صفحات العالم

الأردن في مواجهة الأزمة السورية

 

سيريل تاونسند *

في كتابه بعنوان «بداية الحرية»، كتب اللورد كارادون الذي وضع القرار رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، عن العاهل الأردني الملك حسين ما يلي: «بات الخطر رفيقه الدائم وساهم في نجاحه وزاده في شبابه ثباتاً وجدية وتصميماً… وتعدّ هذه الشخصية المستقيمة التي كانت محاطة بجميع أنواع المصاعب والمخاطر مثالاً على الشجاعة ونموذجاً للثبات والكرامة».

وفيما نتابع الأحداث التي يواجهها الملك عبدالله الثاني ونتساءل عن قدرته على الصمود في وجه الأزمات، تنطبق الكلمات التي وصف بها اللورد كارادون الملك حسين بشكل كامل على نجله الملك عبد الله. تسبّب الربيع العربي، مع كل البلبلة والغموض والخطر الذي رافقه، بنشوب نزاع في سورية، الدولة المجاورة للأردن، وأدى إلى مقتل نحو 70 ألف شخص وباندلاع خلاف سياسي داخلي في الأردن.

اندلع النزاع في سورية بين نظام الأسد والثوّار في شهر آذار (مارس) 2011 في مدينة درعا القريبة من الحدود السورية – الأردنية، في جنوب سورية. وبادر النظام السوري فوراً إلى اتخاذ إجراءات مشدّدة ضد الثوّار الذين كانوا موجودين في معاقلهم في المنطقة.

لكن، خلال الأشهر الأخيرة، بات الثوّار في جنوب سورية فاعلين من جديد، ونجحوا في لفت الأنظار إلى الإرهاق الذي أصاب الجيش السوري وإلى المنشقين العديدين عنه الذين انتقلوا إلى الجهة المعارضة. وتمّ اجتياح قواعد عسكرية في مناطق مختلفة وإخراج الدبابات والمسدسات الثقيلة منها، كما تمّت استعادة عدد من القرى في شرق درعا من النظام.

وكان الهدف الأساسي للملك عبدالله الثاني أن يبقي بلده خارج القتال الدائر في سورية قدر الإمكان. لقد حاول منع الأردن من أن يتحوّل إلى طريق إمدادات إلى داخل سورية، مثل تركيا ولبنان والعراق. لكن من الواضح أنّ بعض الأسلحة، بما فيها الصواريخ المضادة للدبابات والذخائر دخلت إلى سورية عبر الأردن، ومن ثمّ استُخدمت ضد دبابات النظام ونقاط التفتيش التابعة له. وسرت شائعات بأنه تمّت إقامة معسكرات تدريب للثوّار في الأردن، إلا أنّ عمّان أنكرت هذا الأمر.

عام 2012، تمّ جرّ تركيا إلى النزاع في سورية حين تمّ إسقاط طائرة استطلاع تركية من طراز «آر أف 4»، فيما دفعت تركيا في صيف ذلك العام ستاً من طائراتها المقاتلة إلى الحدود من أجل إبعاد خطر الطائرات المقاتلة المروحية السورية. ولا بدّ أنّ الملك عبد الله يخشى أن يتمّ إسقاط طائرة أردنية ربما عن طريق الخطأ أو أن تتعرض قرية أردنية بالقرب من الحدود لقصف مدفعي.

ويشعر الأردن بقلق كبير بسبب مشكلة اللاجئين، إذ يصل إليه نحو 3 آلاف لاجئ من سورية كلّ يوم. وهناك حوالى 440 ألف لاجئ سوري موجودين حالياً في الأردن. وجرى بحث إمكان إقامة منطقة آمنة للاجئين داخل سورية على طول الحدود مع الأردن، إلا أنّ هذه الخطوة بدت محفوفة بالمخاطر.

لقد تابع الأردنيون أحداث تونس ومصر وليبيا واليمن عن كثب، وهم واثقون أنّ الرئيس بشار الأسد سيرحل عن الحكم قريباً. وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عمّت شوارع العاصمة عمان تظاهرات أطلقت هتافات تطالب بإجراء إصلاحات. ويبدو أنّ الرأي العام في الأردن يؤيد قيام ديموقراطية فعلية. ويأخذ الوضع الاقتصادي الصعب الكثير من وقت الملك. فثمة حاجة إلى فرض إجراءات تقشّف قاسية من دون تأخير، على غرار ما حصل في عدد كبير من الدول. ويفتقر الأردن إلى الموارد الوطنية، كما توجّب تقليص إعانات الوقود في شهر تشرين الثاني، الأمر الذي أدى إلى اندلاع احتجاجات في الشارع. ومن خلال الحصول على قرض كبير من صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يقوم الملك بتقليص إعانات الكهرباء أيضاً. كما يرغب صندوق النقد الدولي في أن يقلّص الملك المساعدات والخدمات التي يوفرها القطاع العام.

* سياسي بريطاني ونائب سابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى