صفحات العالم

احتجاجات سوريا… الأمن وضغوط الخارج


السير سيريل تاونسيند

الأعمال التي تقوم بها أوروبا وحلف “الناتو” في ليبيا، تلقى اهتماماً كبيراً في الوقت الراهن حيث يبدو في الجزء الأكبر من الكرة الأرضية مصمماً على النظر بعيداً عما يحدث في سوريا، وهي دولة عريقة معتزة بذاتها تتلوى في الوقت الراهن ألماً ويأساً وعذاباً.

 وبصفة عامة فإنه ينبغي أن نكون جميعاً في صف التدخل الليبرالي دعما للقانون الدولي وحقوق الإنسان الأساسية، ربما من أجل منع حدوث مذبحة رهيبة بحق السكان المدنيين، ولكن أيضاً ينبغي على الأمم المختلفة أن تكون انتقائية في مقاربتها لهذا الموضوع. ومن الواجب أن يتم فحص كل حالة حسب ظروفها كما يجب أن تكون هناك فرص متوافرة لتحقيق الأهداف المتوخاة من التدخل في المقام الأول.

وبالنسبة لسوريا، وهي دولة عربية يبلغ تعداد سكانها 22 مليوناً، من الواضح أن العالم العربي يعتبر أن التدخل العسكري فيها أمراً غير مقبول على الإطلاق. وعلاوة على ذلك فإن مثل هذا التدخل لن يتم دعمه سواء في الأمم المتحدة أو داخل “الناتو” أو الاتحاد الأوروبي. فلو نظرنا إلى التدخل من الناحية العسكرية فسوف نجد أن الناتو في الوقت الراهن منهوك القوى لأسباب مختلفة، منها ما يحدث عندما تقوم دولة من دوله بإجراء تخفيضات في ميزانيتها الدفاعية، وهو تخفيض يحدث في دولة ثم تتلوها دولة ثانية فثالثة… علاوة على أن الحلف متورط حالياً في حرب على سفوح وقمم جبال أفغانستان وسهولها الوعرة. وهذه كلها إذا ما نظرنا إليها في المجمل، عوامل تجعل الحلف في الوقت الراهن مضطلعاً بمهام وموزعاً على مواقع حرب تفوق بكثير طاقته على خوض المعارك وعلى التمدد في ذات الوقت.

 وهناك العديد من الأسباب الوجيهة التي تدفع باتجاه ممارسة ضغط دبلوماسي على سوريا وفرض عقوبات اقتصادية على نظامها ذاته. كما يشار في هذا السياق إلى أن بريطانيا وفرنسا قد دفعتا في مجلس الأمن الدولي من أجل استصدار قرار يدين حملة العنف التي يمارسها النظام ضد شعبه، لكن المشكلة أن روسيا والصين قد رفضتا تأييد هذا القرار.

 وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات قاسية على الرئيس السوري بشار الأسد و6 من كبار مساعديه في شهر مايو الماضي، كما منعت الشركات الأميركية من إجراء أي تعاملات معهم. وهذه العقوبات كانت آخر ما قامت به الولايات المتحدة في إطار الجهود التي بذلتها من أجل إقناع الرئيس الأسد بالمضي قدماً في طريق إجراء إصلاحات معقولة.

 ومن المعروف أن سوريا تحتل موقعاً استراتيجياً في المنطقة، وأنها ضالعة في العديد من الملفات الدبلوماسية الحساسة، وأن الدول المجاورة لها تدرك جيداً كونها تمتلك القدرة على إحداث العديد من أنواع التأثير خارج حدودها، كما أنها تتعاون على نحو وثيق مع “حزب الله” في لبنان… وهذه بعض الأسباب التي تدعو الدول العربية للتراجع عن معاقبة نظام الأسد.

 ولم تدخر بريطانيا جهداً في التواصل مع الحكومة السورية والعمل مع نظام الأسد الذي درس طب العيون في لندن، من خلال تشجيعه على قيادة الإصلاحات في بلاده، والاستجابة لانتظارات الشعب دون اللجوء إلى الحل الأمني الذي تبدو تداعياته الكارثية اليوم، إذ كلما سقط عدد أكبر من الضحايا في التعامل الأمني مع المحتجين -كما يقع حالياً- زادت الضغوط الدولية وانكشف النظام أمام الداخل قبل الخارج. ولعل التحركات التركية في هذا المجال أكبر دليل على تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية، فبعدما تبنت خطاباً معتدلا نسبياً تجاه النظام في سوريا، توترت العلاقة بين دمشق وأنقرة بعد تصاعد القمع في سوريا. وفي هذا السياق أيضاً يمكن الإشارة إلى كلمة وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيج، أمام مجلس العموم البريطاني التي قال فيها: “تعمل بريطانيا مع شركائها الدوليين للضغط على سوريا من أجل وقف العنف ومباشرة الإصلاحات التي تحدث عنها الرئيس دون إبطاء، لاسيما أن البلد يواجه اليوم مفترق طرق يستوجب الحسم السريع”.

 لكن النصائح الدولية على ما يبدو لم تسهم في تغيير سير الأمور في سوريا التي يستمر فيها القمع، كما أن نفوذ الغرب عموماً، ومن ضمنه بريطانيا، لم يعد بالقوة التي تتيح له التأثير على مجريات الأمور هناك. ويدرك الأسد أن الوضع العالمي لا يسمح حالياً بتدخل عسكري على غرار ما حدث في العراق أو أفغانستان، أو حتى ليبيا، بسبب الظرفية الدولية غير المواتية، لذا يعتقد أنه قادر على التعايش مع الانتقادات التي تصله بين الحين والآخر من القوى الدولية، تلك الانتقادات التي تبقى في النهاية مجرد حبر على ورق فيما النظام يواصل مناورة الإصلاح دون إبداء نية حقيقية في مباشرة انتقال سلمي للسلطة. والحال أن الخطوات المتواضعة التي أقدم عليها النظام لم تعد كافية في ظل العدد الكبير من القتلى الذي تجاوز منذ اندلاع الاحتجاجات 1500 قتيل، يضاف إليها الآلاف من السوريين الذين فضلوا النزوح إلى تركيا هرباً من قمع القوات الأمنية. هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه المطالب الشعبية متخطية شعار الإصلاح إلى شعار إسقاط النظام.

 وحتى دعوات الحوار التي أطلقها النظام مؤخراً، ورعى بعض جلساتها في دمشق، لم تحدث انفراجاً حقيقياً في الوضع السوري بعدما فشلت في إقناع أقطاب المعارضة وتنسيقية الثوار في الاستجابة لدعوات النظام، حيث قاطعتها شرائح واسعة من المعارضة، معتبرة أن محاولات النظام إنما تأتي للالتفاف على المطالب الحقيقية للشعب وشروط الحوار الجاد، هذه الشروط التي أجملتها المعارضة في وقف إطلاق النار على المتظاهرين العزل، والإفراج الفوري على المعتقلين الذين فاق عددهم 10 آلاف معتقل، ثم السماح لوسائل الإعلام الخارجية بدخول البلاد.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى