رياض خليلصفحات سورية

الأسد : السكرة والفكرة


رياض خليل

أخيرا .. هل انتهت السكرة .. وجاءت الفكرة بالنسبة لبشار الأسد ؟ هل قرر أخيرا أن يضع عقله في رأسه .. كما يقول المثل عندنا ؟ أم أنها مجرد حلقة جديدة من حلقات الكذب على الذات قبل الآخر ؟ وهنا يحضرني قول الشاعر: ” ستبدي لك الأيام ماكنت جاهله ” ، و” بكرة .. يذوب الثلج .. ويبين المرج ” و” الماء يكذب الغطاس” .

حبل المشنقة

لماذا مفاجأة .. ومفاجأة صادمة ؟ قيادة السلطة السورية – وخلافا للمألوف – تقدم على خطوة مطلوبة بالاتجاه الصحيح نحو حل ما ؟! هذه الخطوة هي قبوله بلا أدنى تحفظ للمبادرة العربية وبنودها المعروفة ؟ فكيف – ولأول مرة -يتخلى النظام السوري عن عنجهيته ومكابرته وأوهامه .. و يضع رقبته في حبل المشنقة ؟ أوليس هذا أغرب من الخيال ؟ ماأثار زوبعة من الدهشة والارتباك وردود الأفعال المتباينة .. مابين مؤيد ومشكك ومترقب .

المستحيل واللامعقول

قبول القيادة الأسدية لمبادرة الجامعة ، هو نوع من الشذوذ على القاعدة التي تسير عليها السلطة في سوريا ، والتي مفادها رفض الواقع الجديد ، والوقوف في وجه استحقاقات التغيير الحتمية ، بوسائل العنف والترويع وانتهاك القانون والمراوغة . فما الذي تغير ؟ حتى تنتقل السلطة السورية من تصوراتها وسلوكها اللامعقول إلى المعقول الذي يعني إنهاء وجودها .. ودورة حياتها المعتادة ” الروتينية ” ؟

الفاتورة مستحقة الدفع

بغض النظر عن النوايا .. فإن النظام السوري عاجز عن إصلاح الواقع ، والتكيف مع مستجداته واستحقاقته ، لأن ذلك يتطلب أول مايتطلب إصلاح ذاته ، والانقلاب على جوهره ، وعلة وجوده ، وهو مايعني في النتيجة إخلاء الساحة السياسية التي احتلها ، وقبول الهزيمة المنكرة ، التي ستكون باهظة الكلفة بالنسبة لرموز النظام . فسواء أكان قبوله بالمبادرة العربية مناورة ومداورة .. أو هروبا إلى الأمام .. أو رضوخا وإذعانا للأمر الواقع .. فإن النتيجة واحدة .. وهي أن الفاتورة باتت مستحقة الدفع فورا .

حبل الكذب

مهما طال حبل الكذب فهو قصير ، وقيادة السلطة في سوريا أدركت أنها باتت في نفق مسدود ، وأن الكذب والمراوغة قد استهلكت ، وأنها باتت قاب قوسين أو أدنى من حافة ا لهاوية

فخ جديد

، وأن كل المؤشرات والرسائل الداخلية والخارجية تنبئ عن نهاية قريبة ، رأى النظام السوري نموذجا ماثلا للعين لها في ليبيا ، وأن المكابرة والكذب على الذات لايجدي نفعا ، وأن صبر الحلفاء كروسيا والصين قد نفد أو يكاد ، والعزلة الدولية تكاد تطبق تماما على النظام السوري ، وتركيا حزمت أمرها ضده ، وعقدت العزم على اتخاذ خطوات ملموسة لإزاحته . ولم يبق أمام الأسد من فرصة لتعطيل عجلة التغيير .. التي تمضي به إلى النهاية المحتومة ، وهي زوال النظام وحكمه تماما عن الخريطة التاريخية . ولهذا كله كان الأسد مرغما على قبول المبادرة العربية ” مكره أخاك لابطل ” . هامش المناورة انتهى أو يكاد ، واللعب بالوقت الضائع لم يعد ممكنا ..

لعبة : الشيطان يكمن في التفاصيل

والأيام القليلة القادمة ستتمخض عن نتائج وتحولات نوعية في المشهد السوري المتوتر والملتهب والدموي . ومن المعروف عن السلطة السورية أنها تجيد فن التفخيخ في كل ماتقدمه وتقترحه للخصوم ، فهل قبولها للمبادرة العربية مجرد فخ جديد ؟ تلعب من خلاله لعبة الاختلاف على التفاصيل ، والحيثيات ، والهامشيات ، وفبركة المشاهد ؟ وهذا رهان ربما يكون رابحا تاكتيكيا ، ولكنه خاسر استراتيجيا ، كغيره من رهانات اللعب على أوتار الوعود بالإصلاح والتغيير والحوار المترافق بأفعال معاكسة تماما للأقوال ، وكاشفة تماما للنوايا غير الحسنة ولا الصادقة للسلطة السورية .

الغريق فقد الأمل بالقشة

أم أن في قبول المبادرة أشياء غير متوقعة !؟ ويصعب الجزم باحتمالاتها ؟ هل قرر الأسد إسدال الستار .. بعد أن فقد الأمل حتى بالقشة التي قد تنقذه من الغرق ؟ ! ولكن كيف؟ ومتى ؟

هذا ماستتكشف عنه الوقائع في المستقبل القريب ، وماننتظره بفارغ الصبر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى