خولة دنياصفحات سورية

الأحداث في سورية حركة تاريخية لا يمكن ايقافها

 


خولة دنيا

منذ بداية الأحداث في سورية.. وتطورها لتتحول من انتفاضة كرامة إلى ثورة نتلمس نضجها يوماً بعد يوم، كان وما زال الحديث عن الطائفية وأن ما يحدث له جانب طائفي.. كان الحديث متداولاً إن على’المستوى الرسمي وإعلامه.. أم على المستوى الشعبي، وللأسف يبدو أن مثل هذا التكهن وهذا التوقع له آذان صاغية على الأرض.. فهل حقيقة أن ما يحدث في سورية هو حركة طائفية فعلاً .. وأن تطورها يمكن أن يؤدي إلى فتنة وحرب طائفية كما يتخوف الكثير من السوريين.

لا يمكننا إنكار أن سورية بلد متعدد الطوائف كما أنه متعدد الاثنيات.. وهذا بجانب من جوانبه روح البلد وأحد ميزاته..’كما أنه أحد جمالياته وما يعطيه غنى وعمقاً يتجلى في هذا الاختلاط والتنوع الثقافي والديني، والقومي كذلك.’

ولكن ما علينا معرفته والتأكيد عليه أن سورية لم تكن في يوم من الأيام إلا كما هي اليوم بلد التنوع والفرادة والتعايش والتساكن، كما أنها البلد الحاضن لكل من فرَّ من بلده بداعي الاضطهاد، ولذلك رأينا بيننا الأرمني والشركسي، كما رأينا العراقي واللبناني والفلسطيني.

وملامح الشعب السوري تعكس هذا التمازج الحضاري الجميل.. فترى الوجه الآشوري والسرياني’الروماني واليوناني والفرنسي والتيمورلنكي الآسيوي.. كما ترى الوجه العربي والمتوسطي.. والأفريقي والكردي والشركسي والأرمني.

هي سورية الملونة بكل جدارة فلا غرابة أن ترى فيها المسلم بكل أطيافه (السني بتنوعاته، والعلوي بتنوعاته كذلك، والإسماعيلي بتنوعاته كذلك، والشيعي والمسيحي كذلك بتنوعاته..) وكان من الممكن أن ترى اليهودي كذلك وإن كان وجوده قليلاً بسبب مأساة فلسطين والهجرة إليها أو الهجرة إلى خارج سورية بسبب الضغوط على اليهود، إلى دول أخرى أوروبية أو أمريكية.

سورية التي تحتضن كل الفصائل الفلسطينية، والمعارضة العراقية السابقة واللاحقة .. والتي تفتح أبوابها لكل العرب العاربة والغاربة.. سورية هذه هل هي بلد طائفي بالفعل وهل هي مرشحة لفتنة طائفية كما يترسخ الآن في الوجدان الشعبي السوري؟

يحاول الكثيرون عدم مناقشة المسألة الطائفية في سورية على اعتبار أن فتح الموضوع يمكن أن يخلقه من العدم، بحسب اعتقادهم.

ولكن بالنسبة لي ولكثرة ما سمعت عن الفتنة، أظن أن الوقت حان لمناقشتها ووضع حد لها إن كانت بالفعل موجودة.. أو بسطها على الأرض ورؤية احتماليات إثارتها فعلاً لا قولاً.

لقد هالنا جميعاً التجييش الذي مارسته السلطة السورية ومنذ الأيام الأولى للحراك السوري باتجاه الفتنة الطائفية.. ولقد برز هذا في مظاهر عدة:

ـ ما تم تداوله عن خطة بندر بن سلطان وهي الموجهة أساساً إلى الطائفة السنية في سورية.

2 ـ ما حكي عن وجود سلفيين في مناطق درعا ودوما وغيرها من المناطق السنية في درعا ومحيط دمشق.

3 ـ ما يتم تداوله من أن العلويين مهددون من قبل السنة في مناطق الاختلاط الطائفي (حمص واللاذقية وبانياس).

4 ـ ما تم تداوله أخيراً في تلكلخ من وجود عصابات مسلحة يدعمها الحريري وهي سنية كذلك.

قد يكون من المفيد هنا مناقشة الخريطة الدينية والطائفية في سورية لمعرفة مواقف عدد من الأطراف مما يجري، ولماذا كان موقفهم كذلك:

لا يخفى على أحد أن الغالبية الدينية في سورية هي للسنة، ولكن هذا لا يعني أنها غالبية عظمى (فهي تتضمن الأكراد والشركس.. كقوميات) ولهؤلاء وضع مختلف والقومية لديهم أهم من التصنيف الديني بسبب فقدان الحقوق لدى الأكراد خاصة ونضالهم المطلبي من أجل استرداد هذه الحقوق بالدرجة الأولى.

كذلك فالأقليات الدينية الأخرى في سورية يمكن أن تتفق إذا استشعرت خطراً ما يواجهها بالمعنى الديني (الشيعة والعلويون والاسماعيليون والدروز والمسيحيون) وهم بهذا المعنى قوة لا يستهان بها.. في حال وجود حركة سلفية حقيقية تريد إعلان إمارات إسلامية كما يروج النظام.

وعلى الأرض نرى أن الصراع لحد الآن اتخذ طرفين هما السنة والعلويون..’هذا الصراع حاولت السلطة تأكيده بأشكال مختلفة في مناطق الاختلاط خصوصاً، وفيها رأينا مظاهر لا يمكن لأحد ألا يلاحظها:

ـ تسليح مناطق واسعة من قرى العلويين في الساحل خصوصاً’من قبل الشبيحة’ورجال بيت الأسد.. ومحاولة استثارة الحمية الدينية لديهم لمواجهة السنة الذين يريدون قتلهم.. وهذا للأسف وجد له رواجاً بين الكثيرين هناك بسبب ما خلفته أحداث الثمانينات من نقمة لم يقم النظام بعلاجها وإنما تركها كالنار في الجمر تنتظر أي لحظة لتشتعل.

– تصوير أن الكثير من الجنود والضباط الذين يقتلون هم من العلويين وأن قتلهم كان طائفياً بحتاً.

– تجييش الشباب العلوي لمواجهة الاضطرابات والمظاهرات كرديف للشبيحة، وهنا تم الاعتماد على طلاب بالجامعات وما يسمى باتحاد الطلبة وأن ما يجري هو نزاع طائفي لا مدني، وأن المظاهرات هي لقلب الحكم العلوي (وهذا كما نعلم بعيد تماماً عن الصحة، ولكن بغياب الوعي وبزيادة التجييش لا يمكن الاعتماد على نفاذ بصيرة هؤلاء للأسف).

الاعتماد على فرق الجيش الأكثر ولاء طائفياً كالحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة وهنا يجب إيضاح أن النظام لم يحاول لحد الآن إدخال الجيش بشكل عام في قمع المدن .. وإنما اعتمد بشكل أساسي على الفرق الأكثر تأييداً وولاء له.

-أيضاً على مستوى الأمن، وعلى الرغم من علمنا أنه يوجد الكثير من عناصر الأمن من مختلف الطوائف، غير أن أدوات القمع الرئيسية كانت تعتمد على فرق موالية طائفياً، وإن احتوت على الأقليات المسيحية والدرزية والاسماعيلية.. ولكن بشكل أساسي كان الاعتماد على العلويين، خاصة أمن الدولة والأمن العسكري.

– يضاف لذلك الإعلام الرسمي الذي وإن لم يذكر أسماء الطوائف بشكل صريح ولكن كل الإشارات تشير إليه.. من خلال نقل جنازات الجنود وعناصر الأمن، ومن الواضح أنهم بأغلبهم علويون، وكذلك في نقل نداءات تدخل الجيش بلهجات لا تخفى على أحد.. وكذلك في نشر دعوات الفتنة وتأكيد وجودها بشتى الطرق.’

من جهة أخرى نرى حياداً واضحاً في أطراف أخرى من المعادلة السورية:

هناك فرق من السنة (في المدن الكبرى تحديداً) يخافون مما يسمى السلفية، وهم يولون اهتمامهم لمصالحهم أكثر من نظام الحكم.. وهؤلاء وإن كانوا لا يمانعون التغيير ولكنهم لا يجسرون على المشاركة فيه.

كذلك الأقليات الأخرى، فالمسيحيون يعتبرون أن نظام الحكم القائم على علاته أرحم من وجود نظام حكم يتولى فيه السنة بتعصبهم (كما يعتقدون) الحكم فيه.

كما يذكر لي بعض الاصدقاء الدروز ان البعض يشيع أن (ضربة العلوي أرحم من بوسة السني) ويعتبرون أن أمانهم مرتبط باستمرار الحكم الحالي.. ولا داعي للمخاطرة بسلطة جديدة.. وكذلك يفكر الاسماعيليون..

أما الأكراد فقد حسموا ترددهم لجهة دعم الانتفاضة (وإن بخجل) لأنهم رأوا فيها فرصة لدعم مطالبهم وخياراتهم في الانتماء لوطن حاربوا كثيراً للحصول على حقوق المواطنة فيه.

ومع دخول الانتفاضة شهرها الثالث واستمرار زخمـــها وامتدادها، كيف يمكن معالجة نواقص الخريطة الدينية والقومية السورية؟

من الواضح أن المشكلة في سورية هي مشكلة ثقة، لا مشكلة طوائف، فلا أحد يستطيع الرهان على المجهول وما قد يأتي به.

وتتبدى مشكلة الثقة هذه في مواقف العلويين خصوصا، وخوفهم من الانتقام (وهو ما تعززه السلطة وبلطجيتها، في مظاهر مختلفة وما تبثه من رعب وإشاعات) فيبدو من الأهمية بمكان لتعزيز هذه الثقة:

-العمل على فصل السلطة عن مكونها الديني بمعنى فك الارتباط بين العلويين كطائفة، وآل الأسد ونظام الحكم كنظام فاسد يجب التخلص منه. فكيف يمكننا تعزيز فك الارتباط هذا؟ من المهم هنا العمل الدعائي والإعلامي والابتعاد عن التسميات الدينية، من قبيل القول ان الحركة بظاهرها ذات طابع سني لكنها ذات طابع شعبي عام بالحقيقة، وهذا يمكن تأكيده من خلال الالتقاء بين شخصيات من مختلف مكونات المجتمع ووجود خطاب وطني موحد.. ويجب ألا ننسى أن تأخر الحركة والانتفاضة في سورية من فرز قياداتها وإبراز مطالبها الواضحة قد ساهم في تعزيز فكرة الطائفية في البلد ولدى الأقليات التي تشعر بالخوف..

فوجود قيادة موحدة من مختلف الشرائح والمكونات المجتمعية والدينية السورية يعزز الثقة بين مكونات الشعب، خصوصاً عندما تكون هذه القيادات معروفة باعتدالها ووطنيتها وابتعادها عن المصالح الشخصية، لصالح الوطن.

– العمل على فضح أساليب النظام، وهذا يتطلب جهداً كبيراً لا يستطيع المنتفضون السوريون القيام به لوحدهم، وهنا يأتي دور السوريين المقيمين في الخارج، ومن تضرروا من هذا النظام، ومن لهم مصلحة بالتغيير، فهم كثيراً ما يتساءلون عما يمكنهم القيام به، وقد تكون متابعة وسائل الإعلام السوري وفضح ممارساتها وخطابها الطائفي من أهم الأدوار التي يمكن أن يقوموا بها، وذلك بنشر ما يتم تداوله في سورية مفضوحاً ومرفقاً بالأدلة على الفتنة التي يريد النظام بثها..

-تعرية جميع الشخصيات والهيئات التي تدعم النظام من أي جهة أو طائفة كانت، وهم ليسوا بالقلائل أبداً وليسوا مقتصرين على طائفة بعينها، وهؤلاء نجدهم في المدن والقرى وفي تسلسل الحكومة والنظام وأجهزة القمع. إن فضح هؤلاء له أهمية كبيرة على صعيد بث الثقة بين السوريين، فالمطلوب إزاحة الفاسدين والمنتفعين جميعا من أي جهة كانوا.

ـ إلقاء الضوء على حركات الاحتجاج لدى الفئات والطوائف المختلفة، كي لا تظهر الحركة مقتصرة فقط على فئة واحدة.. فلقد حصلت حركات احتجاج في السويداء والسلمية ومدن أخرى لم تأخذ ما تستحقه من اهتمام، ولقد حاول النظام الالتفاف عليها وحلها مع وجهاء ومشايخ المدن، كما لم يتم قمعها بنفس العنف الممارس في مناطق أخرى، وذلك كسباً لولاء الأقليات وعدم إثارة حفيظتهم ومشاركتهم في الاحتجاجات من خلال تمييزهم عن غيرهم والإبـــقاء على فكرة أن الاحتجاج سلفي ديني كما يدعون.

‘-أخيراً: من الأهمية كذلك العمل على جذب الطوائف والشرائح الواقفة على الحياد، والتأكيد أن ما يحصل يعني الجميع ويصب في مصلحة الجميع.

ويجب عدم نسيان التأكيد على سلمية الحركة، ورفض جميع أشكال استعمال السلاح (وهو ما حدث في بعض المناطق) مع العلم أن هذه الحوادث فردية، ويجب فضحها كذلك، التزاما بشفافية الحركة وصدقها وبالتالي تعزيز الثقة بها. إن حالات استخدام السلاح أو العنف يجب رؤيتها في سياقها واللحظة التي تمت بها وبمواجهة أي ظرف.. مع المطالبة بعدم الانجرار وراءها لما في ذلك من إضرار بالحركة ككل، وما قد يتم استغلاله من قبل النظام لمزيد من العنف والقتل بحق المدنيين.. ولنا في ذلك قدوة في ثورة اليمن.

‘نحن جميعاً أبناء سورية، ويجب ألا ننسى أننا كنا قائمين ومتعايشين فيها وبأفضل الأشكال وساهمنا في تحريرها وبنائها قبل وجود حكم البعث أو حكم آل الأسد.. ويجب أن نبقى كذلك ..

فلا خوف على البلد وعلى التعدد الطائفي والإثني فيه.. فهو مكون جمالي وثقافي وتاريخي كان وسيبقى ويجب أن نورثه بغناه وتنوعه لأبنائنا من بعدنا.. علينا جميعاً أن نزيل الخوف ونكرس الثقة..

وما يحصل هو حركة تاريخ لا يمكن إيقافها لمصلحة فئة تريد إشعال البلد فقط لبقائها ومصالحها المحدودة..

فلنعمل معاً من أجل تكريس الثقة ومن أجل سورية أجمل وأكثر حرية.

كاتبة من سورية

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى