أحمد عمرصفحات الناس

الأسد وأفوجادرو ولا فوزييه/ أحمد عمر

 

 

 

الشرطان النظاميان في الكيمياء، قيمتان معياريتان من الضغط ودرجة الحرارة، احتسب عندهما العالم الإيطالي أفوجادرو حجم الغاز الذي يجري عليه صراع كبير في البحر المتوسط، حتى أنّ سورية تتبخر مثل الغاز، في نهاية التفاعل الدولي على ثرواتها، وهذه نوعان: مادية وبشرية.

كنا في أيام الدراسة نسمي العالم أفوجادرو أبو جدرو، وهو رئيس ورشة تعبيد طرق الجزيرة في السبعينيات، ونسمي العالم الفرنسي لا فوزييه (نعم فوازييه)، ولولا التشهد، كانت لاؤنا نعم. وقد أمسى التشهد الإسلامي في الدرجة الأخيرة بعد التوحيد السياسي للدكتاتور الرئيس، وسننه، ونوافله.

تقول قاعدة أبو جدرو الإيطالي العلمية إن حجم الغاز يتناسب طرداً مع عدد الجزيئات، في حال ثبات الضغط ودرجة الحرارة. الشعوب ليست غازات، حتى وإن شُرّد نصف الشعب السوري في أدنى الأرض وأقاصيها، ونصفه الثاني يحترق تحت ضغط الجزمة وسعير النار. كان الشعب السوري يعيش تحت حكم الأسد المقنع سياسياً بالبعث العربي، الباسم والرباب، في شرطيين نظاميين، هما الدرجة صفر من الحرية، وضغط عشرة باسكال مشعلاني من الإكراه السياسي والقمعي. وباسكال واحدة الضغط، ومشعلاني واحدة الحرارة.

وبما أنّ العقل صار في النعل بعد الكف، ونحن نرى عجز الأمم المتحدة عن حماية الشعب السوري، وقلة حيلتها في إدخال الحليب، ولقاحات الأطفال، ونجاحها الكوميدي في تسريب ناموسيات وواقيات ذكرية! ونعجب من الرئيس الهائج ترامب، وهو يرجو بوتين الضغط، بقوة ألف ناتاشا، على الرئيس السوري الديمقراطي المنتخب، حتى يحافظ على مناطق خفض التصعيد، ويمتنع عن استخدام الأسلحة الكيماوية، كرمى لرغدا وناتاشا، ويكتفي بالأسلحة الحلال من براميل وعنقودية ونابالم حارق.

ذهبت، وقد صار دماغي في نعلي من العجب، إلى أنّ سبب قلق المجتمع الدولي، وهو ليس مجتمعاً، وإنما عصابة، من السلاح الكيماوي، ليس لأنه سلاح تدمير شامل يهلك الإنسان والحيوان، بل لأنه سلاح ضار بأعضائها، نفسياً وتجارياً، لهذه الأسباب:

أولاً: يعطل سوق السلاح التقليدي الغربي والأميركي، وهو سوق كبير، وقطع الأعناق، ولا قطع الأرزاق، كما يقول المثل الشعبي. ثانياً: يحافظ على بنية الضحايا سليمةً من التمثيل والتقطيع، ويعطل شهوات بائعي السلاح لرؤية الدماء بأسلحتهم، ونجاعة فعلها، ثالثاً: يعطل شهوة تجار إعادة الإعمار، فالأسلحة التقليدية تدمّر الحجر والأثاث، وتحيي السوق. رابعاً: يعطل عمل غسالة جرائم الدولة الصهيونية وآثامها، فثمة إجماع على أن النظام السوري، وأشباهه، يفوقون النظام الصهيوني قتلاً وتدميراً. خامسا: السلاح الغازي لا يشفي الغليل، مثل السلاح التقليدي، فضحايا الكيمياء يظهرون وكأنهم نائمون، بينما يمثل وينكّل السلاح التقليدي بالضحايا، أمواتاً وأحياء، وفيه “أكشن”، من أصوات وأنقاض يحبها التصوير. سادسا: يدخل في باب الإعلان التجاري والتسويقي عنها، وترويجها. وسورية ميدان للأسلحة، واعترفت روسيا أنها جرّبت في شعب سورية 200 نوع من أسلحتها!

وقد اقترح أمس أشقر رئيس، وأقوى رئيس في العالم، بعد جريمة فلوريدا، اقتراحاً لائقاً بشخصية اليانكي الذي احتل قارة أميركا، واغتصبها من أهلها، وكانت جريمة، ارتكبها طالب فاشل ضد زملائه الطلبة، حيث اقترح تسليح المدرسين، وتدربيهم على السلاح، حرصاً على حيوية سوق السلاح، وليس منع التسلح الفردي. وربما تكون حصة المدير مدافع هاون! وهذا ما يمكن أن نسميها “مدرسة المقاتلين”.

ذكرنا الشرطين النظاميين في الكيمياء، أما في الحياة والسياسة، فهما عند الشعب السوري، الله وحرية وبس. وهما شرطان متكاملان، فلا يُعرف الله إلا بالحرية. وعند النظام هما: الأسد وسورية، وهما متتامان ومتلازمان. وكان النظام السوري يطور السلاح الكيماوي من أجل معادلة التوازن الاستراتيجي المختل عقلياً، ثم فدى به نفسه، وأبقى بعضاً منه من أجل التوازن الاستراتيجي، بينه وبين الشعب. ولإعادة الشعب السوري إلى قمقم الشرطين النظاميين قبل الثورة: وهما قانون الطوارئ والأحكام العرفية، فولاذيين هذه المرة.

العربي الجديد

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى