صفحات العالم

الأسد في توصيفاته القاصرة ورسائله المبطـة للغرب!!


ياسر الزعاترة

أطلَّ علينا بشار الأسد في مقابلة هي الأولى من نوعها مع وسيلة إعلام غربية منذ بدء الثورة، وكانت لصحيفة بريطانية هي “ديلي تلغراف”، وللمفارقة فقد جاءت عشية قتل ما يزيد عن 40 “مندسا” يوم الجمعة، فيما ينتظر العرب ردود السيد الرئيس على مبادرتهم لحل “الأزمة”.

ثمة توصيف للأزمة في حديث الأسد، وجانب عن كيفية مواجهتها، كما أن هناك تبريرات للقتل، وثمة تهديدات للغرب أيضا، وفي كل الحالات كان الرجل يزوِّر الحقائق ويعاند رياح التاريخ.

في توصيف الأزمة، ليس ثمة تفسير لما يجري سوى أن هناك في سوريا “صراعا بين الإسلاميين والقوميين العرب (العلمانيين)”، مضيفا “نحن نقاتل الإخوان المسلمين منذ خمسينيات القرن الماضي وما زلنا نقاتلهم”.

هل الصراع الدائر في سوريا هو حقا كذلك. ألم يفاجأ الإخوان بالاحتجاجات مثل سائر أركان المعارضة مع أنهم توقعوها بعد وقت لن يطول إثر ما جرى في تونس ومصر؟!

هل يتحرك الشارع بناء على مطالب أيديولوجية، أم أنه شارع يريد الحرية والعدالة؟ صحيح أن الحضور الإسلامي هو الذي يلهم الاحتجاجات بهذا القدر أو ذاك، لكن ذلك ليس سوى تعبير عن الهوية التي تطبع المجتمع، تماما كما هو الحال في سائر الدول العربية التي تعيش صحوة إسلامية. والخلاصة أن الناس في الشوارع يهتفون من أجل إقامة دولة الحرية والعدالة والكرامة.

الحقيقة أن الأسد لا يقاتل الإخوان المسلمين، بل يقاتل أغلبية الشارع السوري، وحتى لو قيل إن بعض القطاعات لا تزال مترددة حيال الانخراط في الثورة، فإن ذلك لا يعبر عن انحيازها للنظام ولا ثقتها به، ولا حتى خوفها من المستقبل كما ذهب محمد حسنين هيكل في تفسيره لضآلة حضور حلب ودمشق في الاحتجاجات، لأن التفسير الحقيقي يتعلق أساسا بثقل القبضة الأمنية واستمرار القتل والاعتقال ونشر الجيش والقوى الأمنية في الشوارع، ونحن نتحدى أن يُسمح بمسيرات من دون قتل لمدة أسبوع واحد بضمانات عربية ودولية، ليرى العالم أجمع ملايين السوريين ينزلون إلى الشوارع والميادين في قلب المدينتين، ومن أبنائهما وليس من القرى والأرياف.

بحسب الأسد، سوريا ليست اليمن ولا تونس ولا مصر “التاريخ مختلف والواقع السياسي مختلف”. يا الله، أي اختلاف أيها “الطبيب البارع”؟! أليس الفساد هنا هو الفساد هناك؟! أليس القمع هنا أسوأ من القمع هناك؟! ألم يحدث التوريث هنا، بينما كان مجرد مشروع هناك؟! وهل إن حكاية المقاومة والممانعة تكفي لركون الناس لدولة القمع والدكتاتورية والفساد؟!

في سياق الحديث عن المواجهة، يتحدث الأسد عن الإصلاحات التي قام بها، والتي لم يشعر بها الشارع، مع العلم أن كل الأنظمة التي طاحت قبله وعدت بالإصلاح، بما في ذلك النظام الليبي، لكن ذلك لم ينفعها حين أزفت الآزفة. أما تبرير القتل بنظرية أن ذلك يحدث في كل مكان عندما يواجه الجيش احتجاجات شعبية، فهو تبرير سخيف، لأن قصد القتل والاعتقال والتعذيب لإخافة الناس واضح كل الوضوح.

الأكثر إثارة في مقابلة الأسد هي الرسالة التي أراد توصيلها للغرب، والتي سمعنا جزءا واضحا منها في حديث ابن خاله رامي مخلوف (عنوان الفساد في سوريا) لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية قبل شهور، وهي رسالة تعني الكيان الصهيوني أكثر من أي شيء آخر.

يقول الأسد: “سوريا اليوم هي مركز المنطقة. إنها الفالق الذي إذا لعبتم به تتسببون بزلزال. هل تريدون رؤية أفغانستان أخرى أو العشرات من أفغانستان؟”. وأضاف إن “أي مشكلة في سوريا ستحرق المنطقة بأسرها. إذا كان المشروع هو تقسيم سوريا فهذا يعني تقسيم المنطقة برمتها”.

الكلام واضح كل الوضوح. النتيجة إذن لن تكون نهاية المقاومة والممانعة، بل فوضى ستصيب الدولة العبرية ومصالح الغرب. وإلا فهل فيما يجري في أفغانستان مصلحة للغرب، أو مستنقع يتخبطون فيه ولا يدرون كيف يخرجون منه؟!

ماذا يقول سادة المقاومة والممانعة المدافعين عن نظام الأسد؟ هل يرون حقا أنه خط الدفاع عن الأمة في مواجهة الصهيونية والغرب، أم أنه يخوفهم من القادم بديلا عنه، مع أن ما يقوله ليس صحيحا بحال، ولن يكون هناك تقسيم ولا فوضى، بل أمة تستعيد قرارها، وما إن ترتب أوراقها حتى تعرف كيف تتعامل مع أعدائها وأصدقائها على نحو يخدم مصالحها هي وليس مصالح الأعداء.

عبثا يحاول الأسد البحث عن مخرج، لكن مصيره سيكون مثل الآخرين، أكان بعد شهر أم بعد سنة. لقد فقد شرعيته وانتهى الأمر.

الدستور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى