى معركة القضاء على “داعش”، بالتنسيق مع روسيا، هذه المرة، طالما أن واشنطن لا تريد أن تراها إلى جانبها في الرقة، فهل حصل التفاهم التركي الروسي على تحرّك سريع بهذا الاتجاه؟ وهل تكون المفاجأة الروسية المقبلة هي إعلان خطة التنسيق العسكري مع تركيا لمحاربة “داعش”، والقضاء عليه في سورية؟

بدأ الإعلام الكردي، المقرب من حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، يشن هجماتٍ عنيفةً على تفاهم أستانة، ويصفه بالتآمر الثلاثي على سورية وشعبها. ردة الفعل الكردية هذه لا يمكن أن تكون عن عبث، أو تتم إرضاء لواشنطن. هناك قلق كردي أميركي من احتمالات حدوث تفاهم تركي روسي على المشاركة بالقوة، ورغما عن التحالف الأميركي الكردي في الحرب ضد “داعش”، وربما هذا هو بين الأسباب التي دفعت أنقرة لقبول الجلوس أمام طاولةٍ واحدة مع روسيا وإيران.

كانت رسائل الرئيس التركي من روسيا، قبيل لقائه بوتين، باتجاه واشنطن التي يستعد لزيارتها خلال أيام “أنقرة وموسكو قادرتان على تغيير مصير الشرق الأوسط في حال اتخاذهما قرارات جادة.. أنا مقتنع اليوم بأن الرئيس الروسي يريد إنهاء المأساة في سورية”. ربما غياب واشنطن، الحليف المفترض لتركيا، عن تحركها الحقيقي أمام الطاولة الثلاثية في لقاءات أستانة هو الذي دفع أنقرة أكثر نحو بوتين وموسكو. قبول الاتفاق الثلاثي بالنسبة لتركيا مرتبط أيضا بإصرار واشنطن على تحالفها المعلن مع “قوات سورية الديمقراطية”، وتمسّكها بلعب الورقة الكردية في سورية ضدها، كما فعلت في شمال العراق .

كان السؤال، قبل أسابيع، بشأن حظوظ وفـرَص اتفـاق أنقرة التركي الروسي لوقف القتال في سورية من دون مشـاركة ودور فاعـل لطهران وواشنطن، فكبرَ حجمه أكثر هذه المرّة إلى محاولة معرفة ما الذي يبحث عنه الأتراك والروس ليس في أستانة، بل في سورية؟ تفهم أنقرة الطرح الروسي حول ضرورة التنبه إلى الموقف الأميركي المرتقب في شمال سورية المتمسك بتكرار ما جرى على حدودها العراقية رافقته ضمانات روسية حول أن نظام الأسد لم يعد شرطا أساسيا في مستقبل سورية الجديدة، طالما أن أنقرة لن تعارض الدور والنفوذ الروسي في سورية.

وقد قبلت أنقرة المغامرة والتحدّي في التوقيع على اتفاقية أمنية عسكرية، نفترض أن الحلقة الأمنية والعسكرية الثانية فيها، وشقها السياسي لم يعلن بعد، وأنها ستطيح الحلم الإيراني السوري، عبر حمل طهران إلى الطاولة والتوقيع، لكنّها تعرف أيضاً أنّها تغامر بخسارة ما تملكه من فرص متبقية لها في سورية، وأهمّها خسارة رهان المعارضة السورية عليها، من دون التوقف مطولا عند احتمال التقارب الأميركي الروسي، في اللحظة الأخيرة حين يبعدها هي عن الطاولة.

آخِر ما ردّدته قوى المعارضة السورية في لقاء أستانة الثالث كان أنّ اللقاء سيبدأ بمادة الالتزام بتنفيذ شروط اتّفاقية أنقرة المخترقة إيرانياً، وبعدها ستتمّ عملية الانتقال إلى جدول الأعمال، وأنّها لن تدخل في أيّ حوار سياسي مباشر من دون ذلك. الصوت السوري الرافض الذي التقطته العدسات في أستانة الرابع لحظة تقدّم رئيس الوفد الإيراني للتوقيع على الاتفاق الثلاثي كان يردّد هذه المرة “مجرمون، قاتلون، أنتم تقتلون الشعب السوري”. التهم والإدانة هي لإيران، لكن الرسالة تعني تركيا الضامن باسم المعارضة في الاجتماعات أيضا.

العربي الجديد

 

 

 

الجمباز الروسي في سورية/ وليد شقير

لم ينته اجتماع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى نتائج واضحة تتبنى فيها واشنطن الخطة الروسية لإقامة مناطق تخفيف التصعيد الأربع في سورية، والتي اعتمدت في اجتماع آستانة. بدلاً من التبني الأميركي لهذه الخطة التي أقل ما يقال فيها إنها غامضة، طالب ترامب شريكه الروسي بأن “يكبح نظام بشار الأسد وإيران ووكلاءها”.

ولم يتحقق لموسكو ما دأبت على القيام به مع الإدارة الأميركية منذ أيام باراك أوباما: اتفاقات لوقف النار منذ نهاية عام 2015 كانت تخرق بأبشع أنواع القصف التدميري من الطيران الروسي وطائرات النظام الذي خلف مجازر وإخراج مستشفيات من الخدمة عن سابق تصور وتصميم، تحت عنوان استهداف “داعش” و “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام)، من أجل القضاء على المعارضة المعتدلة كي لا تشكل بديلاً من رأس النظام الحاكم، وجلبها ضعيفة إلى التفاوض وفق شروطه.

ومنذ بداية عام 2016 نظم الروس أكثر من اتفاق لوقف النار والأعمال القتالية (26 شباط/ فبراير) وجروا وزير الخارجية الأميركي آنذاك جون كيري إلى الموافقة عليه في شكل ثنائي وكي تساهم واشنطن في الضغط على المعارضة لتنفيذه بشتى الوسائل مع تسليم كامل للجيش الروسي بأن يواصل عملياته، ومن دون اشتراط ضبطه إيران على الساحة السورية، في إطار تفاهم غير مكتوب بين إدارة أوباما وبين طهران على عدم معاكسة سياستها في سورية والمنطقة، حرصاً على استمرار حسن تنفيذ الاتفاق على النووي. والمعلومات المسربة عن الخطوات التي تزامنت مع “النووي” أشارت إلى الإفراج عن سجناء إيرانيين دينوا بأعمال إرهابية أو بخرق الحظر على توريد معدات للبرنامج النووي وصرف أموال محتجزة.

أما في شأن اتفاق آستانة الأخير، فإن سعي موسكو إلى نيل غطاء مجلس الأمن لتطبيقه، كما فعلت حين وافقها أوباما على استصدار قرار “وقف النار” المسخرة في شباط 2016، فإنه يواجه تحفظ الدول الغربية في مجلس الأمن نظراً إلى التجارب السابقة. فمنذ صدور القرار 2254 آخر 2015 (والذي أطلق ما يفترض أنه العملية السياسية في جنيف) حتى الآن، اقتصرت القرارات الدولية الصادرة على معالجات أمنية جاءت كلها نتيجة العمليات العسكرية الروسية- الإيرانية- الأسدية، لا أكثر. وآخرها احتلال حلب (القرار 2328)، ففي كل مرة ترعى موسكو ترتيبات أمنية كانت تتبعها هزيمة للمعارضة.

من الطبيعي أن ترتفع علامات الاستفهام بعد اتفاق آستانة الأسبوع الماضي حول المناطق الأربع. بل أن الأدهى هذه المرة أن تكون القيادة الروسية تهدف إلى تحويل إطار آستانة الأمني إلى بديل لإطار جنيف السياسي الذي يستند إلى بيان جنيف الشهير (عام 2012) وصلبه بحث الانتقال السياسي.

لو كان الجانب الروسي جدياً في الحلول للأزمة السورية لما استخدم عناوين ملتبسة للاتفاقات التي يرعاها. فالقادر على التهدئة يمكنه فرض وقف النار الدائم.

التشكيك بالنوايا هنا ليس صعباً. فكيف ترعى روسيا اتفاقاً لتهجير أهالي بلدة برزة في دمشق، غداة مذكرة آستانة التي تنص بين بنودها على “تهيئة ظروف العودة الآمنة والطوعية للاجئين”؟ وكيف يستوي ذلك مع تحضيرات لتهجير أهالي القابون (تقع في إحدى المناطق الأربع)، التي أعلن مسؤولو النظام أنها ستكون الخطوة التالية؟ تحت مظلة آستانة يقضم النظام مناطق التهدئة المفترضة، بتشجيع من إيران، والتهاء تركيا عن ممارسة دورها، بخوض معركة الاحتجاج على تسليح الولايات المتحدة الأكراد في الشمال، على رغم أنها واحد من رعاة الاتفاق الثلاثة. وبشار الأسد يكرر أنه مصمم على بسط سيطرته على سورية وأنه سيعيد النازحين، بعد إعادة الإعمار! وهو ما يعزز الاعتقاد السائد بأن موسكو وأنقرة وطهران تتقاسم مناطق النفوذ عبر المناطق الأربع، ما يؤسس لحروب مفتوحة بين هذه المناطق.

كانت حجة موسكو سابقا أن إدارة أوباما غير جدية في الاتفاق معها على سورية، وأنها تصوغ اتفاقات مرحلية مع جون كيري في انتظار الإدارة الجديدة، وإذ بها تتعاطى مع ترامب بالأسلوب ذاته. أما حجتها الآن، فهي العمل على إقناع ترامب بدورها الوسيط بينه وبين القيادة الإيرانية، فيما الرئيس الأميركي يتهيأ لزيارة المملكة العربية السعودية للتنسيق معها في ضرب الإرهاب و “داعش” ومواجهة تمدد إيران الإقليمي.

محاولة القيصر التوسط بين طهران وخصومها سبق أن فشلت حين تنطح لهذا الدور بالعلاقة مع دول الخليج، التي أبلغته أنها لن تلدغ من الجحر مرة أخرى. هل باتت موسكو عاجزة في سورية، فتبقي أزمتها معلقة، ونزيفها مستمراً، باعتمادها نوعاً من الجمباز السياسي؟

الحياة

 

 

 

 

المناطق الآمنة إذ تستنسخ وقف النار/ خالد غزال

للوهلة الأولى يبدو اتفاق «آستانة 4» الذي وقعته دول روسيا وتركيا وإيران مختلفاً في الشكل والمضمون عن الاتفاقات السابقة في شأن وقف النار. الاتفاق الجديد كان صريحاً في تحديد المناطق التي ستعتبر «آمنة»، وهي «مناطق الحد من التصعيد ينبغي أن يتم إنشاؤها بهدف إنهاء العنف في شكل عاجل وتحسين المناطق». وهذه المناطق تحديداً: محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، حماة وحلب)، مناطق معينة من شمال محافظة حمص، الغوطة الشرقية، مناطق معينة من جنوب سورية (محــافظتي درعا والقنيطرة)، وفق ما نصت عليه الاتفاقية. كما ينص الاتفاق على وقف الأعمال العدائية بين النظام والمعارضة ووقف الأعمال العسكرية الجوية من قبل دول التحالف الدولي، مع استمرار الأعمال العسكرية ضد «جبهة النصرة وداعش».

في الاتفاق ما هو جديد، وفيه ما يتطابق مع اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة. الملاحظة الأولى تتصل بتنفيذ الاتفاق على الأرض، فعلى رغم مرور أيام عدة على إعلان تنفيذه، يستمر النظام السوري في عملياته العسكرية ضد قوى المعارضة على مختلف أنواعها. لا شك في أن النظام يتصرف من موقع إبلاغ القوى «الضامنة» بأن تجاهله في الاتفاقية وفرض القرارات عليه مسألة لا يقبلها، وخير ترجمة لرفضه أن يتابع القتال. هذا من جهة. من جهة أخرى، لا يزال النظام أسير منطق أحادي الجانب، يرفض أي تسوية سياسية تحد من سلطاته المطلقة، بل ويصر على الحسم العسكري وإعادة توحيد سورية تحت قبضته. هذا من دون أن ننسى أن النظام يخشى فعلياً بعد هذه السنوات من صفقة دولية يدفع رأسه ثمنها. وإذا كان النظام أعلن قبوله بالاتفاق، فلا يجب أخذ هذا الإعلان على محمل الجد.

الملاحظة الثانية تتصل بموقف المعارضة المسلحة. فالوفد العسكري الذي ذهب إلى مفاوضات آستانة رفض التوقيع على الاتفاق، وتوعد الآخرين بالرد على الأرض في سورية. كان الوفد العسكري مدركاً تداخل القوى العسكرية على الأرض، ولم يخف عليه أن القرار بتواصل العمليات العسكرية ضد التنظيمات المتطرفة هو قرار ملتبس وغامض سيأخذ الجميع بالجملة ولن يقتصر على «داعش والنصرة». وهذا الأمر سبق وعرفته قوى المعارضة المسلحة عندما تعذر التمييز بين معارضة معتدلة ومعارضة متطرفة.

هذا الموقفان من النظام السوري والمعارضة المسلحة يضعان تطبيق الاتفاقية في مهب الريح، ويؤشران إلى صعوبة تنفيذها في الأشهر الستة المحددة لها. وهو أمر جديد – قديم في الأزمة السورية والاتفاقات التي صيغت حولها لوقف إطلاق النار.

الملاحظة الثالثة تتصل بالموقع الجديد المعطى لإيران في ضمان المناطق الآمنة. في الموقف من إيران في سورية، لا يمكن سوى التحصن بسوء الظن في الأهداف الإيرانية من التدخل في سورية. لم تخف إيران أهدافها من أن تدخلها أبعد من الحفاظ على النظام السوري الذي يشكل منع سقوطه هدفاً جوهرياً لإيران. جاهرت إيران ولا تزال بمشروعها الإقليمي الذي يجعل من العالم العربي، خصوصاً دول بلاد الشام، مدى حيوياً لإيران، وكان تعبير الهلال الشيعي أحد ترجمات هذا المشروع الذي لا تزال إيران تعمل بقوة لتحقيقه. أن إدخال إيران ضمن القوى الضامنة يجعل منها الخصم والحكم في الوقت ذاته، وهو ما يثير الشكوك حول الأهداف البعيدة لصفقة ما مع النظام الإيراني، تهيئ لها روسيا ضمن تقاسم المصالح في منطقة الشرق الأوسط. إن إدخال إيران في لعبة المناطق الآمنة لن يوفر الأمن لهذه المناطق، بل سيسعّر من الصراع في الداخل.

وعطفاً على الملاحظة الأخيرة، تزداد الشكوك من تعيين مناطق محددة لفرض وقف إطلاق النار فيها، وهي شكوك تصل إلى ترجمة ما يثار حول مصير سورية وتفكيك كيانها إلى كانتونات، قد تكون هذه المناطق «البروفه» الأولى لتقسيمات أخرى تستند هذه المرة إلى إعادة تركيب ديموغرافيا سورية على قاعدة الطوائف والمذاهب والإثنيات. لا أحد يتحدث عن تبدلات في الكيان الجغرافي لسورية، ولكن إعادة تركيبها من الداخل بدأ يطرح نفسه بقوة بعد أن وصلت الأمور إلى حد يصعب على أي طرف من أطراف الصراع حسمه عسكرياً، وبعد أن باتت السلطة الرسمية ومعها قوى المعارضة ألعوبة في يد القوى الإقليمية والدولية.

يبقى السؤال مطروحاً عن الموقف الأميركي، والحديث الجاري عن صفقة إقليمية ودولية أساسها الاتفاق مع روسيا، ما سيطرح أسئلة عن هذا الموقف، خصوصاً أن الغموض لا يزال يخيم عليه، بين تصريحات تؤيد الصفقة التي تمّت في آستانة، وبين التحفظ عن هذه الاتفاقية. يحتاج الأمر إلى بعض الوقت ليظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

* كاتب لبناني

الحياة

 

 

 

مناطق« التهدئة» وترسيخ انقسام سورية/ أوليغ يغوروف

في الرابع من الشهر الجاري في الآستانة، أبرمت روسيا وتركيا وإيران اتفاق إنشاء مناطق «تهدئة» في سورية. وأعلن ممثلو حكومة بشار الأسد دعمهم المبادرة وعارضها وفد المعارضة احتجاجاً على دور إيران في ضمان التهدئة. ولكن الرئيس فلادمير بوتين بدا انه يحسم الجدال حين أعلن أنه ناقش المبادرة مع نظيره الأميركي الذي أيدها.

ويرى الخبير في الشؤون الدولية والعربية، سيرغي بالماسوف أن الحكومة السورية، شأن المعارضة، لن تنزل على المبادرة هذه «وستفعل كل ما في وسعها لتقويضها». فالبحث في إنشاء مناطق آمنة يعود الى سنوات ماضية، وليس جديداً. والنزاع السوري لم يحل بعد. ولن ينجو أي اتفاق يبرم اليوم من الانتهاك، ولو وافق عليه الأفرقاء على الورق. فالحرب الأهلية في سورية هي في مرحلة رفض الحكومة والمعارضة المساومة والتنازل.

ولكن إذا كانت ضغوط الوسطاء الثلاثة، إيران وتركيا وروسيا، قوية، وإذا ترافقت مع دعم واشنطن ودول عربية، وسع القوى الخارجية فرض حل على دمشق والمعارضة، يقول ليونيد إيسايف، استاذ في العلوم السياسية. واليوم، القوى الخارجية موافقة على هذا الاتفاق، ولم يُسأل السوريون عن رأيهم في الاتفاق. فهم عجزوا طوال سنوات عن التوصل الى تسوية. لذا، هم مضطرون الى قبول ما يقترحه الآخرون. والاتفاق يقترح إرسال قوات أجنبية الى سورية لحراسة المناطق الفاصلة، ولكنه لا يحدد جنسية هذه القوات. ولكن مدير مركز الدراسات الإسلامية في مركز التنمية المبتكرة، كيريل سيمينوف، يرى أن هذه القوات قد تأتي من دول محايدة مثل ماليزيا وإندونيسيا وبلدان المغرب العربي، ويدعو الى فرض اجراءات تطبيق الهدنة على الحكومة والمعارضة، على حد سواء. ولكن اذا نفذ مشروع مناطق التهدئة -وحدودها لم تحدد بعد- سينقسم البلد. فتسيطر الحكومة على بعض المناطق، والمعارضة على غيرها من المناطق، وقوات حفظ السلام على المناطق الفاصلة. وهذا التقسيم يفاقم انقسام سورية ويرسخه، في وقت لم يعد هذا البلد موحداً منذ أعوام كثيرة، يقول سيرغي بالماسوف. والمشاركون في الحرب الأهلية السورية لا يحسبون أن التعايش السلمي ممكن، وهم يرون أن مشاركتهم في مفاوضات جنيف والآستانة ما هي إلا واجهة تتستر على واقع الأمور. ويوافق إيسايف بالماسوف الرأي، ويقول إن الدولة السورية موجودة فحسب في خرائط غوغل، وفي دروس الجغرافيا وفي لافتة أمام كرسي في الامم المتحدة. فالبلد انهار وتبدد.

ويقول إيسايف إن القوى المعارضة لدمشق، سواء كانت المعارضة أم الأكراد، لا تفكر في إنشاء دول مستقلة. فمثل هذه الخطوة يحمل معضلات كثيرة. والدول المنبثقة من سورية لن تكون غير دول فاشلة، فهي لا تملك موارد عيش مستقل. ويرى ايسايف، أن هذه الحال قد تحمل على إحياء سورية كدولة وترميمها… في المستقبل البعيد.

* عن «راشا بيوند ذي هيدلايز» الروسية، 5/5/2017، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

روسيا وتركيا المستفيدتان من أستانة والبقية عليهم اقتفاء الفتات/ د. أحمد القيسي

واجهت روسيا مقاومة من القوى الغربية أثناء محاولتها كسب تأييد مجلس الأمن على الاتفاق في أستانة. ودبلوماسيون غربيون أعربوا عن تحفظاتهم على مشروع القرار الروسي قائلين إنه من السابق لأوانه الموافقة على الاتفاق حتى تتم الموافقة على الترتيبات النهائية لمناطق خفض التصعيد المقترحة. ومن غير المحتمل إجراء تصويت على مشروع القرار في الأيام القادمة، حتى تستطيع العواصم الغربية الحصول على مزيد من المعلومات حول الاتفاق.

يُذكر أن روسيا تقدم مقترحا لإنشاء 4 مناطق تخفيف للتصعيد في سوريا وتضمن تشكيل مجموعة عمل مشتركة بين ممثلي الدول الضامنة، والمناطق الأربع هي إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية وجنوب سوريا.

من المرجح أن التحفظات الغربية على نتائج مفاوضات أستانة جاءت نتيجة سيطرة روسيا وتركيا على المفاوضات وفرض مصالحهما دون مراعاة مصالح بقية اللاعبين بمن فيهم أميركا ودول الخليج وحتى إيران، ونستطيع القول إن المصالح الروسية كانت الأكثر طغياناً على مخرجات المفاوضات، حيث أن المقترح الروسي يؤسس نحو اللامركزية في الحكم في مناطق خفض التصعيد لتخفيف سيطرة الأسد وإيران على مناطق نفوذ المعارضة، الأمر الذي يؤشر على أن روسيا قد بدأت أولى خطواتها لسحب البساط من إيران والأسد، حيث تدرك روسيا أن الشرطة الروسية هي القوة العسكرية الوحيدة التي ستتولى أمن هذه المناطق لأن الحكومة السورية لن ترضى بدخول القوات التركية ولا الأردنية إلى مناطق تخفيف التصعيد. وبالمقابل لن ترضى المعارضة والدول السنية بدخول إيران وميليشياتها ونظام الأسد. وبهذا تضمن روسيا بقاءها الاستراتيجي وبكلف مادية أقل لكون هذه المناطق سيتم الإنفاق عليها من قبل المجتمع الدولي.

من جانب آخر، فإن تمرير المقترح الروسي ونجاح مناطق خفض التصعيد سيصبان في مصلحة شركة “غازبروم” الروسية بشكل مباشر، بإقفال الطريق للمشتقات النفطية من الخليج نحو جنوب أوروبا بما ينهي المنافسة الخليجية لها على سوق الغاز الأوروبية.

حصاد تركيا من الاتفاق كان أيضاً لمصلحة الأمن القومي التركي وليس من أجل القضية السورية، حيث تسعى تركيا إلى ضمان نفوذ أكبر لفصائل المعارضة الموالية لها من أجل استخدامها لتقويض تمدد الأكراد، رغم أنها تدرك أن الاتفاق سيكون له تأثير على وحدة الصف السني، حيث أنه من المحتمل حدو اشتباكات بين المعارضين الذين يعتزمون الالتزام بخطة أستانة وبين الرافضين لها، ومن المرجح أن تجرد تركيا من الدعم السعودي، فضلاً عن خسارة تركيا لثقة بعض فصائل المعارضة التي ستنتقد تعاون تركيا مع الروس المتهمين بقتل الشعب السوري.

أما حصة إيران من الاتفاق فقد كانت الأكثر تواضعاً، حيث أن الاتفاق التركي الروسي الإيراني في أستانة يشير إلى ضوء أخضر من روسيا وتركيا لإيران بالسيطرة على الحدود العراقية السورية بما يضمن خطوط إمداد حزب الله.

قبول الأميركان بنتائج المفاوضات سيشكل مفاجأة، حيث أن الأميركان كانوا دائماً ما يؤكدون على قرارات جنيف 1 الذي يركز على وضع نهاية لحكم الأسد، وهو الأمر الذي لم يتم التطرق له في المفاوضات، ومن الواضح أن الروس يسعون إلى قطع الطريق أمام أي تدخل أميركي ووضع بقية اللاعبين أمام الأمر الواقع، الأمر الذي سيبعد احتمال زيادة التنسيق الأميركي الروسي بما يتخطى تفادي النزاع والتوصل إلى تسوية مقبولة لجميع الأطراف، فمن المرجح أن تواصل روسيا وتركيا وإيران تعاونها لدفع أميركا إلى الخارج بعد هزيمة داعش.

بناء على المعطيات المذكورة آنفا فإنه من الصعب على روسيا تمرير الاتفاق بصيغته الحالية، وعلى الأرجح ستقوم موسكو بتقديم تنازلات أكبر لتمريره، لا سيما أن إسرائيل لا ترغب بوجود مراقبين أتراك وإيرانيين على حدودها. ورغم الموافقات المبدئية، فإن نظام الأسد والمعارضة لم يوقعا بعد على الاتفاق. وبعض فصائل المعارضة مازالت ترفض الاتفاق والوصاية التركية.

باحث عراقي مقيم في دبي

العرب

 

 

 

«آستانة» الأخيرة وتسليم أوراق سوريا كلها للروس والإيرانيين!/ صالح القلاب

أعطى الظهور الأميركي في اجتماع «آستانة» الأخير، انطباعاً بأنَّ قرار سوريا لا يزال في يد فلاديمير بوتين، وأنَّ ما جرى في هذا الاجتماع هو أن كل شيء لا يزال على ما هو عليه، وأن مصير الشرق الأوسط كله لا تزال تتحكم فيه روسيا الاتحادية، هذا إن لمْ يكن هناك تدارك سريع للأمور بعد زيارة لافروف الأخيرة إلى واشنطن.

كان هذا مفهوماً في زمن إدارة أوباما البائسة، ولكن الروس قد تمادوا كثيراً عندما فرضوا في هذا الاجتماع الأخير كل ما يريدونه.

المفترض حسب ما قاله الرئيس ترمب أنْ تخرج إيران من المعادلة السورية، ومن معادلة هذه المنطقة الشرق أوسطية نهائياً، لكن ها هي دولة الولي الفقيه قد تم تكرسيها مجدداً من قبل روسيا الاتحادية، في اجتماع «آستانة» في هذه المعادلة التي بقي الخصم فيها هو الحكم، وبقي «حاميها حراميها»، وبقي الضامنون حتى بالنسبة لهذه الاتفاقيات الجديدة هم الإيرانيون والروس، «وكأنك يا أبا زيد ما غزيت»!!.

حسب ما قيل وما تردد في الإعلام، وعلى ألسنة كبار المسؤولين الأميركيين، فإنَّ تنفيذ مذكرة المناطق الأربعة التي تم الاتفاق على أن تكون مناطق عدم تصعيد قليلة التوتر، سيكون بضمانة دول محايدة، لكن ما جرى في اجتماع «آستانة» الأخير أن كل شيء بقي على ما هو عليه، وأنَّ إيران قد تم تكريسها كدولة ضامنة، أي كدولة «محايدة»، وأنَّ روسيا بقيت تمسك بكل أوراق هذه الأزمة التي من المفترض أنها أصبحت أزمة دولية، كل هذا وقد أُعطي لتركيا دور ثانوي «ديكوري»، في حين أن المتوقع أن يفرضها الأميركيون دولة «ضامنة» رئيسية، من حقها أن تتدخل حتى عسكرياً لضبط الأمور في مناطق «تخفيض التوتر» الأربعة إنْ استلزمت مستجدات الأمور ذلك.

والسؤال هنا هو: كيف من الممكن يا ترى أن تلعب إيران دور الخصم والحكم في الوقت نفسه؟ والتي هي سبب المشكلات والإشكالات التي تشهدها سوريا ويشهدها الشرق الأوسط كله؟.

كان يجب إخراج إيران من هذه المعادلة نهائياً، والمفترض أن تكون الدول الضامنة لمناطق «التهدئة» الأربعة دولاً محايدة بالفعل، وذلك لأن الإيرانيين ولأن الروس أيضاً لا يمكن أن يكونوا محايدين، ولأنهم سيبقون يتلاعبون بعامل الوقت لإبعاد استحقاق: «المرحلة الانتقالية»، حسب «جنيف 1» وقرار مجلس الأمن رقم 2254، ولأنهم سيستغلون «ضمانهم» هذا الذي أقره اجتماع «آستانة» الأخير للإبقاء على بشار الأسد حتى نهاية رئاسته الحالية، بل وإنه غير مستبعد أن يضمنوا له ولاية جديدة وبانتخابات شكلية، ككل الانتخابات الرئاسية التي جرت في سوريا خلال نصف القرن الأخير كله.

ولعل ما تجدر الإشارة إليه هو أن وزير خارجية نظام بشار الأسد لم يلمّح فقط في مؤتمره الصحافي يوم الاثنين الماضي، بل أعلن وبكل وضوح أن صيغة المناطق الأربعة الآنفة الذكر لن تكون تحت رقابة الأمم المتحدة، وإنما تحت الرقابة الروسية، وأنها ستكون البديل لـ«حل جنيف والمرحلة الانتقالية»، وهذا يعني، إنْ لم يكن هناك تدخل أميركي ودولي عاجل لتصحيح المسار ووضع الأمور في أنصبتها الصحيحة، أنَّ الروس والإيرانيين قد حققوا انتصاراً كاسحاً، وأنَّ الأمور قد عادت إلى ما كانت عليه لدى انفجار الأزمة السورية، وكأن كل هذا الدمار لم يكن، وكأن مئات الألوف من الأرواح البريئة لم تزهق، وكأن الملايين من السوريين لم يتحولوا إلى لاجئين ومشردين، سواء داخل وطنهم أو في كثير من دول العالم القريبة والبعيدة.

إنَّ المفترض أن يكون وضع الولايات المتحدة في اجتماع «آستانة» الأخير ليس بصيغة «مراقب»، فهذا كان في عهد الإدارة السابقة التي هي المسؤولة عن وصول الأزمة السورية إلى ما وصلت إليه، أمّا في عهد هذه الإدارة الجديدة فإن المفترض أن تكون الدول الضامنة لـ«المناطق الأربعة» دولاً محايدة بالفعل، وأن تُفْرض على الإيرانيين فرضاً مغادرة سوريا سياسياً وعسكرياً، ووفقاً لجدول زمني محدد قصير المدى، وبكفالة دولية فاعلة، وألا يتم تأجيل المباشرة بالمرحلة الانتقالية وفقاً لـ«جنيف1» وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ولا للحظة واحدة.

ولعل الأخطر في هذا كله أنَّ هناك من يتحدث عن أنَّ ما تم الاتفاق عليه في «آستانة» الأخير سيكون بالنتيجة هو الحل النهائي، وأن فترة تطبيقه لن تقف عند مجرد الشهور الستة المتفق عليها، بل قد تمتد لسنوات طويلة، مما يعني أن عملية التلاعب والتسويف التي سيلجأ إليها الروس حتماً وبكل تأكيد ستسفر عن مستجدات كثيرة، وأن هذا النظام الاستبدادي المتهالك الذي على رأسه بشار الأسد، قد يستمر لسنوات طويلة، وتكون النتيجة أن كل هذه المذابح وكل هذه الدماء التي نزفت، ستكون نتيجتها كنتيجة مذابح حماة الشهيرة التي ارتكبها الأسد الأب وشقيقه رفعت، قائد سرايا الدفاع، في عام 1982.

ويبقى في النهاية أنه لا بد من الإشارة إلى أن الذين يراهنون على فراق روسي – إيراني قريب أو بعيد، يقعون في خطأ فادح، وأنهم لا يعرفون حقائق الأمور، فالمصالح الاستراتيجية المشتركة بين الدولتين تفرض عليهما تحالفاً طويل المدى وبلا نهاية قريبة، فالروس الذين ذاقوا مرارة العزلة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لا يمكن أنْ يفرطوا في هذا الحليف الذي لا حليف فعلياً لهم غيره، ذلك بينما الإيرانيون الذين كابدوا ويلات عزلة استدامت لنحو أربعة عقود لا يمكن أن يفكروا حتى مجرد تفكير بإنهاء زواجهم السياسي «الكاثوليكي» مع إمبراطورية فلاديمير بوتين، التي مكنتهم من أن يسيطروا على العراق وعلى سوريا، والتي تساندهم للسيطرة على بعض الدول العربية الأخرى.

إن ما يريده ويسعى إليه بوتين هو أن يكون هناك عالم جديد هو عالمه، كما قالت مارين لوبان، وهو إنهاء هيمنة الولايات المتحدة على هذا العالم الأحادي القطبية، ولذلك فإنه مضطر للحفاظ على هذا الحليف الإيراني، وكل هذا بينما تخلى الإيرانيون عن كل خلافاتهم التاريخية مع روسيا الاتحادية من أجل ضمان مساندة موسكو لكل تطلعاتهم التمددية في المنطقة العربية. ولذلك فإن على العرب أن يكفوا عن الاستمرار في محاولات دق الأسافين في العلاقات الروسية – الإيرانية؛ لأن هذا غير ممكن في المدى المنظور على الأقل، ولأن «القيصر الروسي» لا يرى أي جدوى من تعزيز علاقات بلاده مع الدول العربية على حساب علاقاتها مع «الإمبراطورية» الخمينية!. . . .

الشرق الأوسط

 

 

 

 

سوريا وشيطان التفاصيل!

رأي القدس

تتجمّع معلومات كثيرة حول الوضع في سوريا تبدو في ظاهرها متضاربة ولكنها تفصح عن مسار عميق يحاول أن يصل إلى معنى فوق مدن القتل والتهجير الجماعي ومئات الرايات المتقاتلة على صور الماضي وقصص التاريخ وحصص الجغرافيا، متراشقة بالمظلوميّات المفترضة القومية والدينية والطائفية ومحوّلة إيّاها إلى طائرات وبراميل متفجرة وغازات كيميائية سامة ورغبة بالإبادة النهائية للآخر.

ميدانيّاً تتجمّع غيوم كثيرة لقوى عديدة مكلّفة، من بين المهام الكثيرة، بمهمّة وحيدة: محاصرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وحسب الأنباء التي وصلت حتى الآن، والمتوقع إعلان بعضها قريباً، فإن تنظيمات التحالف الإيراني السوري، ممثلة بـ«الحشد الشعبي» من العراق، و«حزب الله» اللبناني من أماكن تحشّده السورية العديدة، وقوّات النظام السوريّ في تدمر تخطّط لعمليّة لإحاطة تنظيم «الدولة» في دير الزور.

الأنباء تقول إن هذه العمليّة قد تجد رافداً لها من «وحدات الحماية الكردية» المجوقلة والآتية عبر الطائرات الأمريكية، ومن قوّات «العشائر السورية» التي تشرف عليها الأردن وأمريكا وبريطانيا.

وإذا تمّ هذا السيناريو العسكري على الشكل الذي وصفناه فسيكون تعبيراً كثيفاً عن مستجدّ دوليّ جديد بعد الضربة الصاروخية الأمريكية على مطار الشعيرات إثر قصف النظام لبلدة خان شيخون بغاز السارين فهو يعني أن موسكو استعادت المبادرة من جديد وأنها استطاعت «ابتلاع» آثار صدمة القصف الأمريكي، وأن واشنطن، أيضاً، تعتقد أنها أعادت توجيه البوصلة العالمية والإقليمية باتجاه هدفها المفضّل: تنظيم «الدولة الإسلامية».

غير أن الحقيقة أعقد من ذلك، فالواضح أن موسكو وحليفها الإيراني الرابضين على الأرض السورية صارا أدرى بشعاب سوريا المعقدة من الأمريكيين، فتوجيه القوى نحو إنهاء تنظيم «الدولة» لن يكون إلا دائرة صغيرة ضمن دائرة أكبر تشمل ترتيب أوضاع سوريا والإقليم، وهو ما يحول الأمر إلى ورقة كبرى في يد موسكو، التي يسافر وزير خارجيتها سيرغي لافروف إلى واشنطن اليوم للقاء وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون وللإشراف على تمرير قرار روسيّ هدفه الظاهر هو تشريع اتفاق «أستانة 4» أممياً الذي قام بابتلاع فكرة «المناطق الآمنة» وحوّلها إلى «مناطق تخفيف التصعيد»، وهي مناطق، تتقلّص أو تتمدّد حسب فهم النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين لها.

القرار الذي قدمّته روسيا إلى مجلس الأمن الدولي أمس الأول الأحد حول إنشاء «مناطق لتخفيف التصعيد» ترافق مع رفض وزير الخارجية السوري وليد المعلم في اليوم نفسه «أي دور للأمم المتحدة أو لقوات دولية في مراقبة» هذه المناطق، وأن ذلك سيكون منوطاً بـ… روسيا نفسها التي أشبعت تلك المناطق قصفاً وتدميراً!

ما سيحصل في هذا القرار الأممي لو تم تمريره هو ما حصل للقرار رقم 2254 والذي كان حصيلة لتراجع إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام روسيا وأدّى، عمليّاً، إلى إنهاء فكرة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة وتسليم المسار الفعلي للمفاوضات لروسيا وصولاً إلى الوضع الحالي.

في مراجعته لاتفاق «مناطق تخفيف التوتر»، ردد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس المثل الشائع «الشيطان يكمن في التفاصيل»، والحقيقة أن الاتفاق يغفل تماماً عن الشيطان المسؤول عن الحبكة الجهنمية للمسألة السورية وهو النظام السوري الذي استجلب احتلالين ودمّر بلاده وقتل شعبه وهجّر سكانه.

 

 

 

 

روسيا تجيد لعب الأدوار القذرة/ ميسرة بكور

ما الذي تسعى روسيا حقيقة لتحقيقه من خلال اختراع «مناطق تخفيف الصراع» وماهي الأسباب والمسوغات وراء هذا التحول الروسي الذي طالما وقفت موسكو بشدة امام أي طرح مماثل من قبل تركيا او أمريكا في ما سبق.

لو بحثنا في الظروف والمناخ السياسي الذي دفع الروس إلى هذه الخطوة لابد لنا من الاصغاء بتمعن إلى اعلان تصريح ترامب بانه قام بتغيير موقفه من تنظيم بشار الأسد، ووصفه بـ»الحيوان وانه ضار للبشرية».

على المقلب الآخر اعلن الرئيس التركي في عديد المناسبات ان القوات التركية في صدد الاعداد لعملية عسكرية في سوريا ضد التنظيمات الإرهابية «الكًردية» التي تهدد امنها على غرار ما قامت به خلال «درع الفرات» التي اجبرها التوافق الأمريكي الروسي على وقفها.

أما على الصعيد الدولي وخاصة بريطانيا التي أعلن وزير خارجيتها «جونسون» ان بلاده مستعدة لدعم عملية عسكرية تقودها بلاده لمعاقبة الأسد.

فرنسا من جانبها قالت استخباراتها في تقارير رسمية إن تنظيم الأسد هو من يتحمل المسؤولية عن مجزرة خان شيخون الكيميائية.

كذلك فعلت منظمة «هيومن رايتس ووتش» التي أعلنت توصلها نتيجة تحقيقات ان تنظيم الأسد هو من يتحمل المسؤولية عن مجزرة الخان.

وقبل هذا كله كان الرئيس ترامب قد طرح إقامة مناطق آمنة في سوريا ولقي هذا المقترح دعما عربيا واقليمياً «تركيا» ودولياً.

لنعود لجلسة مجلس الأمن حول مشروع ادانة تنظيم الأسد على خلفية استخدام غاز الاعصاب السارين في خان شيخون، هل تتذكرون التلاسن بين المندوب الروسي والبريطاني، وكيف كانت روسيا في تلك الجلسة موضع الشك والاتهام ووجدت نفسها دولة منبوذة دولياً، بل وجهت لها الاتهامات بشكل مباشر بارتكاب جرائم حرب في سوريا وبدأ الحديث عن محاكمة روسيا على جرائمها في سوريا بينما كانت المواقف السابقة ترجو وتناشد روسيا لتغيير موقفها من تنظيم الأسد.

هذه الأجواء التي سبقت الانقلاب الروسي على موضوع إقامة مناطق آمنة في سوريا.

قد يطرح احدهم تساؤلا يقول فيه وما هي مكاسب موسكو من وراء هذا التحول من ضد إلى تبني مناطق آمنة أو منخفضة التصعيد في سوريا.

بكل تأكيد نحن نحتاج لوقف إطلاق النار لكن من أجل البدء في عملية سياسية انتقالية هذا ما نريده، ولا نريد وقف اطلاق نار بهدف تثبت مواقع أمراء حرب والتحالف مع تنظيم الأسد لمحاربة تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام، كما تريد موسكو.

هل نحن في حاجة لمناطق آمنة وحظر طيران، للوهلة الأولى نقول نعم دون تردد ولكن لو نظرنا نظرة استراتيجية لموضوع المناطق الآمنة سنكتشف أنها ليست مناطق آمنة بل معتقلات نازية تهدف لوقف تدفق اللاجئين إلى الغرب وستكون بؤرة لتفريخ الإرهاب وتجارة المخدرات والأعضاء البشرية، نتيجة عدم وجود سلطة شرعية تستطيع فرض أي قانون او سلام مستدام على ارض الواقع.

يمكننا الذهاب بعيداً بالقول إن موسكو استطاعت من خلال اختراعها «تخفيف الصراع» تحقيق ما عجزت عنه عبر سنوات دعمها لتنظيم الأسد سياسيا وعسكرياً.

موسكو لم تتحدث عن تخفيف التصعيد فقط بل تابعت، ندعو جميع القوات لمحاربة الإرهاب ودعم «الحكومة» السورية في سبيل ذلك وطلبت من الفصائل المسلحة دعم هذه العملية ويبدو أن هنالك من الفصائل من هو مستعد للمشاركة الجديدة في هذا الأمر بغرض عدم المطالبة بتصنيفها على قوائم الإرهاب الروسية، وربما السماح بإدخال قوافل مساعدات إلى دوما كان الجزرة التي قدمت لبعض الفصائل للموافقة على اتفاق وقف التصعيد وقد لاحظ الجميع تغيب رئيس وفد الفصائل «محمد علوش» عن المؤتمر الصحافي الذي عقده بعض أعضاء وفد الفصائل وكان المتحدث الرئيس فيه اسامة أبو زيد «المستقيل « كما لاحظ جميع من تابع لحظة توقيع اتفاق استانة لتخفيف التصعيد وليس لوقف اطلاق النار او مناطق آمنة، كيف انسحب اربع أعضاء من الوفد بينما استمر الآخرون في الحضور وربما التصفيق، في مشهد يعيد للأذهان مغادرة رئيس الوزراء التركي حينها اردوغان، دافوس غاضبا بعد مشادة كلامية مع رئيس الكيان الصهيوني بينما ظل الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى جالساً في مكانه يمارس التصفيق.

حينها قال اردوغان لجمهور المصفقين في القاعة.»من المحزن جدا أن يصفق أشخاص لموت الكثيرين»، نحن اليوم نقول من المحزن ان يصفق البعض للروس ويبارك مخططاتهم المتوحشة ويحاول تبييض صفحة جرائمهم وربما التحالف معهم.

بالعودة للمخطط الروسي وابعاده وأهدافه نجد انفسنا امام علم يقين.

استطاعت موسكو من خلال هذا المنتج التضليلي إفراغ المطالبة في إقامة مناطق آمنة في سوريا بقرار من مجلس الأمن وإفراغ ما طرحه الرئيس ترامب حول هذا الموضوع وماسبقته اليه الحكومة التركية.

استطاعت موسكو ايضاً امتصاص الحنق الدولي المتصاعد تجاه تنظيم الأسد والحديث بصوت عال عن ضرورة رحيل بشارالأسد، كأساس للحل المستدام العادل. بالمقام نفسه التفت على تصاعد النبرة الامريكية اتجاه الأسد التي تجسدت فعلا بقصف مطار الشعيرات المحتل روسيا ايرانياً.

أيها السادة روسيا تجيد لعب الأدوار القذرة التي تفضل ممارستها او التي تناط بها دوليا وأصبحت تشكل ملاذا آمنا لكل فاشي متوحش ثار ضده الشعب.

بكل وضوح روسيا افرغت كل المبادرات الدولية الرامية إلى التحول السياسي في سوريا بعيدا عن تنظيم الأسد وجففت حدة النبرة الامريكية والدولية ضد تنظيم الأسد، ومن خلال مباركة الأمم المتحدة للمنتج الروسي «تخفيف التصعيد» والتصريحات الصادرة عن موسكو أن مناطق تخفيف الصراع لن يسمح بطيران فوقها حتى امام طائرات التحالف الدولي تكون روسيا ضمنت إلى حد بعيد جدا عدم إمكانية استهداف مواقع تنظيم الأسد دولياً او محلياً.

كما انها تركت الباب موارباً لها ولتنظيم الأسد لاستخدام العقاب والقصف حسب مقتضيات المصلحة فهي تقول تخفيف التصعيد وليس وقفه نهائياً وبالمناسبة هذا إقرار رسمي من الروس أن وقف إطلاق النار لم يحترم من قبلهم ومن قبل حليفهم تنظيم الأسد ومرتزقته الإيرانيين.

وبالمقام نفسه يسمح المنتج الروسي لتنظيم الأسد دون عائق بنقل قواته لمحاربة ما يسمونه الإرهاب في الرقة ودير الزور بالتعاون مع الطائرات الروسية بصفته حكومة شرعية تقاتل إرهابيين او متمردين بالتأكيد المناطق التي ستدمرها الطائرات الروسية وتحتلها ميليشيا الأسد ستزيد من مساحة الأرض التي يسيطر عليها وتعيد انتاجه كشريك في محاربة الإرهاب وبصفته القوة الحقيقية والرسمية في أي تفاوض وبعد الانتهاء مما يسمونه حرب تنظيم الدولة سيتفرغ تنظيم الأسد لمحاربة من استطاع أن يصمد في صراع الاخوة الأعداء «الفصائل» فيما بينهم وقد تناقل ناشطون أنباء تحدثت عن نية كل من فصيل أحرار الشام وهيئة تحرير الشام الهجوم على كافة مقرات فيلق الشام شمال سوريا بهدف القضاء على ثالث أكبر فصيل ثوري في المنطقة، فضلا عن «صراع التيوس» في غوطة دمشق.

أيها السادة بهذه الطريقة استطاعت موسكو أن تلعب الدور نفسه القذر الذي لعبته إبان مجزرة الكيميائي 21 آب/ أغسطس 2013 بنفس المنطق القذر استطاعت انقاذ تنظيم الأسد حينها واليوم تكرر الدور نفسه والقذارة نفسها.

ولسان حال بوتين يقول اذا كان ترامب مستعدا لمقابلة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون «في ظل الظروف المناسبة».

فمن باب أولى أن يلتقي بشار الأسد المحارب للإرهاب بعد ان تنتج موسكو الظرف المناسب.

كاتب وباحث سوري

القدس العربي

 

«خفض التصعيد» وسط سوريا وغربها هل يعطّل مخطط واشنطن في جنوبها وشرقها؟/ د. عصام نعمان

نجحت روسيا في «آستانا 4» بحمل تركيا على توقيع مذكرة اتفاق «خفض التصعيد والتوتر» في أربع مناطق سورية. لكنها أخفقت في إقناع الولايات المتحدة بالتزام الاتفاق ذاته، لماذا؟

متحدثةٌ باسم الخارجية الامريكية أعربت عن أملها في أن يُسهم اتفاق آستانا في «تخفيف حدة العنف ومعاناة السوريين ويهيّئ المسار أمام التسوية السياسية»، لكنها أبدت قلقها مما تضمنه الاتفاق من «مشاركة إيران كدولة ضامنة».

تحفّظُ واشنطن كان سبقه رفضُ سبع مجموعات مسلحة ناشطة في مختلف المناطق السورية «تحويل ايران الى طرفٍ ضامن». اللافت ان معظم هذه المجموعات المقاتلة ينشط تحت جناح تركيا، فهل أن موقفها تمّ بالاتفاق مع أنقرة أم جاء استجابةً لضغوط من غيرها؟

واشنطن رحّبت بالاتفاق «وقدّرت جهود تركيا وروسيا للوصول اليه»، فلماذا لم تنخرط بشكل مباشر في مساره؟ ثمة أسباب ودوافع في هذا المجال يقتضي استقصاؤها وهي تتعلق، مباشرةً او مداورةً، بأهداف استراتيجية بعيدة المدى، لكلٍّ من تركيا و…»إسرائيل»:

لنبدأ بتركيا. لأنقرة، حيال سوريا، هواجس عدّة. لكن أولها وأخطرها وأكثرها مدعاة للقلق هاجسُ الاكراد السوريين وسعيهم المحموم للسيطرة على المناطق الحدودية في شمال سوريا، ولاسيما في محافظة الحسكة وشمالي محافظة الرقة. لقطع الطريق على طموحات الأكراد السوريين، قامت أنقرة بإنشاء قوات «درع الفرات» المطعّمة بوحدات من جيشها احتلت منطقة واسعة بين مدينتي الباب ومنبج بعدما كانت سيطرت على مدينة جرابلس الحدودية. الى ذلك، انتقدت أنقرة قيام واشنطن بتزويد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) الكردية بأسلحة ثقيلة ودعمها بوحدات من مشاة البحرية («مارينز») للمشاركة في معركة طرد «داعش» من مدينة الطبقة تمهيداً لطرده من الرقة عاصمة «الدولة الإسلامية «. كل هذه الاعتبارات والمخططات المتصادمة حملت وتحمل أنقرة على مراعاة الولايات المتحدة بما هي قائدة حلف شمالي الاطلسي (الذي يضم تركيا) من جهة وحليفة اكراد سوريا والعراق من جهة اخرى ، هذا فضلاً عن كونها ، ظاهراً على الاقل ، منخرطة في محاربة «داعش» في العراق وفي محافظة الرقة ايضاً.

الولايات المتحدة تبدو حريصة، لاسيما بعد وصول دونالد ترامب لرئاستها، على استعادة دورها ونفوذها في سوريا والعراق بعد تراجعهما إبّان رئاسة باراك اوباما وصعود «داعش» في كِلا البلدين. غير ان هاجس واشنطن الاول يبقى الحدّ من توسّع نفوذ ايران ودورها في البلدين، وخصوصاً بعد قيامها بدعم سوريا، سياسياً ومالياً وعسكرياً، في وجه تنظيمات الإرهاب.

الى ذلك، يبدو ان لواشنطن مخططاً يرمي الى تفكيك العراق وسوريا الى كيانات متعددة تقوم على اساس قَبَلي او مذهبي او اثني، وذلك في سياق سياسة مواجهة ايران ومنعها من الوصول الى الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط . مظاهر هذه السياسة الامريكية تتجلى حالياً في ما كشفته تقارير اعلامية ، عربية وغربية ، عن وجود حشود تتجمع في شمال شرقي الاردن امتداداً الى جنوبي شرقي البادية السورية باتجاه موقع التنف العراقي على الحدود بين البلدين . يتَرَدد ايضاً ان الحشود تضمّ وحدات من «جيش سوريا الجديدة « و»مغاوير الثورة « و»جيش العشائر» ، وانه سيجري دفعها باتجاه محافظة ديرالزور للالتقاء مع الدواعش الفارين من الموصل والمتعاونين مع متمردين آخرين ضد الحكومة السورية. كل هذه التحركات ترمي في نهاية المطاف الى انشاء كيان- إسفين على طول الحدود السورية – العراقية من شأنه فصل سوريا عن العراق وبالتالي عن ايران لمنعها من الوصول الى شواطئ البحر المتوسط.

«اسرائيل» تحرّض الولايات المتحدة على اعتماد المسار سالف الذكر بما هو نهجٌ فاعلٌ في مواجهة ايران وتجويف مضمون الاتفاق النووي معها ويساعد ايضاً في « تزنير» الكيان الصهيوني بمجموعة من جمهوريات الموز الهزيلة وغير القادرة على الاتحاد لمواجهته.

في هذه المعمعة من المخططات والتطلعات والمطامع والمطامح والاغراض المتشابكة ثمة تاريخان يستوقفان المراقب ويدفعانه الى مزيد من التساؤل:

الاول، ماذا سيحدث اذا اخفقت الدول الضامنة، روسيا وايران وتركيا، في التوافق على التدابير والخرائط اللازمة لتحديد مناطق «خفض التصعيد والتوتر» الاربع في المهلة المحددة لذلك والتي تنتهي في 22 أيار/ مايو 2017؟ ثم ماذا سيحدث اذا انتهت مهلة الاشهر الستة اللاحقة لترسيخ هذه المناطق ولم تتوصل الدول الضامنة خلالها الى نتائج ايجابية محسوسة على طريق ترسيخ الهدنة والتوجّه الى تسوية سياسية للأزمة المستعصية؟

الثاني، ماذا سيحدث خلال جولة ترامب المقبلة على السعودية و»اسرائيل» لتسويق مسعيين غامضين ما فتئ يلوّح بهما في الآونة الأخيرة: تعزيز جبهة الدول المناهضة للإرهاب، والمبادرة الى تحقيق «سلام تاريخي» بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

غير ان احداثاً لافتة في جنوب سوريا تستبق جولة ترامب، ليس اقلها التحركات المريبة التي تقوم بها الفصائل الارهابية المتعاونة مع «اسرائيل» في محافظتي درعا والقنيطرة والمشفوعة بتحركات مريبة مماثلة في شرقي محافظة السويداء وغربها. فهل ثمة ترتيب امريكي ـ صهيوني ماثل يواكب اقامة منطقة «خفض التصعيد والتوتر» الجنوبية لإجهاضها قبل رسوخها؟

ثم هناك المجهود القتالي المتسارع الذي تقوم به قوات الجيش العراقي ووحدات «الحشد الشعبي» لإنهاء معركة الموصل وتأمين حدود العراق الغربية مع محافظة الرقة السورية، وكذلك تأمين منطقة القائم الحدودية مقابل مدينة البوكمال السورية. كل ذلك من أجل تفعيل التعاون بين بغداد ودمشق وتوحيد جهدهما المشترك ضد تنظيمات الإرهاب باستقلال عن واشنطن من جهة وضد القوى الإنفصالية في الداخل من جهة اخرى . فهل تغضّ واشنطن النظر عن هذا التطور المناهض لمخططها التفكيكي المار ذكره ام تسارع الى مواجهته انطلاقاً من منطقة احتشاد حلفائها بين الاردن وسوريا والعراق في جنوب سوريا الشرقي كما في جنوبها الغربي؟

كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

 

 

 

مذكرة أستانا صيغة لتقسيم سوريا/ خيرالله خيرالله

ليس في المذكرة المتعلقة بإقامة “مناطق خفض التصعيد” التي وقعتها روسيا وإيران وتركيا في أستانا ما يبشر بالخير بالنسبة إلى مستقبل سوريا. هذا عائد أساسا إلى وجود طرفين، على الأقل، يشاركان في الحرب على الشعب السوري. يعتبر كل من هذين الطرفين نفسه “ضامنا” لخفض التصعيد في مناطق معيّنة لم تحددها بوضوح المذكرة التي صدرت عن اجتماع أستانا.

الأكيد، من متابعة مجريات الأمور، أنّ هذه المناطق تصلح أساسا لتقسيم سوريا في ظل رغبة كل طرف من الأطراف المعنية مباشرة بمستقبلها بحصول مثل هذا الأمر بإشراف النظام الذي أسسه حافظ الأسد ويديره حاليا بشار الأسد. هل من وظيفة أخرى لهذا النظام الذي أخذ على عاتقه الانتهاء من سوريا بمجرّد أنّها لم تعد “سوريا الأسد”؟.

يؤكّد مثل هذه الرغبة في إيجاد غطاء دولي لتقسيم سوريا تقديم روسيا مشروع قرار إلى مجلس الأمن يدعو صراحة إلى تأييد المجلس لما صدر عن الاجتماع الأخير في أستانا.

مطلوب صراحة من مجلس الأمن توفير غطاء لعملية تقسيم سوريا كي تصبح هناك مناطق نفوذ لروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل… والولايات المتحدة. الأهمّ من ذلك كّلّه، مطلوب أن تكون هناك منطقة عازلة بين إسرائيل وسوريا، ليست روسيا بعيدة عن مشروع إقامتها في ضوء التفاهمات القائمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

ليس سرّا أن الطرفين المشاركين مباشرة في الحرب على الشعب السوري هما إيران وروسيا، فيما الطرف الثالث وهو تركيا يعاني من تعقيدات ذات طابع داخلي وإقليمي ودولي في الوقت ذاته. هناك تحد كبير أمام الرئيس رجب طيب أردوغان الذي عليه أن يظهر أنّه لا يزال قادرا على تحقيق نتائج إيجابية على صعيد الوضع الاقتصادي التركي.

وهناك العقدة الكردية والمخاوف من قيام كيان للأكراد في الشمال السوري قد يجد له امتدادات في دول الجوار، بما في ذلك تركيا نفسها. وهناك من دون أدنى شك حال التذبذب التي تمرّ بها العلاقات التركية – الأميركية. لم تتحسّن هذه العلاقات بشكل كاف منذ خلف دونالد ترامب باراك أوباما. لا تزال هناك مخاوف تركية من العلاقة الأميركية – الكردية.

لم تفعل واشنطن شيئا حتّى الآن لتبديد هذه المخاوف التي يعكسها التقارب التركي – الروسي والزيارة الأخيرة التي قام بها أردوغان لمنتجع سوشي للقاء بوتين. ليس أمام تركيا في ظلّ هذه المعطيات سوى لعب دور في الداخل السوري، خصوصا أنّها تعتبر أن القضيّة الكردية مسألة حياة أو موت بالنسبة إليها.

ثمة مجال لأخذ وردّ طويلين في ما يتعلّق بالدور الروسي في سوريا، خصوصا أن العلاقة بين موسكو ودمشق ذات تاريخ طويل مرتبط أساسا بمرحلة الحرب الباردة من جهة، ورغبة الكرملين الدائمة في القضاء على كلّ جانب حضاري في هذا البلد العربي أو ذاك من جهة أخرى. من يحتاج إلى دليل على ذلك، يستطيع العودة إلى ما جرى في ما كان يسمّى اليمن الجنوبي في مرحلة كان فيها جرما يدور في فلك موسكو…

هناك رهان روسي على إمكان استغلال الوضع السوري كي تظهر موسكو مجددا أنّها عاصمة لقوّة عظمى تمتلك حق أن تكون لديها مناطق نفوذ خارج حدودها، خصوصا في المياه الدافئة، أي في البحر المتوسّط. في أحسن الأحوال، يمكن افتراض أن روسيا تسعى إلى التفاوض مع الولايات المتحدة من أجل مقايضة تكريس وجودها في شبه جزيرة القرم بتصرف مختلف في داخل سوريا. الهدف النهائي لموسكو هو الخروج من تحت سيف العقوبات الأوروبية والأميركية التي لا تريد الاعتراف بأنّها أثرت على الاقتصاد الروسي… وضمان البقاء في القرم.

أعادت روسيا سيطرتها على شبه جزيرة القرم في 2014. الأرض أرض روسية أصلا وليست أوكرانية وقد تخلّى عنها نيكيتا خروشوف عندما أصبح أمينا عاما للحزب الشيوعي السوفياتي خلفا لجوزيف ستالين في 1964. لكنّ ذلك لم يحل دون فرض عقوبات على بلد أظهر لاحقا، من خلال تعاطيه مع أوكرانيا، أنّه يحلم بالعودة إلى الماضي الإمبريالي للاتحاد السوفياتي.

يظلّ الرهان على عقلانية روسية تقوم على صفقة مع واشنطن تشمل أوكرانيا وسوريا رهانا قائما. في نهاية المطاف، تعرف روسيا حجمها وتعرف خصوصا أنّه لن تقوم يوما قيامة لاقتصادها، الهزيل أصلا، من دون رفع للعقوبات الدولية ومن دون ارتفاع لسعر النفط والغاز. وهذا لا يعتمد على الولايات المتحدة فقط، بل على دول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية أيضا.

معروف أن روسيا ستساوم على رأس بشّار متى آن أوان ذلك. ما ليس معروفا ما الذي تريده إيران؟ هل تعتقد أن عملية التبادل السكّاني في سوريا تخدم أهدافها في المدى الطويل، أي تؤمن لها دور القوّة الإقليمية المهيمنة في الشرق الأوسط. من حق كل عربي، وليس الأمير محمد بن سلمان وليّ وليّ العهد السعودي، الاعتراض بقوّة ووضوح على السياسة الإيرانية. ظهرت هذه السياسية بوجهها الحقيقي، أي الوجه البشع الذي يؤمن بالاستثمار في إثارة الغرائز الطائفية في كلّ بقعة ارض استطاع “الحرس الثوري” بلوغها.

سقطت إيران في الفخّ الذي أرادت أن تنصبه للعرب. لم يعد هناك من يصدّق أن لديها مشروعا يمكن الاقتداء به. ما تشهده سوريا منذ العام 2011 كشف حقيقة الدور الإيراني الذي تعرّف إليه اللبنانيون عن كثب باكرا، أي منذ سمح حافظ الأسد لجحافل “الحرس الثوري” بدخول الأراضي اللبنانية في العام 1982 ومباشرة تنفيذ عملية مدروسة بدقة ليس بعدها دقّة بهدف تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان، فضلا عن تغيير التركيبة السكّانية لبيروت ومناطق أخرى. وهذا ما بدأ يتبلور منذ يوم السادس من شباط – فبراير 1984، عندما خرجت الدولة اللبنانية ومؤسساتها من بيروت الغربية ذات الأكثرية المسلمة.

تؤسس مذكرة أستانا التي وقّعتها روسيا وإيران وتركيا لتقسيم سوريا. لكلّ دولة من الدول الثلاث أجندتها. هناك أجندة إسرائيلية بالطبع، تظلّ الأجندة الإيرانية هي الأخطر نظرا إلى أنّها تقوم على تبادل سكاني من منطلق مذهبي. ففي الوقت الذي كان يجري الترويج لمشروع القرار الروسي في أروقة مجلس الأمن، كانت تتم عملية تهجير لبعض أهالي دمشق المقيمين في حيّ برزة.

تعتبر عملية التهجير هذه مؤشرا في غاية الخطورة وذلك ليس نظرا إلى أنّها تأتي في سياق عمليات مماثلة أخرى سبقتها فحسب، بل لأنّها تشير إلى نيّة في الذهاب إلى النهاية في مشروع تطويق دمشق وربط منطقة سورية معيّنة بالأراضي اللبنانية أيضا. والمقصود هنا الأراضي اللبنانية التي تحت السيطرة المباشرة لإيران عن طريق ميليشيا “حزب الله” التابعة لها.

هل تبتلع الولايات المتحدة طعما اسمه مذكرة أستانا التي تضع الأسس لصيغة تنتهي بتقسيم سوريا لمصلحة إيران وروسيا وتركيا؟

أيّام قليلة ويظهر ما إذا كانت إدارة دونالد ترامب حذقة بما فيه الكفاية لتفادي السير إلى النهاية في مشروع يخدم كثيرين، على رأسهم إيران، لكنّه يعني قبل كلّ شيء التفتيت الكامل لسوريا التي عرفناها.

إعلامي لبناني

العرب

 

 

 

روسيا و«مناطق خفض التوتر»/عائشة المري

دخل اتفاق «مناطق خفض التوتر» في سوريا حيز التنفيذ بحلول منتصف ليل الجمعة السبت الماضي، بعد أن وقعت روسيا وإيران وتركيا في أستانا على مذكرة تفاهم بشأن إقامة أربع مناطق لخفض التوتر في سوريا، أو مناطق آمنة كما سميت إعلامياً، وانسحب وفد المعارضة السورية المسلحة من المحادثات، وأكد أنه لا يستطيع قبول إقامة مناطق آمنة في سوريا لأن ذلك يهدد وحدة أراضيها، كما اعترض على مشاركة إيران في هذا الاتفاق واعتبارها دولة محتلة، ويجب أن تسحب مليشياتها من سوريا.

وسيتم حسب الاتفاق، إنشاء أربع مناطق لتخفيف التوتر، وهي محافظة إدلب وأجزاء من المحافظات المجاورة (اللاذقية وحماة وحلب). مناطق من شمال محافظة حمص، الغوطة الشرقية. ومناطق من جنوبي سوريا (محافظتي درعا والقنيطرة)، حيث من المقرر أن يتوقف القتال والقصف في هذه المناطق. ويهدف الاتفاق إلى تجميد الصراع، وتوفير إمكانية لإغاثة الشعب السوري الذي يتعرّض للعنف والتجويع على مدى السنوات السبع الماضية، كما أن انخفاض العنف يمكن أن يسهم في إطلاق مفاوضات أكثر جدية حول مستقبل سوريا.

وينظر للاتفاق على أنه مفخخ بالمواقف والمصالح المتناقضة، لقوى عديدة، محلية وإقليمية ودولية، إذ يسود الغموض الرؤية الروسية لمفهوم وآليات تحقيق مناطق «خفض التوتر»، حيث تتضمن وجهة النظر الروسية ضبطاً للأعمال القتالية بين الأطراف المتنازعة، ما يعني ضمناً وقفاً لإطلاق النار في هذه المناطق، ووقفاً لتحليق الطيران العسكري، لكن الرئيس الروسي في تصريح له اشترط «ألا يسجَّل أي نشاط عسكري في تلك المناطق»، وأن لا يعني ذلك الكف عن محاربة بعض التنظيمات المصنفة إرهابية. وأوضح أن محاربة التنظيمات الإرهابية، مثل «داعش» و«فتح الشام» ستتواصل حتى مع إقرار هذه المناطق.

وتختلف الصيغة التي طرحتها روسيا للمناطق الآمنة عن الصيغة المتعارف عليها، وفق القانون الدولي، والتي ظلت لسنوات محل نقاش وجدل دوليين بين طرح المعارضة السورية لمناطق آمنة، والطرح التركي الذي يتوافق في صيغته مع طرح المعارضة لمناطق آمنة في الحدود السورية أو للمناطق العازلة، وهي صيغ تتطلب موافقة من مجلس الأمن وقراراً بفرض حظر للطيران الجوي، ووجود قوات مجهزة على الأرض لمنع الاعتداء على المدنيين، بينما لا تقتضي الصيغة الروسية في إقامة مناطق لخفض التوتر، موافقة دولية أو قوات عسكرية منتشرة، إذ أعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، رئيس الوفد الروسي إلى مفاوضات أستانا، ألكسندر لافرينتييف، أن الدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا ستحيط مجلس الأمن الدولي علماً بشأن إنشاء مناطق تخفيف التصعيد في سوريا، مشيراً إلى أن ذلك لا يتطلب موافقة المجلس. كما قال لافرنتييف إن عمل طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في مناطق تخفيف التصعيد بسوريا مستبعد، وإن الدول الضامنة ستراقب العمليات كافة في هذا المجال.

وتمثل صيغة مناطق خفض التوتر نسخة مطورة وموسعة ومحددة جغرافياً من مناطق «وقف إطلاق النار» التي يتم التوافق عليها بين أطراف النزاع الحربي، ما يؤدي إلى تعليق العمليات القتالية ويؤسس لاستتباب الأمن تمهيداً لوصول المساعدات الإنسانية وإجلاء الجرحى من جبهات القتال، ويوقف الحرب تمهيداً للتسوية السلمية.

ورغم حالة التفاؤل الحذر التي سادت عقب الإعلان عن توقيع اتفاق التهدئة، والذي جاء لأول مرة بضمانة ثلاث دول فاعلة على الأرض، هي روسيا وإيران وتركيا. وأظهر الاتفاق براعة الجانب الروسي في تقديم صيغة تتوافق عليها دول الجوار واللاعبين الإقليميين والأسرة الدولية. فنجاح روسيا في الحصول على مواقف دولية وأميركية داعمة لاتفاق خفض التوتر، يؤشر إلى مرحلة جديدة تضع نهاية فعلية للحرب السورية.

الاتحاد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى