صفحات سورية

الأكراد و معادلات التوافق الوطني السوري

 


فرزند عمر

كما هو دائماً ضمن أي معادلة من معادلات التوافق الوطني السوري تبرز المشكلة الكردية على السطح و تفرض نفسها بإلحاح على جميع القوى المشكلة للمجتمع السوري لكن إلى الآن و هذه وجهة نظر شخصية لم يتم التعاطي معها كما يجب فالكل يحاول التملص من الحقوق الواجب توفرها لهذه الشريحة الاجتماعية مركزين فقط على الواجبات التي لا بد أن تقوم بها هذه الشريحة .

ضمن هذا الحراك الشعبي الذي تشهده سوريا في الآونة الأخيرة بكل أطيافها يتم التعاطي مع هذه الشريحة الواسعة على أساس أنها مجرد قوة اجتماعية تستطيع أن تكون لها الأثر الكبير في مجريات الأحداث دون الالتفات إلى حقوق هذه الشريحة بشكل جدي فالكل ( سلطة و معارضة ) مقتنع على أن المشكلة الكردية ربما تتمركز أو تنتهي بمجرد إعطاء الجنسية السورية للمجردين من الجنسية و من المؤسف أيضاً أن أغلب المتعاطين مع هذه الشريحة يتعاطون معها على أنها شريحة مستقلة عن معادلات الانتماء الوطني و هذا ما نحن بصدد تسليط الضوء عليه

–         من هم الأكراد ؟

إن الشعب الكردي هو أحد شعوب هذه المنطقة الأصيلة و هو موجود على هذه البقعة الجغرافية منذ ألاف السنين و يتوزعون بشكل جغرافي ضمن خمس مناطق ( جنوب شرق تركيا – شمال سوريا – شمال العراق – غرب إيران – و قسم ضئيل مشتت متواجد في دول ما كانت تسمى بالاتحاد السوفيتي الجنوبية منها خاصة )  و هو بهذا المعنى ليس بوافد أو من سكان الفضاء الخارجي كما يحلو للبعض أن يصورونهم أحياناً و هو شعب مختلف من حيث اللغة و العرق و التاريخ و العادات اختلافاً عميقاً بين من يجاورونهم من القوميات الأخرى إن هذا الشعب و نتيجة التوازنات الإستراتيجية التي جزأت هذه المنطقة على أسس استعمارية أولاً بعد الحرب العالمية الأولى ثم أعيد تقسيمها على أسس ترتبط بالقومية ( بعد الحرب العالمية الثانية ) لم يشأ القدر نتيجة ظروف عديدة منها ما هو ذاتي و منها ما هو موضوعي  أن يكون لهذا الشعب الكردي دولة قومية مستقلة لذلك و منذ تلك الفترة و هم يعيشون قدرهم الجديد الذي ارتبط ارتباطاً عضوياً بالدول المتواجدين بها ألا وهي تركيا و العراق و إيران و سوريا .

–         من هم الأكراد السوريون ؟

الأكراد في سوريا و هم جزء عضوي من مجموع الشعب الذي تحدثنا عنه سابقاً ويشكلون حوالي 10- 15% من السكان السوريين موزعين في كافة الأراضي السورية لكن وزنهم الديموغرافي يتركز في ثلاث مدن و هي القامشلي – عفرين – كوباني ( عين العرب ) و هي تابعة لمحافظتي الحسكة ( القامشلي ) – حلب ( عفرين و كوباني ) و نتيجة هذا التوزع الجغرافي في سوريا شكل الأكراد في سوريا كحلقة لها خصوصيتها تختلف عن باقي الأكراد المتواجدين في البلدان الأخرى و أعني بها تركيا و العراق و إيران إذ أنها عبارة عن أجزاء ريفية مراكزها المدنية و عمقها التاريخي الكردي متواجد في تركيا .

هذا التوزع كان له الأثر الكبير في بعض مآل الشعب الكردي في سوريا ( تجربة حزب العمال الكردستاني PKK كحالة تواصل مع العمق الكردستاني ) أو الانتماء الوطني السوري و الاعتراف بالواقع المعاش و تحقيق أحلام هذه الشريحة ضمن توافقات الانتماء الوطني الواحد على أساس الديمقراطية و المساواة و العدالة الاجتماعية  إذ أنها لا تتعدى في كونها عبارة عن مجتمع ريفي ليس له امتداد مركزي مدني

–         الأكراد من الناحية الدينية و الاجتماعية :

الأكراد كأغلب شعوب هذه المنطقة تتوزع فيها الديانات السماوية الثلاث مع رجحان الدين الإسلامي الذي يصل إلى 90% من أصل كل الديانات المتواجدة لكن فضلاً عن الديانات السماوية هناك ديانات ما قبل سماوية مازالت شريحة مهمة من الشعب الكردي يدين لها و هي ( الايذيدية – الزردشتية – المانوية – المزدكية ) و في سوريا نستطيع أن نتلمس ديانتين أساسيتين هما الدين الإسلامي و الايزيدية على أن الديانة الإسلامية هي الأغلب الأعم .

من الناحية الاجتماعية تسود العلاقات القروية و العشائرية خاصة في القامشلي و كوباني أما في عفرين فهي علاقات قروية بحتة و لا أثر للعلاقات العشائرية ضمن النظام الاجتماعي العام و ذلك بسبب الاختلاط المبكر مع مركز مدني و سهولة هذا الاختلاط نتيجة القرب ألا و هي محافظة حلب .

ككل الأمزجة الريفية التي لها صلة وثيقة مع مزاج الطبيعة نتلمس ضمن الشعب الكردي مزاجاً ريفياً يمتاز بالمسالمة و العنف في آن معاً فهو مسالم و مطواع و هادئ بشرطية أن لا يتهدد وجوده العضوي مع الطبيعة فهو يشكل وحدة عضوية مع بيئته فالأرض تعني له الكثير و ارتباطاته المجتمعية بشكل عام لأنها تحدد منطق وجوده .

–         أكراد سوريا و الفكر القومي الكردي :

إن تشكل الفكر القومي الكردي جاء نتيجة ردة فعل على ممارسات الفكر القومي العربي في سوريا إذ أننا نتلمس بداية نشوء الفكر القومي الكردي في نهاية الخمسينات عندما بدأنا نشهد التطبيق العملي للفكر القومي العربي على أرض الواقع و هذا منطقي إذ أن الطبيعة الريفية تعترف بالوقائع المشاهدة و الممارسة على أرض الواقع و لا تدخل في متاهات التنظير الفكري على أن هذا النشوء امتزج مع مفاهيم ماركسية باعتبار أن كل المؤسسين لما عرف عنه كأول حزب قومي كردي ( البارتي ) جاؤوا أساساً من الحزب الشيوعي السوري هذا النشوء المتواضع للفكر القومي الكردي جوبه بعنف استثنائي متصاعد من قبل القوميين العرب الذين استلموا زمام السلطة من خلال الملاحقات الأمنية و الاعتقالات و تشويه البنية الديموغرافية في المنطقة الكردية بغية القضاء على بذور الفكر القومي الكردي ( الإحصاء الاستثنائي و ما تبعه من مشروع الحزام العربي انتهاءً بتغير أسماء القرى الكردية و الاستثناءات العديدة المعلنة و المبطنة التي مورست بحق الشعب الكردي في هذه المنطقة  ) لكن هذا العنف الذي طال الارتباطات العضوية لهذه الشريحة مع محيطها الطبيعي أدت إلى زيادة في التشنج القومي الكردي على أساس من الممانعة و التشبث بالمبدأ القومي على أنه الأساس الحامي لتلك الشريحة من الاندثار و الاضمحلال .

مع بدايات تقهقر الفكر القومي العربي على المستوى النظري و العملي في المنطقة مع نهايات القرن الماضي بدأ التشنج القومي الكردي في الارتخاء و الهدوء نوعاً ما لأن ردات الفعل تتبع الفعل في القوة فهي تعلو و تقوى بعلو و قوة الفعل و تضعف بضعفها و بدأت أصوات حقيقية  ضمن المجتمع السوري الكردي تعلو بشكل متصاعد ضمن حيز التفكير المنطقي في حل مشاكل الأكراد ضمن إطار الواقع المعاش و ليس الواقع المراد أو المتخيل و تمثلت أغلب تطلعاتها ضمن ما سمي بإعلان دمشق الذي أكد على الحقوق الثقافية و الاجتماعية و السياسية للشعب الكردي ضمن إطار من المواطنة السورية التي تضمن حق الجميع في ممارسة الحقوق الإنسانية الأساسية من حرية و عدالة و مساواة مع رفع كل ما لحق بالشعب الكردي من سياسات عنصرية في السنين الماضية .

–         الواقع الأيدلوجي الفكري للمجتمع الكردي و تطلعاته الحالية :

إن الشريحة الكردية في المجتمع السوري هي مسيسة بشكل أو بآخر نتيجة  الظروف التي مر بها المجتمع الكردي و التي جئنا ببعضها فيما سبق و الحركة الكردية السياسية لها دور هام في الحراك الشعبي على الرغم من تقهقر هذه الحركات المتمثلة في الأحزاب الكردية و تشرذمها على أرضية من المصالح الشخصية أكثر من الفكرية و على الرغم من أنها لم تعد لها الزخم الجماهيري المنظم إلا أنها تشكل المرجعية الأهم و الأساس عند وضع مصير المجتمع الكردي على المحك فهي على الرغم من تشرذمها إلا أنها تمثل في مطالبها وجدان الشارع الكردي و هي تعكس بشكل أو بآخر المطالب الجماهيرية الكردية بمختلف أطيافها في سوريا .

و إن هذه القوى أو الأحزاب الكردية لا تجرؤ و لا تستطيع أن تتنازل عن أساسيات التطلع الجماهيري لأنها تدرك أنها في حكم المنتهي إن ساومت على بعض القضايا الأساسية المتمثلة في

1 – إلغاء كافة القوانين الاستثنائية التي مورست بحق الأكراد في السنوات الماضية

2 – الاعتراف بحق الأكراد كشعب مستقل عرقياً ضمن الحراك الفكري و الثقافي للمجتمع السوري من خلال الاعتراف بلغتهم و ثقافتهم المغايرة و السماح بتداولها على أرض الواقع على أن لا تتعارض مع وحدة الوطن السوري

3 – حق المواطنة المتساوية مع كل أطياف الوطن السوري على أرضية من المدنية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية

–         النظرة إلى الأكراد في الأحداث الأخيرة :

لم يعد خافياً على أحد أن سوريا تمر بأزمة حقيقة من النوع الثقيل و التي سوف تترك أثرها المستقبلي العميق على كل مكونات الشعب السوري مهما كانت النتائج النهائية لهذه الأزمة و الأكراد كمكون أساسي و عضوي لا يتجزأ عن مصير الوطن السوري كان لهم النصيب في هذا الحراك الجماهيري إلا أن التعامل مع هذه الشريحة الواسعة إلى الآن جاء مخيباً لأمال المجتمع الكردي من مختلف الفعاليات الفكرية و الأيديولوجية نتيجة عدم المعرفة الحقة بهذه الشريحة و تطلعاتها الناجمة أساساً عن سياسة التعتيم الممارسة منذ نصف قرن و نتيجة التقوقع الكردي الذي سبق و أن شرحنا مرده للحفاظ على الهوية الكردية من الضياع الذي مورس بحقها من قبل السلطة أولاً و الفكر القومي العربي ثانياً

فما زالت القوى السياسية و الفكرية تتعامل مع الشريحة الكردية كورقة لعب رابحة ليست إلا فهي تعتبر في أذهان الجميع على ما يبدو إلى الآن كعامل حاسم في إدارة الأزمة دون الالتفات الحقيقي للمطالب المشروعة لهذه الشريحة الواسعة و ذلك لإدراك مسبق على ما يبدو من كافة القوى بأن القوى الكردية الجماهيرية سيكون لها صوتاً عالياً إن دخلت بزخمها المعهود ضمن معادلات الأزمة الناشئة حالياً في سوريا فابتداءً من السلطة التي تحاول تحييد الشارع الكردي عبر و عود و أماني مازلت حبراً على ورق و عبر إجراءات لا تغدو أكثر من تقليل في نبرة الخطاب العنفي المعهود و الذي شهدناه في التبريكات لعيد النوروز مروراً إلى عدم المساس بالمظاهرات التي قامت في القامشلي و عامودا على غير العادة  لكن دون أن تغيير من طبيعة تعاملها مع القضية الكردية و التي تمثلت بشكل واضح البارحة بتحييد الحركة السياسية الكردية التي سبق و أن ذكرنا أنها تعتبر بشكل أو بآخر المرجعية الأهم في الحراك الشعبي عبر دعوة شخصيات من القامشلي للحوار دون الاعتراف حتى بوجود حركة سياسية كردية .

بينما الطرف الآخر و الذي نعني به القوى التي تحاول بشكل أو بآخر أن تتبنى الحراك الجماهيري الحاصل فإن بعضاً منها بدأت بإطلاق النظرات التخوينية و التي شيئاً فشيئاً باتت تظهر للعلن من قبل تلك القوى و التي مردها أن المنتظر من الحراك الكردي كان سقفه أعلى من تصوراتهم بالإضافة إلى الوشوشات الحاصلة من قبيل أن الحركات السياسية الكردية قد باعت نفسها بسعر بخس و ما إلى هنالك من نظرات تخوينية معلنة أو مبطنة مستندين في ذلك على تأخر الحراك الجماهيري الكردي وعدم المساس العنيف بالحراك الكردي الذي حصل و كأنهم في هذه الدعوى إنما يريدون إراقة الدماء الكردية كما عهدها الشعب السوري كي يثبت الأكراد للجميع بأنهم وطنيون دون الالتفات و لو للحظة للحقوق المنشودة من قبل الجماهير الكردية فأكثر البيانات الصادرة عن القوى المضادة للسلطة تقتصد المشكلة الكردية في سوريا بمشكلة المجردين من الجنسية مثلها في ذلك مثل السلطة و كأن حلها سيؤدي إلى حل المشكلة الكردية في سوريا و هذه برأي على الأقل مقاربة خاطئة للمشكلة الموجودة .

–         التأخر الكردي في الانخراط ضمن الحراك الجماهيري السوري و أسبابه :

هناك أسباب عديدة تنحصر في مجملها أن الجماهير الكردية في سوريا تختلف عن الجماهير العربية ليس بانتمائها كما يحلو للبعض أن يفسرها إنما كونها مسيسة بشكل أو بآخر و هي مرتبطة مصيرياً بالحركة السياسية الكردية فلا الجماهير الكردية  تستطيع أن تتجاوز تلك الحركة و لا تلك الحركة تستطيع أن تتجاوز آمال و أحلام المجتمع الكردي في سوريا و برأي من يتجاوز هذه النقطة و يقفز من فوقها  سوف يقع في مطب المقاربة الخاطئة للوضع الكردي في سوريا .

و على سبيل المثال لا الحصر ندرج فيما يلي بعض الأسباب :

1 – المجتمع الكردي بشكل عام هو في بروفات دائمة في الصدام مع السلطة من خلال مناسبات عديدة في السنة بالإضافة لتوترات دورية تحصل كل عدة سنوات و هذا الشيء خلق عند السلطة و الجماهير الكردية على حد سواء نقاط توازن يعرفها الطرفان و تتحكم بها السلطة عند الضرورة .

 

2 – الشكوك الجماهيرية من القوى الفكرية العربية التي لم تقدم إلى الآن رؤية واضحة و شاملة و مقنعة عن المشكلة الكردية و حلها ضمن الإطار الوطني السوري

3 –  التطلعات الكردية ما زالت تشوبها بعض الأحلام القومية و استعادة كردستان الكبرى و التي لعب في نشرها و ترسيخها النظام السوري بشكل أساسي بالإضافة للبنية القروية المقتطعة للأكراد السوريين الذي سبق و أن شرحناها سابقاً ( تجربة حزب العمال الكردستاني PKK و تطلعاته الكردستانية ) و ساندتها في ذلك بعض القوى القومية المستقلة مع أنها آخذة في الاضمحلال على المستوى الجماهيري  إلا أن تأثيرها الجماهيري مازال موجوداً

4 – تجربة 2004 و الموقف المخجل من قبل القوى القومية العربية التي أصرت على مبدأ التخوين و الخوف من تكرارها في أي لحظة .

و إننا في نهاية هذا المجهود المتواضع فإننا نؤكد من خلال قربنا من هذه الشريحة الاجتماعية الواسعة و تطلعاتها نتيجة الانتماء الوراثي لها أن الجماهير الكردية أثبتت و ستثبت وطنيتها التي لا تشوبها أي شائبة سواء عبر التاريخ فهي كانت حاضرة في كل مآسي و أفراح الوطن السوري و ستظل كذلك إنما هي تتطلع نحو وطن تسود فيه المواطنة الحقة على أساس ديمقراطي عادل دون المساس أو القضاء على الحق العادل للجماهير الكردية في الانتماء الوجداني إلى قومية مغايرة للقومية العربية .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى