صفحات الناس

اختبار السَلَمية الوشيك

 

المنتصر الجندي

 يشهد ريف السلمية الشرقي اليوم تطوراً خطيراً بعد بيانات أصدرتها كتائب مختلفة من الجيش الحر، أهمها بيان كتائب الفاروق سابقاً (كتائب الفاروق الإسلامية حالياً، مع الإشارة إلى تغيير الاسم بالتزامن مع الهجوم الذي طال جماعة الإخوان المسلمين السورية، الداعمة الأولى لهذه الكتائب).

 ورد في البيان نية تحرير المدينة من سيطرة النظام، ونداء إلى شبيحة المدينة لإلقاء السلاح وعدم المقاومة. ونداء إلى أهالي المدينة لتوحيد الصف والتمسك بالسلم الأهلي، وطمأنتهم أنهم لن يستهدفوا أحداً على أساس انتمائه الطائفي.

 البيان الثاني كان إعلان بدء معركة (الجسد الواحد) بهجوم عسكري على بعض المواقع العسكرية للنظام في السلمية، وبعض الحواجز المنتشرة في قراها الشرقية، أهمها كتيبة الدفاع في مدينة بري الشرقية وحواجز جب خسارة والسعن والصبورة وأثرية. علماً أن الكتائب القائمة على هذه العملية هي: حركة أحرار الشام الإسلامية، هيئة حماية المدنيين “الإخوانية”، ألوية صقور الشام، ألوية أحفاد الرسول , ولواء أهل البيت.

 كل ما ذكر كان بعيداً عن مناقشة موقف المدينة و أبنائها من الثورة والتحرير الذي أعلن البدء به. في24\3\2011  شهدت المدينة خروج أول مظاهرة سلمية، معلنةً بدء الثورة فيها بالتزامن مع مدينتي دوما و بانياس، لتكون المدينة من أوائل المدن الثائرة، متقدمة بذلك على محافظة حماة، وشجّعتها على الخروج للتظاهر كما يرى البعض.

 ولكن لهذه المدينة خصوصية عالية وحساسية بسبب تركيبتها الأهلية، فهي مدينة غالبية سكانها من الطائفة الاسماعيلية، يتلوها الطائفتان السنية والعلوية، وفي رصيدها تاريخ طويل من النضال السياسي. فقد كان أبناء المدينة من المهتمين بالسياسة وقضى الكثير منهم سنواتٍ طويلةً في السجن، كما تتميز المدينة بنسبة تعليم وثقافة عالية.

 كل ذلك كان ضامناً للسلم الأهلي فيها، كما كان له دورٌ في رسم طبيعة الحراك الثوري فيها، ليبلغ ذروته بخروج أكبر تظاهرة سلمية شهدتها المدينة في “جمعة خالد بن الوليد”. بلغ عدد المشاركين فيها عشرين ألف متظاهر، علماً أن عدد سكان المدينة يقدر ب 100 ألف. وبعدها فرض النظام سلطة القوة على أبناء المدينة المسالمين بطبيعتهم، ليتراجع الحراك السلمي فيها دون أدنى توجه إلى عسكرة الحراك كما بقية المناطق السورية.

 ولكن منذ فترة ليست ببعيدة تم تشكيل لواء عسكري باسم “لواء شهداء السلمية”، مؤلف من ثلاث كتائب: فوزي القاوقجي، يوسف العظمة، وثوار شميميس. بتسليح بسيط جداً بعد أن رفض المجلس العسكري في حماه تسليحهم لأسباب طائفية ، رغم الادعاء بغير ذلك. وبقي أداؤهم القتالي مقيداً بإمكانياتهم القليلة.

 والآن، ومع صدور البيانات السابقة الذكر، نستطيع القول أن الجيش الحر أمام اختبار حساس جداً في هذه المدينة. كيف سيتعامل الجيش الحر مع التنوع الطائفي في هذه المدينة، وكيف ستتم إدارة شؤونها؟ هل سيترك هذه المهمة لأبنائها أم إنه سيفرض إدارته بمنطق القوة؟ وماذا سيكون موقفه من نساء المدينة غير المحجبات، ومن محلات الخمور، وهل سيحترم ثقافة المدينة ونمط العيش فيها؟

  أسئلة أخرى كثيرة يطرحها أبناء المدينة، حتى الثوار منهم، الذين تدغدغ مشاعرهم فكرة الانعتاق عن النظام الذي تظاهروا ضده لعامين، لكنهم متخوفون من تجارب الجيش الحر في المناطق المحررة عموماً، ومنطقة رأس العين “ذات الغالبية الكردية”، ويتوجب على الجيش الحر الإجابة عليها قولاً وفعلاً.

  إنها مرحلة مفصلية في تاريخ الثورة السورية، سيكون لها تأثيرها الكبير في مراحل قادمة، منها تحرير محافظة السويداء في الجنوب، وتحرير الأحياء ذات الغالبية المسيحية في حلب و دمشق، حتى مناطق الساحل السوري. كل ذلك له تأثيره على مستقبل سوريا وتماسك مجتمعها وديموقراطيتها المأمولة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى