صفحات العالم

“الأيام المعدودة” للأسد حرب رهانات مفتوحة


ما بعد حمص يخمد المعارضة أو يلهبها؟

روزانا بومنصف

تشكّل الايام المقبلة في سوريا اختبارا بالنسبة الى المراقبين للوضع السوري لمعرفة ما اذا كان النظام السوري قد نجح عبر السيطرة العسكرية على حمص ومنع الصليب الاحمر من دخولها حتى بعد ايام على اعلانه انهاء تمرد مواطنيها في حي بابا عمرو، في ان يفرض حمص نموذجا يحد عبره من تحرك المعارضة في المدن والمناطق السورية كما فعل والده عام 1982 في تدمير مدينة حماه. ويستبعد المراقبون ذلك لاعتبارات متعددة، مبنيّة على واقع ان اقتحام الجيش السوري لمدن سورية كحماه ودرعا وسواهما خلال سنة مستمرة من الثورة لم ينه الانتفاضة في هذه المدن، بل ساهم في امتدادها وتوسعها لتشمل معظم المناطق السورية. لكنهم يعتبرون ان لحركة المعارضين اثرها في ابقاء الزخم الدولي ضد النظام السوري على رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب السوري وعلى رغم الانتقادات الكثيرة لهذا الزخم الذي يعتبره البعض مترددا او متراجعا وغير مواكب للاقتراحات المتعددة بدعم تعجيل عملية دفع الرئيس السوري الى ترك السلطة وفق ما اقترحت دول عربية او سواها. وكان هناك انتقادات علنية للتعثر الغربي والاميركي، وخصوصا “الفيتو” الروسي والصيني ضد قرار دولي يصدره مجلس الامن من اجل التحرك في هذا الاطار فيما بدت المواقف الديبلوماسية الاميركية على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والمتعلقة بالمعارضة، مرتبكة وتحمل تفسيرات مختلفة، بعضها يوحي وجود تردد في دفع الاسد الى الرحيل على رغم المطالبة الاميركية العلنية بذلك في غياب البديل وفق الانتقادات التي ساقتها للمعارضة السورية. والتحرك المستمر للمعارضة السورية بالزخم نفسه الذي بدأ قبل سنة تقريباً، يبقي الازمة السورية في رأس سلّم الاولويات العربية والغربية، في حين ان العكس يصح ايضاً، علما ان ثمة من يرى ان بعض التردد الغربي، مرده الى ان حجم الازمة السورية على رغم العدد المتزايد للضحايا يوميا من الشعب السوري جعل هذه الازمة مضبوطة من دون تزايد غير مقبول في اعداد النازحين مثلاً، ولو انه قد تكون عوامل عدة تؤثر في هذا الاطار. كما ان التدخل العسكري ليس خيارا تفرضه اولويات انتخابية او مصلحية، مباشرة فضلا عن المخاطرة التي يشكلها هذا التدخل على المصالح الاميركية والغربية عموما. لكن اللعبة عادت في رأي مراقبين ديبلوماسيين الى الساحة السورية لتكون المحرك الاساسي من حيث ابقاء المعارضة العالم الغربي والعربي متيقظا ومستمرا في التحرك الى جانب الشعب السوري، في مقابل الخطوات التي يتابع النظام تنفيذها، ان في الحسم العسكري او في محاولة التقدم بخطوات سياسية تنسي الشعب السوري اولوياته.

بعض هؤلاء المراقبين يعتبر ان ما يجري على الارض لا يمكن الاستهانة به واقعياً، الا انه ليس سهلا التراجع دوليا او عربيا في موضوع الازمة السورية. وليس امرا بسيطا ان يعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما مرارا، وحديثا في الاول من الشهر الجاري، “ان ايام الرئيس السوري بشار الاسد باتت معدودة، واننا نعمل على تعجيل الانتقال الديموقراطي في سوريا”. فهذا الاعلان على لسان رئيس الولايات المتحدة يفترض انه لا ينم عن تمنيات بمقدار ما يعبّر عن توقعات مبنية على معلومات، وخصوصا انه حين اعلنه اوباما في آب الماضي للمرة الأولى، فانما كان ذلك بعد بحث معمق في مآل الامور والخيارات المتاحة في سوريا، باعتبار ان الرئيس السوري لم يعد عامل استقرار في بلاده وفي دول الجوار، بل بات عامل اضطراب مما يفقد الرئيس السوري عمليا أهمّ ورقة كان يستند اليها لتبرير حكمه اي الاستقرار والامن. وهما العنصران اللذان لم يعد يوفّرهما منذ اشهر، ممّا سهّل الاصطفاف الغربي والعربي ضده. وتاليا لا يمكن ان يخاطر الرئيس الاميركي في مثل هذه التوقعات، لما يمكن ان يتركه ذلك في حال فشله او عدم تحققه من سلبيات على هيبة الولايات المتحدة، كقوّة مقررة وكبيرة تملك ما يكفي من معلومات استخبارية تسمح لها بالخوض في مثل هذه التوقعات، ولو ان كلمة معدودة قد لا تعبّر تماما وبدقة عن ايام او ربما اسابيع وحتى اشهر. والواقع أن الكلام على “أيام معدودة” للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي استمر اشهراً، قبل ان يسقط فعلا وينهار النظام الليبي. وليس امرا بسيطا ان تتخذ الدول الغربية عقوبات ضد النظام لن يكون سهلا التراجع عنها ما لم يتحقق تقدم كبير ملموس لمصلحة الشعب السوري، كما انها لا تستطيع ان تستمرّ في فرض هذه العقوبات لوقت طويل ايضا على رغم ان السياسة هي فنّ الممكن ويمكن ان تتغير المواقف وفقا للتطورات والظروف. ومعلوم ان خصوم الولايات المتحدة يعتبرون ان الفشل الذي يرافق السياسة الاميركية في المنطقة يفترض ان يسمح بافتراض ان الولايات المتحدة والغرب والدول العربية ستمنى جميعها بفشل ذريع في رهاناتها على رحيل الرئيس السوري، وان الاخير سيتمكن من البقاء في موقعه ولن يسقط، وسيخطو تاليا في اتجاه تأليف حكومة جديدة قريبا. ويشيع هؤلاء تفاؤلا كبيرا بقدرته على استعادة زمام الامور بمعونة اقليمية لا ينكرونها من جانب ايران.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى