صفحات الرأي

الإسلاميون من الديني الى الدنيوي

ماجد كيالي

ما يحدث في مصر وتونس، بغضّ النظر عن مشكلاته، وتداعياته، يؤكد خروج التيارات الإسلامية من دائرة القداسة التي حاولت زعمها، وهي في المعارضة، بادّعائها الحصري تمثيل الاسلام، الى دائرة العادية، وإلى دائرة السياسة، التي تتضمّن الانشغال بمصالح البشر ونزواتهم وانحيازاتهم وتعصّباتهم، حيث لا فرق في الصراعات التي تدور على السلطة والهيمنة والمصالح، بين إسلامي وغير اسلامي، يساري أو يميني، فهكذا هي السياسة.

في غضون ذلك ها نحن نشهد، أيضاً، بزوغ تعدّدية وتنوّع، واختلافات وتباينات، داخل التيارات الإسلامية، ذاتها، بعد أن انفتحت على المجتمع وغرقت في السياسة، في ظلّ مناخات الحرية التي اتاحتها ثورات “الربيع العربي”، بحيث بتنا إزاء تيارات إسلامية تتنازع في ما بينها، وحتى تكفّر بعضها بعضا، بسبب اختلافاتها على السلطة والهيمنة والمصالح، وكيفية إدارة شؤون البشر، وكلها مسائل دنيوية وليست دينية.

لكن هذا كله رغم فجاجته، والفوضى الناجمة عنه، في كثير من الأحيان، يبدو وكأنه بمثابة الطريق الإجباري لتحويل التيارات الدينية الى تيارات مدنية، بإنضاج إدراكاتها للواقع، أي للاقتصاد والمجتمع والسياسة والثقافة، وحقائق العصر، وبالتالي ترشيد سياساتها، وتحويلها من أحزاب تعيش في السماء، إلى أحزاب تعيش على الأرض.

هذا الكلام يرى في الدعوة إلى عزل التيارات الإسلامية، أو إقصائها، كما يدعو بعض “المتطرّفين” من يساريين أو علمانيين أو قوميين، أمراً خاطئاً، وعبثياً، فضلاً عن أنه يتناقض مع الحرية، والديموقراطية، ناهيك عن أن ذلك لا يساهم في تطبيع هذه التيارات مع الواقع، ولا يدفع نحو تشكيل حياة سياسية حقيقية.

لاشكّ في أن ثمة من يبرّر دعوة كهذه بالتخوّف من هذه التيارات، بدعوى ميل معظمها لانتهاج الوصاية على الدين، واحتكار الحقيقة، وتكفير الآخر، والنزوع إلى العنف، والإكراه، لفرض رؤاها على المجتمع. لكن أليس هذا ماقامت به الأنظمة القومية واليسارية والعلمانية؟ أليس هذا ماتحاوله معظم هذه التيارات التي لم تصل إلى الحكم بعد؟ والقصد أن المعضلة لا تكمن في التيارات الدينية، فحسب، وإنما تشمل، أيضاً، الأحزاب والتيارات اليسارية والعلمانية والقومية، التي تتعامل مع أيدلوجياتها المغلقة باعتبارها بمثابة أديان أخرى، والتي بات مناصروها بمثابة طوائف هوياتية منطوية على ذاتها.

والحال فإن وضع الأحزاب الإسلامية في دائرة الاختبار في السياسة، وحتى في الحكم، من شأنه وحده ان يطبّعها، ويكشف عاديّتها، وحقيقتها، كأحزاب يديرها بشر عاديون، يمكن ان يخطئوا وأن يصيبوا، بحيث يتم تقويمهم على هذا الأساس، من قبل مجتمعاتهم، لمحاسبتهم في الدنيا، إضافة إلى حساب يوم “الآخرة”.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى