صفحات الناس

“موسم الهجرة” من الجنوب!/ علي بردى

 

 

 

الفوضى التي تشهدها ليبيا أدت – ضمن أمور أخرى – الى تحويل البحر الأبيض المتوسط مقبرة جماعية. يجازف المهاجرون غير الشرعيين بأرواحهم فراراً من بؤس بلاد الجنوب ومن أحزان الشرق. الى أين؟ لا همّ الى أين توصلهم عصابات الاتجار بالبشر. مالطا، ايطاليا، اليونان أو غيرها. وضعت هذه الظاهرة الغرب أمام مأزق: التزام قوانين حقوق الإنسان من جهة، وتحمل أعباء التدفق “غير المضبوط” للاجئين من جهة أخرى.

تتمسك المنظمات الدولية، وفي مقدمها الأمم المتحدة، بأن الهجرة بذاتها “ظاهرة طبيعية”. لا تقتصر على البشر. هؤلاء يسافرون عبر التاريخ. بعضهم عابر وبعضهم مقيم. وصفت منظمة “هيومان رايتس ووتش” بعض الخطط الأوروبية للجم هذه الظاهرة باستخدام القوة بأنه ناشئ عن “أفكار مجنونة”. المهاجرون ليسوا غزاة أو فاتحين جعلوا المتوسط “جسر عبور” من فقر الجنوب وظلمه الى بحبوحة الشمال ورخائه.

يدرك الأوروبيون أن الخيار العسكري “غير ضميري” ولن يؤدي الى تسوية هذه الأزمة المتعددة الوجه والسبب. غير أن خيار ترك الباب مفتوحاً سيملأ الشواطئ الأوروبية على الأرجح بمئات آلاف المهاجرين الهاربين من الحروب والأزمات في ليبيا وسوريا والعراق وغيرها من بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا. تسعى دول الاتحاد الأوروبي الى اقناع سائر أعضاء المجتمع الدولي بضرورة اصدار قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتسوية هذه الأزمة. لا بد من إطار عمل يضع حداً للمأساة الإنسانية الناجمة أولاً عن سعي هذا العدد الضخم الى الهجرة بأي وسيلة، وثانياً عن استغلال العصابات الإجرامية المنظمة بؤس الهاربين من بلدانهم، وعن الفوضى العارمة التي جعلت ليبيا مقصداً للاجئين وأرضاً سائبة لجماعات الاتجار بالبشر.

تذرّعت دول أوروبية بأنها لا يمكنها أن تتحمل أعباء مئات آلاف اللاجئين لترسم سياسات متطرفة في التعامل معهم. ولكن كيف استطاع لبنان أن يتحمل هذا الدفق من اللاجئين السوريين والفلسطينيين؟ ألا يمكن الدول الأوروبية هذه أن تفعل ذلك؟

سعت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيديريكا موغريني الى خطوات عملية. تراجعت عن تصريحاتها الأولى المثيرة للجدل في شأن ضرورة “تدمير” المراكب على الشواطئ وفي المياه الإقليمية الليبية. نجحت أخيراً في تسوية التباينات بين أعضاء التكتل لمصلحة تركيز الجهود على “الطابع الإنساني” لأي مهمة يمكن أن تنفذ. أرست سياسة “بحث وإنقاذ” موحدة يمكن أن تؤدي الى إنقاذ الأرواح عوض إزهاقها.

غير أن هذه المسألة لا تنتهي عند هذا الحد. يدرس أعضاء آخرون في مجلس الأمن، وبعضهم بعيد وغير متأثر بهذه المشكلة بالذات، العواقب التي يمكن أن تنجم عن أي “سابقة” على مستوى القانون الدولي. المهاجرون واللاجئون يتدفقون عبر بلدان الشرق الأوسط ذاتها، ومن ميانمار الى دول أخرى في الشرق الأقصى، ومن دول أميركا الجنوبية واللاتينية نحو الولايات المتحدة وكندا.

بدأ في ليبيا موسم من نوع آخر.

النهار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى