صفحات العالم

رئيس بالانتخاب أو طبيب في عيادة بدمشق!!

ياسر الزعاترة

بين أسبوع وآخر، تسرِّب لنا الدوائر العاملة في الإطار الإيراني ومن شايعها من بعض القوميين واليساريين أخبارا “سارة” عن وضع الرئيس السوري بشار الأسد النفسي والمعنوي (إحدى زائريه كانت طبيبة نفسية أكدت لنا أنه غير منفصل عن الواقع!!)؛ بدءا بحمل السيدة الأولى وانتظارها المولود الجديد، وليس انتهاء بمتابعته الحثيثة للوضع وثقته بالانتصار (أحيانا الحسم السريع، بحسب حماسة المصدر وجهة النقل)، وما بين ذلك حديثه عن الانتخابات والصناديق التي سيبقى من خلالها رئيسا لسوريا، أو فتحه لعيادة في دمشق يعالج من خلالها المرضى (هل لا زال يتذكر طب العيون بعد كل ما أطفأ من عيون وقتل من بشر؟!).

كان بودنا أن تقول لنا الطبيبة إياها، والزائرون الآخرون كيف يكون مرتبطا بالواقع من يتحدث مثل هذا الكلام؟! كيف لمخلوق قتل كل هذه الجحافل من البشر، وترك مثلهم من المعوقين أن يعتقد أن بوسعه أن يعيش آمنا مطمئنا، بل ويفتح عيادة في وسط دمشق يستقبل من خلالها المرضى من كل الفئات؟!

يهرب الإنسان من بلد إلى آخر، وأقله من مدينة إلى أخرى بسبب ثأر مع عائلة واحدة قتل ابنها، فكيف يبقى في ذات البلد من قتل 70 ألفا من أبنائه (حتى الآن بالطبع)؟! هل هو إنسان مرتبط بالواقع حقا، أم هي “البروباغندا” السخيفة التي يتفنن فيها القوم كي يُظهر النظام تماسكه وثقته بالانتصار من أجل ترتيب حل سياسي يؤمن المصالح الإيرانية في البلد، وربما الروسية أيضا؟!

والحال أن قادة إيران لا يبدون أقل انفصالا عن الواقع من بشار الأسد نفسه حين يعتقدون أنه بعد كل هذه الدماء التي جرت يمكن لصاحبهم أن يبقى رئيسا لسوريا (بل ويفوز في انتخابات حرة ونزيهة!!). وهم أكثر انفصالا عن الواقع حين يعتقدون بأن من يسمع دوي الصواريخ قرب قصره الجمهوري (إن كان فيه حقا)، يمكنه أن يسيطر على ما تبقى من البلاد التي أضحى الجزء الأكبر منها خارج سيطرته العملية، بينما يتذكرون جيدا أننا نتحدث عن سوريا التي كانت أشبه بسجن كبير تحصي أجهزته الأمنية أنفاس الناس (أكانوا مواطنين أم وافدين).

نعم، كلاهما منفصل عن الواقع، أكان بشار أم داعموه في إيران. دعك هنا من روسيا التي لن تلطم الخدود وتشق الجيوب على سقوطه أو رحيله، حتى لو شعرت ببعض الإهانة تبعا لعجزها عن ترتيب حل سياسي يحفظ مصالحها، لاسيما أنها معتادة على هذا النمط من الصفعات، وقد لا تجد في اللحظات الأخيرة حرجا في بيعه في المزاد السياسي، هي التي تدرك أن بقاءه مستحيلا، وليس أقرب إلى المستحيل حتى لو خرج لافروف يوميا يتحدث عن الحل السياسي، ويزهو بما يراه تراجعا من المعارضة عن شرط رحيل بشار مقابل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، من دون أن يكلف نفسه عناء التفريق بين شرط التفاوض، وبين شروط الحل، إذ أنه لا معاذ الخطيب ولا أي أحد آخر يمكنه أن ينهي المعركة في ظل بقاء بشار رئيسا. وقد كان رائعا أن يوجه له الائتلاف صفعة حامية بإلغائه لزيارة موسكو.

وكما أن بشار يبدو منفصلا عن الواقع إذ يعتقد أن سيركّع شعبه ويظل رئيسا عليه، فإن إيران أيضا تصاب بالجنون حين تعتقد أن غالبية البلد من السنّة (سيقولون هذا كلام طائفي، نعرف ذلك)، يمكن أن يعودوا إلى البقاء تحت رحمة طائفة لا تشكل سوى 10 في المئة من السكان من جديد، الأمر الذي لا يحدث في أي مكان في العالم هذه الأيام.

دعك هنا من القوى الداعمة للثورة، وفي مقدمتها تركيا التي لن تقبل بحال بأن تنتهي المعركة بخسارتها أمام إيران وأمام النظام في آن، وكذلك حال بعض العرب الداعمين للنظام، كل لاعتباراته الخاصة، حتى لو لم يبد بعضهم كثيرا من الود حيال الربيع العربي برمته.

الذين يسربون الأخبار عن تماسك النظام وثقته بالانتصار لا يأتون البتة على ذكر التطورات العسكرية على الأرض، لا في حلب ومطاراتها، ولا في المحافظات الأخرى، فضلا عن دمشق التي يحاصرها الثوار، بينما لا يجد النظام غير تحويلها إلى ثكنة عسكرية تزدحم بالحواجز وتحيل حياة سكانها إلى جحيم لا يطاق.

من حقهم أن يعلنوا ثقتهم بالانتصار على أمل إيجاد حل سياسي يوهمون أنفسهم بإمكانية أن يشمل بقاء بشار، لكن داعمي الثورة لا يبيعون الوهم إذ يثقون بالنصر، فهم يرون المشهد بكل تفاصيله، وهم حين يتحدثون عن حل، فإنما يفعلون ذلك من أجل تجنب المزيد من الدمار والموت والمعاناة، وليس خوفا من الفشل، والفرق كبير بين الحالتين.

الدستور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى