صفحات الثقافة

الأمريكي فيليب روث والإنقطاع عن الكتابة/ حسونة المصباحي

 

 

 

هل يمكن أن ينقطع شاعر، أو روائيّ عن الكتابة، خصوصا إذا ما كان قد حصل على الشهرة والمجد؟ الجواب:نعم! إلاّ أن الذي فعلوا ذلك نادرون. من بين هؤلاء مثلا الروائي البريطاني فورستر صاحب رائعة”الطّريق إلى الهند” الذي انقطع عن الكتابة عام 1924وهو في السادسة والأربعين من عمره. وعند بلوغه سنّ السّبعين، قرّر جورج سيمنون، مؤلّف الروايات البوليسيّة الشّهيرة، التّوقّف عن الكتابة. إلاّ أنه خصصّ السّنوات الأخيرة من حياته لكتابة سيرته، والعديد من الدراسات الفكريّة، والنّقديّة. كما تخلّى الكاتب الفرنسيّ جوليان غراك عن كتابة الرواية إنطلاقا من مطلع السّبعينات من القرن الماضي. وفي حوار أجري معه قبل وفاته عام 2006، فسّر قراره المذكور بانتفاء المواضيع الجديرة باهتمامه، مشيرا إلى أنه لم يعد يرى في فنّ الرواية ما يثير شهيّته للكتابة. وفي عام 2008، أعلن الكاتب النّمساوي الكبير بيتر هاندكه أنه سيعتزل الكتابة نهائيّا. غير أن ذلك كان بمثابة “الخدعة الجميلة”، إذ أن صاحب الروائع الروائيّة الحزينة، سرعان ما استعاد حماسه للكتابة ليصدر العديد من الروايات الجديدة. وفعل الكاتب الأمريكي الكبير فيليب روث الأمر ذاته في نفس العام، أي 2008. ففي حوار أجرته معه جريدة”الغارديان” البريطانيّة، أعلن أنه سينقطع عن الكتابة بعد صدور روايته:”السّخط”.إلاّ أنه لم يلبث أن خان نفسه بنفسه ليصدر رواية جديدة مؤكّدا أن قراره بالكفّ عن الكتابة وهو على أبواب الثّمانين، سيكون جدّيّا، وحاسما:”هذه المرّة لن أكون مثل فرانك سيناترا…أقول الشيئ، وأفعل ما يعارضه،أو يتناقض معه”. وقد تناقلت وسائل الإعلام الأمريكيّة، والعالميّة هذا الخبر، مرفوقا بالعديد من التّعليقات الصّادرة سواء عن النقّاد، أوالمبدعين، أو عن القرّاء المفتونين بروايات فيليب روث الذي يتصدّر المشهد الأدبي في بلاده، وفي العالم برمّته منذ الستيّنات من القرن الماضي. وقد اهتمّت جريدة “النيويورك تايمز” المرموقة، واسعة الإنتشار بهذا الحدث الأدبي، لتنشر حوله تحقيقا في صفحتها الأولى في عددها الصّادر يوم الأحد 11 نوفمبر -تشرين الثاني 2012. وجاء في هذا التّحقيق أن فيليب روث الذي أكمل الثمانين من عمره في شهر مارس-آذار من السنة المذكورة، ينتمي إلى جيل تميّز بعدد هامّ من كبار الكتّاب، والمبدعين من أمثال ويليام ستايرون، وأرثر ميللر، وريتشارد فيدمارك، وسالينجر، وساول بيلو، ونورمان مايلر… وجميع هؤلاء رحلوا عن الدّنيا وبقي هو “مثل السّيف فَرْدا”. وبعد أن أصدر أزيد من ثلاثين رواية لاقت جميعها نجاحا عالميّا واسعا، وترجمت إلى جلّ لغات العالم، رغب فيليب روث في أن ينعم ب”إستراحة المحارب ” الذي نَذَر حياته للكتابة، فلا يكاد يمرّ يوم واحد من دون أن يكون منشغلا بها بأساليبها، وفنّياتها، وهمومها، وآلامها. وفي بيته ب”كونيكتيكوت”، دأب على مدى الأربعين عاما الماضية على العمل من دون كلل أ و ملل، محاولا في كلّ رواية جديدة يصدرها أن يتلمّس الواقع الأمريكي بتفاصيله، وتضاريسه المختلفة، والمتنوّعة. ومتحدّثا عن العلاقة بين سيرته، والمواضيع التي يطرحها في رواياته، يقول فيليب روث:”من السّهل جدّا الإعتقاد بأنّ الكاتب لا يكتب إلاّ عن نفسه، وعن ما يحدث له. أغلب الوقت، أكتب حول ما لا يحدث لي لأنني فضوليّ. ويمكن للكاتب أن ينجذب إلى مواضيع بعيدة جدّا عن عالمه. ما هو مهمّ هو ما يحرّك لديه الرّغبة في الكتابة. وهو ما يولّد حيويّة لغويّة. هناك مواضيع ممكنة، وأخرى غير ممكنة. وأنا لا أعلم السبب، ولا رغبة لي في معرفة ذلك. لقد أشرفت على نهاية حياتي، وأعرف ما لم أعرفه من قبل . وبالنسبة لي، كانت الكتابة دائما أمْرا في غاية الصّعوبة، والتّعقيد. المشكلة أني عشقت الأدب وأنا طفل. وفي ما بعد قلت لنفسي بإنه باستطعاتي أن أكون كاتبا. وهكذا حاولت أن أكتب، و”مشى الحال” إلى درجة معيّنة. وكونوا على يقين أنه لو كان بوسعي أن أفعل ما هو أفضل لفعلته إراديّا! لكن في البداية كان الأمر مُغريا، لذا واصلت”. ويضيف فيليب روث قائلا:”عندما بلغت الرابعة والسّبعين من عمري، بدا لي أنه لم يتبقّ لي كثير من الوقت على وجه الأرض. لذلك قررّت أن أعيد قراءة الروايات التي أحببتها عندما كنت في سنّ العشرين، والثّلاثين، مثل روايات دستويفسكي، وتورغينييف، وكونراد، وهمنغواي. وعندما انتهيت من ذلك، أعدتّ قراءة رواياتي إنطلاقا من آخر رواية كتبتها، وواصلت ذلك إلى أن ضُقْت بنفسي. وكان هدفي من كلّ ذلك هو ان أعرف إذا ما كنت قد أضَعْت وقتي في الكتابة. لكني أدركت أننّي حققّت نجاحا. في آخر حياته،قال الملاكم جو لويس :”لقد فعلت أفضل ما أستطيع القيام به بما كنت أملك”. وهذا بالضّبط ما يمكنني أن أقوله بالنسبة لعملي. وبعد ذلك قررّت أن أن أنهي علاقتي بكتابة الروايات. كما قرّرت ألاّ أقرأ رويات، بل لا رغبة لي حتى في الحديث عنها. لقد نذرت حياتي لها، أي للرواية. فقد دَرَسْتُها، ودرّستها، وكتبتها، وقرأتها. وهذا أكثر من كاف. ولم تعد لي تلك الرغبة الجامحة، والمحمومة للكتابة. وفكرة مواجهتها لم تعد محتملة بالنسبة لي”. وعن الكتّاب الأحياء يشير فيليب روث إلى أنّه شديد الإعجاب بأعمال دوليلو، ودنيس جونسون، وفرانزن. وهو يعتقد أن هناك ما يقارب العشرين من الروائيين الشبان يعدون بمستقبل مشرق للرواية الأمريكيّة الجديدة.

ايلاف

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى