خالد ممدوح العزيصفحات سورية

الأعلام الروسي و الثورات العربية


خالد ممدوح العزي

لقد تأخرت روسيا في موقفها السياسية والإعلامية اتجاه الحدث العربي الخاص المتمثل بثوراته الضخمة التي أدهشت العالم بطريقتها السلمية والتي أسقطت عدة رؤساء عرب ولا يزال العديد منهم على الطريق،من خلال التحرك والنهوض الاجتماعي الشعبي،لقد كانت الثورات العربية شوكا يابسا على رأس روسيةوقياداتها التي تململت جدا من حدوث هذا الحدث الضخم في العالم العربي والغير منتظر و يمكن أن يساهم بنقل ألعدوه الثورية نحو جنوب روسيا ذات الأغلبية الإسلامية،لذلك لم يكون حدث الربيع العربي يحضا بتغطية إعلامية ويحتل الحدث الثوري مساحة كبيرة في الإعلام الروسي فان الأخبار الاستعراضية لأحداث العالم يمر الخبر العربي مرور الكرام وإذا تم المرور عليه يكون من الوجه الروسية التي تخدم وجهة نظر موسكو واليت تعكس وجهة نظر النظام العربي الرسمي الذي يتناقض فعليا مع نوعية الخبر وطبيعة الحدث الإعلامي الأساسي.

لم يتفاعل الأعلام الروسي كغيره من الأعلام العالمي وخاصة الناطق منه بالعربية والموجه للشعب العربي، فالحدث العربي كان رمادي في أعلام روسيا كما هو في سياستها، كان غائبا كلياعن التفاعل الشعبي والدبلوماسي، فالتغطية الإعلامية الحقيقية للموقف الروسي هو التوجه السياسي العام الذي بررته السياسة الرسمية للدولة:” بان الذي يحدث في الدول العربي شانا داخليا وروسيا لا تتدخل في شؤون الدول المستقلة”، لكن الواقع كان يعكس غير ذلك، فروسيا لها مرضا مزمنا مع ثورات الربيع الشعبي التي دفعتها عدة مرات لسحق هذه الثورات بالقوة العسكرية خوفا على مصالحها الشخصية والأمنية والعسكرية والإيديولوجية من نجاح هذه الثورات ابتدءا من ربيع بودبست عام 1956 مرورا بربيع براغ عام 1968 ، وثورات المعسكر الاشتراكي عام 1990 وانهيار جدار برلين الحديدي واستقلال دول الاتحاد السوفياتي ومشكلة الشيشان والثورات الملونة في فلك روسيا الاتحادية.

لقد أنشأت روسيا قناة فضائية روسية ضمن مجموعة إعلامية خاصة تتوجها الى شعوب العالم كلها لمخاطبتها بلغاتها الخاصة تحت شعار “أصدقاء اليوم هم أصدقاء اليوم”.لقد أطلت قناة روسيا اليوم الناطقة بالعربية الموجه إلى العالم العربي والإسلامي لمخاطبة شعوبها التي ابتعدت روسيا عن هذه الشعوب لمدة طويلة بعد انهيار الإمبراطورية السوفياتية والمشاكل التي حلت بروسيا الاتحادية ،لكن القناة عانت من مشاكل عديدة في التعامل مع المشاكل العربية نتيجة الطاقم الإعلامي التي عملت روسيا على تشكيله في إطلاق المحطة الفضائية ،من دول صديقة لروسيا فكانت قناة الممانعة الجديدة للحلف الإيراني السوري الحمساوي وحزب الله ،لقد وقعت هذه القناة منذ تأسيسها في العام 2007 في فخ التجاذب العربي الخاص التي حملته لروسيا، وثم دفعت ثمنا باهظا لعدم تطور هذه القناة في الدول العربية ،وفقدان السيطرة على العقول والقلوب العربية، فالمحطة الروسية لم تستطيع المنافسة ضمن تطور الأعلام الفضائي، وعالم الاتصالات الواسع، بالرغم من الدعم المالي والمعنوي الكبير التي تلقته هذه القناة وأخواتها الأخرى من صقور الكريملين مباشرة.

وهنا لبد من التاكيد على موقف الرئيس الروسي “ديمتري ميدفيديف” اثناءمؤتمره الصحافي الذي عقد في تمنتصف تموز “يوليو”من هذا العام، في مدينة هنوفر الألمانية أثناء اللقاء السنوي بالمستشارة انجلي ميركلي يقول:”لقد آن الأوان لروسيا في بناء تلفزيون اجتماعي عام بعيد عن سيطرة الدولة وتأثير رأسمال الخاص،فالتلفزيون الجديد يجب أن يتم تمويله من قبل المواطنين دافعي الضريبة .

هذا الكلام يؤكد بان الأعلام الروسي خرج عن دوره الإعلامي ، وممارسة الاعلام السياسي ،لذلك لم تستطيع قناة روسيا اليوم من المنافسة في العالم العربي الذي يعج بالمشاكل والتطورات السريعة، فكانت روسيا وقناتها تبتعد عن العقول والقلوب العربية يوما بعد يوما.

لم يحتل الأعلام الروسي في العالم العربي أي موقع تنافسي مع الأعلام الفضائي العالمي الذي كانت مشاركته كبيرة ومرحب بها، من جانب المحتجين في ميادين التحرير وساحات الحرية كما فعلت محطات فضائية أخرى،لقد غاب الاهتمام بالشباب صانعوا الحدث والمعارضون الحقيقيون وصانعوا التاريخ الجديد لهذه الدول ،لقد غابت أو غيبت المعارضة العربية الجديدة عن القنوات الروسية عامة وخاصة العربية منها، و غاب معها الهدف الحقيقي التي تحتج هذه الشرائح من اجله ،فكان بث الإعلام الروسي للإخبار العربية من خلال الوكالات الدولية وبعض المواضيع المسموح بها من قبل الأنظمة الدكتاتورية،روسيا التي لم تهتم بالثورات والأحداث العربية والتغيرات الكبيرة التي تحدث لا إعلاميا ولا سياسيا ،فكانت روسيا وأعلامها بعيدة جدا عن قلوب الشباب المحتج وغير مرحب بإعلامها وسياستها التي انتهجتها. وهنا المفرقة بين روسيا الحليف الفعلي والتاريخي لشعوب المنطقة العربية، وروسيا الحلية ،التي كانت بعيدة عن هذا الشباب الثائر في دول تلتهب النار فيها كما لهبت نار التغير والحرية والديمقراطية في روسيا نفسها في العام 1991 للتخلص من دكتاتورية الحزب الشيوعي، وإرهاب المخابرات السوفياتية.

لكن روسيا ضحت فعليا بربيع الثورات العربية وروح الحرية والتغير التي تسود المنطقة، ومساندة دكتاتورياتها الممثلة بدعم هذه الأنظمة القمعية والانتهاكات التي ترتكبها ضد شعوبها.

فالأعلام الروسي الذي يغطي الحدث بطريقة مزعجة وكأن حدث التغير خبرعابر من القرون الماضية ،بالرغم من زيارات المعارضات السورية والليبية إلى روسيا وأعطى دبلوماسياتها دورا مميزا في مسار التغير العربي، لكن روسيا لا تملك أي مبادرة تعمل على تسويقها بين الأنظمة والشعوب، وليس لها سيطرة فعلية على هذه القادة التي تدعم بقاءها،ضد شعوبها التي ترفضها في السلطة . وكأن روسيا تنتقم أو تثار من الشعوب العربية والإسلامية،ولن تشفع لها،عندما قامت هذه الشعوب بدعم حركة الاحتجاج التي حدثت في إقليم الشيشان الروسي في العام 1994 والصراخ في المآذن بصوت عالي، بمناصرات الشعب ألشيشاني المسلم،ودعم الشيشان وإمدادهم بالمقاتلين والأموال والمأمن، لم تنس روسيا أيضا وقوف الشعوب العربية إلى جانب مسلمي البوسنة والهرسك في العام 1993 وحربهم ضد الصرب، والوقوف مع انفصال إقليم كوسوفو الإسلامي عن صربيا في العام 1999 . لقد صمتت الحكومات العربية عن دعم روسيا في حربها ضد الإرهاب عندما كانت روسيا تعاني من انهيار اقتصادي وعسكري وامني واجتماعي وثقافي وأخلاقي بعد فرط عقد الاتحاد السوفياتي ،وكأن هذا اليوم قد أتى للانتقام من الشعوب العربية في انتفاضة التغير التي تعصف في العام العربي .

السؤال الذي يطرح نفسه على كافة الشعوب العربية،لماذا تعرض روسيا مصالحها وعلاقاتها في المنطقة العربية لخطر من خلال الوقوف بوجه الشعوب التي هي باقية والرؤساء تأتي وتذهب كما قل مندوب الرئيس الروسي مخائيل مرغيلف اثناء استقباله للوفد السوري المعارض في موسكو بطريقة تكتيكية لا يوجد لروسيا في العالم العربي صديق سوى الشعوب العربية نفسها .

في العام 1973 في حرب رمضان كانت العائلات العربية تطلق ابناءها أسماء الأسلحة الروسية التي استعملت في الحرب ك”سخوي وغراد وروسيا وميغ وسام ” لكن اليوم في ثورات الربيع العربي في العام 2011 نرى العلم الروسي يحرق في الساحات والميادين العامة، وينظر إلى روسيا وإعلامها وقيادتها بحذر وترقب شديد .

لم يكون من التعجب أن يكون الأعلام الرسمي في روسية بعيدا عن الحدث العربي الكبير،و لا تنفرد القناة الروسية الناطقة بالعربية بالتغطية العملية الموضوعية للإحداث العربية، وان تفرد مساحة واسعة لإخبار هذه الدول الثائرة كما هو حال القنوات الأخرى ك:الحرة الأمريكية والفرنس 24 الفرنسية والبي بي سي البريطانية والتركية والعربية والجزيرة” .

القناة الروسية العربية “روسيا اليوم” هي قناة حكومية ورسمية تديرها الدولة مباشرة تعبر عن رأي وزارة الخارجية والدولة الروسية، هذا الفرق الفعلي بين القنوات الإعلامية الأجنبية التي تبث بالعربية والتي تملك هامش واسع من الليبرالية والديمقراطية ذات التمويل الشعبي الذي يمولها المواطن العادي دافع الضرائب الوطنية، وحده يمكنه التحكم بسياسة القناة وبثها الإعلامي، وليس الدولة.

فكل دقيقة تأخير من قبل السياسة والإعلام الروسي في تغيب الحدث العربي ،وعدم اخذ القرار المناسب في دعم الشعب والتضامن الفعلي مع ثورتها ، سوف يعرض علاقاتها المستقبلية لخطر فعلي في هذه الدول وأنظمتها الجديدة، وهذه القطيعة سوف تدوم لوقت طويل.

د.خالد ممدوح العزي

صحافي وباحث إعلامي،و مختص بالإعلام السياسي والدعاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى