صفحات سوريةوهيب أيوب

الأسد أو خراب البلد…!


وهيب أيوب

من لا يعرف ذهنية النظام السوري وتركيبته، سيستغرب جداً أن يقوم هذا النظام بارتكاب جرائم إرهابية بحجم التفجيرين الهائلين في العاصمة دمشق، ويحتار البعض في مدى مصلحة النظام من ذلك؟

السوريون هم الأكثر معرفة بهذا النظام وطبيعته، وهم الذين عايشوه وخبروه على مدى عقود طويلة، لهذا فهم آخر المُستهجنين بتلك الجرائم الوحشية، التي لا يمكن أن ترتكبها إلا جهة عدوّة للشعب السوري والثورة، خاصة أنها تمّت في مكان يزدحم بالعامة وحركة الناس.

أسئلة بسيطة لا تحتاج أجوبتها لكثير من الحنكة والذكاء. فمنذ انطلاق الثورة من درعا، تتردّد على الفضائيات، لماذا عندما تخرج المظاهرات المناوئة للنظام يتم إطلاق النار عليها وقمعها بوحشية وقتل العديد من المتظاهرين، بينما تخرج الملايين المؤيّدة للنظام، حسب زعمه، ولا يحصل ضربة كفّ واحدة؟ فهل المعارضة معنية بقتل جماعاتها أم جماعة النظام؟

قبل أيام على التفجيرات الأخيرة، جرت مسرحية انتخابات مجلس الشعب، وكان الوضع مناسباً جداً للمعارضة أو للـ “العصابات المسلحة” أو حتى “القاعدة”، أن تقوم ببعض التفجيرات لإرهاب المنتخبين وتعطيل تلك الانتخابات، لكن ذلك لم يحصل، لماذا؟ لا بل تعاملَ المتظاهرون بأسلوب السخرية والتهكم على تلك المسرحية الفاشلة.

إن الطبيعة المؤسَّس عليها نظام الأسد تجاه الشعب السوري منذ حافظ الأسد وحتى اليوم، هي القهر والقمع والإقصاء المُمنهج لكل من تسوّل له نفسه المناكفة أو الاعتراض، وهذا القمع يرتفع إلى درجة الإرهاب الدموي عندما يواجه النظام تهديداً حقيقيّاً على وجوده، وهو ما يحصل اليوم، وما حصل عام اثنين وثمانين، وفيما شاهدناه في لبنان أيضاً عندما شعر النظام أن وجوده هناك بات مُهدّداً وخروجه شبه محتوم، فارتكب مع حلفائه “حزب الله” والقومي والبعثي وسواهم سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات الرهيبة، كان أعظمها التفجير الذي استهدف الحريري. فالنظام السوري ذو طبيعة إرهابية وعلى الهامش يمارس بعض السياسة! لهذا، فإن معظم ما حقّقه من أهداف سياسية كان بواسطة الترهيب والإرهاب، سواء في الداخل السوري أو لبنان، أو من كان يرسلهم للتفجير في العراق.

إن أفدح الأمور التي يواجهها الشعب السوري في صراعه مع نظام الأسد، هو افتقاده للحد الأدنى من الأخلاق الوطنية، لا بل الإنسانية، وهو على استعداد لارتكاب أفظع مما ارتكب حتى اليوم من مجازر وتفجيرات وعلى نطاق أوسع، وهذا ما نتوقعه في الأيام المقبلة، فكلما ضاقت الحلقة حول عنقه ازداد عدائية وشراسة ووحشية دون رادع أو وازع.

وبينما يقوم بالتغنّي على فضائياته بالأوابد الأثرية التاريخية في سوريا وحضارتها القديمة وأبجدية أوغاريت، في خداع واضح وتناقض نفهم أهدافه؛ تقوم دباباته ومدافعه بقصف القلاع الأثرية كقلعة “المضيق” قرب حماه وقلعة “المرقب” في بانياس، إضافة لتدمير العديد من الأوابد التاريخية الأخرى في بلدتي سرجيلا والبارة في مدينة إدلب، وتدمير العديد من الكنائس والمساجد التاريخية، وكلها أماكن تعتبرها منظمة “اليونسكو” جزءا من التراث الإنساني العالمي الذي يجب المحافظة عليه.

في إحدى معارك الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936- 1939 بين الجمهوريين الاشتراكيين والقوميين الفاشيين بقيادة فرانكو وعدد من الجنرالات، تحصّنت جماعة فرانكو في بعض الأماكن الأثرية الأسبانية، فرفض الجمهوريون قصفهم في تلك الأماكن خوفاً من إلحاق الضرر بها وتخريبها. لكن السوريين اليوم أمام نظامٍ وحشي فاقد لكل النواميس الإنسانية والأخلاق الوطنية، مستبد لا يملك إلا صورة أُحادية عن ذاته وعن سلطةٍ ورِثها عن أبيه الذي كان سطا عليه سطوا، وبات مُعجم الحكم لديهم مُعجماً شريعته القوة والبطش والإخضاع، متحلّلين من أي التزام أو ضوابط أو شرف وطني وعسكري يردعهم عن ارتكاب أشنع الجرائم وطرائق القتل والانتهاك والتعذيب والتدمير، في سبيل البقاء في السلطة والاحتفاظ بالمزرعة الغنيمة، وإلا فمن بعدهم الخراب والطوفان.

إن نظاماً موسوماً بهذا الكم من الحقد والضغينة على شعبه الذي ما فتئ يعتبرهم رعايا وعبيدا في مزرعته الخاصة التي أطلق عليها “سوريا الأسد”، ويقوم شبيحته وجنوده بكل وقاحة، بكتابة شعارات على جدران في أحياء وأماكن تم قصفها وتدميرها: “الأسد أو لا أحد”، “الأسد أو حرق البلد”، “الأسد أو خراب البلد”، إضافة لشعارهم الرئيسي “الله، سوريا، بشار وبس”.

نظاما على هذه الشاكلة، لا بد أن تكون رسائله مِن خلف تلك التفجيرات، للداخل والخارج، مفهومة؛ فإما أن توقفوا الثورة وإما أن أُشيع الخراب والدمار، بحيث لا أحد يأمَن على روحه أو ممتلكاته، وأن ثمن سقوطي لن يكون أقل من ترك سوريا أرضاً محروقة بالكامل. هذا هو الإرهاب والرعب الذي يبغي زرعه في قلوب الذين ما زالوا صامتين أو متربّصين، قبل المنتفضين، إضافة لإرهاب المراقبين الحاليين ومنع وصول المزيد منهم. أما رسالته للمجتمع الدولي، فهي واضحة من خلال اتهام تنظيم “القاعدة” بالتفجيرات الحاصلة في سوريا، وهذا مُطابق لما كان يروّجه زميله القذافي قبل سقوطه.

في المقابلة الأخيرة مع المفكر السوري المعارض صادق جلال العظم يقول: “النظام سيندفع بشكل أقوى نحو العنف، أو ما أسمّيه المرحلة الشمشونية……”. يعني عليّ وعلى أعدائي!

في مطلق الأحوال، فإن سلوك نظام الأسد المتهالك هذا، يدلُّ بشكل واضح على فقدانه الأمل في قمع الثورة وإخضاعها، والتفجيرات الأخيرة في دمشق قد تكون بداية الفصل الأخير من المرحلة الشمشونية، أمام هذا الصمود الأسطوري للسوريين، وعزمهم وإصرارهم غير المشكوك فيه على إيصال الأمور إلى خواتمها.

*الجولان السوري المحتل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى