صفحات سوريةفايز ساره

ارتباكات المعارضة السورية


فايز سارة

شهدت ساحة المعارضة السورية في الفترة الأخيرة أحداثا وتطورات، عكست واقع الارتباك الذي تعيشه المعارضة السورية منذ انطلاقة ثورة السوريين في مارس (آذار) 2011، والأهم في تلك الأحداث، كان عدم انعقاد ملتقى المعارضة السورية في القاهرة الذي دعت إليه جامعة الدول العربية الأسبوع الماضي، والثاني تمثل في الخلافات التي طفت على السطح في المجلس الوطني السوري عقب اجتماعه الأخير في روما، وقراره تجديد رئاسة برهان غليون للمجلس الوطني.

ورغم أهمية الظروف التي أحاطت بالحدثين الأخيرين، وما يتمخض عنهما من تبعات سياسية وتنظيمية تتعلق بالمعارضة السورية من حيث موقعها ودورها في الصراع الدائر في سوريا وحولها، فإن من المهم العودة للعوامل، التي سببت وتسبب ارتباكات المعارضة السورية، والتي يمكن إجمالها في ثلاثة أسباب:

يتصل أولها بالعوامل الذاتية المحيطة بالمعارضة، وأساسها قائم في ضعف المعارضة وتنظيماتها، وهي التي عاشت عقودا متواصلة من الحظر والملاحقة والعيش في ظل العمل السري وخاصة مع وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، وكلها أسباب لم تسمح لجماعات المعارضة بالسير في سياق تطور طبيعي في مستويات إعداد كادراتها، وإنضاج خططها الفكرية والسياسية والتنظيمية، ولا أن تكون طبيعية في ميدان الممارسة السياسية سواء في علاقاتها الداخلية أو في مستوى علاقاتها مع المجتمع والسلطة، كما في علاقاتها الخارجية على تعددها وتنوع مستوياتها.

وحيث إن أمر جماعات المعارضة بدا على هذا النحو من سوء الأوضاع الذاتية، فقد فتح الباب أمام ظهور شخصيات معارضة، أكثر من ظهور جماعات، وهو أمر يفسره أحيانا إطلاق اسم شخص معارض على تنظيم سياسي، والأمثلة في هذا كثيرة، وقد فتح ذلك الباب لظهور مرض الفردية السياسية الذي يكاد يميز العمل السياسي والمعارض بشكل خاص في سوريا.

ويتصل ثاني أسباب ارتباكات المعارضة في السياسة التي طبقها النظام الحاكم في التعامل مع السياسة وفكرها وشخصياتها، حيث تم تهميش السياسة وصولا إلى تغييبها، وإحلال الأمني محلها، وجرى استبعاد وتهميش رجال السياسة، وصولا إلى نفيهم، وتزامن مع ما سبق الهجوم على الجماعات والأحزاب السياسية فتم حظرها وملاحقتها، ولم يقتصر الحظر والملاحقة على العائلات الآيديولوجية المختلفة مع البعث باعتباره حزب النظام مثل الإسلاميين من الإخوان المسلمين وحزب التحرير، والشيوعيين بتنوعهم والقوميين السوريين والليبراليين، بل شمل القوميين من القوميين العرب إلى انشقاقات البعث، التي كثيرا ما صنفت باعتبارها العدو رقم واحد للنظام.

ولم تفلت من طوق الملاحقة والتهميش القوى والجماعات المتحالفة مع النظام وحزبه في إطار الجبهة الوطنية التقدمية بما فيها حزب البعث الحاكم الذي تم تدمير نخبته السياسية والثقافية وإحلال الأمنيين ومن في حكمهم في مكانة النخبة.

والسبب الثالث في ارتباكات المعارضة السورية، يكمن في التدخلات الخارجية التي طرأت على بعض جماعاتها ومن خلال بعض الشخصيات السورية في الخارج، وكثير منهم ممن عاشوا واستقروا في الخارج منذ عقود، وقد شجعتهم انطلاقة ثورة السوريين على الانخراط في الشأن السوري، والتوجه إلى ساحة العمل المعارض، لكنهم حملوا مع مجيئهم ظروفهم وعلاقاتهم، وألقوا بها في إطار جماعات وكتل ضعيفة في بناها وأدائها في مواجهة مهام صعبة ومعقدة.

غير أن التدخلات الخارجية، لم تقتصر على شخصيات وافدة إلى المعارضة، بل امتدت إلى تدخلات دول ومؤسسات، يمكن أن ينعكس التغيير في سوريا سلبا أو إيجابا على مصالحها، ويمكن ملاحظة التعبيرات المباشرة لهذه التدخلات في تصريحات مسؤولين عرب وأجانب وفي تصريحات قادة من المعارضة السورية، كما يمكن ملاحظة تعبير آخر من تلك التدخلات في سلسلة المؤتمرات التي عقدتها جماعات وكتل معارضة في العديد من العواصم العربية والأجنبية.

إن تلك الأسباب، لا تفسر الارتباكات التي تحيط بالمعارضة السورية فحسب، إنما تفسر أيضا دورها الضعيف في ثورة السوريين، وغياب فاعليتها في قيادة حراكهم أو في التأثير عليه، كما تفسر عجز المعارضة عن وحدة قواها ليس بالمعنى الفكري والتنظيمي، فهذا أمر مستحيل وغير مطلوب، وإنما تحقيق الوحدة بمستوى البرنامج السياسي أو بمستوى توافقات سياسية مرحلية، وهو أمر سيكون في مصلحة سوريا والسوريين، لأن توفر ذلك، يمكن أن يرد عن سوريا والسوريين تبعات السقوط الحر للنظام والذي لا يمكن تقدير نتائجه وتداعياته الخطرة.

إن وقائع الإرباك وما يمكن أن يتمخض عنها من زيادة التردي في أوضاع المعارضة السورية وزيادة معاناة السوريين في ظل الأزمة الراهنة، يتطلب الذهاب إلى علاجات عاجلة من جهة وأخرى في المدى البعيد، ولعل الأهم في العلاجات العاجلة، يكمن في سعي الأكثر إخلاصا من الجماعات والشخصيات نحو توفير أجواء إيجابية تنبذ الخلافات وتحاصرها، وتسعى إلى توفير مستويات أعلى للتوافقات على أرضية المصلحة الوطنية، والعمل على إعطاء الداخل السوري ولا سيما الحراك الشعبي والشباب خصوصا وزنا أكبر في تحليل الأزمة ورسم ملامح الخروج منها والقيام بدور أكبر في العملية السياسية المقبلة، ويندرج في إطار المعالجة العاجلة توجه المعارضة السورية نحو مزيد من الاستقلالية عن الخارج للأفراد والجماعات والكتل وتغليب الوطنية السورية على ما عداها، وجعلها الأساس الذي تنطلق منه العلاقات مع الآخرين من مؤسسات وهيئات ودول.

أما في الإجراءات البعيدة الأثر في معالجة ارتباكات المعارضة، فإن الأبرز فيها تقوية روح المؤسسات والهياكل السياسية وتعزيز دورها وجعله فوق دور الأفراد، وإطلاق روح الديمقراطية والحوار والتقارب في الحياة العامة والسياسية على وجه الخصوص، وإقامة معاهد لتدريب ورفع قدرات الكادرات العاملة في الشأن العام، وخاصة في الجماعات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، إضافة للاستعانة بما تقدمه مراكز أو معاهد قائمة في بلدان عربية وأجنبية مهتمة من مساعدة في مجال تدريب ورفع قدرات الكوادر السورية.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى