صفحات سوريةفايز ساره

التدخلات الخارجية في سوريا!


فايز سارة

يتفق كثير من متابعي الوضع السوري على قول إن سوريا صارت ميدانا لتدخلات كثير من الدول والقوى في أزمتها الحالية. وهذا الوضع يجد له ما يشبهه في تاريخ سوريا بعد الاستقلال، حيث تكثف «الصراع على سوريا» عبر انقلابات عسكرية وتدخلات مباشرة وغير مباشرة، وقد بدأ الوضع يتبدل مع الوحدة السورية – المصرية (1958 – 1961)، وتقوى لاحقا بعد أن أحكم العسكر قبضتهم على السلطة، حيث صارت سوريا لاعبا في المستوى الإقليمي، تمارس سياساتها الخاصة إلى جانب مواقف وسياسات الآخرين، قبل أن تعود في العقد الأخير، وخاصة بعد اندلاع ثورة السوريين في مارس (آذار) 2011، وتصير ميدانا لتدخلات الآخرين، ورغبتهم في أن يكونوا فاعلين في تحديد المستقبل السوري كيانا وشعبا ونظاما.

ورغم أن ثمة أسبابا متعددة ومعقدة، جلبت تدخل الآخرين في الشؤون السورية، فإن سياسات النظام في التعاطي مع حركة الاحتجاج والتظاهر، عززت فرص هذه التدخلات، ثم عملت على تكريس بعضها بصورة عملية.. ذلك أن النظام لم يكتف بجلب تدخلات دولية وإقليمية معينة إلى الشؤون السورية، إنما شجعها على الوقوف إلى جانبه في الأزمة الداخلية ومساعدته في الحرب على معارضيه، وجهد في دفع خصومه نحو علاقة مع قوى إقليمية ودولية معينة من خلال أمرين اثنين: تبنيه الحل الأمني العسكري وإصراره على المضي به نحو الحد الأقصى، مغلقا بوابة الحل السياسي، ورفض حل الأزمة باعتبارها أزمة داخلية، والإصرار على اعتبارها مؤامرة خارجية لها أدوات محلية.

لقد تبلورت التدخلات الخارجية في الأزمة السورية في اتجاهين، كان أولهما تدخل روسيا وتابعها الصيني، إضافة إلى إيران ودول أخرى محدودة العدد، وقفت إلى جانب النظام ودعمت مواقفه، بينما تمثل الاتجاه الثاني بالتدخلات الغربية والإقليمية بما فيها العربية، والتي وقفت إلى جانب الحراك الشعبي ومطالبه. ورغم التجانس العام في مواقف الطرفين وتناقضهما في الموقف من النظام ومن الأزمة، فإن تفاوتا واضحا ومتدرجا في موقف كل واحد من الأطراف المنضوين في الكتلتين. ففي الوقت الذي بدا أن موقف الكتلة المؤيدة للنظام وسياساته بقيادة روسيا إلى جانب إيران والصين تتسم بالجدية والعملية في مواقفها السياسية والإعلامية ودعمها المادي، الأمر الذي أفاد النظام بصورة كبيرة، فقد كانت مواقف الكتلة المؤيدة للحراك الشعبي من القوى الدولية والإقليمية، أقل تجانسا وضعيفة ومترددة، وتغلب عليها المواقف الإعلامية والدعائية والمتناقضة في بعض الأحيان، وهي لم تقدم مساعدة جدية وملموسة، بل إن كثيرا منها ألحق الضرر بالحراك الشعبي وبالمعارضة السورية على السواء. وهذا ما يؤشر إليه ضعف مبادراتها لمعالجة الأزمة، التي كان منها المبادرة العربية ثم خطة الموفد الدولي والعربي كوفي أنان، وما كررته مؤتمراتها، التي لم تتمخض عن نتائج عملية أو تأثيرات سياسية إيجابية على الأزمة في سوريا على نحو ما كان عليه مؤتمر أصدقاء الشعب السوري بدورتيه في تونس ثم في إسطنبول.

لقد ذهبت الكتلة المناصرة للنظام وسياساته إلى الأبعد في دعمها، وخاصة لجهة رفض تغيير النظام، ومنع التدخل العسكري ضده حتى لو كان عبر الأمم المتحدة، بل هي تبنت رؤيته للأزمة وموقفه منها، وقدمت أطرافها دعما كبيرا للنظام. وعلى سبيل المثال، فإن التدخل الروسي بالتآزر مع التابع الصيني، منع تبني أي ضغوط ضد النظام في مجلس الأمن الدولي، وقدم كثيرا من إمدادات الأسلحة والذخائر والتجهيزات الروسية، وقد غطت الحكومة الروسية دعمها بالقول إنه تنفيذ لاتفاقات سابقة، وأضافت إلى تدخلاتها السابقة ثلاث خطوات أخرى: أولها تعزيز حضورها في القاعدة البحرية في طرطوس، وسيرت إلى هناك اثنتين من سفن الأسطول الروسي، والثانية بناء محطة مراقبة في كسب شمال غربي سوريا وسط أنباء عن تشغيل محطة قديمة مماثلة في دمشق، وإرسال فرقة كوماندوز روسية إلى سوريا هدفها حماية المصالح الروسية، وهو تعبير فضفاض، لا يمكن تقدير مداه ومحتواه.

وواقع الحال، فقد أفادت التدخلات الدولية النظام من جوانب مختلفة، وأضرت الحراك الشعبي والمعارضة، وكلاهما أصر لأشهر طويلة على ضرورة بقاء سوريا خارج التدخلات الخارجية، وهو إدراك بديهي وأولي للأخطار التي يمكن أن تحملها هذه التدخلات من جهة، وإصرار على فكرة ضرورة حل الأزمة في مستواها الداخلي سواء من خلال تسوية سياسية، كما كانت الأمور مطروحة في البداية، أو عبر إسقاط النظام حسب هتافات المحتجين والمتظاهرين، لكنه في ظل إصرار النظام على الحل الأمني العسكري وتصعيده، فقد انتقلت الأزمة من الداخل إلى الخارج لتصير أزمة إقليمية أولا ودولية ثانيا، وغدت التدخلات الخارجية أوسع وأكثر تأثيرا، ولا سيما مع تصاعد أصوات في الشارع السوري وفي صفوف المعارضة تدعو إلى تدخلات خارجية لحماية المدنيين ووقف القتل وإخراج السوريين من معاناتهم، وفي الأبعد من ذلك حل الأزمة في سوريا أو المساعدة في تحقيق ذلك، وكلها عززت التدخلات الخارجية في الأزمة.

لقد باتت التدخلات الخارجية في الشؤون السورية عامل استدامة للأزمة في سوريا، حيث يستفيد منها النظام بصورة مباشرة على المدى القريب، لكن المستفيد الأكبر منها مجموعة اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين يجعلون من الأزمة في سوريا ساحة صراع لتأمين مصالح هي أبعد ما تكون عن مصلحة سوريا والسوريين، الأمر الذي يرتب على السوريين وأصدقاء سوريا العمل الجدي والسريع للحد من التدخلات، والذهاب بأسرع ما يمكن إلى معالجة الأزمة السورية.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى