صفحات سورية

الأخبار العاجلة السورية

 

كرم يوسف

لايمكن مطلقاً لأي متابع للثورة السورية وإن كان من أبنائها أن يكون قادراً على جمع عدد المرات التي خرجت فيها الأخبار العاجلة عن هذا البلد منذ بداية ثورته، فكثيراً ما امتلأ الشريط الأخباري للقنوات المناصرة للثورة أو للأسد بالأخبار العاجلة والتي عادة يتقاسمها اللونان الأبيض والأحمر، للفت أنظار المشاهد إلى حدث بارز، وسرقة عنينية عن الشاشة لذلك الخبر العاجل عن الدم السوري، لا شك لذلك اللونين علاقة كبيرة بمايجري على الأرض في سوريا فهناك أحمر يسرق الحياة وأبيض قليل تنتهي بعد قراءته آخر ذكرى لأشخاص على هذه الأرض.

ربما في بداية الثورة كان يحظى كثيرون بأن الأرقام لاتخونهم حيث كان من الممكن أن يعرف أي شخص أن قريبه ذاك ضمن عدد الشهداء الذين يتحدث عنهم الشريط الإخباري العاجل لخمسة أو ستة من الشهداء، حتى أنه في بداية الثورة كنا نرى اسماء الكثير من الشهداء ترد في الأخبار، أما حين حصدت مجازرة نظام الأسد أكثر من 250 شخصا في مجزرة واحدة كما في دير بعلبة بحمص، أو مئة شخص كما في مجزرة فرن حلفايا بريف حماه، فبات من الصعب أن يعرف إنسان أن قريبه ذاك ضمن قافلة الشهداء أو لا، لأن كثيرين منهم يبقون تحت الأنقاض، ومجهولي المصير تحتها لحين العثور عليهم.

لعل عيون كل الثوار السوريين المتابعين لتلك الأخبار العاجلة كانت ولاتزال تحلم بخبر عاجل وحيد يتحدث عن الإطاحة بنظام الأسد سواء أكان ذلك بضربة جوية غربية فقد الأمل منها، أو تصفيته من قبل حاشيته المقربة، أو من قبل الجيش الحر، وقد يعذر كل من سئم ذلك الشريط الإخباري العاجل عن متابعته بعدم قراءته أو عدم الإكتراث له فكثيرون ماعاد يشدهم لون الشريط الإخباري لأنه لا يتحدث مطلقاً عما يريدون، بل لاتزال تكتب حروف كلمات الشريط الإخباري العاجل الذي لا يهدأ منذ واحد وعشرين شهراً من أرقام للشهداء والمدن المقصوفة والصفقات السياسية التي تعقد على حساب السوريين في حرب بالوكالة يخوضها السوريون نيابة عن قوى كبرى ماعادت تريدهم أبناءً لوطن مرتاح البال، بل أبناء لوطن لا يستيقظ من المجازر لعقود كثيرة على أقل تقدير.

كل تلك الأخبار العاجلة المشبعة بالموت والمجازر قادت كثيرين من أبناء الثورة حتى ضمن سوريا إلى إطلاق صفحات عبر شبكات التواصل الاجتماعي تخفف شيئاً من عبء تلك الأخبار بتناول جوانب ساخرة من الثورة ساعية بذلك إلى إعادة الحياة في روح من يتصفحونها، وعلى الأرض أيضاً يعد أبناء سوريا الثائرون مشاهد ساخرة عن حياتهم ضمن القصف في محاولة للتغلب على قذائف الطائرات التي أخطأت ولاتزال تخطئ الطريق إليهم إلى حين آخر.

وفي مقابل ذلك وفي تحد للشريط الإخباري العاجل المنتظر الذي يتحدث عن إسقاط حكم طاغية دمشق، رُفعت لافتات ساخرة كثيرة في مختلف أرجاء جغرافية سوريا تتناول العالم من أقصاه إلى أقصاه بالتهكم والإزدراء ويحلم من خططوها إلى أن يوصلوا بكتاباتهم على تلك اللافتات للعالم بأسره أنهم يجيدون كل معادلات السياسة ومايعد لوطنهم. ومما يفعله السوريون أيضاً في انتظار ذلك الشريط الإخباري العاجل الرسم بما تبقى لديهم من أقلام صور ساخرة لساسة العالم ومايطبخ في مطابخ السياسة لوطنهم، أو رسوم كاريكاتورية ساخرة للسوريين وهم يتحدون القصف والمجازر.

لا شك أن كثيراً من القنوات ماعادت تعتبر مقتل 20 سورياً أو أربعين في قصف ما، أو قصف مدينة واحدة، ومجزرة واحدة شيئاً يستحق أن يكون خبراً عاجلاً، ودون أدنى شك سيأتي في النهاية ذلك الشريط الإخباري العاجل والذي ينتظره ثوار سوريا منذ تاريخ 15-3-2011 طارقاً كل أبواب العالم وصانعاً معادلات كثيرة تقسم قبلها وبعدها أحداث العالم.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى