صفحات سوريةمحمد سيد رصاص

استقطابات حول سوريا


محمد سيد رصاص

أُهرق الكثير من الكلام في الفضائيات ومن الحبر في الصحف،في الربع الثاني من عام2011عندما تزامن الحدثان الليبي والسوري،حول أن “ليبيا هي أكثر أهمية من سوريا”بسبب النفط:خلال النصف الثاني من العام الماضي كانت سوريا موضوعاً لاستقطابات دولية أشرَت لأول مرة إلى بداية تمرد منهجي من قبل محور موسكو- بكين على القطبية الأحادية للعالم التي مارستها واشنطن منذ عام1989،وهو شيء جديد لم نره في أزمة وحرب الخليج 1990-1991ولافي حرب أميركا في كوسوفو ضد صربيا1999ولاأثناء غزو واشنطن للعراق2003. تزامن هذا مع استقطاب اقليمي حول الموضوع السوري جعل منطقة الشرق الأوسط في معسكرين:محور أنقرة- الرياض في مواجهة محور طهران – بغداد – حزب الله،مع حيادية غامضة للقاهرة،وهو شيء لم تستطع حربا 1991و2003 أن تولِداه.هذا الاستقطاب الاقليمي تكرر لأول مرة في عام2011حول سوريا منذ عام1955لماكان الصراع على سوريا بين محور حلف بغداد(= لندن- بغداد- أنقرة) وقاهرة عبد الناصر هو صراع على من يسود المنطقة.

مايلفت النظر في هذا الاستقطاب الدولي حول سوريا،والذي تقف فيه وراء موسكو- بكين دول مجموعة(البريك)البرازيل- الهند- جنوب افريقية ولوبتردد،أنه يؤشِر لأول مرة إلى تحرك روسيا والصين نحو مواجهة عالمية مع واشنطن لأول مرة خلال العقدين الماضيين بعد أن كانتا قد تركتا الساحة فارغة أمام(القطب الواحد للعالم)،وهو تحرك كان مسبوقاً عندهما،منذ عام2008لماظهرت علامات الضعف الأميركي في الشرق الأوسط إثر حرب تموز ثم ظهرت بوادر الأزمة المالية- الاقتصادية العالمية بدءاً من نيويورك في منتصف أيلول2008،بمكاسب أحرزاها في المحيط الاقليمي المجاور لهما،عند موسكو:جيورجيا2008،أوكرانيا2009،قرغيزيا2010، فيماظهر تشدد صيني متزامن في مواضيع تايوان وبورما وكوريا الشمالية . لم تحصل تلك النقلة الروسية- الصينية النوعية في يوم تصويت مجلس الأمن على مشروع القرار1973المتعلق بليبيا في 17آذار2011لماامتنعت روسيا والصين ومعهما البرازيل والهند عن التصويت وإنما في يوم4تشرين أول2011لمااستخدمتا الفيتو في الموضوع السوري وهو ماتكرر بعد أربعة أشهر،ولتكون تلك القاعة بنيويورك الساحة التي أوحت بعودة أشباح الحرب الباردة.

في هذه المواجهة العالمية حول سوريا يبدو أن الحسابات عند أطرافها ،والأوراق،هي أبعد من النطاق الجغرافي السوري ،سواء عند واشنطن(ومن ورائها الاتحاد الأوروبي وأنقرة والرياض) التي ترى أن تغييراً في دمشق سيجعل محور(طهران- بغداد- دمشق- حزب الله)في طريق التداعي،وهي تفكر- قبل 31كانون أول2011وبعده- كيف أن حصيلة سقوط نظام صدام حسين على يد القوات الأميركية في يوم9نيسان2003 وحتى ذلك اليوم الذي انسحب فيه آخر جندي أميركي من العراق قد كانت نتيجته لاتتعدى وقوع بلاد الرافدين في أيدي القوى العراقية الموالية لطهران والتي أصبحت بحكم تلك المتغيرات العراقية”دولة اقليمية عظمى”على حد تعبير القائد السابق ل(الحرس الثوري الايراني)الجنرال رحيم صفوي.لهذا،رأينا في ذلك الأسبوع من شهر تشرين أول الذي جرى فيه التصويت بمجلس الأمن حول سوريا ،كيف قبِل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بنشر (الدرع الصاروخي الأميركي)في الأناضول،في خطوة تركية أعلنت طي صفحة التقارب التركي الايراني الذي كانت ذروته الاتفاق التركي- البرازيلي- الايراني حول (الملف النووي الايراني) في يوم17أيار2010والذي يبدو أنه كان “فاولاً” ارتكبه أردوغان في ملعب واشنطن، التي أغمضت أعينها راضية بعد أسبوعين من ذلك الاتفاق عن هجوم البحرية الاسرائيلية على سفن المساعدات التركية لغزة، في رسالة فهمتها أنقرة بأنها لاتصل إلى حدود الكرت الأحمر في ملاعب كرة القدم . بنفس السياق،يجب وضع ارسال سفن أسطول البحر الأسود الروسي إلى مرفأ طرطوس وقبالة السواحل السورية في أواخر تشرين الثاني الماضي بعد أيام قليلة من طلب مراقب(جماعة الاخوان المسلمين السوريين)رياض الشقفة “تدخلاً عسكرياً تركياً” عبر مؤتمر صحافي عقد في اسطنبول،حيث لايمكن عزل هذا عن سياق المواجهة الروسية – التركية حول النفوذ في القفقاس وآسية الوسطى الاسلامية السوفياتية السابقة،والتي كان أحد مظاهرها الصراع حول أنابيب نفط وغاز تلك المنطقتين إن كانت ستمر بأي من المعبرين،التركي أوالروسي،إلى أوروبة،وهو ربما لاينفصل عن هواجس روسية بأن سوريا موالية للغرب ستكون مع تركية معبراً لأنابيب الغاز والنفط الخليجيين إلى القارة العجوز ،مماسيؤدي إلى فقدان موسكو لأحد أقوى أسلحتها الراهنة مع الغرب عبر تزويده من خلال الغاز(والنفط) الروسي بثلث احتياجاته المنزلية والصناعية.

هذا يعني عند كل تلك الأطراف الداخلة في (الصراع على سوريا) أن “دمشق هي مفتاح المنطقة”كماتؤكد تجارب الإسكندر المقدوني وعمر بن الخطاب وسليم الأول ،وهو ماينطبق على كل الأطراف(= واشنطن- أنقرة- الرياض) التي هي تريد من خلال التغيير في دمشق انشاء تغيير جيوبوليتيكي في عموم المنطقة الممتدة بين كابول والشاطىء الشرقي للبحر المتوسط ينهي المد الاقليمي الايراني،أوالأطراف الدولية الحليفة للسلطة السورية مثل موسكو التي ترى دمشق كآخر معاقلها في المنطقة(بعد قاهرة1974وبغداد صدام حسين)وفي الوقت نفسه تنظر للعاصمة السورية بوصفها قلعة أخيرة إن سقطت ستقود إلى تداعي الشرق الأوسط بكامله بيد واشنطن وهو ماسيؤول في الحسابات الروسية،وخاصة مع تحالف2011المستجد بين واشنطن والتنظيم العالمي لجماعة الاخوان المسلمين،إلى تأثيرات على مسلمي الجمهوريات الآسيوية السوفياتية السابقة وعلى مسلمي الاتحاد الروسي تشابه تأثيرات الهزيمة السوفياتية في أفغانستان1988على (الكتلة السوفياتية)و(الاتحاد السوفياتي)بين عامي1989و1991. عند الصين هناك حسابات مماثلة تتعلق بمسلميها و بهواجس من سيطرة أميركية مطلقة على نفط الشرق الأوسط الذي يشكل قسماً متضخماً من استيراداتها . لدى ايران،ونوري المالكي في بغداد ،والسيد حسن نصر الله،هناك تفكير بنظرية الدومينو التي كان هناك ،من خلالها ،ترابطاً في سقوط الأنظمة الموالية لواشنطن في كمبوديا وفيتنام الجنوبية ولاوس لم يتعدى حدود الأربعين يوماً من شهري نيسان وأيار 1975.

بين يوم 4تشرين أول2011 عندما مورس الفيتو الروسي- الصيني المزدوج ويوم21آذار2012لماصدر البيان الرئاسي عن مجلس الأمن الداعم لخطة كوفي عنان،توضَح أن هناك توازناً سورياً يتأَلف من ثلاثة طوابق:دولي روسي – أميركي،واقليمي،وداخلي بعد عام كامل من الصراع لم يستطع فيه النظام أن ينهي الحراك المعارض ولااستطاع فيه الأخير أن يسقط النظام.هذا التوازن المثلث الأبعاد هو الذي قاد إلى تشكيل ملامح تسوية سورية تحويها خطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة،من الواضح أن فيها استبعاداً ل”السيناريو اليمني”الذي كانت تحويه النسخة الثانية من مبادرة الجامعة العربية في يوم22كانون ثاني2012بعد أن جرت في شهري شباط وآذار مياه كثيرة من نهر العاصي عند حمص.

في الأسبوع الأخير من شهر تشرين ثاني2011،وعندما كان قادة مجلس اسطنبول يبنون الآمال على تكرار “السيناريو الليبي”،قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ لوفد سوري معارض التقاه في لندن:”لاحل في سورياً من دون روسيا”،الشيء الذي من الواضح أن موسكو قد استطاعت فرضه كطريق اجباري أمام واشنطن خلال الأشهر اللاحقة،وهو حدث يتجاوز المسألة السورية لكي يصل بأبعاده إلى رسم حقائق جديدة في العلاقات الدولية في مرحلة مابعد انتصار واشنطن في الحرب الباردة(1947-1989)على موسكو،تؤشر إلى اهتزاز موقع(القطب الواحد للعالم)،وإلى دخول العلاقات الدولية في منعطف مفصلي لايعرف حتى الآن إن كان يؤشر إلى بدء غروب الأحادية الأميركية للعالم،أم لا؟…..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى