صفحات المستقبل

الأسد وخطاب الخيبة والاستجداء!


يبدو أن عشرة أشهر من القتل والتنكيل والإعتقال والتشريد للشعب السوري الأعزل لم تكن كافية لإقناع الرئيس بشار الأسد بوجود أزمة ومعضلة حقيقية في البلاد. الرئيس الذي أطل على شعبه مجدداً لم يدرك حتى الآن معاني الخطر الذي يحدق بشعبه وبلده ومازال ينكر وجود ثورة حقيقية يراها العالم برمته من خلال شاشات التلفزة وعبر فضاء الإنترنت الواسع. خطاب الأسد الذي تجاوز مئة دقيقة لم يكن فيه سوى فلسفات مخيبة لآمال السوريين الذين كانوا ينتظرون من رئيسهم موقفاً يخفف من وطأة الأزمة والمعاناة التي يمرون بها. بل ما زاد الطين بلة إصراره وعناده وحزمه هذه المرة بضرب الثورة “بيد من حديد”. فهو يعتبرها تمرداً مدفوعاً من الخارج لزعزعة إستقرار أمنه وعرشه. حاول الأسد أن يظهر هادئاً ومرتاحاً ومتفائلاً في خطابه أمام مواليه الجالسين أمامه. وكرر إنكار واقع الحراك الشعبي السوري الذي يناضل من أجل الحرية وحياة أفضل، مركزاً بشكل كبير على حربٍ يشنّها ضد “الإرهاب”. بل الأنكى من كل هذا أنه سمى في خطابه أكثر من أربعمائة تظاهرة خرجت -قبل أيام قليلة من خطابه- في جميع أنحاء سورية بأنها 400 “بؤرة”، متوعداً بسحقها.

وجه الأسد رسالة عرفان وإمتنان لمؤيديه وشبيحته والجيش الذي يحميه حتى هذه اللحظة، بالإضافة إلى إعطاء ضوء أخضر مبطن لهم للوقوف إلى جانبه وضرب الثورة معه. ويبدو أن الرئيس يسعى إلى رفع معنويات الأنصار وتشجيعهم بأن لا يصابوا بالذعر نتيجة إستمرار الحركة الإحتجاجية ومفاعيلها السياسية، بل أن تبقى معنوياتهم عالية لأن سياسة “الأولوية القصوى للأمن” هي التي ستنجح في القريب العاجل، كما بشر بها الأسد. وهنا ندرك أن الأسد قد أعلنها جهارةً حرباً داخلية وربما طائفية كآخر ورقة تكون نهايتها وخيمة على سوريا.

أهم النقاط التي أثارت الريبة والشك والدهشة في الخطاب هو تهجمه الصارخ وقتله للبروتوكول العربي ولجنة المراقبة، من خلال شنّه حرباً كلامية على الجامعة العربية وإتهامها بمساندة قوى معادية ضد دولة الصمود والممانعة والمقاومة. إن النقطة البارزة وربما تكون – الحلقة الأضعف – في خطاب الأسد تكمن في شنّه هجوماً لاذعاً على جامعة الدول العربية “المستعربة” حسب قوله وتغنّيه أكثر من أربعين مرة بالعروبة. من هنا يتبين إن فحوى الإنتقاد الشديد الذي وجهه الرئيس السوري للجامعة يشير بوضوح إلى نسفه لمهمة المراقبين العرب قبل أن يضعوا تقريرهم النهائي. وهذا برأي يزيد من إمكانية التدويل التي تطالب بها المعارضة وبعض أعضاء الجامعة العربية والدول الغربية الكبرى.

وفسرّ بعض المعارضين السوريين هذا الخطاب بأنه اتى بعد أن بدأ الأسد يفقد شعبيته بين مناصريه في الآونة الأخيرة وهو جالس في قصره الجمهوري بدلاً من إيجاد حل حقيقي للأزمة، ما أجبره على الخروج ليوضح لهم أنه “معهم وفي صفهم ولم ولن يتخلى عنهم”. وهذا في قاموس الثورات العربية وحسب تجاربها يدل على شيء وحيد وهو إفلاس الأسد سياسياً في العالمين الغربي والعربي، وكذلك لدى شعبه المنتفض. وهذا يذكرنا بسيناريو القذافي ونجله سيف الإسلام قبل سقوط طرابلس بأيام قليلة. وإلا ما معنى أن يَطّل على أنصاره في اليوم التالي برفقة زوجته وأولاده في ساحة الأمويين!

إن رد الشعب السوري على هذا الخطاب المجحف بحقهم جاء واضحاً وجلياً من خلال الهتافات التي خرجت في عدة محافظات تنادي برحيل النظام فور إنهاء خطابه. وجاءت ردود فعل المعارضة موازية لرأي الشارع وأتت متشائمة من خلال حديث رئيس المجلس الوطني المعارض برهان غليون الذي وصف الخطاب بـ “الخطير”.

كعادة الرؤساء الذين سقطوا من قبله فقد إستخدم الأسد ألفاظاً توحي بيأسه وإقتراب نهاية عهده. فكان خطابه في سياق الحرب النفسية وإثبات الوجود ليس إلا. فظهر ضعفه بسقطات خروجه عن النص والحديث عن ترتيب بلاده في زراعة الزيتون وأن أربع دول عربية اعتاشت من قمحه. لكن الأسد لم يفهم ولن يدرك ربما بأنه هو السبب الحقيقي للثورة وأنه بأخطائه الفادحة حافظ على زخمها وتوسيع رقعتها وأن عليه أن يرحل لأن الشعب السوري قرر هذا وهو قريب من تحقيق المستحيل في نظر الكثيرين.

http://damascusbureau.org/arabic/?p=1869

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى