راتب شعبوصفحات مميزة

الإسلام السياسي أسوأ أنواع المعارضات السورية/ راتب شعبو

 

 

التنوع والغنى الإثني والديني والمذهبي في سوريا، يتحول بحركة “إسلامية” واحدة إلى عقدة ومصيبة على هذا البلد المنكوب الذي عانى زمناً طويلاً من جمود “بريجينيفي” قبل أن ينفجر كما يحدث له اليوم.

علة الأمر هي أن نظام “الحركة التصحيحية” ابتدع فكرة “الجبهة الوطنية التقدمية” التي ضمت تنويعات شتى من الأحزاب الماركسية والقومية العربية بتلاوينها، وزع النظام شيئاً من امتيازات السلطة على هذه الأحزاب كنوع من الرشوة لقياداتها، رغم أنها لم تحز يوماً على أي مشاركة فعلية في السلطة، وضمن بذلك موتاً سريرياً لها وضمن استمرايتها في “الجبهة” حتى هذه اللحظة.

غاب عن الجبهة المذكورة اللون الإسلامي طوال فترة “خدمتها”. كان غياب اللون السياسي الإسلامي عن تلك الجبهة أحد العوامل التي ساهمت في جعل الإسلام السياسي إطاراً مرشحاً لاحتواء أي حركة احتجاج ضد النظام، على اعتبار أن بقية التيارات السياسية شاركت بشكل أوبآخر في مجهود النظام القمعي والإذلالي ضد الشعب السوري.

وقد دفعت التعبيرات السياسية الماركسية والقومية التي عارضت النظام فعلياً واتخذت مواقف جذرية منه (حزب العمل الشيوعي في سوريا، الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي قبل أن يتحول اسمه في مؤتمره السادس في 2005 إلى حزب الشعب الديموقراطي، وحزب البعث الاشتراكي الديموقراطي، والتنظيم الشعبي الناصري ..) فاتورة هذه المشاركة. ذلك لأن الخلفية السياسية العلمانية والاشتراكية والقومية كانت قد ارتبطت في الوعي السوري العام بالنظام وممارساته. قلة قليلة من السوريين كانوا قادرين على الفصل مثلاً بين حزب شيوعي متحالف مع النظام ومشارك في “الجبهة”، وبين حزب شيوعي آخر معارض للنظام وللجبهة ويتعرض لقمع يطال ليس فقط أعضاءه بل حتى من قرأ جريدته. وكذا الحال فيما يخص الأحزاب الناصرية وهكذا.

لم يتمكن النظام من ترميم فجوة غياب ممثل عن الإسلام السياسي في “جبهته”، ويشك المرء، بعد أن شاهدنا في سياق الثورة السورية مدى الذكاء الإجرامي الذي تتمتع به نخبة النظام ومستشاروه الأمنيون، أن النظام إنما تقصد ذلك بحيث تزداد فرصة الإسلام السياسي بأن يكون المرشح الوحيد، أو المرشح الأول على الأقل، لقيادة أي حركة احتجاج شعبي مستقبلية. ذلك أن الإسلام السياسي هو أسوأ أنواع المعارضة السورية، فهو من نوع المعارضات التي تثبت النظام في المحصلة أكثر مما تغيره، وتخلخل المجتمع أكثر مما تحميه.

يمكن أن نقول إن حركات الإسلام السياسي هي عقبة أي تغيير مجد للنظام في سوريا، إنها تلتقي في المحصلة وظيفياً مع النظام الذي تعارضه. لأن كل تعبيرات الإسلام السياسي (وكان أبرزها جماعة الإخوان المسلمين قبل أن تظهر السلفية الجهادية التي جعلت من جماعة الإخوان المسلمين نموذجاً معتدلاً) طائفية في طبيعتها وبنيتها، لا تحترم التمايزات والطموحات القومية للجماعات القومية، فضلاً عن كونها عقيمة سياسياً بسبب انغلاقها وانشدادها الأساسي في النص والممارسة إلى ماض غابر لا يمكنه أن يملك مفتاح المستقبل. وهذا ما يجعل النظام في موقع أفضل لقمع هذه المعارضة والتخلص منها، وكسب تأييد داخلي وخارجي ضدها حين تتحرك آلة التغيير في سوريا.

انقسم اليسار السوري أمام هذه العقدة التي يمكن تلخيصها في أن المعارضة الإسلامية تبقى هي المعارضة الأقوى في سوريا، وأن المعارضة الإسلامية لا تمثل طموح الشعب السوري في الخلاص من الاستبداد السياسي، ليس فقط لأنها ذات فكر سياسي مستبد، بل أيضاً لأنها تحيّد سلفاً ثلث الشعب السوري (الأقليات الدينية والمذهبية مع الأكراد الذين لا يتعاطفون بداهة مع تهميش رابطهم القومي لصالح الرابطة الإسلامية التي يعليها الإسلاميون على ما عداها).

بعض اليسار رأى في الإسلاميين الخطر الأكبر، وبعضه رأى أن تغيير النظام هو الأهم ولو بيد إسلامية. ولكن لا النظام رضي عن البعض الأول، وثابر على قمعهم واستئصال شأفتهم، ولا الإسلاميين رضوا عن البعض الثاني وأداروا الظهر لهم، بكل ما يتيحه لهم عداؤهم “للعلمانيين” وميلهم للاستئثار بوراثة الأرض. لتنحصر المعركة بين النظام والإسلاميين ويضيع اليسار عن الفاعلية والمشهد إلا من تسجيل “مواقف تاريخية” قليلاً ما يعبأ بها التاريخ.

حدث ذلك خلال ما يسمى “أحداث الإخوان المسلمين” في سوريا في بداية ثمانينيات القرن الماضي، ويحدث اليوم بعد حوالي ثلاثين سنة من ذلك التاريخ. كلا مركزي القوة (النظام والإسلاميين) يتكاملان في سحق أي معارضة يسارية علمانية مستقلة، إما بطريقة مباشرة (اعتقال أو قتل)، أو بطريقة غير مباشرة عبر إعادة الاستقطاب. مركزا القوة هاتان يتبادلان الخدمة موضوعياً ويجددان حتى الآن شروط استمراريتهما، كنظام لا بديل له سوى الإسلاميين، وكمعارضة لا قيمة لها دون الإسلاميين.

روزنة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى