صفحات العالم

الأيام المكلفة

 غسان شربل

تستطيع السلطات السورية القول انها حرمت المعارضة من تأسيس بؤرة دائمة وآمنة للاحتجاجات. حرمتها من العثور على ميدان للتحرير تنظم فيه تظاهرات مليونية وتنصب فيه الخيام بانتظار انصياع النظام لمطالب شباب الثورة. حرمتها ايضا من السيطرة على مدينة واعلان مجلس انتقالي فيها. ومن السيطرة على نقطة حدودية توفر لها فرصة استقبال المعارضين العائدين من الخارج ومعهم اجهزة الاتصال المتطورة وجمعيات حقوق الانسان.

تستطيع السطات السورية القول انها خاضت على مدى خمسة شهور مواجهة صعبة ومريرة وانها احتفظت فيها بماكيناتها العسكرية والامنية والسياسية موحدة. ففي هذه الفترة وعلى رغم القسوة المفرطة للممارسات لم تسجل اي حالة انشقاق كبرى لا في المؤسسة العسكرية والامنية ولا على صعيد الدولة والحزب. ويمكن القول ان حالات الفرار التي سجلت في صفوف العسكريين كانت محدودة جدا ولم تشمل اصحاب مواقع في الماكينة التي تتولى تنفيذ عملية القمع.

تستطيع السلطات السورية القول ايضا انها اثبتت حتى الآن عجز حركة الاحتجاج عن اقتلاع النظام ومؤسساته. وان مشاركة دمشق في الاحتجاج لا تزال محدودة وخجولة وغير خطرة. يمكن قول الشيء نفسه ولو بدرجة اقل عن حلب.

تستطيع السلطات السورية القول ايضا انها بعثت برسالة قاطعة الى من يعنيهم الامر ان الوضع في سورية لا يشبه ابدا الوضع في تونس او مصر او ليبيا او اليمن. وانها ستدافع عن وجودها واستمرارها مهما كانت الاثمان في الداخل والخارج. وانها تفضل التعايش مع طوق عزلة عربي واسلامي ودولي على القبول بتقييد آلتها الامنية وتفكيك اسباب قوتها. وان على المعارضة ان تقبل بعد الحسم بالاصلاحات التي ستقدم اليها من موقع قوة.

في المقابل تستطيع المعارضة ان تقول ان الشهور الخمسة اظهرت استحالة الحل الامني. وان عمليات القتل ادت الى تأجيج الانتفاضة لا الى اخمادها. وان المدن التي تعرضت لعمليات التأديب تغتنم اي سانحة لمعاودة الاحتجاجات. وان الاستخدام المفرط للقوة رفع سقف المطالب من بضعة اصلاحات الى المطالبة باسقاط النظام باسره.

وتستطيع المعارضة ان تقول ان السلطة خسرت معركة الاعلام. وان التجربة اظهرت انها لا تملك رواية مقنعة تقدمها حتى لمن كانوا يبحثون لها عن اعذار او اسباب تخفيفية. ويمكن الحديث هنا عن تركيا وروسيا ودول اخرى. وان علاقة سورية مع ايران والتي اعتبرت من اسباب قوتها تتحول الآن سببا لعزلتها. وان الرصيد التقليدي للسلطة السورية في العالم العربي سجل تآكلا ملحوظا كشفته المناخات التي قامت بفعل الربيع العربي. وان اصدقاء سورية من سياسيين وكتاب ومحللين شعروا بحرج شديد وهم يتابعون الصور المؤلمة التي تتكرر على الشاشات ومن مدن عدة. وان التظاهرات التي تنظمها الجاليات السورية في الخارج هي مشاهد غير مسبوقة.

وتستطيع المعارضة القول ان الصدمة التي اصيبت بها السلطات بفعل اندلاع الاحتجاجات تؤكد فشل اجهزة الامن في معرفة حقيقة التحولات التي كانت تعتمل داخل قطاع واسع من الناس. وان الصدمة نفسها تكشف عزلة الحزب داخل مجتمعه وتحوله في جزء كبير منه الى ناد كبير للموظفين تتأثر قراءته للاوضاع باحتكامه الى كتب قديمة ومفردات قديمة كما تتأثر بسطوة المؤسسة الامنية على مفاصله. وان غياب الحزب وسلوك اجهزة الامن الحقا في الشهور الماضية ضررا برصيد الرئيس الذي كانت المعارضة تسلم بوجوده في بداية الاحداث.

بين قراءة السلطة لحصيلة الشهور الخمسة وقراءة المعارضة لها يستمر الحريق ويتدفق الدم. الازمة في سورية تحولت هاجسا مقلقا لدول الاقليم. الدول الكبرى نقلت الملف الى طليعة اولوياتها. الاتصالات الاخيرة لاوباما تعكس رغبة في اختصار المهلة التركية. التطورات على الارض تسهل لاردوغان غسل يديه. كل شيء يوحي ان الايام المقبلة ستكون من قماشة الايام الصعبة والمكلفة في سورية وفي علاقتها بعدد من دول الاقليم العالم.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى