صفحات الرأيمحمد سيد رصاص

الإسلاميون السوريون/ محمد سيد رصاص

 

 

في أيار (مايو) 1957 جرت انتخابات برلمانية تكميلية في مدينة دمشق فاز فيها محام شاب جديد في العمل السياسي هو رياض المالكي على المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية مصطفى السباعي الذي تولى بعد ضربة عبد الناصر للإخوان المسلمين عام 1954 في مصر قيادة التنظيمات العربية للجماعة. بسبب صدمة تلك الهزيمة أصيب السباعي بشلل جزئي. في انتخابات البرلمان السوري في عهد الانفصال عن مصر في كانون الأول (ديسمبر) 1961 سقط المرشحون من «الإخوان» في مدينة حماة أمام المرشحين الموالين لأكرم الحوراني والذين فازوا بكل مقاعد المدينة.

لم يزد نفوذ «الإخوان المسلمون» إلا بعد تسلُّم حزب البعث السلطة في دمشق في 8 آذار (مارس) 1963، وقد ظهر أولاً في عصيان مدينة حماة في نيسان (أبريل) 1964 الذي قمع بالقوة العسكرية والذي التحق فيه أكرم الحوراني بالإسلاميين ضد سلطة حزب كان هو زعيمه الأبرز قبل استبعاده منه في المؤتمر القومي الخامس المنعقد بحمص في أيار 1962. كان هناك إرهاص في ذلك العصيان على بداية بروز اتجاه متشدد عند «الإخوان» يتجاوز اعتدال السباعي، عبر شخصين تزعما ذلك العصيان هما مروان حديد وسعيد حوى، والإثنان من تلاميذ الشيخ الإخواني الحموي محمد الحامد الذي رد بكتاب مضاد على كتاب السباعي «اشتراكية الإسلام» الصادر عام 1959 والذي تلقفه عبدالناصر وعممه في الأزهر لتبرير الإصلاح الزراعي ومن ثم تأميمات 1961. في نيسان 1973 قاد مروان حديد وسعيد حوى الاحتجاجات في مدينتي حماة واللاذقية وفي جامع خالد بن الوليد بحمص ضد دستور 1973 الذي تبنّى حرفياً تعديل مصطفى السباعي على مسودة دستور1950 حيث وضع السباعي بدلاً من «دين الدولة الإسلام» الفقرة التالية الموجودة في دستوري 1950 و1973: «دين رئيس الدولة (الجمهورية في دستور1973) الإسلام. الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع».

عند انشقاق 1969 لجماعة الإخوان المسلمين وجد خليفة السباعي عصام العطار نفسه معزولاً أمام الجناح الحلبي بقيادة الشيخ عبد الفتاح أبوغدة وأمام الحمويين بقيادة حديد وحوى، وعندما قام «المرشد» المصري عمر التلمساني بتوحيد الأجنحة السورية للجماعة عام 1975 كان العطار، الذي أيّد حركة 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 بقيادة وزير الدفاع حافظ الأسد، خارج دائرة التنظيم العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية. دخل سعيد حوى، وهو كان في السجن بين عامي 1973 و1978، في قيادة التنظيم العام، لكن مروان حديد رفض ذلك حيث اتجه إلى تأسيس «تنظيم الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين» قبل اعتقاله في 30 حزيران (يونيو) 1975 وموته في العام التالي بالسجن إثر إضراب طويل عن الطعام، هذا التنظيم الجديد، أي «الطليعة»، الذي تبنّى العمل المسلح وبدأ الاغتيالات لأفراد السلطة منذ عام 1976 قبل أن يفجّر أحداث 1979- 1982 من خلال مجزرة مدرسة المدفعية بحلب ويجر وراءه التنظيم العام وتنظيم العطار «تنظيم الطلائع الإسلامية»، حيث توحد الثلاثة أواخر عام 1980.

بين عصيان حماة 1964 وهزيمة حماة 1982 التي هزم فيها مسلحو «جماعة الإخوان المسلمين» أمام السلطة السورية، برزت قوة الجماعة في مدينتي حماة وحلب وفي بعض أحياء مدينة اللاذقية وفي مدن وبلدات محافظة إدلب، وقد كان الإسلاميون هم الفصيل الأقوى في المعارضة السورية لحكم حزب البعث منذ هزيمة الناصريين أمام البعثيين في حركة الانقلاب الفاشلة في 18 تموز(يوليو) 1963 المدعومة من القاهرة.

انحدر معظم الإسلاميين الإخوانيين من فئات وسطى مدينية، وفي جامعة حلب بفترة 1975- 1978 كانوا الأقوى بين طلاب كليات الطب والعلوم والزراعة، وكان حضورهم ظاهراً في الجسم الأكاديمي. كان واضحاً في أحداث 1979- 1982 ضعف «الإخوان المسلمون» في مدينتي دمشق وحمص وانعدام جذورهم في الريف، خصوصاً في منطقة حوران حيث أتى منها الكثير من مسؤولي وقيادات وكوادر السلطة السورية بالسبعينات والثمانينات، وهو أمر يلاحظ على ريف حلب الذي أتى منه بالسبعينات والثمانينات معظم مسؤولي الإدارات في مدينة حلب. وفي مدينة حماة كان بعض قيادات «الإخوان» من عائلات ميسورة مادياً مثل عائلات حديد والزعيم وطيفور والشقفة.

هنا، لم تكن خريطة الإسلاميين الاجتماعية في أزمة 2011- 2018 مثل تلك التي أظهرتها أحداث 1979- 1982: حافظت مدينة دمشق على موالاتها للسلطة بتجارها وصناعييها وفئاتها الوسطى، وكان الجديد هو موالاة مدينة حلب، فيما أفرز ريف حلب حركة معارضة مسلحة قوية، بينما ظلت محافظة إدلب خزاناً للإسلاميين. كان الحراك المعارض مستنداً أساساً في 2011- 2018 إلى منطقة حوران وأرياف دمشق وحماة وحمص وإدلب وحلب وديرالزور، وكانت المدينة الأبرز في حراكها المعارض هي حمص.

لم يستطع «الإخوان المسلمون» أن يتزعموا الصفوف المعارضة إلا بفعل عامل خارجي تركي- قطري، وبدعم من إدارة أوباما، في فترة 2011- 2013، وعندما سحب الغطاء الأميركي ظهرت السلفية الجهادية بوصفها أقوى من الأصولية الإخوانية على الأرض في فترة 2013- 2017. مثل مصر، عندما كانت السلفية الجهادية مع «الجماعة الإسلامية» متركزة في ريف الصعيد فيما «الإخوان المسلمون» متركّزون في المدينتين الكبيرتين وفي مدن وبلدات الدلتا، فإن الحركات السلفية الجهادية قد لاقت تربة خصبة في الريف السوري. كانت تلك الحركات قد لاقت عيوناً مغمضة وغض طرف من السلطة أثناء الخلاف الأميركي- السوري في فترة الغزو والاحتلال الأميركيين للعراق عام 2003 حتى عام 2007.

الآن، مع أفول «داعش» ومع هزيمة العمل المسلح الإسلامي المعارض عبر محطتي (حلب 2016) و (الغوطة 2018) هناك مؤشرات إلى بداية انفضاض اجتماعي سني كبير عن الإسلاميين السوريين: هذا يمثل ظاهرة غير مسبوقة في فترة ما بعد 8 آذار 1963، وبالتأكيد ستكون لهذا مفاعيل كبرى على الخريطة السياسية السورية، وهو نتيجة طبيعية لفشل الإسلاميين الثاني في فترة 2011- 2018 بعد فشلهم الأول في أحداث 1979- 1982، وهو ما يؤذن على الأرجح بغروب شمس الإسلاميين السوريين وعودتهم إلى حجم ضعيف في المشهد السياسي كما في الخمسينات عندما كانوا أضعف من البعثيين والشيوعيين ومن الليبراليين في حزبي «الشعب» و«الوطني».

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى