صفحات سورية

الأزمة السورية في خضم المتغيرات الدولية


د . سمير التقي

في قراءة سريعة وشاملة للموقفين الأمريكي والروسي، فإنه من الناحية الشكلية، من الواضح منذ شهور أن ليس ثمة تصور أمريكي روسي حول مصير الأزمة السورية. فكلا الطرفين متفقان على أن الطرق السياسية وليست العسكرية، هي الطريق إلى الحل الذي ينبغي أن يعملا عليه. وبذلك وضعا قوانين لدورهما فيما يسمى باللعبة السورية، وعمل الطرفان على ضبط عناصر الصراع الداخلية والإقليمية. وهكذا عمدت الولايات المتحدة على ضبط مساعدتها لقوى المعارضة السورية بما يسمح لها بالبقاء دون الحسم في حين استمرت روسيا في حقن النظام بكل ما يلزم لإبقائه على قيد الحياة.

وبالتوازي مع ذلك، فقد دعمت الولايات المتحدة وروسيا مهمة عنان ثم توافقتا على بيان جنيف الذي يتيح بغموضه هوامش مناورة لروسيا من أجل إدارة مفاوضات مع المعارضة الداخلية السورية في إطار البحث عن صيغة قابلة للحياة لمخرج تجد فيه روسيا بل وايران عناصر في صالحها.

وعلى هذا الأساس، تم اعتماد خطة الأخضر الإبراهيمي كخطة مكملة لمهمة كوفي عنان.

جوهر ما يتم التفاوض عليه الآن من قبل روسيا والولايات المتحدة وتركيا وايران هو البحث عن صيغة مقـــــبولة للمـــرحلة الانتقالية، تضمن لكل منهم حصته من الكعكة السورية. فالروس يريدون صون علاقاتهم في بنية الجيش، والايرانيون يحافظون على علاقاتهم ودورهم مع أجهزة الأمن، والأتراك يريدون ضمان دور رئيسي للإخوان المسلمين في صياغة مستقبل سورية.

ومن خلال سفر وفد من المعارضة الداخلية إلى بكين برئاسة عبد العزيز الخير الزعيم المعارض من الطائفة العلوية والمشهور بسمعته وملكاته القيادية، والذي تم بعده مباشرة اعتقاله مباشرة بعد عودته من بكين إلى دمشق من قبل المخابرات الجوية فإنه من المرجح أنه اعتبر في حينه بديلاً توافقياً ومحتملا ومقبولاً لبشار الأسد في صيغة الحل الانتقالي، الذي يرضي الجميع.

وعلى نفس النسق تبذل جهود حثيثة مع الإخوان المسلمين من أجل ترتيب انعطافهم للموافقة على الحل في إطار ترتيبات تبذل للتحضير لتشكيل حكومة انتقالية تتمثل فيها قوى من النظام إضافة إلى الإخوان وبعض رموز الأخرى من المعارضة.

من جهة أخرى، فثمة أخبار عن أن بشار قد عرض انسحابه من المشهد لكن العائلة لم تقبل بذلك. لكن الأخبار المتسربة عن لقائه بلاريجاني تدل على أنه لم يرفض تماماً فكرة مرحلة انتقالية يكون له فيها حضور رمزي في أطر حكومة انتقالية تشارك فيها عناصر من النظام مثل فاروق الشرع وعناصر من المعارضة وبشكل أساسي من الإخوان المسلمين.

إلا أن مجريات الأحداث توحي بأن الحلول الدبلوماسية المفروضة من الأعلى لن تجد لها فرصة في الحل.

فبشار سيراهن على الادعاء بعدم انضباط انصاره بالاتفاقات، والإخوان سيحاولون قضم مناطق نفوذ القوى الأخرى من المعارضة وسيحاولون الاستيلاء على بعض مراكز المدن من خلال العتاد الضخم الذي يخزنونه تحضيراً لساعة الصفر في كل المحافظات، وستشعر الطوائف الأخرى بالتالي أن النظام قد تخلى عنها فتذهب إلى الاحتماء بالسلاح، وسيندفع الأكراد لمحاولة فرض أمر واقع في مناطقهم. والقوى الشعبية التي سارت بعيداً في مرحلة اللارجعة لا تزال تجد في البندقية شرفها وحريتها فكيف ستتصرف إزاء هذا الحل؟.

ويروج الأخضر الإبراهيمي بالمقابل لطائف سوري الأمر الذي يعني أن يصب الزيت على نار الأزمة ويدخل البلاد في أتون حرب أهلية سيكون هدفها اعادة تموضع مختلف القوى الطائفية والإثنية في سوريا في محاولة لتعظيم حضورها السياسي والجغرافي في البلاد.

وبالتالي سيحاول بشار أن يكون افضل الحلول السيئة لعل المجتمع الدولي يعود للقبول به.

كل ذلك يدل على أن خطة الابراهيمي لن تنجح، بل ستفتح البلاد على مصراعيها لحرب أهلية طائفية.

فليس ثمة مناقشة تحدث بالفعل حول أية خيارات اخرى. وحتى خيار باتريوت التركي والتلويح بالخشونة فإن المقصود منه هو تحريك العجلة الديبلوماسية. ولكن عبارة ‘تحريك العجلة الديبلوماسية’ عبارة صعبة التصور لأن المشكلة تكمن في التفاصيل. أي هل سيرحل الأسد؟ وهل تقبل (العائلة) برحيله؟ وما هو موقف ايران الذي لن يتبلور إلا بمعرفة البديل بأدق التفاصيل؟، وكذلك موقف روسيا، والوضع داخل المعارضة، وموقف الدول الخليجية ..الخ.

عنوان المرحلة هنا هو البحث عن بديل متماسك. فالإدارة الأمريكية ترى الائتلاف الوطني غير مقنع بعد. إلى جانب ضيق الولايات المتحدة بلغ حداً كبيراً من موقف دول الخليج بشأن سوريا وامتناعها عن التنسيق معها لأن تلك الدول تلعب دور مفسد الألعاب بالنسبة للترتيبات الأميركية. كما أنه من الواضح أن نشر بطاريات باتريوت في الجنوب التركي ليس إلا أداة تحريك، وأن هدفه أيضاً إبداء المساندة لاردوجان بسبب اللوم المتزايد الذي يوجه إليه داخلياً من أن الغرب يدفعه إلى الواجهة في الأزمة السورية وأنه سيورطه ويتركه وحده بعد ذلك.

ولكن المشكلة يمكن أن تتوضح من خلال السؤال التالي: هل هناك خط أحمر فاصل بين مراكمة عناصر القوة في الأزمة السورية، بهدف الضغط على النظام وأنصاره وبين الشعور بالإغراء لاستخدامها خاصةً بعد تراكمها بقدر كاف للبدء في تدخل عسكري من نوع ما؟.

فبالرغم من أن واشنطن والحلفاء في اوروبا الغربية يلاحظون الضعف المتزايد الذي يطرأ على القدرات العسكرية للنظام في دمشق الى درجة تجعل من احتمال تطويق اي حرب وحصرها واخمادها بسرعة احتمالا بالغ الترجـــيح فإنه لا يبدو أنها ستقدم حتى على اتخاذ الخطوة الاولى، فنشر صورايخ باتريوت سيستغرق حتـــماً بعض الوقت، والكثير من الضجيج.

وبالرغم من الاتفاق الأمريكي الروسي على الخطوط العريضة إلا أن هناك فوارق بدأت تتضح الآن ولم تكن موجودة من قبل بين موقفي البلدين. وسبب الفوارق هو أنه بالرغم من الاتفاق على تجنب استخدام القوة لإجبار بشار على الرحيل فإن ذلك يعني وجود إمكانية لحلٍ سياسي آخر. والأهم من ذلك، عدم وضوح الإطار الزمني الذي يستغرقه تطبيق هذا الحل بافتراض وجوده من الاصل. وواقع الامر أنه لا يوجد حل ديبلوماسي حتى الآن. ويعني ذلك أن الاطار الزمني لابد ان يكون بدوره اطارا زمنيا مفتوحا (حتى يتسنى ايجاد هذا الحل الضائع). ويعني ذلك ان البديل لاستخدام القوة ليس موجودا حتى الآن على الاقل وان العثور عليه سيستغرق وقتاً. إذ يقول فريد هوف كان يقول ان الانتظار المفتوح ليس مفيدا. في حين يرى فورد أن الرهان ينبغي ان يكون على الاخوان وعلى الحل الديبلوماسي. وقد هزم هوف. ولكن وضع فورد يصبح الآن بدوره حرجا رغم الدعم الذي يتلقاه من الخارجية.

وسبب حرج موقف فورد هو أن المخابرات المركزية توصلت الى تقدير مفاده أن استمرار النزاع لأمد مفتوح سيأتي بمشكلات أكثر صعوبة بكثير من تلك التي يمكن ان يأتي بها التدخل العسكري. وقد بدأ الموقف في مجلس الامن القومي يتجه بالفعل الى تبني هذه الرؤية بما تعنيه من تبعات عملية.

كل ذلك يجري ونحن مقبلون على تعديلات في مجلس الامن القومي الاميركي مع ترجيح رحيل توم دونيلون وعلى تغيير في منصب وزير الدفاع وفي منصب مدير المخابرات المركزية ووزيرة الخارجية. هل يوحي ذلك كله بأننا على وشك ان نرى قرارا بالتدخل ان كانت الدائرة الاساسية التي تتخذ القرار ستتبدل كلها؟.

من جهة اخرى فإننا نشهد مفاوضات بالغة الحيوية على مستوى الخبراء بين الروس والاميركيين حول مسلسل من القضايا الاستراتيجية الدولية ابرزها شبكة الدفاع الصاروخي والموقف في شرق آسيا اي الاتفاق على رؤية مشتركة لحدود الدور الصيني. ويعني ذلك ان اي اتفاق ايجابي حول هذه القضايا الجوهرية يمكن ان يقود لاحقا وبعد وضع الخطوط العريضة للاتفاق حول القضايا الاساسية الى الانتقال الى القضايا الاقل اهمية مثل سوريا. ولكن ليس ثمة مؤشرات على أي اتفاق على التفاصيل بين الطرفين.

ويمكن تلخيص الموقف الامريكي الراهن عملياً في: النقطة الاولى هي تشكيل محور من تركيا واسرائيل ومصر يهدف الى وضع تصور للمرحلة الانتقالية في سوريا اي مرحلة ما بعد بشار الاسد والى الخطوات التي ينبغي اتباعها للوصول الى ذلك بسرعة. وفي هذا الإطار نفهم الاتصالات الجارية مع بعض القادة العلويين والتي تتم في تركيا وبإشراف السفير الاميركي ومحطة المخابرات المركزية وممثلين عن وزارة الدفاع.

وبالمقابل فإن المخابرات المصرية على اتصال مع الاسرائيليين حول سوريا رغم التوقف المؤقت عن مناقشة سوريا بسبب حرب غزة والمفاوضات السرية التركية الاسرائيلية تمضي على قدم وساق ايضا. وثمة انتظار صامت في واشنطن لنتائج تلك الاتصالات التي ستضع توصيات البلدان الثلاثة في صيغة واضحة وترسلها الى واشنطن.

السمات الاساسية لمرحلة الانتظار هذه هي: صعود بعض الأسماء مثل سوزان رايس التي تميل إلى اختصار فترة الانتظار، كما يرتبط الأمر بمدى قدرة أنقرة والدوحة على ضبط ايقاع الاخوان المسلمين وحشرهم في صيغة توافقية للمرحلة الانتقالية. في حين أن إسرائيل مهتمة بالتوصل الى إرساء طبيعة العلاقة مع الاخوان بالإضافة الى الاتفاق على كبح جماحهم نسبيا في الاردن (رغم وجود افكار اولية تناقش الآن لاحتمالات ‘بيع’ الملك عبدالله الثاني للاخوان مقابل ضمانات امنية دائمة لإسرائيل وذلك على ضوء التجربة الاسرائيلية المشجعة مع محمد مرسي).

الاوروبيون اكثر حماسا للدخول على خط الازمة والاميركيون يشجعونهم على ذلك بدعوى القيادة من الخلف. ورغم اننا لم نشهد حتى الآن مقود سيارة موضوع في مؤخرتها؟.

‘ باحث سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى